- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
جدوى إنشاء مفاعل نووي في العراق
يحتاج العراق إلى الاستقرار أولا قبل أن يتمكن من الاستثمار في مشروعات مثل محطة الطاقة النووية المقترحة.
في مايو الماضي صرح كمال حسين لطيف، رئيس "الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة" عن قيام الهيئة بدارسة عشرين موقعاً أولياً لإقامة مفاعل نووي لأغراض سلمية وسيتم اختزالها الى خمسة مواقع بطريقة الإسقاطات العلمية ليتم أخيراً اختيار موقع أساسي واحد وبديلاً أخر. يأتي هذا التصريح في وقت مقارب للذكرى السنوية لقصف مفاعل تموز الذي ضربته طائرات إسرائيلية عام 1981 أثناء الحرب العراقية الإيرانية، في تصرف اعتبره البعض إضعافاً لصدام حسين في حربه في ما عده أخرين إضعافاً للطرفين بغية إطالة زمن الحرب.
وعلى الرغم من أن الإعلان قد ينطوي على أهمية رمزية ، إلا أنه أيضًا يتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقرر عقدها في العراق في أوائل تِشرين الأَوَّل/ أكتوبر المقبل . كما أن الهيئة المذكورة كانت قد صرحت أن الهدف من المفاعل النووي هو حل أزمة الكهرباء واستخدامه لأغراض سلمية أخرى. ومن الفارقات هنا هو إصرار الحكومة العراقية على إنشاء مفاعل نووي وذلك رغم أن العراق يستورد الطاقة من عدة دول ورفض في وقت سابق عروض لشركة سيمنز لتحسين الإنتاجية الكهربائية، وذلك رغم إملاكه من الغاز المولد للطاقة ما يكفيه لعقود.
عقبات محتملة أمام تنفيذ المشروع
يذكر أن العراق قد عانى في الماضي مع هذه النوع من المشاريع ، كما أعلنت الحكومة في وقت سابق إنها تعاني من ضائقة مالية وديون متراكمة لتسديد نفقاتها على رواتب ومشاريع لم تر النور بعد. ومع ذلك هناك عدة عقبات ربما تقف حالا أمام تنفيذ المشروع أبرزها نقض الخبرات اللازمة لتنفيذ مثل هذه المنشأة خاصة بعد اختفاء وقتل معظم علماء الذرة والطاقة النووية العراقيين.
ومن الناحية الأمنية ، يعاني العراق من عدة أزمات أمنية تتمثل في انتشار السلاح المنفلت وازدياد نفوذ الجماعات المسلحة والولائية التي تعمل خارج إطار الدولة واستهدافهم لمؤسسات الدولة والقوات الأجنبية. كل ذلك يزيد من حجم المخاطر المحتملة على المفاعل ويشكل عائقا أمام جذب الخبرات الأمريكية والغربية.
يمثل العامل المناخي أيضا عقبة أخرى أمام تنفيذ المشروع فدرجة الحرارة في بلد مثل العراق لا تتناسب مع هذا النوع من المشروعات، وهو ما أجبر فرنسا على إغلاق أربعة من منشأتها النووية عام 2018 نتيجة للأزمة المناخية وقتها، حيث يصل متوسط درجة الحرارة في بغداد الى 45 مئوية بينما يزيد عن 50 درجة مئوية في مدن جنوب العراق، وهي المناطق المرشحة لإقامة المشروع حسب المتوقع حيث تستوفي بعض المحافظات الجنوبية شرط البعد بما لا يقل عن 15 كم عن المناطق السكنية والمأهولة.
يتطلب التشغيل الأمن لهذا النوع من المفاعلات الى توفير كمية كبيرة من الطاقة وذلك أمر لابد منه كما تنص تعليمات وكالة الطاقة النووية الدولية، وهو ما تفتقر إليه البلاد ،حيث تعتمد الدولة على دول الجوار في تزويده بالطاقة وفق اتفاقيات متعددة. إضافة الى حاجة المفاعل لطاقة مائية كبيرة تساهم في تبريده وهي أزمة أخرى تضاف الى باقي الأزمات فقد قطعت إيران الإمدادات المائية لأنهار الكارون وسيروان والكرخة المغذية لنهري الزاب، وبلغ مجمل القطع المائي أكثر من سبعة مليارات متر مكعب، إضافة لتقليل تركيا نسبة إطلاقات نهر دجلة حسب تصريح متلفز لوزير البيئة والموارد المائية مهدي رشيد الحمداني. إضافة الى ذلك، حذرت بعثة الأمم المتحدة في العراق من تفاقم أزمة التصحر في العراق ونشرت إحصائيات رسمية تؤكد جفاف أكثر من 100 ألف دونم زراعي سنوياً. وفى ظل تلك الظروف، يطرح السؤال المهم نفسه وهو كيف سيتسنى للحكومة العراقية توفير المياه لمشروع نووي ضخم في ظل الفقر المائي الذي تعاني منه البلاد؟
لمادا المفاعل النووي
أرجع خبراء سياسيون إن القرار ربما يكون مدفوع إيرانياً لزعزعة أمن المنطقة بينما يعتقد أخرون أن القرار جاء برعاية أمريكية خاصة إن الرئيس الأمريكي الحالي يحاول تقويض الأذرع الإيرانية في المنطقة، رغم إن الأخير قد أيد غزو العراق لأسباب متعلقة بامتلاك أسلحة نووية. داخليا، يرى البعض أن هذا المشروع قد يستمر نظرا لأنه قد يكون مدعوما من أحد الأحزاب السياسية أو ربما لغرض الدعاية السياسة.
ما يتفق عليه الجميع هو أن العراق يواجه حاليا أزمة طاقة ، حيث ترى الحكومة العراقية أن العراق لديه نقص بإنتاج الكهرباء يُقدر بـ16%. ومن ثم، هناك حاجة ماسة لإنشاء هذا النوع من المشروعات حيث وصلت الزيادة السنوية في الطلب على الكهرباء الى 15%، وربما ستزداد الى 100% في خلال العشر سنوات المقبلة. ومع استمرار هذه الحاجة على الطلب لا بدَّ أن يبحث العراق عن مصادر رخيصة للطاقة تغطي الحاجة الأساسية وذلك في خضم أزمة الموازنة التي تمر بها البلاد.
كما ترى الحكومة أن استخدام النفط بغرض توليد الكهرباء سيكبد العراق خسائر كبيرة ، إذ أن النفط هو المصدر الأكبر للتصدير وزيادة حرقه لإنتاج الكهرباء ليس في المصلحة الاقتصادية للبلاد. كما أن العراق قد شارك في مؤتمر باريس للتغير المناخي، وعليه من الآن التفكير جدياً في خفض انبعاثاته من غازات الاحتباس الحراري.
ويرى بعض الداعمين للمشروع انه في حالة نجاحه فسيواجه محاربة قوية من دول الجوار في محاولة لمنع استقرار المنطقة ومنع استقلالها اقتصاديا، فمن المتوقع إن نجاح المشروع النووي سيقلل حاجة البلد الى استيراد الطاقة الكهربائية من دول الجوار تدريجياً وبالتالي إلغاء الاتفاقيات المشتركة مما سيلحق أضرار كبيرة بالدول المصدرة التي اعتادت على التدفق المالي الضخم الوارد من هذا القطاع.
ومع ذلك ، فإن دعم المشروع يتوقف في الأساس على جدواه الاقتصادية ، فالمواطن العراقي لا يزال يعاني من ضائقة الحكومة المالية وتأخر رواتب موظفيه ومتقاعديه وتكرر انقطاع المياه وبالطبع الكهرباء في المدن السكنية إضافة الى التوتر الأمني المتزايد حيث شهدت العاصمة بغداد تفجيرات إجرامية متكررة راح ضحيتها الكثير من المواطنين. ومن ثم، فانه من الأجدر حالياً إغلاق ملف الأزمة الأمنية وفرض سيطرة الدولة ليتمكن العراق من دراسة مثل هذه المشاريع بشكل مضمون بدلاً من إهدار المال العام في فشل مضمون.