- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
جولة على كل آل بارزاني: كيف تحدد اللقاءات الدبلوماسية مع عائلة بارزاني معالم السياسة الكردية العراقية
:بالنسبة إلى المسؤولين الرفيعي المستوى الذين يزورون عاصمة "إقليم كردستان العراق"، ثمة توقع راسخ بأنهم سيجتمعون مع ثلاثة شخصيات سياسية من العائلة نفسها والحزب نفسه كلاً على حدة، وهم مسعود ونيجيرفان ومسرور بارزاني من "الحزب الديمقراطي الكردستاني".
تكشف هذه المراسم عن بعض الديناميات المتعلقة بالسياسة الداخلية والممارسات الدبلوماسية في "إقليم كردستان" العراق وفي البلاد كلها بالمطلق.
بغض النظر عن رأي المسؤولين الخارجيين أنفسهم بهذا البروتوكول، لا يخفى أنه يعزز حكم هذه العائلة من أعلى المستويات إلى أسفلها في "إقليم كردستان العراق" ويخدم بشكل رئيسي المصالح السياسية "للحزب الديمقراطي الكردستاني" نفسه. ولربما يمكن معاينة الحالات المحلية لاستنباط الدلالات عند "تبصير" التشكيلة الحكومية التي يجري العمل عليها في العراق.
أما بالنسبة للدبلوماسيين الأجانب، فالقاعدة غير المكتوبة وإنما المتعارف عليها بشكل كبير هي أن الزوار من رؤساء حكومات ووزراء وسفراء سيطلبون الاجتماع بزعيم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مسعود بارزاني ورئيس "إقليم كردستان العراق" نيجيرفان بارزاني ورئيس حكومة "إقليم كردستان" مسرور بارزاني خلال مرورهم بأربيل، علمًا بأن هذه الزيارات تستمر أحيانًا لبضع ساعات فقط وتأتي عقب زيارة أطول إلى بغداد. غير أن هذه الاجتماعات تعكس كيف تبقى السلطة محصورة ضمن العائلة في "إقليم كردستان": فمسعود هو والد مسرور وعمّ نيجيرفان، ما يعني أن مسرور ونيجيرفان هما أولاد عم من الدرجة الأولى. ونيجيرفان هو السلف المباشر لمسرور كرئيس للوزراء، وخلف مسعود كرئيس.
في إشارة إلى المفهوم السياسي الأمريكي "جولة كاملة لجينسبرغ"، أطلقتُ على بروتوكول الاجتماع بالسياسيين الثلاثة دفعةً واحدة تسمية «جولة على آل بارزاني». وهذا حدث يجري بانتظام، فقد وثّقت ما لا يقل عن 31 مثالاً عن هذه الظاهرة منذ 12 نيسان/أبريل – بمعدل حادثة واحدة تقريبًا كل أحد عشر يومًا – مع العلم بأن هذه القائمة ليست شاملة ولا تتضمن سوى الحالات التي تعترف بها حكومة "إقليم كردستان" علنًا على وسائل التواصل الاجتماعي أو القنوات الإعلامية التابعة "للحزب الديمقراطي الكردستاني". وهي بالطبع لا تشمل الاجتماعات الخاصة والحساسة، كما أن حكومة "إقليم كردستان" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" يقرران بانتقائية أي اجتماعات مع أي دول سيكشفان عنها ويسلطان عليها الضوء.
وتختلف المناسبات التي تُعقد من أجلها الاجتماعات؛ فبعضها يناقش مسائل لمرة واحدة، كما حدث حين مرّت وزيرة الخارجية السويدية آن ليندي بأربيل خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أثناء رحلة إلى العراق، وبعضها الآخر يكون مجرد استدعاءات مجاملة للسفراء الجدد أو المغادرين، كما حصل في جولة الوصول التي قام بها السفير الفرنسي الجديد إلى العراق إريك شوفالييه في أيلول/سبتمبر. ويكرّر مسؤولون آخرون هذه الدورة بانتظام، أمثال الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في العراق جانين هينيس بلاسخارت أو السفير الأميركي ماثيو تولر، الذي سبق له القيام "بجولة على آل برزاني" تسع مرات على الأقل منذ شباط/فبراير 2020.
ويشارك في هذه العادة الزوار الأجانب من مختلف بقاع الأرض. فسفير المملكة المتحدة السابق ستيفن هيكي قام بهذه الجولة على آل بارزاني خمس مرات على الأقل خلال ولايته، مبيّنًا رغبة حكومة المملكة المتحدة الظاهرة في إقامة روابط وثيقة مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني". كذلك، قام نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف بجولة مماثلة في كانون الأول/ديسمبر، أعاد خلالها رئيس الوزراء مسرور بارزاني "التأكيد على الصداقة التاريخية بين الشعبين وعلى المزيد من التعاون". ثم قام وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف بجولة كاملة على آل بارزاني خلال نيسان/أبريل الماضي. كما قام بهذه الجولة أيضًا مسؤولون من ألمانيا وأستراليا والسعودية وكندا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي خلال العام الفائت، فيما التقى الكثير من المسؤولين الآخرين باثنين من أصل ثلاثة من أفراد بارزاني. بالإضافة إلى هؤلاء، يتواصل الكثير غيرهم مع ثلاثتهم لفترة أطول. فقد تمكّن البابا فرنسيس تحقيق إنجاز نادر حين جمع أفراد بارزاني الثلاثة معًا في الغرفة نفسها خلال زيارته التاريخية في آذار/مارس 2021، وهو استثناء نادر للبروتوكول المعتاد الذي يقضي بمقابلة كل واحد على حدة.
في ما يتعلق بالدبلوماسيين، يتم ترتيب الاجتماعات من خلال دائرة العلاقات الخارجية في "حكومة إقليم كردستان" ومكاتب الرجال الثلاثة. فإذا لم يتم تقديم طلب للاجتماع بأفراد بارزاني الثلاثة، قد يطرح هذا الأمر علامات استفهام وقد يعتبره "الحزب الديمقراطي الكردستاني" إهانةً. مع ذلك، ليست هذه الترتيبات معتادة البتة. فمع أن المادة 121 من الدستور العراقي تمنح "إقليم كردستان العراق" بعض الصلاحيات في التعامل مع الحكومات الأجنبية، من غير المألوف أن تُتّبع مثل هذه الترتيبات الضيقة والشخصية والحزبية مع الدبلوماسيين على المستوى المحلي أو أن تكون متوقعة بشدة. غير أن الزوار قد يتلقون توبيخًا غاضبًا من مسؤولي "حكومة إقليم كردستان" إذا ما انحرفوا عن البرنامج المصرّح من "الحزب الديمقراطي الكردستاني".
على الصعيد المحلي، يتّبع المسؤولون الحكوميون والحزبيون في العراق هذه الممارسة أيضًا. فقد التقى مثلاً رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بأفراد بارزاني الثلاثة عقب الهجوم الصاروخي على أربيل في آذار/مارس. كما قام الرئيس العراقي برهم صالح بجولتين على الأقل منذ نيسان/أبريل الماضي، إحداهما في تشرين الثاني/نوفمبر حين كان يسعى إلى إعادة انتخابه في مواجهة تحدي "الحزب الديمقراطي الكردستاني". وثمة زياراتٌ تؤتي ثمارها بعد حين، أبرزها جولة المسؤول في "التيار الصدري"، نصار الربيعي، على أفراد بارزاني الثلاثة في شهر حزيران/يونيو الماضي لمحاولة تشكيل "حكومة أغلبية وطنية" بين "التيار الصدري" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" والكتل السُنّية بعد الانتخابات الاتحادية في تشرين الأول/أكتوبر. وفيما تجري عملية تشكيل الحكومة، من المجدي مراقبة مَن يطلب مقابلة قيادات "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في أربيل.
وبالطبع، ليس "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الحزب السياسي الوحيد في "إقليم كردستان". إذ يتم إشراك نائب رئيس وزراء "حكومة إقليم كردستان" قباد طالباني من "الاتحاد الوطني الكردستاني" الموجود في السليمانية من حينٍ إلى آخر في الاجتماعات مع رئيس الوزراء، في حين أن شقيقه – رئيس "الاتحاد الوطني الكردستاني" بافل طالباني - قد يحظى بمقابلاته الشخصية مع الزوار. مع ذلك، تبقى الحصة الكبرى "للحزب الديمقراطي الكردستاني" في الاجتماعات الرسمية في أربيل. ويجب ألا ننسى أيضًا أحزاب المعارضة أو المستقلين في "إقليم كردستان العراق"، الذين لا يتبقّى لهم الوقت أو الاهتمام الكافي في ظل الجدول المزدحم للاجتماعات مع آل بارزاني. والأجدى الاكتفاء بتخيّل ما قد يجنيه المسؤولون والدبلوماسيون من تنوّع وجهات النظر والاتصالات. جدير بالذكر أيضًا أن العنصر النسائي يغيب عن المراتب العليا في "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، وبالتالي فالمرأة مستبعدة عن هذه المناقشات الرفيعة المستوى - التي يجب أن تشمل الارتفاع الخطير في جرائم قتل النساء في "إقليم كردستان العراق".
ومن المهم أيضًا التفكير في ما تعنيه هذه الممارسة لوضع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" نفسه. فالاجتماع بكل فرد من آل بارزاني على حدة يعكس الطابع القبلي والأبوي والفئوي للحزب ويشكل وسيلة لتحقيق التوازن بين غرور كلٍّ منهم. وفي هرمية الحزب الداخلية، يحتل مسعود المرتبة العليا، ويُذعن له ابنه وابن أخيه في الشؤون المشتركة. لذلك فإن الاجتماع بمسرور أو نيجيرفان لوحدهما يسمح لهما بالتحدث بالتحدث لخدمة مصالحهم السياسية.
مع ذلك، ثمة خلافات سياسية وشخصية حادة داخل الحزب تحتدم تحت السطح وتلعب دورًا في الإصرار على الفصل بين الثلاثة. وتتبلور حاليًا خصومة محتدمة بين نيجيرفان ومسرور (والأخير مدعوم من مسعود) من شأنها أن تنفجر في المستقبل. وقد تجلّت تفاهة هذا الفصل في مؤتمر ميونيخ للأمن هذا العام عندما ترأّس مسرور ونيجيرفان وفدين منفصلين، حتى أنهما التقيا ببعضٍ من الأشخاص نفسهم في اجتماعات مختلفة.
مع أن تتبّع الاجتماعات مع أفراد آل بارزاني الثلاثة قد يفيد في سياق التحليلات السياسية العادية، إلا أن هذا الإصرار على الاجتماعات المنفصلة يترك تأثيرًا جوهريًا أسوأ. فمن الواضح أن هدف "الحزب الديمقراطي الكردستاني" من تطبيق هذا البروتوكول هو تعزيز النظرة السائدة حول مركزية آل بارزاني في السياسة الكردية والعراقية دون سواهم. كما أن هذه الاجتماعات تساعد في تعزيز سلطة مسعود ونيجيرفان ومسرور داخل الحزب وفي المعترك السياسي ككل. فالمسؤولون الذين يوافقون على هذه الترتيبات يضفون الشرعية على هذه الرسائل الضمنية ويساهمون في ترسيخها، حتى لو لم تكن تلك نيّتهم.
إذا طلبتَ من الكثير من المواطنين العاديين في "إقليم كردستان العراق" وصفَ قادتهم السياسيين – من "الحزب الديمقراطي الكردستاني" والاتحاد الوطني الكردستاني" كليهما – سيسمونّهم بـ"المافيا". والواقع أن الدلالات على مخالفة الديمقراطية واضحة وضوح الشمس: فنسبة إقبال الناخبين تراجعت، والشباب وأسر الطبقة المتوسطة يغادرون بأعداد كبيرة إلى أوروبا، والصحفيون والناشطون يُعتقلون ويُسجنون بتهمٍ ملفّقة، و"حكومة إقليم كردستان" لا تدفع الرواتب لموظفي القطاع العام. وهنا، يعود للمسؤولين الخارجيين أن يقرروا كيفية إدارة تلك الديناميات والتصورات حول تعاملهم مع القيادة السياسية في "إقليم كردستان": أي ما إذا كانوا سيستمرون كالمعتاد أو أنه آن الأوان لاتباع مقاربة جديدة.