- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هل ينجح الصدر في تغيير النظام السياسي في العراق؟
استطلاع للرأي العام يكشف كيف ينظر الجمهور العراقي إلى الأزمة السياسية المستمرة في بغداد.
كان يوم 24 آب/ أغسطس مفصلياً في مجرى الصراع بين السيد الصدر وخصومه من قوى الإطار التنسيقي في العراق من أجل مستقبل الحكومة العراقية. ففي هذا اليوم قام الصدريون بخطوة غير متوقعة، ولا محسوبة العواقب حينما حاصروا بمظاهراتهم مبنى السلطة القضائية في العراق مما أدى الى تعليق تلك السلطة لأعمالها الأمر الذي جعل المراقبين يخشون من حصول انقلاب شامل على السلطات الشرعية في العراق بعد أن نجح الصدريون في تعطيل عمل البرلمان قبل ذلك.
ومع ذلك، يبدو أن الصدر أدرك بسرعة أن من الضروري سحب أنصاره من أمام مبنى القضاء بعد جملة ردود الأفعال المحلية والخارجية التي لم تكن راضية عن هذه الخطوة. ومن ثم، تطرح هذه الخطوة تساؤلاً حول ما إذا كان انسحاب الصدريين يمثل خسارة استراتيجية في صراع الصدر المستمر منذ عشرة أشهر ضد قوى الإطار التنسيقي.
عند تحليل نقاط القوة والضعف، والفرص والتهديدات لكل من الطرفين سنجد أن كل منهما يمتلك نقاط قوة مختلفة. فالصدريون يستندون الى قاعدة جماهيرية شديدة الولاء والتنظيم تضاعف من إمكاناتها الحقيقية. كما أن خطابهم الناقد للمحاصصة والفساد والتبعية لإيران يلقى دوماً صدى ايجابي في الشارع العراقي، فضلاً عن قربه من خطاب مرجعية النجف الدينية. لكن مشكلة الصدر الرئيسية تكمن في اشتراكه في الحكومات السابقة والحالية، وانقطاع حبل الوصل بينه وبين شباب ثورة تشرين 2019. بالتالي فأن هناك شارع عراقي صامت لديه شكوك في نوايا التيار الصدري.
أما قوى الإطار التنسيقي الشيعي فتستند في قوتها على شبكة من تحالفات قوى المال والسلاح كشف عن بعضها وزير المالية علاوي في خطاب استقالته الأخير. هذا التحالف الذي نجح ترغيباً وترهيباً في السيطرة على قوى الدولة العميقة أكتسب قوة إضافية بعد انسحاب الصدريين من البرلمان وتعويضهم بنواب عززوا من الشرعية البرلمانية للإطار التنسيقي. لكن نقطة الضعف الرئيسة التي يعاني منها الإطار أيضاً هي الشارع العراقي الذي يبدو غير واثق، بل غاضب من أداء الإطار وممثليه وفسادهم طوال السنوات العشرين الماضية، فضلاً عن تبعيتهم المطلقة لإيران. وإذا كان الشارع العراقي متردد في تأييد الصدريين فأنه قد حسم أمره ضد الأطاريين.
أما من حيث الفرص والتهديدات، فأن الأرقام التي كشف عنها آخر استطلاع للرأي أجرته المجموعة المستقلة للأبحاث (IIACSS) تشير الى وجود فرصة حقيقية للصدريين لتحقيق هدفهم المعلن بتغيير النظام سلمياً وعبر ثورة شعبية. لا بد أولاً من التأكيد أن هذا الاستطلاع أجري بعد دخول أنصار الصدر للمنطقة الخضراء لكنه قبل اعتصامهم أمام مبنى القضاء. وقد أظهر الاستطلاع أن أكثر من 55% من العراقيين يؤيدون خطوة الصدريين بدخول المنطقة الخضراء. تقفز هذه النسبة الى 61% في مناطق الجنوب التي تعد قاعدة الأسناد الشعبي الرئيسية لكل من الصدر وخصومه. والخبر الجيد للصدر هنا أن نسبة من يعتقدون أن هدف الصدر من ثورته هو إصلاح النظام الحالي أكثر من 50% في تلك المناطق، في حين يعتقد 19% فقط أن هدفه هو أستلام السلطة.
مقابل نفس النسبة ممن يعتقدون أن السبب الحقيقي وراء تصرفات الصدر هو عداءه مع الإطار أو المالكي. بمعنى، الى اليوم الذي سبق محاصرة مبنى القضاء كان الصدر في طريقه لربح شرعية الشارع وهذا يشكل رافعة كبيرة بخاصة في ظل ما كشف عنه نفس الاستطلاع من نسب ثقة متدنية جداً بالعملية السياسية ككل. فالثقة بالبرلمان الحالي 12% فقط وتنخفض الى 8% في مناطق الجنوب وهي أوطأ نقطة بلغها أي برلمان منذ 2005.كما أن ربع العراقيين فقط يثقون بالحكومة، و17% فقط يعتقدون أن العراق يسير بالاتجاه الصحيح!
من الواضح هنا أن الصدريين كانوا في طريقهم لحسم معركة شرعية الشارع قبل أن يستثمر الإطار خطوتهم هذه في تعطيل القضاء والتي أحيت المخاوف لدى الشارع المحلي والعالمي تجاه ما يمكن أن يحصل أذا أنتصر الصدريون في صراعهم. لقد أستثمر الإطار مسارعة القضاء الذي يعاني هو الآخر من تآكل الثقة الشعبية به حيث بلغت 38% فقط، لتعليق أعماله لأحياء المخاوف من التطرف والتفرد فيما لو أنتصر الصدريون.
لكن الأطاريين وقعوا مرة أخرى في ذات الوهم الذي وقعوا فيه حين أنسحب الصدريون من البرلمان فسارعوا من جديد لإظهار انتصارهم وإبراز خسارة الصدريين. هذا السلوك غير السياسي ينم عن عدم دراية بسيكولوجية الصدر وأتباعه الذين سيزدادون إصراراً وتحدياً لبلوغ هدفهم بأسقاط هذا النظام السياسي مدعومين بتأييد شعبي واسع لهذا الهدف. كما أنه يدل على سوء تقدير لمدى التهديد الذي يواجههم وضعف إمكاناتهم المتاحة لمواجهته. وكما تشير نتائج الاستطلاع، هناك غضب الشعبي عارم تجاه هذا النظام السياسي. وفي الوقت الذي يعلن الصدر بوضوح أن هدفه تغيير النظام، فأنهم يعلنون بوضوح أن هدفهم هو المحافظة على النظام.
لكن ما لا يدركه الأطاريون كما يبدو أن هذه معركة طويلة سينتصر فيها من لديه القدرة الأكبر على المطاولة وإدامة الزخم. وفي الوقت الذي يتمتع فيه الصدر بقاعدة صلبة صعب تفكيكها حتى بمرور الزمن وطول المواجهة، فأنهم عبارة عن قوى متحالفة لديها تعارضات واضحة في الأهداف والآليات والارتباطات مما يسهل عملية تفككها مع مرور الوقت. ومما يساعد في ذلك عدم القدرة على أنجاز أي شيء على الأرض يخدم الجماهير ويقلل من احتقانها وغضبها على النظام، وبالتالي ضغوطها على الإطار. أن الإطار للآن أجاد لعبة التعطيل، لكنه غير راغب ولا قادر على أنجاز التغيير الذي يريده الناس.
ومن المرجح أن يحقق الصدريين انتصارا ملائما إذا ما استغلوا نقطة الضعف الرئيسية التي يعاني منها الإطار والتي تتمثل في بعدهم وعدائهم للجمهور العراقي، الغاضب منهم والمتشكك في التيار الصدري في الوقت ذاته. لكن أذا تمكن الصدر من تهدئة مخاوف الشارع تجاه نواياه، وإعادة تحالفه مع قوى تشرين الشابة فأنه بلا شك سيحقق ما يصبو إليه. من المؤكد أن النظام السياسي العراقي بات على حافة السقوط. لكن السؤال الأكبر الآن: هل أن الصدر وأتباعه هم من سيسقطونه قريباً بتحالفهم الواسع مع قوى الشعب الأخرى، أم أن السقوط سيتأجل- أو ربما سيأتي بأيد قوة شعبية أخرى - أذا ما فشل الصدريون في استثمار الفرصة الآن.