- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
حملة الضغط الإيرانية على الأكراد الإيرانيين ما زالت مستمرة
كثفت إيران ضغوطها على بغداد وأربيل لنزع سلاح أحزاب المعارضة الكردية الإيرانية وتغيير موقعها داخل إقليم كردستان وسط النزاعات المستمرة بين أربيل وبغداد حول الميزانية وعائدات النفط.
تتمركز معظم الأحزاب الكردية الإيرانية في المناطق التي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان، باستثناء مقاتلي "حزب الحياة الحرة الكردستاني"، المتمركزين في المناطق التي يسيطر عليها "حزب العمال الكردستاني" في جبال قنديل، الذي تعهد بعدم نزع سلاحه.
أصبح الوضع أكثر خطورة بالنسبة للأحزاب الكردية الإيرانية، خصوصًا مع تعيين حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في تشرين الأول/أكتوبر 2022. فقد تلقت حكومة السوداني دعمًا من "الإطار التنسيقي" المدعوم من إيران، ويُنظر إليها على أنها تمنح إيران مجالًا أكبر لممارسة نفوذها. وتأمل طهران في إخراج الأحزاب الكردية الإيرانية من العراق، كما فعلت مع منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية التي تم نقلها من بغداد إلى ألبانيا في عام 2016. وبينما تبين أنه من الأصعب إقناع حكومة إقليم كردستان بالامتثال مقارنةً بالأحزاب الشيعية في بغداد، تمارس إيران ضغوطًا كبيرة على المسؤولين في أربيل والسليمانية .
بالإضافة إلى ذلك، تراجع موقف إقليم كردستان بشكل كبير في آذار/مارس بعد فوز بغداد بقضية التحكيم الدولي في باريس ضد تركيا، والتي أوقفت تصدير 500000 برميل يوميًا عبر تركيا. فالإزالة المفاجئة لمصدر الإيرادات الرئيسي جعلت كردستان أكثر اعتمادا على الميزانية القادمة من بغداد. ويمكن للحكومة العراقية أيضًا استخدام ذلك كذريعة لكسب المزيد من السيطرة على المناطق الحدودية لإقليم كردستان وإضعاف الحكم الذاتي لإقليم كردستان. تطالب بغداد أصلًا بالعائدات النفطية وغير النفطية بالإضافة إلى تسليم 400000 برميل يوميًا من حكومة إقليم كردستان مقابل إرسال الميزانية إلى أربيل. ولذلك، تتعرض حكومة إقليم كردستان لضغوط أكبر لتقديم تنازلات.
لكن هذه العلاقة المثيرة للجدل بين بغداد وأربيل ليست تطورًا جديدًا. وحتى قبل استلام إدارة رئيس الوزراء السوداني الحكم، نفذت إيران عدة هجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على القوات الكردية الإيرانية في إقليم كردستان منذ عام 2018.
وفي عام 2016، خرق "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" لفترة قصيرة وقف إطلاق النار مع إيران واستأنف الهجمات، لكن هذه الأعمال العدائية توقفت بعد فترة وجيزة. فحكومة إقليم كردستان سبق أن أصدرت تعليماتها للأحزاب الكردية الإيرانية بعدم استخدام أراضي إقليم كردستان كقاعدة انطلاق لشن هجمات على إيران، وقد التزمت الأحزاب في معظم الأحيان بهذا الطلب.
استهداف الأحزاب الكردية الإيرانية خلال الاحتجاجات الإيرانية
تصاعدت الهجمات والضغوط الإيرانية على الأحزاب الكردية الإيرانية بعد اندلاع احتجاجات حاشدة في إيران، عقب وفاة الشابة الكردية جينا (مهسا) أميني في 16 أيلول/سبتمبر من العام الماضي خلال احتجازها لدى شرطة الأخلاق الإيرانية. وبينما كانت الاحتجاجات الناتجة عن ذلك واسعة الانتشار وشملت المجتمعات الإثنية في إيران، حاولت إيران إلقاء اللوم على الطائفية واتهمت أحزاب المعارضة الإيرانية الكردية بإثارة الاضطرابات في كردستان الإيرانية. وتزعم طهران أن هذه الأحزاب الكردية عملت مع إسرائيل لمهاجمة إيران.
بين أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 2022، نفذت إيران عدة هجمات باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات الانتحارية بدون طيار على ثلاثة أحزاب معارضة كردية إيرانية، بما في ذلك "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" في بلدة كويا وناحية سيدكان (محافظة أربيل)، وكومله في زيرغويز (محافظة السليمانية) و"حزب الحرية الكردستاني" في بيرد (الطريق بين أربيل وكركوك). وبحسب منظمة "هنغاو" الكردية لحقوق الإنسان، فقد قُتل ما لا يقل عن 21 عضوًا من هذه الأحزاب، بينهم امرأتان وطفل عمره يوم واحد، ومدني من كويا. فضلًا عن ذلك، هددت إيران بشن غارة عسكرية في تشرين الأول/أكتوبر من ذلك العام، إلا أنها لم تنفذ تهديدها هذا.
ومن أجل تهدئة مخاوف إيران، نشر العراق حرسًا حدوديًا على الحدود مع إيران في كانون الأول/ديسمبر 2022، وفي آذار/مارس وقع اتفاقًا لأمن الحدود مع إيران. وبينما انخفضت الهجمات بعد أن هدأت الاحتجاجات الإيرانية إلى حد كبير بحلول كانون الثاني/يناير من هذا العام بعد حملة قمع واسعة النطاق، مع مقتل ما لا يقل عن 537 شخصًا، واصلت إيران تنفيذ عمليات اغتيالات ضد شخصيات المعارضة الكردية الإيرانية في إقليم كردستان، بما في ذلك اغتيال في تموز/يوليو ضد اثنين من أعضاء "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني".
بالإضافة إلى ذلك، استهدفت إيران و"وحدات الحشد الشعبي" التابعة لها في السابق البنية التحتية للنفط والغاز في كردستان والوجود العسكري الأمريكي. كما تم استهداف القواعد العسكرية التركية في العراق من قبل مجموعات "وحدات الحشد الشعبي". وفي 30 آب/أغسطس، استهدفت صواريخ أُطلقت من مدينة طوزخورماتو بحسب ما يُزعم مرة أخرى حقل غاز خور مور.
أصبحت مجموعات "قوات الحشد الشعبي" الآن أيضًا على مقربة من إقليم كردستان، بعد أن استفادت من الحرب ضد "داعش" في عام 2014 وانتزعت السيطرة على الأراضي المتنازع عليها من قوات "البشمركة" في تشرين الأول/أكتوبر 2017، في أعقاب استفتاء أيلول/سبتمبر 2017. كما لعبت إيران دورًا كبيرًا في أحداث تشرين الأول/أكتوبر. وبالتالي، تقع المحافظات الكردية في مرمى صواريخ الكاتيوشا التابعة لـ"قوات الحشد الشعبي".
تهديدات متجددة وموعد نهائي مؤكد
كثفت إيران ضغوطها في الأسابيع التي سبقت الذكرى السنوية لوفاة جينا أميني، حيث شدد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في 28 آب/أغسطس على أن الموعد النهائي الذي أعلنت عنه إيران في وقت سابق من هذا العام لنزع سلاح الأحزاب الكردية الإيرانية بحلول 19 أيلول/سبتمبر "لن يتم تمديده" تحت أي ظرف من الظروف. وأكد أن إيران تتوقع من بغداد إجلاء الأحزاب الكردية الإيرانية ونقلها من قواعدها العسكرية إلى المعسكرات التي حددتها الحكومة العراقية.
وحذر كنعاني من أنه إذا لم تفِ الحكومة العراقية بالتزامها بحلول الموعد النهائي المحدد، ستتصرف إيران بما يتماشى "مع مسؤوليتها في ضمان أمنها الخاص". بالإضافة إلى ذلك، أفادت التقارير أن إيران قدمت أيضًا قائمة بأسماء القادة الأكراد الإيرانيين إلى بغداد، سعيًا لتسليمهم. ومؤخرًا، اتصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي برئيس الوزراء العراقي السوداني مباشرةً، وأكد على أنه لن يتم التسامح مع أي جهود تبذلها "الجماعات الإرهابية الانفصالية" لتقويض الأمن الإقليمي.
وأضاف المتحدث باسم "حزب الحرية الكردستاني"، خليل نادري، أن الأحزاب الكردية الإيرانية ستتعرض للمزيد من الهجمات "إذا ظلت الولايات المتحدة وحلفاؤها صامتين بشأن التهديدات الإيرانية"، قائلًا إن "واشنطن يمكنها أن تمنع إيران من اتخاذ موقف حاسم" لكن لامبالاتها الحالية ترسل إشارات خاطئة إلى إيران.
ويبدو من المرجح أن تستمر إيران في ضرباتها بالطائرات بدون طيار والصواريخ طالما لم تقم حكومة إقليم كردستان بنزع سلاح الجماعات الكردية الإيرانية أو نقلها، لا سيما في ظل الذكرى السنوية المقبلة. وبالإضافة إلى هجمات المدفعية والطائرات بدون طيار، يمكن لإيران أيضًا أن تحاول شن هجمات عبر الحدود، على غرار الهجوم التركي على أراضي حكومة إقليم كردستان في الشمال. ففي عام 1996، شنت إيران هجومًا عبر الحدود بمشاركة 3000 جندي ضد "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" في كويا، ما أسفر عن مقتل 20 عضوًا على الأقل. وفي أعقاب الهجوم، أعلن "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" أنه سيوقف الهجمات عبر الحدود.
علاوةً على ذلك، سيكون من الصعب على حكومة إقليم كردستان نزع سلاح الجماعات بالكامل، على الرغم من أنها قد تحاول طرد المقاتلين الأكراد الإيرانيين المسلحين من مواقعهم على الحدود مع إيران. في الواقع، تشير التقارير الصادرة في الأيام القليلة الماضية إلى أن هذه العملية قد تكون في بداياتها، على الرغم من أن نطاق هذه الجهود لم يتضح بعد. وتفيد بعض هذه التقارير بأنه تم طرد قوات "حزب الحرية الكردستاني" من منطقة بيرد الواقعة بين أربيل وكركوك.
تفيد التقارير أن العراق نشر 6000 جندي إضافي على طول حدوده ويخطط لبناء نقاط حدودية جديدة، بهدف تجنيد 3000 عنصر من السكان المحليين كحرس حدودي. وعقد مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي اجتماعات مع كبار مسؤولي حكومة إقليم كردستان و"الاتحاد الوطني الكردستاني" في إيران وإقليم كردستان لمناقشة اتفاق الحدود. ولا يزال هذا الحوار قائمًا. ففي 11 أيلول/سبتمبر، وصل وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان ريبر أحمد إلى بغداد لمناقشة الوضع، في حين سافر رئيس "الاتحاد الوطني الكردستاني" بافل طالباني إلى إيران في اليوم السابق لعقد اجتماعات مرتبطة على الأرجح بالأزمة. وفي 20 آب/أغسطس، التقى الأعرجي أيضًا بمبعوث الأمم المتحدة إلى العراق ووزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان لمناقشة وضع اللاجئين في إقليم كردستان. وفي 11 أيلول/سبتمبر أيضًا، التقى رئيس الوزراء مسرور بارزاني بالسفير الإيراني.
وقال رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني الأربعاء إن كلًا من بغداد وأربيل اتخذ خطوات لا تترك "مجالًا لأي ذريعة لتنفيذ عملية عسكرية إيرانية". كما صرح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين للصحفيين في 13 أيلول/سبتمبر خلال زيارة لإيران أنه سيتم نزع سلاح المجموعات خلال يومين.
ولكن كامران متين، المحاضر البارز في العلاقات الدولية في جامعة ساسكس، لا يرجح قيام إقليم كردستان بنزع سلاح الجماعات الكردية الإيرانية: "تربط هذه الجماعات علاقة قديمة ووثيقة بالسكان المحليين، لذا سيكون لأي تحرك من جانب حكومة إقليم كردستان لنزع سلاحها تكلفة سياسية على الأحزاب الحاكمة".
وأضاف أن "الولايات المتحدة قد لا تتغاضى أيضًا عن مثل هذه الخطوة التي من شأنها تعزيز نفوذ إيران في العراق والمنطقة على نطاق أوسع". ولكنه قال إن "تغيير النمط الحالي لوجود هذه الجماعات في إقليم كردستان العراق ممكن، لا سيما إذا كان تحت إشراف الأمم المتحدة".
لم تلتزم جماعات المعارضة الكردية الإيرانية من جانبها الصمت. ففي خطوة نادرة لدى مجموعة من الأحزاب لا تنسق تحركاتها بشكل عام، دعت معظم الأحزاب الكردية الإيرانية في 6 أيلول/سبتمبر إلى تنظيم إضراب عام في 16 أيلول/سبتمبر، بمناسبة ذكرى وفاة أميني. وقد صرح المتحدث باسم "حزب الحرية الكردستاني"، خليل نادري، في مقابلة مع كاتب المقال أنه "من جهة أخرى، روجهلات كردستان (كردستان الإيرانية) هي على أعتاب ذكرى انتفاضة جينا (مهسا أميني). وتريد إيران لفت الانتباه إلى تهديدات الشارع التي تشكلها الأحزاب السياسية الإيرانية".
واتهم أيضًا طهران بقيادة "عملية شاملة ضد كافة أجزاء كردستان. هذه عملية بدأت في عام 2017" ردًا على الاستفتاء المعني بالاستقلال الكردي.
في آب/أغسطس، أفادت التقارير أن حكومة إقليم كردستان استدعت مسؤولين من حزبي "كومله" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" لمناقشة الضغوط المتزايدة من جانب طهران، بحسب "ذو سيتاديل". وكانت جماعات المعارضة مستعدة للانتقال إلى معسكرات جديدة، لكنها رفضت الدعوات لتسليم أسلحتها. ومنذ ذلك الحين، دعا "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" بغداد والمجتمع الدولي إلى منع وقوع هجمات جديدة.
قال عضو في "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" اشترط عدم الكشف عن هويته، عندما سُئل عن إمكانية نقل القوات من قرب من الحدود الإيرانية: "لا أعتقد أن هذا الخيار متاح لنا. قد ننتقل ولكننا لن نترك الحدود". ويردد مسؤولون آخرون الآراء ذاتها. فقد أخبر أيضًا آراش صالح، ممثل "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" في الولايات المتحدة، كاتب المقال أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني لم يستخدم الأراضي العراقية مطلقًا للشروع في أي أنشطة عسكرية ضد إيران. فنحن نحترم سيادة العراق".
في ما يتعلق بالتأثير الجيوسياسي الأوسع لهذه المناورات، أفاد صالح أن "الهدف النهائي لإيران هنا هو في نهاية المطاف إحكام قبضتها على العراق. فنظام طهران يحاول زيادة نفوذه وتأثيره في العراق وتقويض مكانة حكومة إقليم كردستان ويستخدم أي ذريعة لا أساس لها لتعزيز أجندته. ويمكن أن يكون صمت واشنطن ولندن وباريس بشأن هذه المسألة كارثيًا على مصالح الغرب في العراق والمنطقة الأوسع."