- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3685
«حماس» بعد مرور خمسة وثلاثين عاماً على تأسيسها
لم يتغير سجل الحركة وإيديولوجيتها الأساسية. لذلك، لا يمكن تفسير بوادرها نحو تعزيز الديمقراطية والشمولية على أنها اعتدال فعلي.
في 14 كانون الأول/ديسمبر، احتفلت «حماس» بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيسها. وكشفت الحركة في هذه المناسبة النقاب عن شعارها الجديد، ونظمت مسيرة في مدينة غزة، عرضت خلالها بندقية الجندي الإسرائيلي المقتول هدار غولدن، وأصدرت العديد من البيانات التي أعادت فيها التأكيد على أهدافها، وألمحت إلى صراعات مستقبلية مع إسرائيل. وليست هذه العروض العدائية مفاجئة نظراً لمسار التطور الإيديولوجي والسياسي للحركة على مدى العقود الأربعة الماضية.
قيام الحركة على أساس العنف
برزت «حركة المقاومة الإسلامية»، المعروفة أكثر باسمها المختصر «حماس» في البداية كجناح اجتماعي وديني لجماعة «الإخوان المسلمين» في فلسطين خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. ولم يتم إضفاء طابع مؤسسي على شكلها الحالي إلا في أواخر الثمانينيات. وتؤمن «حماس»، كونها منظمة مستوحاة من جماعة «الإخوان»، بنهج "الثورة من القاعدة"، أي استخدام المؤسسات الديمقراطية القائمة لاكتساب القوة والسلطة، وإنشاء بنية تحتية للخدمات الاجتماعية وتنفيذ الأعمال الدعوية في الوقت نفسه لكسب التأييد الشعبي. ومع ذلك، لطالما كان العنف جزءاً محفزاً للحركة وأهدافها.
في آب/أغسطس 1988، نشرت «حماس» ميثاقها التنظيمي. وتسلط هذه الوثيقة الحافلة بالخطاب المعادي للسامية الضوء على تركيز المنظمة على فلسطين والقومية، والأدوار المهمة التي يجب أن يلعبها كل من الرجال والنساء في الحركة، ورفض المفاوضات مع إسرائيل لصالح الجهاد، وعلى وجه التحديد، الكفاح العنيف الذي يهدف إلى تدمير إسرائيل. كما أوضح الميثاق أن «حماس» هي منظمة فلسطينية على نحو فريد على الرغم من تأثرها بإيديولوجية «الإخوان المسلمين».
ويدعو الميثاق إلى الجهاد ضد إسرائيل، ويتضمن إشارة إلى عضو «الإخوان المسلمين» عبد الله عزام (1941-1989)، وهو أحد الإيديولوجيين الأكثر نفوذاً بالنسبة للمنظمات الجهادية العنيفة مثل تنظيم «القاعدة». ووفقاً للمادة 12، "تصبح مقاومة العدو وقمعه واجباً فردياً على كل مسلم، ذكراً كان أم أنثى. يمكن للمرأة الخروج لمحاربة العدو من دون إذن زوجها". وتعكس هذه المقاربة فتوى عزام الشهيرة حول واجب الجهاد الفردي، والتي لا تزال الجماعات المتطرفة ترددها حتى يومنا هذا (على سبيل المثال، لتبرير مشاركة المرأة في العمليات العنيفة في ظل ظروف معينة).
ولكن، في حين اعتنقت «حماس» إيديولوجية إسلامية عنيفة، إلّا أنها سعت في الوقت نفسه إلى تسويق نفسها كبديل عن "منظمة التحرير الفلسطينية"، وهي كيان شامل كان مهيمناً على السياسة الفلسطينية في ذلك الوقت. وقد رحب الكثيرون بهذا القرار، معتقدين أنه بإمكان «حماس» تقديم الخدمات الاجتماعية التي فشلت "منظمة التحرير الفلسطينية" في تقديمها. كما حظيت الحركة بتأييد العديد من الفلسطينيين غير الراضين عن قرار "منظمة التحرير الفلسطينية" لعام 1988 بالاعتراف بوجود إسرائيل وقبول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، الذي دعا إلى حل الدولتين، علماً أن «حماس» عارضت بشدة كلا الموقفين.
وخلال تلك الفترة، بدأت «حماس» بالانخراط في أعمال العنف. على سبيل المثال، ساعدت في إشاعة التفجيرات الانتحارية ضد أهداف إسرائيلية، إلى جانب حركة «الجهاد الإسلامي في فلسطين». ولكن الأحداث اللاحقة، ومن بينها الانتفاضة الأولى (1987-1993)، و"اتفاقيات أوسلو" (1993)، والانتفاضة الثانية (2000-2005)، أرغمت «حماس» على التكيف بطرق معينة مع الوقائع المتغيرة في الشرق الأوسط.
الحكم والشرعية
دخلت «حماس» المعترك السياسي بدعم شعبي كبير بعد أن نشطت كجهة فاعلة عنيفة غير تابعة للدولة لما يقرب من عشرين عاماً. وسُجلت نقطة التحول في انتخابات "المجلس التشريعي الفلسطيني" في كانون الثاني/يناير 2006، عندما نظمت «حماس» حملتها الانتخابية كجزء من كتلة "التغيير والإصلاح" وفازت بـ 74 مقعداً، أي الأغلبية في الهيئة المكونة من 132 عضواً.
وأدت هذه النتيجة إلى تشكيل حكومة فلسطينية جديدة بقيادة زعيم «حماس» إسماعيل هنية، مما زاد من حدة التوترات مع خصمها السياسي الرئيسي، حركة «فتح». وعلى الرغم من توقيع اتفاق الوحدة الوطنية في آذار/مارس 2007، إلّا أنه سرعان ما عاد التنظيمان إلى القتال الدامي، الذي بلغ ذروته باستيلاء «حماس» العنيف على غزة في حزيران/يونيو من ذلك العام. وبعد ذلك، حكم الشعب الفلسطيني كيانان: «حماس» حكمت غزة، و"السلطة الفلسطينية" الخاضعة لسيطرة «فتح» حكمت الضفة الغربية.
وعلى الرغم من دخول «حماس» المعترك السياسي عن طريق الانتخابات، إلا أن شرعية استمرار سيطرتها على غزة هي موضع تساؤل دائم من قبل "السلطة الفلسطينية" وإسرائيل والولايات المتحدة والأسرة الدولية. ويرجع ذلك إلى أن الحركة حكمت المنطقة منذ ذلك الحين بالقوة، وقيّدت الوصول إلى وسائل الإعلام، وقمعت «فتح» والجماعات الأخرى التي تحاول العمل كتنظيمات سياسية هناك. فضلاً عن ذلك، تواصل استخدام العنف السياسي والإرهاب كتكتيك داخل القطاع وخارجه.
ووفقاً لذلك، تم تصنيف "الجناحين" السياسي والعسكري لحركة «حماس» ككيانات إرهابية من قبل أستراليا وبريطانيا وكندا و"الاتحاد الأوروبي" وإسرائيل والولايات المتحدة. علاوةً على ذلك، صنفت باراغواي ونيوزيلندا الجناح العسكري (أي «كتائب عز الدين القسام»، أو «كتائب القسام») ككيان إرهابي.
وفي الشرق الأوسط، تعكس السياسات تجاه الحركة آراء مختلطة. فقد أدى تصنيف السعودية لجماعة «الإخوان المسلمين» ككيان إرهابي إلى فتور العلاقات مع «حماس»، بينما ألغت مصر تصنيفها السابق لهذه الحركة في عام 2015. ولم تدعم حكومات الأردن وقطر وتركيا «حماس» وأجندتها بشكل علني، إلا أنها اجتمعت مع قادتها ولعبت دور المتفرج أو الوسيط. وفي دول أخرى، بدأت علاقة الحركة المعقدة مع سوريا بالتحسن، بينما تدعم إيران "حماس" مالياً وعسكرياً منذ عقود.
ومنذ سيطرتها على غزة، انخرطت «حماس» أيضاً في أربع جولات من الصراع الرئيسي مع إسرائيل والعديد من المناوشات. وفي الوقت نفسه، وسّعت نطاق عملها لتصبح فاعلاً حاكماً مستقراً على ما يبدو، حيث تدير البنية التحتية للمنطقة، وتدير حملات إعلامية مكثفة (بلغات متعددة)، وتسعى في حالات أخرى إلى إقناع المراقبين بأنها حكومة وليست جماعة إرهابية. بالإضافة إلى ذلك، دخلت في جولات مختلفة من المفاوضات مع "السلطة الفلسطينية" وإسرائيل منذ عام 2006، وفي كل مرة كانت تعرض هدنة للحد من العنف داخل الأراضي الفلسطينية. ومع ذلك، تم إبرام مثل هذه الاتفاقات بشكل عام من خلال أطراف ثالثة (على سبيل المثال، قطر وتركيا) وليس بصورة مباشرة، ولم تتخلى «حماس» حقاً عن أساليبها الخاصة في العنف السياسي.
خطوة في اتجاه جديد؟
كما أشارت «حماس» مراراً وتكراراً، تسلط وثيقتان رئيسيتان الضوء على أهدافها واتجاهها المتطور: ميثاق 1988، وتحديثه في أيار/مايو 2017 بعنوان "وثيقة المبادئ والسياسات العامة". وشكلت الوثيقة الأخيرة تحولاً في خطاب الحركة التي سعت إلى تقديم نفسها كبديل وسطي عن المنظمات الجهادية العالمية مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» والجماعات القومية العلمانية مثل "منظمة التحرير الفلسطينية". ولكن على الرغم من هذا الخطاب، أعلنت المبادئ والسياسات المحدثة أيضاً أن "المقاومة والجهاد من أجل تحرير فلسطين سيظلان حقاً مشروعاً وواجباً وشرفاً لجميع أبناء وبنات شعبنا وأمتنا [المجتمع الإسلامي العالمي]".
يمكن ملاحظة تناقض آخر في كيفية تقديم الحركة لجهود الأسلمة على أنها "خيار" يقوده الأفراد. على سبيل المثال، اعتبرت «حماس» مراراً وتكراراً أنه في حين أن ارتداء الحجاب هو واجب ديني، إلا أن المرأة لها مطلق الحرية في اتخاذ هذا القرار، وليس شيئاً يمكن فرضه عليها (كمثال على ذلك، مقابلة مع زعيم «حماس» خالد مشعل نُشرت على الموقع الألكتروني للحركة). ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، لا تستبعد الحركة أعمال العنف والضغط لتحقيق أهدافها المتمثلة في مجتمع إسلامي "تقليدي"، على غرار تنظيم حملات "الفضيلة" لتثبيط السلوكيات "الغربية"، واستبعاد المعلمين الذكور من مدارس الفتيات، وفصل الدورات الدراسية بعد سن التاسعة، ومعاقبة مدربي القيادة الذكور الذين ليس لديهم مرافق للطالبات. وبررت «حماس» جميع هذه القرارات بالادعاء بأنها تستند إلى المجتمع المحافظ في غزة.
وبعد خمسة وثلاثين عاماً، أثبتت «حماس» قدرتها على الصمود في بيئة مؤسسية تنافسية لا ترحم في كثير من الأحيان. وهي تواجه تحديات أمام استمرار حكمها من جانب "السلطة الفلسطينية" والجماعات الإسلامية العنيفة، ومن بينها «الجهاد الإسلامي في فلسطين» وتنظيم «الدولة الإسلامية». ولكنها تكيفت أيضاً عند الضرورة للبقاء في السلطة. على سبيل المثال، غالباً ما ترضخ لهدوء غير مستقر مع إسرائيل من أجل تحقيق الاستقرار في ظل الوضع الاقتصادي الهش في غزة، الذي غالباً ما يبدو على وشك الغليان. وفي آذار/مارس 2021، اتخذت خطوة غير مسبوقة بتعيين امرأة، هي جميلة الشنطي، في مكتبها السياسي، وهو أعلى هيئة لصنع القرار في الحركة. علاوةً على ذلك، بدأت بتركيز المزيد من الطاقة السياسية على توسيع موطئ قدمها في الضفة الغربية، حيث فازت مؤخراً في الانتخابات الطلابية في جامعة بيرزيت، التي كانت ذات يوم معقلاً لـ «فتح».
وبينما تواصل «حماس» سعيها من أجل كسب الشرعية الدولية، فإنها ستسلط الضوء بلا شك على ما تعتبره أكثر سماتها الجديرة بالثناء، أي حكمها الديمقراطي المفترض (على الرغم من عدم إجراء انتخابات في غزة)، وشموليتها للجنسين، وأسلمتها للمجتمع (من المفترض أن يكون ذلك مدعوماً من قبل الشعب)، ونهج الرسائل المزدوجة الخاص بها الذي يستهدف الجماهير المحلية والدولية (على سبيل المثال، تم إصدار بيانات الذكرى السنوية الأخيرة بنسختين مختلفتين عربية وإنجليزية). يجب ألا يشتت هذا النهج الذي يبدو أكثر اعتدالاً انتباه الولايات المتحدة وحلفائها. فعلى الرغم من تبني «حماس» للتغيير في خطاباتها، في سياقات معينة، إلّا أنها تبقى ملتزمة بهدفها الأصلي، وهو النضال العنيف ضد إسرائيل بأي وسيلة ضرورية، مع بقائها على رأس القيادة الفلسطينية.
ديفورا مارغولين هي "زميلة بلومنشتاين-روزنبلوم" في معهد واشنطن.