- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هل يصبح الرئيس اللبناني صديق الأسد الجديد في الحي؟
انسحبت القوات السورية من لبنان عام 2005 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1559، بعد اتهامها باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. وفي الخطاب الذي أعلن فيه الانسحاب أمام أعضاء البرلمان، قال الرئيس السوري بشار الأسد إن "انسحاب سوريا من لبنان لا يعني غياب الدور السوري"، وإن أي دور يمكن أن تقوم به سوريا في لبنان، لا يتطلب بالضرورة وجود قوات لها هناك.
ومع انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للبنان مؤخراً، تعود سوريا لزيارة القصر الرئاسي اللبناني، وهي دأبت على مثل هذه الزيارات منذ دخول الجيش السوري إلى لبنان عام 1976 بطلب من الرئيس الراحل سليمان فرنجية خلال الحرب الأهلية، حيث أصبحت دمشق تنظر إلى منصب رئاسة الجمهورية على أنه حصتها من قطعة الحلوى اللبنانية، تعيّن فيه الشخصيات المارونية المسيحية الموالية لها.
وعلى نحو متوقّع، قدّمت إيران وسوريا، سريعاً، التهاني للرئيس اللبناني الجديد، لكن المفاجأة أن أول الزوار المهنئين كان وزير الشؤون الرئاسية في سوريا منصور عزام، وهي أول زيارة لمسؤول سوري منذ نحو 5 سنوات إلى لبنان. ومما لا شك فيه، أن هذه الزيارة ليست لإعطاء أوامر الأسد للرئيس اللبناني الجديد، فقرار دمشق حالياً مرهون بيد إيران وروسيا، وينظر على نحو كبير إلى أن أي تحرك يقوم به الأسد حالياً سيكون بتوجيه من طهران أو موسكو.
مشاغبة إيرانية
وصول عون إلى الرئاسة حسمه ترشيح حليف السعودية في لبنان، زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، ليصبح عون المرشح المفضل لحزب الله وتيار المستقبل، وهذا الترشيح لم يكن ليقدم عليه الحريري من دون موافقة السعودية.
وبينما تنتهج إيران سياسة استفزازية ضد السعودية في لبنان، من خلال حليفها حزب الله، تختار السعودية اتخاذ إجراءات عقابية ضد لبنان والانسحاب من المشهد لترسخ قبضة إيران على البلاد، وقد شهدت الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية تصعيداً سعودياً غير مسبوق ضد لبنان، بلغ حد إلغائها هبة بقيمة 3 مليارات دولار أميركي للجيش اللبناني وذلك رداً على دعم لبنان نظام الأسد وايران.
يكاد لبنان أن يكون البلد الوحيد الذي يتمايز عن مواقف الدول العربية الأخرى من نظام الأسد، وذلك كان سببه نجاح حزب الله في جرّ الموقف الرسمي اللبناني إلى المعسكر الروسي -الإيراني، إذ يتّخذ حزب الله من تحالفه مع التيار الوطني الحر، وهو الحزب الذي أسسه عون، ويرأسه حالياً صهره، وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل، واجهة مسيحية قوية للتسويق لمواقفه ونشاطاته.
وفي مقابلة مع قناة "الميادين" في 15 ديسمبر/كانون الأول، قال باسيل إن "الرئيس بشار الأسد هو الرئيس الشرعي لسوريا"، وإن "حزب الله حليفنا، وتفاهمنا معه حمى الوطن وأدى إلى انتخاب رئيس للجمهورية."
كما حسم باسيل الإشاعات التي تحدّثت عن أن الرئيس اللبناني يتحضر لزيارة سوريا، بالتأكيد عن أن زيارة عون الأولى إلى الخارج ستكون إلى السعودية، من أجل "تصحيح العلاقات بين الدولتين."
وعلى نحو مماثل لمحاولة إحراج عون في اليوم التالي لانتخابه، من خلال إيفاد مسؤول سوري إلى بيروت ليقدم له تهنئة الأسد، استبقت طهران زيارة عون إلى الرياض بإيفاد رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي إلى بيروت، في محاولة للتشويش والتأثير على ما يمكن أن يحققه اللقاء مع الملك السعودي.
الاختبار الأول للعهد الجديد
لقد كان العديد من السياسيين يعوّلون على القمة السعودية-اللبنانية لإحداث نقلة كبيرة في لبنان تؤدي إلى انفراجات سياسية واقتصادية، إلا أن سقف الطموحات أخذ بالتضاؤل عندما خلت الزيارة من توقيع أي اتفاقيات، وتبيّن أنها كانت مجرد مصافحة بين عون والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.
عقب انتهاء الاجتماع مع الملك السعودي، استضافت قناة العربية الرئيس اللبناني في مقابلة مطولة، في 12 يناير/كانون الثاني، أكد فيها عودة "العلاقات بين البلدين إلى وضعها الطبيعي". وفي إجابته على سؤال حول تدخل حزب الله في سوريا، أكد عون أن ذلك لم يكن "خيار الدولة"، وقال "نحن نمنع الأذى أن ينطلق من لبنان ضد أي دولة."
الإجابات التي قدمها عون على أسئلة قناة العربية في السعودية، لم تكن نفسها حين طرحت عليه أسئلة مماثلة في بيروت. وفي مقابلة أجراها عون مع قناة "LCI" الإخبارية الفرنسية في بيروت، قال "إن الرئيس الأسد سيبقى، والذين طالبوا برحيله يجهلون سوريا (..) كنا أمام ليبيا ثانية هنا لولا نظام الأسد حالياً. فالرئيس الأسد يشكل القوة الوحيدة التي بإمكانها إعادة فرض النظام وإعادة لم شمل الجميع."
وكان قد سبق مقابلة عون مع القناة الفرنسية تصريحات لافتة لرئيس "التيار الوطني الحر"، وزير الخارجية جبران باسيل الذي رافق عون إلى السعودية، عن تحالفات التيار مع 3 قوى سياسية في معركة الانتخابات النيابية، هي "أولاً حزب الله للدفاع عن الأرض والسيادة والحماية من الإرهاب. ثانياً القوات اللبنانية من أجل وحدة المجتمع وقوته. ثالثاً تيار المستقبل من أجل بناء الدولة."
إيران والسعودية في لبنان
انتظرت السعودية بضعة أسابيع للبناء على زيارة عون إلى الرياض، حتى جاءت زيارة وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان إلى لبنان يوم الاثنين الماضي، وأعلن عقب لقاء جمعه بالرئيس اللبناني ميشال عون أن السعودية سوف تعيّن سفيراً جديداً في لبنان. كما اعلن أن هناك بعض الخطوات التي ستتخذ لعودة السياح السعوديين وزيادة شركات الطيران السعودية عدد رحلاتها إلى لبنان. في المقابل، تبدو إيران أكثر خبرة في العمل داخل البيت السياسي اللبناني، إذ حرصت منذ انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، على الحفاظ بتقدمها على السعودية في لبنان بخطوة، وهي بدأت تحركاتها بالإيعاز إلى الأسد إرسال مبعوث لتهنئة عون. ثمّ في رد على زيارة أمير منطقة مكة خالد الفيصل للقاء عون وتهنئته على انتخابه، عمدت سوريا بدفع من طهران مجدداً إلى ترميم ما أحدثته زيارة الموفد السعودي، وأرسلت مفتي سوريا أحمد بدرالدين حسّون لزيارة عون في 7 ديسمبر/كانون الأول، وهو يتمتع بمنصب له مكانة أكبر من الموفد السعودي الذي يرأس اللجنة المركزية للحج، إذ يعدّ حسون رجل دين سني بارز في المنطقة، ويطلق مواقف عدائية ضد السعودية ويتهمها بإرسال المتشددين إلى سوريا.
وحمل جدول زيارة حسون إلى لبنان لقاء مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وهو من الشخصيات المسيحية القوية التي تكيل الثناء على الأسد في لبنان، وقد زار سوريا أكثر من مرة خلال الأعوام الماضية، كما قدم مديحاً في الأسد خلال جولاته الأوروبية، وفي إحدى زياراته إلى الإليزيه عام 2011 قال الراعي عن الأسد إنه "رجل طيب". ويُقرأ من لقاء حسون والراعي، أن المحور السوري الإيراني بات يوسع دائرة العلاقات في لبنان، وهذه المرة كانت الطائفة المارونية هي الهدف.
وكان حسون، العائد حديثاً من إيرلندا بعد خطاب ألقاه في البرلمان الإيرلندي، قد وصل إلى لبنان مع نشر صحيفة الوطن السورية مقابلة مع الأسد، وجّه خلالها رسالة إلى لبنان، اعتبر فيها أنه "لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن الحرائق التي تشتعل حوله ويتبنى سياسة اللا سياسة."
رسالة الأسد تزامنت مع استعادة قواته لمدينة حلب، التي زارها عون عام 2008، وكانت بمثابة الطلب من لبنان تقديم المزيد من الجهود لدعم نظامه، رغم أن "سياسة النأي بالنفس" لم تكن سوى طرفة من طرائف لبنان الكثيرة، إذ في اليوم التالي من التوصل إلى هذه الفكرة بين الأفرقاء السياسيين بعد رفض الحكومة اللبنانية في ديسمبر/كانون الأول 2011 إرسال خبراء أمنيين وحقوقيين للمشاركة في بعثة المراقبة الدولية إلى سوريا لعدم إثارة حلفاء الأسد في لبنان، حشد حزب الله مقاتليه وأرسلهم إلى سوريا، وترك "سياسة النأي بالنفس" لتلتزم بها الأطراف لا تفعل شيئاً في سوريا.
هذه الوقائع تدفع للتساؤل بحق، كيف يمكن لإيران والسعودية أن يتعاركا في الميدان السوري، وأن يتحولا فجأة إلى رابطة مشجعين متحمسين للفريق نفسه في لبنان؟
يجمع السياسيون والمحللون في بيروت على تقديم إجابة موحدة على هذا السؤال: لبنان متنفسُّ للجميع، والكل يتفق على ضرورة عزله عن النار المشتعلة في سوريا.
بيد أن هذه الإجابة تصوّر حزب الله وكأنه الفراشة التي أغواها ضوء النار في سوريا، ومكافأة لأدائها رقصة الفراشة حول النار، على الجميع أن يشاهد عروضها في لبنان ويصفّق لها.
في الواقع، هذا التبرير سمح للتحالف الإيراني- اللبناني بالتقدم على منافسيه في لبنان بتوجيه الموقف الرسمي اللبناني في المحافل الدولية لصالحه، وأي نجاح في انتشال لبنان من هذا الواقع مرتبط بمدى استعداد دول مجلس التعاون الخليجي قطع الطريق أمام سعي إيران في البحث عن صديق جديد للأسد في الحي، والتوقف عن النظر إلى لبنان على أنه عبءٌ على الرياض. وحقيقة الأمر، فإن إيران وسوريا هما من يدفعان بالأحداث مثلما يفعلان حالياً في المناطق السورية التي أضحت خراباً بسبب الحرب ولا رائحة فيها إلا للموت والحرائق.