- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
حرب الكبتاجون: التهريب على الحدود بين الأردن وسوريا
مع تصاعد عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية مع سوريا، تحتاج السلطات الأردنية إلى البحث عن حلول في كلا المجالين الأمني والاجتماعي.
نشطت حركة التهريب على طول الحدود الأردنية السورية التي تمتد لمسافة 375كم سواء من خلال المعابر الحدودية التابعة لمحافظة إربد في الشمال وهي مركز حدود الرمثا ويقابله مركز حدود درعا على الجانب السوري، أو من مركز حدود جابر الذي يقابله مركز حدود نصيب على الجانب السوري.
ومع ذلك، تغيرت طبيعة انشطة التهريب بشكل جذري خلال العقد الماضي، حيث كان التهريب عبر الحدود الأردنية السورية خلال فترة التسعينات قاصرا على تهريب المواشي والدخان والأسلحة، ثم أصبح اليوم يركز على تهريب المخدرات بأنواعها (الحشيش، حبوب الكبتاجون، الكريستال وغيرها). وغالبًا ما يطلق على هذا التطور والتوسع الناتج عن أنشطة تهريب المخدرات – الذي انتشر من سوريا التي مزقتها الحرب إلى البلدان المجاورة - "حرب الكابتاجون." ورغم التقارب الذي حدث بين الاردن ونظام الاسد، رصدت السلطات الاردنية تصاعد كبير في عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن طوال عام 2022. هذا الارتفاع الملحوظ في عمليات التهريب وضع قوات الأمن الأردنية أمام تحدي كبير وهو تأمين الحدود لوقف تدفق المخدرات إلى المنطقة وأوروبا. كل ذلك يحدث في وقت تواجه فيه تلك القوات هجمات مستمرة عبر الحدود من قبل الميليشيات المدعومة من إيران.
تطور تجارة الكبتاجون
تعتبر سوريا اليوم؛ عاصمة مخدرات الكبتاجون العالمية، والكبتاجون هو الاسم التجاري لعقار كان يوصف لعلاج اضطراب نقص الحركة وفرط الانتباه، والنوم القهري، والاكتئاب. ويقال بانه يحسن وعي من يتعاطونه بحالة محيطهم ويعطيهم دفعة من الطاقة، ويساعد في رفع التركيز وكبت الشهية والتخفيف من القلق.
كانت الجماعات المسلحة المناهضة للدولة في سوريا من أوائل من استخدموا تجارة الكبتاجون كمصدر رئيسي للتمويل خلال حربهم ضد نظام الأسد. منذ ذلك الحين، تمكن النظام وحلفاؤه الإقليميون الرئيسيون مثل إيران وحزب الله، من خلال إحكام سيطرتهم على الأرض وتوطيد دورهم كمستفيدين رئيسيين من تجارة المواد المخدرة، حتى صارت سوريا اليوم بؤرة عالمية لإنتاج وتصدير مخدرات الحشيش وحبوب الكبتاجون إلى مختلف دول العالم خاصة تركيا، والخليج العربي، وشمال افريقيا، وأوروبا وفي عام 2020، ووصلت الصادرات السورية من مخدر الكبتاجون إلى قيمة سوقية لا تقل عن 3.46 مليار دولار أمريكي عام 2020.
تشير العديد من المصادر على تورط رموز مرموقة في النظام السوري ومليشيات حزب الله في تجارة المخدرات ونجاحهم في ترويجها على المستوى الإقليمي، حيث اكد عدد من المسؤولين الأمنيين الأردنيين أن قوات غير منضبطة من جيش النظام السوري تتعاون مع مهربي المخدرات عبر الحدود.
الإجراءات الأردنية
كانت ظاهرة التهريب في الأردن دائما تحت السيطرة؛ سواء من قبل دوريات الجمارك الأردنية أو من قوات "قيادة البادية وحرس الحدود " والهجانة (قوات من حرس الحدود تستخدم الجمال في تنقلها وتحركها على طول الحدود. ومنذ عام 1997، صارت القوات المسلحة الأردنية هي من تتولى حماية الحدود حينما ألحقت "قيادة البادية وحرس الحدود " بالقوات المسلحة الأردنية، وصدرت الإرادة الملكية بإعادة تسميتها "قيادة قوات البادية الملكية." ومع ذلك، فإن ضلوع القوى الإقليمية مثل إيران في عمليات تجارة المخدرات قد شكل تحديًا كبيرًا لمراقبة الحدود الأردنية.
استغل النظام السوري الأموال التي تديرها تجارة المخدرات للاستمرار في اتباع ما يمكن أن نسميه " دبلوماسية المخدرات" في علاقته المتوترة تاريخيا مع الأردن.وفي السياق ذاته، صرح الملك عبد الله الثاني سابقا أن "الوجود الروسي في جنوب سوريا "كان يشكل مصدرا للتهدئة"، وأضاف أن "هذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم.، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا"، كما أكد في حوار مع صحيفة الرأي الأردنية في 24تموز-يوليو 2022على ضرورة قيام إيران بتغير سلوكها كشرط لإقامة علاقات طيبة معها مبنية على الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها لأن الأردن يواجه هجمات على الحدود بصورة منتظمة من مليشيات لها علاقة بإيران.
ورغم التقارب الأردني السوري الذي اتخذ شكل اتصالات هاتفية بين الملك والرئيس الأسد، ولقاءات مشتركة بين كبار المسؤولين والوزراء في الخارجية والدفاع من كلا الطرفين لمناقشة ملف الإرهاب والتهريب بشكل خاص، استمر النظام السوري في التساهل مع شبكات التهريب على الطرفين، خاصة عندما يتعلق الأمر بتهريب مخدرات مثل الكبتاجون. ورغم تدخل الملك عبد الله الثاني وتصريحاته الواضحة والصريحة حول خطورة هذه الممارسات واتهامه المباشر للنظام السوري والإيراني بالوقوف وراء هذا السلوك الخطير الذي يزعزع الأمن الداخلي للأردن ودول الجوار خاصة إسرائيل والسعودية، إلا أن هذا التحذير لم يغير من الأمر شيئاً.
في غضون ذلك، عمل الأردن على معالجة هذه التهديدات مستخدما أفضل الوسائل الممكنة، حيث اتخذ العديد من الإجراءات الأمنية ووضع الملك عبد الله الثاني مكافحة المخدرات على أولوية اهتمامات "مديرية الأمن العام" وذلك عندما طلب من مدير الأمن العام الجديد اللواء عبيدالله المعايطة الذي عيّن بتاريخ 11- 9 - 2022 "مواصلة الجهود الحثيثة لمكافحة تهريب المخدرات دون هوادة.
كذلك؛ لم يتردد الأردن في إرسال تحذيرات شديدة اللهجة إلى دمشق لوقف عمليات تهريب المخدرات. ثم قامت القوات المسلحة بحملة إعلامية واسعة من خلال "مديرية الإعلام العسكري " ودعت وسائل الإعلام المحلية والإعلامية وعدد من المحللين والخبراء الأمنيين لزيارة المنطقة الحدودية الشمالية الشرقية الخميس 17 شباط -فبراير 2021م (لقد شاركت شخصياً بهذه الجولة) للاطلاع على سير العمل على الواجهة العسكرية الحدودية وخطورتها.
ومع ذلك ما زال هناك الكثير أمام الأردن ليفعله لمواجهة عمليات تهريب مخدر الكبتاجون، حيث ينبغي على الأردن القيام بمراقبة مستمرة وطويلة الأجل لتجار المخدرات والمشتبه بهم، وان يستمر في تشديد الرقابة على الحدود، والقيام بمراجعة شاملة وجادة لخطط التنمية طويلة الأجل والعمق وتطوير جيوب الفقر في قرى منطقة البادية الشرقية والشمالية الشرقية خاصة في لواء الرويشد التي تعاني منذ عقود من الفقر والتهميش والإهمال الحكومي الذي تفاقم مع جائحة كورونا خلال السنوات الماضية.
ومن الجدير بالذكر أن ظاهرة التهريب، خاصة المخدرات، ليست ظاهرة أمنية فقط؛ بل هي أيضا ظاهرة اجتماعية وثقافية واقتصادية، لذلك، فهي بحاجة إلى مقاربة كلانّية (holistic approach) تدمج الأمني مع الاجتماعي بشكل مؤسسي وحصيف. ينبغي أيضا على "مديرية الإعلام العسكري " في القوات المسلحة ان تستمر في بذل الجهود الحثيثة التي تقوم بها حالياً وذلك بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، خاصة الإعلام، والمدارس والمعاهد والجامعات، في توعية المواطنين، خاصة في المناطق الحدودية من مخاطر التهريب وأثاره السلبية على المجتمع والأمن والاقتصاد الوطني.
هناك ضرورة أيضا لزيادة التعاون والتنسيق الأردني -الأمريكي في ملف حماية الحدود، وحث إدارة بايدن على فرض المزيد من الضغوطات على إيران ودفها للسيطرة على الميليشيات المدعومة من قبلها والتي تقوم باستهداف الحدود الأردنية، وذلك حتى يتسنّى للقوات الأردنية هناك إعادة التركيز على عمليات التهريب. كما يتوجب على الإدارة الامريكية توجيه المانحين خاصة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) نحو تنفيذ بعض مشاريعها في التمكين والتنمية المحلية في بؤر الفقر في المناطق الحدودية في البادية الشمالية الشرقية النائية التي تشهد عمليات التهريب. بالإضافة إلى تزويد الجانب الأردني بالمعدات اللازمة والتدريب اللازم، لزيادة فعالية مراقبة الحدود الصحراوية الوعرة، خاصة وان المركبات الموجودة حاليا مع قوات حرس الحدود غير مناسبة وغير كافية. يجب أيضا تزويد تلك القوات بكاميرات مراقبة نهارية وليلية على طول الحدود، خاصة في ظل تطور أساليب التهريب التي وصلت إلى استخدام الطائرات بدون طيار.