- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
خطر إهمال الإدارة الأمريكية للحوارات الكردية – الكردية في سوريا
تتطلب مقاربة الولايات المتحدة للحوار الكردي -الكردي فهماً عميقاً للتاريخ والديناميكيات الإقليمية، والتي غيابها ستخاطر الولايات المتحدة بالمزيد من التعقيدات والصعوبات في سوريا.
يأتي هذا المقال ردًا على مقال كينيث روزن في 20 نيسان/أبريل 2021 بعنوان "محادثات الوحدة بين الأكراد في شمال شرق سوريا في دائرة الخطر".
لمقاربة التساؤل الأكثر ترددا على الألسن وظهورا على السطح، سواء إعلاميا أو سياسيا، هذا السؤال المفتاحي المتلخص في: "ماذا تريد أمريكا؟" وإلى أين تتجه سياساتها في الشرق الأوسط؟ من المناسب استحضار مقاربات أخرى تفسر التناول الأمريكي لمعضلات وأزمات سابقة، والتي أكدت على أنها كانت في الغالب معالجات إعلامية - سياسية، لم تمتلك عمقا معرفيا، ولم تعتمد على دراسات علمية، كالتعامل مع الإسلام السياسي والإرهاب وغيرها...
لذلك يبدو أن ضعف تناول القضايا الساخنة باتت معضلة مستمرة لدى المؤسسات الإعلامية الأمريكية، وبالتالي تنعكس على صانع القرار والمؤسسات الأمريكية الأخرى ذات العلاقة. وهذه العلاقة الإشكالية مازالت تنبثق عن مستوى المعرفة الضحل بالآخر غير الأمريكي، سواء كان عربيا أم كرديا أم أفغانيا...
لا شك لدى الولايات المتحدة الأمريكية العديد من المؤسسات البحثية والإعلامية الجادة والمقتدرة، يعمل فيها الآلاف من الباحثين والخبراء والصحفيين المميزين، ذوي المؤهلات العلمية العالية، ولكن مع كل ذلك، لم يعد كل هذا الكم والنوع كافيين، لسبب وحيد لأن جبهة الآخر بالنسبة لأمريكا هي جبهة عريضة تشكل العالم برمته، كل جغرافية ومجتمعات العالم باتت جبهة على أمريكا أن تتعرف عليها، بطريقة أو بأخرى.
إن المعرفة التامة والدقيقة بمعظم مجتمعات العالم، تاريخهم وواقعهم، سياساتهم وأحزابهم، يتطلب جيش معرفي أكثر عددا من القوات المسلحة الأمريكية، حيث إن مشكلة الولايات المتحدة مع العالم هي في الأساس معرفية قبل أن تكون سياسية أو دبلوماسية، وجوهر المشكلة وصعوبتها تكمن في اتساع جبهة عملها الذي ستقوم به، فأي دولة أو مؤسسة قادرة أن تدرس أمريكا لوحدها، فحين يصعب على المؤسسات الأمريكية أن تدرس وتتفهم العالم المعاصر باتساعه وتعقيداته.
إن مشكلة المنهجية الذي يتبناه روزن يمثل جزء من المشكلة العامة التي أشرنا إليها في المقدمة، حيث أنها سطحية تُهمل النقاط الرئيسية وتبسط التاريخ السياسي الكردي السوري المعقد. كما أجرى السيد روزن تحليلاً يبدو بعيدًا عن مجريات عملية الحوار فضلا عن التهويل بمخاطر نتائجه. لذلك نعطي لنفسنا الحق، أن نعيد تصحيح الصورة التي رسمها السيد روزين، عن طريق قراءة أخرى مختلفة تنبثق عن واقع العملية السياسية التي تجري في شمال وشرق سوريا.
أولاً، من المهم أن نكون دقيقين عندما يتعلق الأمر بالقضايا التي لا تزال قيد المحادثات بين بعض الأطراف الكردية، خاصة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي.
ففي حين يصف السيد روزين قوات روج آفا الكردية السورية المتمركزة في إقليم كوردستان العراق، على أنها قوة منفية، وهي ليست كذلك: "على غرار طلب إعادة قوات "بيشمركة" روج آفا، وهي قوة مقاتلة منفية سميت تيمنًا بالمنطقة السورية ذات الأغلبية الكردية، للمساهمة في الجهود الأمنية بالرغم من رفض "قوات سوريا الديمقراطية" طلب "البيشمركة" بالعودة. فهذه القوة تشكلت من العناصر والضباط المنشقين عن الجيش السوري الرسمي، ومن الشباب المتطوعين من أبناء المخيمات السورية في إقليم كوردستان العراق. وبالمثل، بينما يصنف السيد روزن عودة هذه القوات أو تعاونها مع قوات سوريا الديمقراطية على أنها نقطة سياسية شائكة، فإنها عوضاً عن ذلك قضية تعتمد على ظروف عسكرية وأمنية معينة خارج نطاق محادثات الوحدة الكردية. أما مسألة عودتها أو صيغة تعاونها مع قوات سوريا الديمقراطية، فمرهون بأبعاد عسكرية وأمنية، قبل أن تكون موضوعا لحوارات سياسية، علما أن هذه القوة لا تتبع تماما للمجلس الوطني الكردي، الذي يفتقر للإمكانات المالية واللوجستية اللازمة لقيادتها.
أن عمر الحركة السياسية الكردية يقارب عمر دولة سوريا نفسها، والأحزاب الكردية المعاصرة هي امتداد لحركة (خويبون) التي انبثقت عن حراك سياسي كردي مبكر في مدن عامودا وقامشلي، كوباني والحسكة، عفرين وعين ديوار، هذا التنظيم الذي أعلن عنه بمساعدة أطراف مسيحية في لبنان (بحمدون - سنة 1927)، وأنتجت لاحقا في سياقات مختلفة الخارطة الراهنة للأحزاب والتنظيمات الكردية السورية المعاصرة.
لذلك لا تنفصل هذه الحوارات عن حوارات أخرى تاريخية أدت الى تشكيل العديد من الأحزاب، فضلا عن اتحادات وائتلافات عريضة. فالتجربة السياسية الكردية في سوريا غنية وقد تثمر عن نتائج تنعكس إيجابيا على مجمل العملية السياسية في سوريا، إذا توفر الراعي الجاد والدارس لتعقيدات المشكلة.
ومن ثم، يتطلب هذا التوجه توصيف المشهد السياسي وثقل الأحزاب الكردية السورية بدقة. هذا المشهد الذي يتوزع على طيف واسع من القوى السياسية والمدنية، وليس كما اختزله الكاتب روزين في طرفين فقط. فالطرف الذي يمتلك السلطة كما أشار إليها هو ائتلاف (أحزاب الوحدة الوطنية الكردية) والتي تعرف اختصارا باللغة الكردية (PYNK)، والطرف الذي يحاوره هو (المجلس الوطني الكردي) المعروف اختصارا (ENKS) وهو ائتلاف أقدم من السابق وهو جزء من ائتلاف المعارضة السورية. أما القسم الثالث من المشهد السياسي الكردي في سوريا، والذي أهمله الكاتب، يشكل أيضا طيف واسع من الأحزاب والمنظمات المدنية، أبرزهما حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (PYDKS)، والحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا (PDPKS) الحليفين. وأما عن أسباب عدم مشاركة هذان الحزبان في الحوارات، فقد اعترض المجلس الوطني على إقامة أي حوار مع حزب الوحدة الديمقراطي، ومنع مشاركته، في حين لم يرغب الحزب الديمقراطي التقدمي في المشاركة في الحوارات. هذا القسم الثالث، إن تم تفعيله ودعوته للحوارات قادر أن يعطي للحوارات مزيدا من الشرعية والزخم السياسي.
فاذا افترضنا أن الكاتب قد أصاب في تقييمه لخطورة مستقبل هذه الحوارات البطيئة، فإننا نفترض أن الخطر الحقيقي متأتي من مستويين، الأول: هو ضعف القراءات للمشهد السياسي الكردي في سوريا وبالتالي ضعف تقييم فعاليته المستقبلية، والثاني يأتي من حقيقة عدم وجود رؤيا أمريكية واضحة لحل المسألة السورية ودمقرطة حياتها السياسية. فان رسمت الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة بايدن خارطة طريق لحل المسألة السورية، وهيأت المناخ لتوسيع الحوارات الكردية وأقلمة الإدارة الذاتية القائمة مع المعطيات الجديدة، فمن الممكن لتوسيع الحوارات أن تضم المكونات الأخرى في شمال وشرق سوريا، خاصة العرب والسريان، بهدف توسيع العملية السياسية واستكمال أحد الأسس الوطنية المشتركة. ومن ثم، يمكن للحوار أن يفضي الى التحرك نحو ممارسة ديمقراطية حقيقية فقط من خلال التوسع في مساحته كمرحلة أولى ليصبح أكثر شمولية.
هذا التغيير في سياسة الإدارة الأمريكية من شأنه أن يساعد في ضمان نجاح العميلة السياسية الجارية في شرق الفرات وأن يكون أيضا مفتاحا للحل السوري، ومنصة جاذبة لتفعيل مسار الحل الديمقراطي في عموم سوريا. وبخلاف ذلك فالتدخلات الإقليمية والدولية ستستمر في إنهاك جسد الفعاليات السياسية الكردية والعربية، وخطر الغرق في الفوضى وإعادة إنتاج التطرف بكل أشكاله سيظل قائما.