- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
حقيقة ما يريده سكان غزة: بيانات موثقة حول مسألة صعبة
تحتفل حركة "حماس" هذا الشهر بالذكرى العاشرة للانقلاب العنيف الذي سيطرت من خلاله على 1،9 مليون فلسطيني في قطاع غزة. ولا يبدو أنّ هذا الوضع سيتبدّل في المستقبل القريب، لكنّ الأكيد أنّ ذلك لا يعود إلى الدعم الشعبي لحركة "حماس" في صفوف السكان المحليين. فقد أشارت بيانات موثوقة من دراسةٍ أجراها مستطلعٌ فلسطيني مستقل في قطاع غزة من 16 إلى 25 أيار/مايو إلى أن 14 في المئة من سكان غزة فحسب يعرّفون عن أنفسهم كمناصرين لحركة "حماس". وإنّ هذه النسبة بعيدةٌ كل البعد عن الشعبية التي تتمتع بها حركة "فتح" التي تدير "السلطة الفلسطينية" في رام الله والتي أقرّ 41 في المئة من سكان غزة بالانتماء إليها. وبالفعل، توافق الأكثرية الساحقة من سكان غزة – 77 في المئة من بينهم 41 في المئة يساندون الفكرة بقوة - على أنه "يتعين على "السلطة الفلسطينية" أن ترسل مسؤولين وضباط أمن إلى غزة ليتولّوا إدارة المنطقة".
فلماذا لا يتبدل الوضع في غزة على الرغم من هذه الإرادة الشعبية؟ يعود ذلك إلى رفض "السلطة الفلسطينية" أن تثبت دورها في تلك المنطقة، في حين رفضت حركة "حماس" المخاطرة بحكمها وإجراء انتخابات في غزة طوال العقد المنصرم. وكانت النتيجة استمرار سيطرة "حماس" بقوة السلاح. ويعلم سكان غزة ذلك، إذ إنّ ثلاثة أرباعهم، يعتبرون اليوم أنّ إجراء الانتخابات سيتطلّب "تخلّي حماس عن وحداته المسلحة المنفصلة" بعد أن كانت نسبة هؤلاء لا تتخطى 35 في المئة في الاستطلاع السابق في عام 2015. وبما أنّ حركة "حماس" ليس لها أي نية بذلك، لا تجرى أي انتخابات ويبقى سكان غزة من دون أي خيار في هذا الصدد.
بالإضافة إلى ذلك، إنّ السياسات الرئيسية التي تعتمدها حركة "حماس" غير محبّذة بتاتًا في غزة. فقد أشعلت صواريخ "حماس" حربًا دامية على إسرائيل في تموز/يوليو 2014 في حين أنّ الأكثرية الساحقة من سكان غزة، في حينها كما اليوم (80 في المئة في الوقت الحالي)، يريدون من حركة "حماس" "أن تحافظ على وقف إطلاق النار مع إسرائيل". والمفاجئ بالفعل على المستوى السياسي أنّ معظم سكان غزة (62 في المئة) يقولون أيضًا إنه "على حركة "حماس" أن توقف دعوتها إلى تدمير إسرائيل وأن تقبل بحل الدولتين الدائم بحسب حدود عام 1967".
وعلى الصعيد الاقتصادي أيضًا، أظهرت الدراسة أنّ أهل غزة يعانون في ظل حكم حركة "حماس". فقد أفاد ثلثا السكان بأن المدخول الشهري للعائلة الواحدة لا يصل إلى 1200 شيكل (أي حوالى 330 دولار أمريكي)، مقابل 8 في المئة فحسب من سكان الضفة الغربية حيث أفاد معظم المواطنين بمدخولٍ شهري يساوي ضعف هذا المبلغ على الأقل. ويساعد هذا الواقع على تفسير حاجة سكان غزة أكثر من سكان الضفة الغربية إلى الإغاثة الاقتصادية، حتى من إسرائيل، إذ إنّ 69 في المئة يرغبون بالمزيد من فرص العمل في إسرائيل في حين يرغب 54 في المئة أن تؤمّن الشركات الإسرائيلية المزيد من فرص العمل في غزة والضفة الغربية. واللافت أنّ نصف سكان غزة أفادوا أيضًا بأنهم سيقبلون بعرضٍ عربي يقضي بـ"مساعدات اقتصادية إضافية من أجل إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى الضفة الغربية أو غزة ولكن ليس إلى داخل إسرائيل".
وعندما سُئلوا على من يلقون لوم معاناتهم الاقتصادية، اتهم أقل من نصف سكان غزة (46 في المئة) إسرائيل، في حين ألقى بالقي السكان اللوم على أطراف أخرى وهي: حركة "حماس" (26 في المئة) و"السلطة الفلسطينية" (11 في المئة) والأمم المتحدة (11 في المئة) ومصر (4 في المئة). وإنّ النسبة الأخيرة منخفضة بشكلٍ ملحوظ علمًا أنه وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة، أبقت مصر الرفح، وهو المعبر الحدودي الوحيد مع غزة، مغلقًا بالكامل على مدى 322 يومًا في العام الماضي.
والأكثر مفاجأةً أنّ سكان غزة اليوم أكثر اعتدالًا من سكان الضفة الغربية في ما يخص المسألة الأساسية المتمثلة بالسلام الدائم مع إسرائيل. فعندما سُئلوا عن الخيارات المستقبلية "في حال تمكنت القيادة الفلسطينية من التفاوض على حل الدولتين"، قال عددٌ كبير من سكان غزة (47 في المئة)، وقد ارتفعت هذه النسبة بـ13 نقطة منذ عام 2015، إنّه "من المفترض أن ينهي ذلك الصراع الراهن". بيد أنّ 44 في المئة من السكان يملكون رأيًا معاكسًا ويعتبرون أنّ الصراع "يجب أن يستمر حتى تحرير كل شبرٍ من فلسطين التاريخية"، في حين يرى 24 في المئة فحسب أنه حلٌ واقعي "للمستقبل القريب". أمّا في الضفة الغربية، فهذه النسب معاكسة، إذ يعتبر 55 في المئة من السكان أنه على الصراع أن يستمر حتى بعد حل الدولتين، في حين يرى 34 في المئة أن هذا الحل سينهي الصراع مع إسرائيل.
بيد أنّ المثير للاهتمام، وبصرف النظر عن هذه التفضيلات الشخصية، أنّ سكان غزة يميلون أكثر من سكان الضفة الغربية بكثير إلى إسناد هذا الهدف "الماكسيمالي" إلى "السلطة الفلسطينية". فقد طلبت هذه الدراسة من الأفراد المشاركين فيها تفسير واقع أنّ ""السلطة الفلسطينية" تنشر خرائط رسمية وتصريحات وأغانٍ وقصائد حول مدن مثل حيفا وطبرية وعكّا ويافا وغيرها من المدن التابعة لفلسطين التاريخية ما قبل عام 1948". وقال 28 في المئة فحسب من سكان الضفة الغربية إن ذلك "يظهر أنّ نية "السلطة الفلسطينية" الحقيقية هي تحرير فلسطين التاريخية بكاملها يومًا ما"، في حين اعتبرت نسبة كبيرة من هؤلاء السكان (40 في المئة) أنّه "لا ينبغي أخذ هذه التصرفات على محمل الجد لأنّ هدف "السلطة الفلسطينية" الوحيد هو بناء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة". أمّا في قطاع غزة، فانقلبت هذه النسب، إذ قال 46 في المئة من السكان إن هدف "السلطة الفلسطينية" الأكبر يكمن في تحرير فلسطين بكاملها، في حين اعتبر 27 في المئة فحسب أن "السلطة الفلسطينية" سترضى بحل الدولتين إلى الأبد.
فما هو السبب وراء هذا الانفصام المدهش الذي يظهر فيه سكان غزة أكثر اعتدالًا على المستوى الشخصي من سكان الضفة الغربية على المدى الطويل، لكن يميلون في الوقت عينه إلى إسناد الأهداف "الماكسيمالية" إلى "السلطة الفلسطينية"؟ تكمن الإجابة على هذا السؤال حتمًا في الخبرات المباشرة المختلفة التي عاشها كل من هذين الشعبين الفلسطينيين، إذ إنّ سكان غزة قد عانوا من تداعياتٍ كارثية أكبر جرّاء الحرب اللامتناهية مع إسرائيل. أمّا سكان الضفة الغربية فقد شهدوا على سياسات "السلطة الفلسطينية" المشبوهة بشكلٍ أكبر.
أخيرًا، عندما سُئل سكان غزة "ما هو الإجراء الوحيد الذي ترغب أن تتخذه الولايات المتحدة حيال القضية الفلسطينية في يومنا هذا؟" كانت الخيارات متنوّعة ومثيرة للاهتمام. فقد اختار ربع السكان فحسب "ممارسة الضغوطات على إسرائيل". وانقسمت الإجابات المتبقية بين الخيارات الآتية "زيادة المساعدات الاقتصادية" (29 في المئة) و"ممارسة الضغوطات على "السلطة الفلسطينية" وحركة "حماس" لتصبح أكثر ديمقراطيةً وأقل فسادًا (19 في المئة) و"مساعدة الدول العربية على المشاركة بشكلٍ أكبر" (12 في المئة). ولعل المفاجأة الأجمل في هذا الاستطلاع كانت أنّ مجرّد 9 في المئة من سكان غزة وقع اختيارهم على الإجابة الآتية: يتعين على الولايات المتحدة أن "تبقى بعيدة عن الشؤون الفلسطينية والشرق أوسطية ككل".