- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
جوائز روانكه: دعم المشاريع الخاصة في العراق
يتطلب التغيير المجتمعي في العراق شباب متحمس يتمتع بالقدرة على إعادة تعريف الوضع الراهن في بلدهم.
لم تعرف الدولة العراقية منذ تأسيسها أي استقرار سياسي أو اقتصادي، فبعد نيسان/أبريل 2003 كان التصور أن الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد يسير نحو الأفضل، لكن ما لم يدركه الناس أن حزب البعث بعد سنوات حكمه كان قد خلف ثقافة وعقلية وشخصية بنمط معين شكلت عائقا كبيرا أمام النجاح الاقتصادي. ولم يكن الموضوع مجرد نظام حكم بزواله ستتحول الحياة الى جنة من تلقاء نفسها. وفي غفلة نسي الناس أن الديمقراطية لا تمطر حلولا إنما هي إرادات الناس ومبادراتهم لترسيخ قيم وممارسات ومؤسسات تجعلنا مجتمعا منتجا للحلول وليس المشكلات.
من هذه القناعات تأسست روانكه (وهي تعني الرؤية باللغة الكوردية)، واستندت على فكرة أن المجتمعات الحديثة مبنية على أسس ثلاث (القطاع العام – العام الخاص – القطاع المدني). وكل نهضة تحدث في أي بلد حديث يقتضي تعاون وتنسيق بينها جميعا تخطيطا وتنفيذا، ولا يمنع من أن تكون هناك مبادرات تحرك المياه الراكدة وتخلق حولها دوائر من التأثير من أجل ترسيخ ثقافة ديمقراطية بناءة وبيئة تخلق إنسانا مسؤولا يهتم بشؤن المجتمع المحلي.
وفي إطار متابعة هذه الرؤية للتغيير المجتمعي، قامت مؤسسة " روانكه " بمبادرات مختلفة، يهدف معظمها إلى إعداد جيل جديد من الشباب العراقي يتمتع بالثقة، استباقي، إيجابي ويشارك بنشاط في بناء مجتمع أفضل. ومن هذا المنطلق، ركزت مؤسسة "روانكه" على أهمية التعليم مدخل للإصلاح وإعداد قيادات المستقبل. من خلال التركيز على الشباب والابتكار، تثمن مؤسسة " روانكه" على وجهة نظر ألبرت أينشتاين بأن المشاكل لا يمكن حلها بنفس مستوى الإدراك الذي خلقها، وهي فكرة ملهمة في إنشاء المؤسسة.
تمثل "جوائز روانكه" أحد اهم المبادرات التي قامت بها المؤسسة، فهي مبادرة سنوية تحتفي بالمهارات الشبابية في 10 ميادين متنوعة، تتراوح من ريادة الأعمال والتكنولوجيا إلى الفنون المرئية والأدب، حيث يقدم الشباب مشروعاتهم للجان مختصة في كل مجال وبعد عملية فحص وتدقيق يتم اختيار أفضل ثلاثة مشروعات وفق معايير يضعها الحكام المختصون. يتم الإعلان عن الفائزين من خلال تنظيم احتفالية يجتمع فيها الشباب وعوائلهم وأصدقائهم والمختصون والمهتمون بهذه المجالات المتنوعة وضيوف مهمين.
وتوفر المبادرة منبرا للشباب لاكتشاف الذات وتعريفهم بالمجتمع وتوصيل رسالتهم للجماهير وللعالم ومن الممكن أن تكون فرصة عمل وفرصة إبداع. وبالتالي، تمثل جوائز روانكه منصة لتقديم الشباب وعرض مشاريعهم، فضلاً عن توفير الفرصة للمتسابقين النهائيين لبناء الثقة والتعرف على المجتمع الأوسع، وتعزيز التعاون والتنسيق بين الشباب العراقي.
هناك قصص نجاح متعددة للشباب في كافة القطاعات فمثلا سالار فائق شاب من شيخان احتل عام 2017 المركز الثاني في فقرة ريادة الأعمال التقيته في 2020 وكان صاحب شركة للتسويق الإعلامي ويوظف 6 أخرين. قلت له بم أفادتك مبادرتنا؟ قال تعرفت على الفائز بالمركز الأول وبعد الانتهاء من الحفل خرجنا مع بعض لتناول العشاء وفكرنا كيف يمكن أن نعمل معا وفعلا افتتحنا مطعما في أربيل. هو يدير المطعم وانا اعمل على التسويق استمرينا لفترة ثم استمريت في أفكاري والان عندي أكثر من مشروع اعمل عليه وأكثر من جهة أتعامل معها.
ومن بين الفائزين كانت زريبار هاورامي، فتاة من السليمانية أسست شركة خاصة بها للخياطة عام 2014. شاركت في جوائز روانكه عام 2016 وفازت بالمركز الأول في ريادة الأعمال، وترى أن فوزها بالجائزة كان دعما معنويا كبيرا لها ودافعا للمزيد من العمل والثقة بالذات فاستمرت في سعيها وحاليا لديها مصنع في السليمانية وأخر في أربيل مع 3 غرف معرضية في السليمانية وأربيل للملابس ولديها عدة عقود عمل مع مدارس وشركات ومطاعم وجهات عسكرية لخياطة الزي الرسمي لهم.
وهناك أيضا لانا بابان 26 سنة فتاة أخرى من السليمانية بدأت عملها عام 2016 في عمل الحقائب والملابس بشكل إبداعي يدمج بين التراث والموضات العصرية. أسمت شركتها Kattan21. التحديات كانت كبيرة أمامها من ناحية نقص التمويل، تسجيل الشركة والوقت لتوازن بين العمل والدراسة لكنها كافحت واستمرت ولما سمعت بمبادرة جوائز روانكه شاركت وكان الأولى في فئة ريادة الأعمال عام 201. وقد ساعدها المبلغ الذي فازت به في تسجيل شركتها رسميا. في 2020 وبالرغم من التحديات الاقتصادية في العراق وكوردستان وأيضا تداعيات جائحة كورونا، إلا أنها شاركت في أسبوع ميلان للأزياء كأول مشاركة من العراق في هكذا حدث.
أيمن صبري شاب أخر من زاخو. عمره 22 سنة من أسرة تضم 8 اخوه وأختين إضافة لوالديه. أيمن طالب في المرحلة الرابعة كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة زاخو، وهو شاب عصامي يعشق الكمبيوتر. وبعد أن شعر بالشك من أقرانه ومرشديه، قال صبري إن فوزه بالمركز الأول في جوائز روانكه عام 2020 وهو ما يزال طالبا جامعيا أعطاه الأمل والثقة بنفسه وبانه على المسار الصحيح وزادت ثقة أهله ومن حوله به كثيرا وتمسك بحلمه. وبعد فوزه جاءته 8 فرص عمل متنوعة من جهات متنوعة قدموا له عروضا للعمل آخرها كان من قبل المدير العام لدائرة المعلومات التكنولوجية لحكومة إقليم كوردستان.
أما محمد آزاد، فقد شارك أربعة مرات في فقرة الاختراعات العملية بأربع مشروعات إبداعية ابتداء من 2014 وفي كل مرة يحاول ولا يحصل على المركز الأول الى أن تحقق حلمه وفاز بالمركز الأول في فئة الاختراعات العلمية عام 2017 بفكرة الروبوت النادل. محمد يدرس حاليا هندسة الكومبيوتر في جامعة تيشك بأربيل ويقول "هذه التجربة علمتني أن طريق النجاح والصعود يحتاج المثابرة والصبر وفي الطريق نتعلم الكثير ونزداد وعيا بالذات وبالحياة".
على الرغم من نجاحاتهم، فإن هؤلاء المبدعين الشباب يواجهون بيئة قاسية، فالعراق دولة ريعية تعتمد في إيراداتها على النفط بنسبة 95%، وهو سادس منتج للنفط في العالم – والخامس في احتياطي النفط والثاني عشر في احتياطي الغاز في العالم. وعلى الرغم من هذه الثروة المعدنية الهائلة، يحتل الفساد في العراق المرتبة 160 من أصل 180 دولة، ويحتل المرتبة 176 من أصل 188 دولة في جودة مؤسساته. وصلت نسبة المواطنين تحت خط الفقر حسب تقرير وزارة التخطيط العراقية في 2020 الى 32%. كما يحتل العراق مرتبة 172 من أصل 190 دولة في سهولة ممارسة أنشطة الأعمال وهناك المزيد وما شطرناه سيكون مبررا كافيا لزيادة نسبة التشاؤم عند الكثيرين.
ومع ذلك، لا التشاؤم، ولا السعي للهروب من هذه المشاكل دون إصلاحها، ولا الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة يمثل الحل الأمثل لمشاكل البلد. ومن ثم، تعمل جوائز روانكه على ترويج فكرة أن المتفائلين يصنعون التاريخ. لقد مر العديد من الشباب بتجارب الحياة العراقية الحديثة، لكنهم ما زالوا قادرين على خلق أوضاع أفضل لأنفسهم وللأجيال القادمة من خلال الإرادة والإدارة الدؤوبة. كما أن التنمية عملية مستمرة بلا نهاية، تتميز بالجدال والصعوبة، ومن الخطأ ربط نجاحها بالتمايز الزائف بين الشعوب الذكية والشعوب المتخلفة. بدلاً من ذلك، تؤمن مؤسسة روانكه بإمكانية قيام الأشخاص بتغيير واقعهم من خلال متابعة التنمية والتعلم من أخطائهم وأخطاء الآخرين مع التقدير الواقعي لقيود ومتطلبات وضعهم. ومن خلال الاعتراف بالشباب العراقيين الذين يظهرون هذه القيم ويتمسكون بها، تأمل المؤسسة في تمكين أولئك الذين يقودون المجتمع العراقي نحو مستقبل أفضل.