- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هل يمكن للمغرب تقديم المساعدة في المفاوضات بين إسرائيل وحماس؟
بعد توقيع اتفاقيات إبراهام ، يقف المغرب في وضع فريد يمكنه من المساعدة في أي مفاوضات بين حماس وإسرائيل.
أسفرت موجة العنف الأحدث بين الجنود الإسرائيليين وحركة حماس في قطاع غزة التي اندلعت بين 10 و21 أيار/مايو 2021 عن سقوط عشرات القتلى من الجانبين، بمن فيهم 59 طفلًا، وانطوت على مستوى ملحوظ من الحدّة لم نشهده منذ عامين. فهذه الجولة شكّلت أحد أحدث الفصول الأكثر ضراوة من صراع قائم منذ أكثر من 60 عامًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
لكن رغم أن هذا الفصل هو جزء من مسار التوترات والمأساة القائم منذ فترة طويلة، إلا أنه برز في سياق إقليمي فريد. فهذه المواجهات الأخيرة بين حماس وإسرائيل هي الحادثة الأولى من نوعها بعد توقيع "اتفاقات أبراهام" عام 2020. وبالتالي، فهذه الاتفاقات التي تمثل مجموعة علاقات اقتصادية، وفي بعض الحالات استراتيجية، ناشئة بين إسرائيل والبحرين والإمارات والسودان والمغرب، بدعم أمريكي، واجهت اختبارًا أوليًا تمثّل بالصدامات التي جرت في أيار/مايو. مع ذلك، وفي حين قد ينظر هؤلاء النقاد إلى جولة العنف هذه على أنها ضربة للاتفاقات ولموقعيها، إلا أن هذا الاقتتال الأخير بين الفلسطينيين والإسرائيليين سلّط الضوء على أهمية التوصل لحل دولتين مستدام، علمًا بأن المشاركين في الاتفاقات، على غرار المغرب، مستعدون لتقديم مساهمات كبيرة لتحقيق هذه الغاية.
وبعد توقيع "اتفاقات أبراهام" في النصف الأخير من 2020، شعر الفلسطينيون عمومًا بأن نظراءهم العرب تخلوا عنهم، في حين أن احتلال الإسرائيليين للضفة الغربية وتنامي التوسع اليهودي في القدس الشرقية مستمران بدون حسيب أو رقيب. وبالنسبة لبعض نقاد الاتفاقات، سلّطت موجة العنف الحديثة، التي تمثل أحد جوانبها الأساسية بالتوترات حيال طرد الفلسطينيين في القدس الشرقية، الضوء على مواصلة إسرائيل تشريد الفلسطينيين وتجريدهم من ممتلكاتهم، ما يضع أي ترتيب دبلوماسي إيجابي مع إسرائيل في إطار سلبي.
مع ذلك، وفي حين أن الإسلاميين في غزة وسائر دول العالم العربي قد يتمسكون بهذه النظرة السلبية، إلا أن مؤيدي "اتفاقات أبراهام" العرب السنّة صامدون. فالاتفاقات لا توفر قوة أكبر لكبح توسع إيران في المنطقة، لكن الأهم أنها تخلق ترابطًا اقتصاديًا سيعود بالازدهار والرفاه على كافة الأطراف المعنية. ومن هذا المنطلق، وفي حين قد يرغب الإسلاميون بعالم عربي سنّي قائم على الدين مشابه لإيران من حيث التعصب الديني، إلا أن أغلبية العرب يفضلون الازدهار والاستقرار.
علاوة على ذلك، لا يبدو أن جولة الاقتتال الحديثة قوّضت احتمال التعاون العربي-الإسرائيلي. فقد تجلى هذا الواقع في مفاوضات حزب القائمة العربية الموحدّة الإسلامي “رام". مؤخرًا للمشاركة في الحكومة الإسرائيلية الجديدة. وفي إطار هذا السيناريو المستبعد، كانت حركة حماس الإسلامية تمطر إسرائيل بالصواريخ البالستية، متسببةً بانتشار الخوف أكثر من الضرر ومهددة العدو بالمعركة الفاصلة، في وقت كان حزب "القائمة العربية الموحدة" الإسلامي العربي الإسرائيلي يمهد الطريق لتولي السلطة ضمن الحكومة الإسرائيلية. وقد أشار الكاتب محمد خضرا إلى هذه الديناميكية في مقال نشره مؤخرًا بعنوان "كيف تريد إسرائيل جرّ حماس إلى الامتثال لاتفاقات أبراهام" في المجلة الإخبارية التقدمية المغربية " لو داسك "في عدد 27 أيار/مايو 2021.
وعليه، لا شكّ في أن روح "اتفاقات أبراهام" لا تزال حية وعلى المدى الطويل يمكن أن تنضم المزيد من الدول العربية، وحتى ربما الجزائر "التقدمي"، للمشاركة في المنافع الاقتصادية للاتفاقات. وللوقت الراهن، تتقدّم كل من الإمارات العربية المتحدة والمغرب نحو تطبيق بنود الاتفاقات. وقد سبق وقام وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بزيارة رسمية إلى الإمارات وهو الآن بصدد تحديد موعد زيارة إلى المغرب. فضلًا عن ذلك، يستعد المغرب لاستقبال أولى وفود السياح الإسرائيليين اعتبارًا من 25 تموز/يوليو ، في خطوة تحفيزية يحتاج إليها قطاع السياحة المغربي كثيرًا بعد ركود مروّع خلال فترة انتشار الجائحة الممتدة على 18 شهرًا. وحاليًا، يتوقع المغرب توافد أكثر من 200 ألف سائح إسرائيلي للعام 2021، على أن يزداد هذا العدد خلال السنوات المقبلة.
علاوةً على ذلك، تتشارك إسرائيل والمغرب رابطًا ثقافيًا يسعى البلدان إلى إحيائه. فنحو مليون يهودي مغربي يعيشون في إسرائيل، لا يزال العديد منهم مرتبطين عاطفيًا ودينيًا بالمغرب. ويُذكر في هذا السياق أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تضمّ أربعة وزراء من اليهود المغاربة. وعليه، يأمل المغرب أن يزور مع مرور الوقت آلاف اليهود المغاربة، الذين ندم المغاربة على رحيلهم، وطنهم الأم كخطوة أولى ومن ثم الاستثمار فيه لاحقًا.
والآن، وبعد هدوء العاصفة في أعقاب أحداث جولة العنف الأخيرة بين إسرائيل وحماس، نصّب المغرب نفسه كجهة فاعلة قد تضطلع بدور فعال في أي مفاوضات مستقبلية بين إسرائيل والحركة. وحتى في ظل سعي المغرب إلى تطبيق بنود "اتفاقات أبراهام" من دون تردد، قد لا تزال العناصر الإسلامية في البلاد توفر الروابط الضرورية لجعل المغرب وسيطًا موثوقًا لكل من حركة حماس وإسرائيل.
وبعد تراجع وتيرة الصراع بين حماس وإسرائيل، زار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية المغرب إلى جانب العديد من الدول الشرق أوسطية للقاء سياسيين إسلاميين مغاربة من "حزب العدالة والتنمية"، الذي يهيمن حاليًا على البرلمان المغربي. وأجرى هنية محادثات مع رئيس الوزراء سعد الدين العثماني بصفته رئيس الحزب كما استقبلته أحزاب سياسية أخرى مرحبةً بـ"انتصاره" الساحق على إسرائيل. لكن في الوقت نفسه، أعلنت الحكومة المغربية أن الزيارة كانت ذات طابع "خاص" وأن الملك لم يستقبل أبدًا هنية. كذلك، وفيما كان هنية يزور المغرب، هنأ الملك رسميًا نفتالي بينيت لفوزه برئاسة الحكومة الإسرائيلية في حين قصد أحد الوزراء المغاربة من حكومة العثماني إسرائيل للمشاركة في نشاط رسمي يجري هناك.
والآن وبينما يبدو أن مسيرة محمود عباس السياسية تتجه نحو نهاية سريعة وأن شعبية حماس إلى ازدياد، يمكن أن تكون علاقة المغرب المتعددة الأوجه مع كل من إسرائيل وحماس أداة مفيدة للسلام. وعليه، وفي حين تجري مصر مفاوضات حول التفاصيل الصعبة لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس وتستعد قطر لدفع ما يقرب من نصف مليار دولار لإعادة إعمار غزة، سيحاول المسؤولون المغاربة إقناع الحركة بالجلوس على طاولة المفاوضات واتخاذ خطوات أولية نحو احتمال تطبيق حل الدولتين.
وعليه، وفي حين انتقد العديد من الفلسطينيين باستمرار "اتفاقات أبراهام" إذ تتجاهل على ما يبدو محنتهم، يبدو من الواضح اليوم أن المشاركين المباشرين وغير المباشرين في الاتفاقات قادرون على نحو فريد على حضّ حماس وإسرائيل على المشاركة في المفاوضات من أجل سلام دائم. وبالطبع، ستكون أي خطوات حالية مجرد بداية عملية طويلة وصعبة، لكن المساعي في هذه البيئة السياسية الجديدة بعد إبرام الاتفاقات قد تفضي إلى مستوى نجاح جديد.