لا يصعب على الإطلاق إيجاد مفاهيم نمطية جنسانية في أخبار العديد من دول الشرق الأوسط. وتستمر المشكلة خلف الكواليس في غرفة الأخبار إذ إن السياسات الجنسانية شبه مفقودة ونادرًا ما تتقاضى الصحافيات أجورًا متساوية أو تعطى فرصة متساوية للحصول على ترقية إلى مراكز إدارية أعلى. يشير تقرير نشرته "المؤسسة الدولية لوسائط الإعلام النسائية" في 2014 حول وضع النساء في الإعلام الإخباري إلى أن الرجال يحصدون الأغلبية الساحقة من المقاعد في مجالس الإدارة وثلثيْ المراكز الإدارية الرفيعة المستوى.
ورغم أن هذه المشاكل ليست الخاصية الوحيدة للمؤسسات الإعلامية في الشرق الأوسط، إلا أنها ترمز إلى التمييز القائم على الجنس الذي يؤثّر على النساء في المنطقة بشكل يومي. فالتحيّز الجنساني الممنهج لا يؤثّر على المسيرة المهنية لمئات الصحافيات فحسب، بل على إنتاج الأخبار التي بدورها ترسم شكل المجتمع الذي تنقل صورته.
النساء باعتبارهن الموضوع الأساسي
غالبًا ما يتمّ تصوير النساء التي تتناولها التقارير الصحفية على أنهن الضحية. ويظهر العنوان التالي بشكل منتظم في الصحف العربية "قتلها زوجها". ففي معظم الحالات، هن ضحية العنف المنزلي أو في الآونة الأخيرة ضحايا هجمات إرهابية. إن إيذاء النساء في المجتمع ينعكس بشكل كبير في إنتاج الأخبار لدرجة أنه نادرًا ما يُنظر إلى المرأة بخلاف ذلك. كما أن وسائل الإعلام العربية لا تسلّط الكثير من الضوء على النجاحات التي تحققها النساء. وإلى جانب كونهن ضحايا، تميل النساء إلى أن تكن موضوع أخبار صحفية خاصة فقط بأسلوب الحياة والموضة، بحيث لا تمنحهن مجالًا كبيرًا ليظهرن بغير مظهر محبات الموضة أو عروسات المستقبل. وبغض النظر عن إنجازات المرأة، يبدو أن مظهرها الخارجي هو ما يهم. على سبيل المثال، بالكاد كانت المحامية الدولية المتخصصة بحقوق الإنسان أمل علم الدين معروفة خارج الدوائر القضائية؛ لم تشتهر إلا بعد زواجها من الممثل جورج كلوني. مع ذلك، نادرًا ما تسلّط الأخبار التي تُنشر عن علم الدين في لبنان الضوء على نجاحاتها المهنية؛ حيث ينصبّ التركيز على علاقتها بكلوني وأسلوبها في ارتداء الملابس.
فضلًا عن ذلك، تستخدم وسائل الإعلام في الشرق الأوسط صورة المرأة لتحقيق هدفين رئيسيين: الأول باعتبارها ربة منزل محافظة، والثاني على أنها أداة للجنس. فيمكن رؤية جسد المرأة في الإعلانات الخاصة بالملابس الداخلية بقدر ما تظهر في إعلانات الشركات العقارية. هذا ويصبح تشيئ أجساد النساء أمرًا ممنهجًا ويستخدم غالبًا لترويج الأعمال واستقطاب المشاهدين.
النساء باعتبارهن كاتبات ومصادر
استنادًا إلى تقرير صدر عن "مشروع رصد وسائط الإعلام العالمية" في 2015، فإن 27 في المائة فقط من الصحافيين الذين يعدّون تقارير عن السياسة والجريمة في الشرق الأوسط هم من النساء، علمًا بأن إجمالي وجود النساء في الأخبار المكتوبة والمسموعة والمرئية بلغ 18 في المائة في 2015 حيث أن 9 في المائة فقط من النساء تعدّ تقارير حول السياسة والحكومة.
مع ذلك، ثمة مجموعة كبيرة من الصحافيات في الشرق الأوسط، وبشكل رئيسي في الإعلام الإلكتروني وعلى شاشات التلفزيون. وكونهن بحدّ ذاتهن ضحايا القوالب النمطية الذكورية، تنجرّ الصحافيات نحو المواضيع والقصص المتعلقة بالتمييز بين الجنسين أو حقوق الإنسان. غير أنه رغم المنافسة الشديدة مع الصحافيين وغياب السياسات الجنسانية التي تحمي النساء داخل المؤسسات الإعلامية وخلال سفرات التغطية الإعلامية، تمّ تسجيل العديد من النجاحات المحققة من النساء اللواتي يعددن تقارير حول السياسة والنزاعات المسلحة. ولا شكّ في أن هذا الأمر عزّز منظور المرأة في الأخبار.
لكن الأصوات النسائية لا تحظى بتمثيل كافٍ. فمن الأسهل بالنسبة إلى المراسلين من الرجال والنساء إيجاد خبراء ذكور لإجراء مقابلة معهم، وحتمًا يفوق عدد الخبراء الذكور نظيراتهم من النساء في مجالات السياسة والاقتصاد والقانون، من جملة ميادين أخرى ينطبق عليها هذا الأمر. ولا تشجع سياسات غرف الأخبار أو المحررون دائمًا تمثيل النساء باعتبارهن مصادر، لذا غالبًا ما تشعر الخبيرات بأنهن مهمشات لا سيما عندما لا يتذكرهن أحد إلا خلال الأحداث المخصصة لهن. فعلى سبيل المثال، قد يتمّ إجراء مقابلة مع محللة سياسية في دولة عربية حول القضايا النسائية المرتبطة بـ “يوم المرأة العالمي" أكثر مما تتمّ محاورتها حول قصص تتعلق بمجال خبرتها في غضون عام كامل.
النساء كمديرات في مجال الإعلام
أن تكوني امرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو بحدّ ذاته نضال يومي. فالمجتمع الذكوري يولّد اعتقادًا راسخًا بأن النساء هن الجنس الأضعف والأقل ذكاءً. وهذا ما يصعّب كثيرًا على النساء إثبات قدراتهن الفكرية والمهنية. ورغم العدد الكبير من النساء اللواتي يطمحن إلى صنع مسيرة مهنية في مجال الإعلام، نجحت قلة منهن في شغل مناصب إدارية على المستويين المتوسط والعالي. فالمديرين رفيعي المستوى في المؤسسات الإعلامية نادرًا ما يثقون بأن النساء قادرات على تبوؤ مناصب إدارية، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى قلة الروايات التي يمكن أن تدحض انعدام الثقة هذا عن نساء شغلن هذه المناصب بفعالية. وتشكّل هذه المسألة معضلة لعدد من الأسباب خاصة أن التنوع بين الجنسين في مستويي الإدارة المتوسط والعالي يُعتبر مفيدًا للغاية لنجاح المؤسسات الإعلامية.
فضلًا عن ذلك، تتطلب مهنة الصحافة الكثير من الوقت والعمل في بيئة معادية إلى جانب العمل لساعات طويلة والقيام برحلات مفاجئة. وقد ساد اعتقاد في أوساط المديرين التنفيذيين في قطاع الإعلام في الشرق الأوسط بأن المرأة لا تستطيع أبدًا إتمام هذا العمل بالكامل، لا سيما إن كانت متزوجة أو لديها أطفال. فأولوية سيدة متزوجة تبقى دائمًا تواجدها لتربية أولادها وتلبية حاجات أسرتها، في حين نادرًا ما يتولى رجل هذه المسؤوليات. نتيجةً لذلك، أمام النساء المتزوجات حاجز غير مرئي لا يمكنهن كسره.
وعليه، إن البيئة التي يوجدها المجتمع تقوم باستمرار بترهيب النساء ودفعهن إلى الاعتقاد بأنهن عاجزات عن تحقيق النجاح متى تسنح لهن الفرصة. وفي حال تمّ تعيينهن في منصب المدير، لا تشعر النساء بترهيب يمارسه عليهن رؤساؤهن فحسب، بل تواجهن تحديات من زملائهن ومرؤوسيهن الذكور. ونتيجةً لذلك، تشعر النساء أحيانًا بضغوط هائلة وتقررن رفض العرض الذي يضمن تقدّمهن. وفي حال قررن انتهاز الفرصة، عليهن بذل جهود مضاعفة عن التي يقوم بها أي رجل لإثبات أنهن قادرات على تولي مناصب قيادية. ولم تقم كافة النساء اللواتي سنحت لهن الفرص لإحراز تقدّم باغتنامها، لكن اللواتي فعلن أثبتن أن التنوع بين الجنسين في مستوي الإدارة المتوسط والعالي مفيد للغاية للمؤسسة الإعلامية. المعادلة بسيطة: يؤثّر نظام المجتمع على إنتاج الأخبار التي بدورها تؤثّر على المجتمع.