- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كسر الجليد: العلاقات بين أربيل وطهران بعد زيارة بارزاني
على الرغم من أن الكثيرين في أربيل يشكون من نفوذ إيران الكبير في العراق، يبدو الآن الرئيس بارزاني مستعدًا للاستفادة من سلطتها لحل النزاع الانتخابي الذي يشهده إقليم كردستان العراق.
من 5 إلى 6 أيار/مايو، قام رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني بزيارة رسمية إلى طهران، ما يفتح الباب لعصر جديد من التعاون وخلال رحلته، التقى بارزاني بالمرشد الأعلى علي خامنئي، وقائد "الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" حسين سلامي، ومجموعة من المسؤولين رفيعي المستوى. وتشير هذه الزيارة، الأولى من نوعها منذ ثلاث سنوات، إلى تحول محتمل في العلاقات بين إقليم كردستان العراق وإيران.
لطالما تبنى خامنئي موقفًا عدائيًا تجاه التوجه الموالي للولايات المتحدة لدى الحكومات الكردية المتعاقبة، ولطالما كان "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الحاكم، على خلاف مع حلفاء إيران في العراق. بالإضافة إلى ذلك، أتى أيضًا هذا التحول المفاجئ بشكل سريع نسبيًا في أعقاب الضربة الإيرانية على أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، بالصواريخ الباليستية في كانون الثاني/يناير. وتملك إيران وحكومة إقليم كردستان، على الرغم من ماضيهما المضطرب، مصلحة راسخة في حل بعض الخلافات التي تطبع المشهد السياسي العراقي، وترى طهران في ذلك فرصة لتوسيع نفوذها في المنطقة.
أفادت وسائل الإعلام الإيرانية عن مناقشة قضايا متعلقة بالأمن والاقتصاد والسياسة الداخلية لإقليم كردستان في خلال اجتماعات الرئيس بارزاني مع المسؤولين. فبارزاني وحزبه، أي "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، متورطان حاليًا في مأزق سياسي طويل الأمد مع "حزب الاتحاد الوطني الكردستاني" المنافس، وقد يُطلب من طهران لعب دور الوسيط بين الطرفين.
لكن لطالما كان "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الحاكم، وبالتالي حكومة إقليم كردستان، على خلاف مع إيران، وقد حافظت طهران على علاقات وثيقة مع كل من "الاتحاد الوطني الكردستاني" والحكومة المركزية في بغداد. بالإضافة إلى ذلك، سعت حكومة إقليم كردستان إلى تبني موقف أكثر توازنًا في مواجهة التنافس الإقليمي بين إيران وتركيا. وعلى الرغم من أن الكثيرين في أربيل يشكون من نفوذ إيران الكبير في العراق، يبدو الآن الرئيس بارزاني مستعدًا للاستفادة من سلطتها لحل النزاع الانتخابي الذي يشهده إقليم كردستان العراق.
التدخل في السياسة الداخلية الكردية كوسيط
لدى الحزبين المهيمنين في إقليم كردستان العراق، "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، الكثير من النزاعات المزمنة في ما يتعلق بالقضايا الأمنية والاقتصادية والسياسية. وقد بلغت التوترات بين الحزبين الكرديين ذروتها في شباط/فبراير من هذا العام، عندما اعتبرت المحكمة الاتحادية العراقية مقاعد الأقلية الأحد عشر في برلمان إقليم كردستان غير دستورية. وقد أدت القضية التي رفعها "الاتحاد الوطني الكردستاني" إلى إضعاف قوة "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، بما أن جميع مقاعد الكوتا هذه كان يشغلها تاريخيًا حلفاؤه، لكنها قللت أيضًا من النفوذ السياسي لحكومة إقليم كردستان بشكل عام.
ردًا على ذلك، أعلن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" أنه لن يشارك في الانتخابات المقرر إجراؤها في 10 حزيران/يونيو. وبعد ثلاث ساعات تحديدًا من لقاء نيجيرفان بارزاني مع خامنئي، قدم ابن عمه ورئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني أيضًا التماسًا للاعتراض على الحكم. وعلى إثر ذلك، دعت المحكمة، التي تتمتع فيها الأحزاب السياسية الشيعية العراقية بنفوذ، إلى تعليق الانتخابات حتى إشعار آخر.
زعم عضو "الاتحاد الوطني الكردستاني" جبار ياور أنه خلال زيارة بارزاني، ستناقَش أيضًا القضايا السياسية الداخلية في إقليم كردستان العراق. وبعد اللقاءات، أكد الرئيس بارزاني من جهته أنه لم يطرح موضوع الوساطة بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، إلا أنه اعترف بأن وفده طلب المساعدة من طهران في حل المشاكل بين بغداد وأربيل. ولهذه الغاية، قام بارزاني لاحقًا بزيارة بغداد للمرة الثانية في الشهر عينه، حيث التقى برئيس مؤسسة التمويل الدولية ومسؤولين انتخابيين آخرين. ويمكن أن يشير واقع أن حكومة إقليم كردستان والمسؤولين الاتحاديين وافقوا على عقد هذه الاجتماعات إلى موافقة طهران الضمنية على تأجيل الانتخابات.
بعد الالتماس الذي قدمه بارزاني، أعلن مجلس القضاء الأعلى العراقي أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات مُطالبة بتخصيص خمسة مقاعد للأقليات في برلمان إقليم كردستان العراق. وفي الوقت عينه، اقترحت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على رئاسة إقليم كردستان العراق إمكانية تأجيل الانتخابات إلى الخامس من أيلول/سبتمبر وهو ما طالب به الحزب الديمقراطي الكردستاني ورفضه الاتحاد الوطني الكردستاني بشدة. ومن المفارقات أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي قاطع الانتخابات السابقة أعاد إعلانه أنه سيخوض الانتخابات المقبلة. ولم تحدد رئاسة إقليم كردستان موعداً لإجراء الانتخابات بعد.
على الرغم من اعتراض "الاتحاد الوطني الكردستاني" المستمر على التأجيل المحتمل للانتخابات، يبدو من المرجح أن تلعب طهران دورًا قويًا كوسيط وتقنع الحزب في نهاية المطاف بالرضوخ. ومن خلال المساعدة في التوصل إلى اتفاق صعب بشأن مسألة الانتخابات، ستحظى طهران بما يكفي من التأييد لدى حكومة إقليم كردستان، ما قد يسمح لها بمطالبتها بتنازلات على الصعيدين الأمني والاقتصادي.
مخاوف طهران الأمنية
بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بنظام صدام عام 2003، أتيحت لإيران فرصة إقامة علاقات سياسية واقتصادية مع حكومة إقليم كردستان، بحيث افتتحت قنصليتين في أربيل والسليمانية. وتمكنت حكومة إقليم كردستان من افتتاح مكتب تمثيلي لها في طهران، يعمل كـ"سفارة فعلية"، على الرغم من أنه لم يتم افتتاح مثل هذا المكتب بعد في تركيا. وقد شهدت العلاقات بين إيران وحكومة إقليم كردستان حركة مد وجزر منذ عام 2003 بسبب التطورات الإقليمية، وظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، وصراع إيران مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
تكمن أحد الأسباب الرئيسية لعدم استقرار العلاقات بين أربيل وطهران في وجود الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة المسلحة في إقليم كردستان العراق، وهي "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني"، و"كومله"، و"حزب الحرية الكردستاني"، و"حزب الحياة الحرة الكردستاني". ومع توقيع "الاتفاقي الأمني الاستراتيجي" بين بغداد وأربيل وطهران في أيلول/سبتمبر 2023، التزمت أحزاب المعارضة المتمركزة في أربيل والسليمانية إلى حد كبير بالاتفاق، باستثناء "حزب الحياة الحرة الكردستاني"، ونقلت العناصر المسلحة بعيداً عن الحدود العراقية-الإيرانية. لكن عملية تنفيذ الاتفاق الأمني لا تزال مستمرة.
لقد أبدت حكومة إقليم كردستان وإيران استعدادًا للتعاون على نطاق محدود، إلا أن علاقات أربيل القوية مع تركيا والولايات المتحدة ودول الخليج تثير قلق إيران. فطهران تعتبر إقليم كردستان العراق بمثابة "إسرائيل الثانية"، مدعيةً أن أربيل هي وكر عملاء الموساد. واتضح المنظور الأمني الإيراني تجاه أربيل أكثر خلال استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق في عام 2017. فقد صرح علي أكبر ولايتي، أحد كبار مستشاري خامنئي في ذلك الوقت، أن المجتمع المسلم لن "يسمح بقيام إسرائيل جديدة في المنطقة"، مشبهًا رغبة أربيل في الاستقلال برغبة اليهود في الاستقلال في عام 1948.
إن موقف إيران العدائي تجاه حكومة إقليم كردستان ليس مجرد خطاب. ففي 15 كانون الثاني/يناير، استهدف الجيش الإيراني منزلي رجلي أعمال مهمين بالصواريخ الباليستية، مدعيًا أن عملاء إسرائيليين كانوا يستخدمون المبنيَين. ووفقًا لبيان رسمي، أخبر الرئيس الإيراني رئيسي بارزاني أنهم يتوقعون من حكومة إقليم كردستان "منع استغلال أراضيهم من قبل العناصر والجماعات الصهيونية المعارضة للثورة الإيرانية". وأعاد بارزاني التأكيد، خلال اللقاء الذي عقده في طهران، على أن إقليم كردستان لن يسمح بأن تكون أراضيه مصدر قلق أمني قومي لجيرانه، مضيفًا أنه من حيث المبدأ، من غير المقبول أن تقوم أي مجموعات مسلحة بمهاجمة دول الجوار لتنسحب بعدها إلى إقليم كردستان العراق.
قال الرئيس بارزاني في تصريحاته لوسائل الإعلام الكردية في طهران بعد اللقاء، إنهم لم يخفوا مشاكلهم السابقة مع طهران، لكنه أضاف أنهم بدأوا فصلًا جديدًا من العلاقات الثنائية وأنهم سيوقعون اتفاقًا جديدًا عما قريب. وبعد أيام قليلة من الاجتماع، نشر المرشد الأعلى خامنئي رسالة ردد عبرها مشاعر مماثلة، قائلًا إن " "إننا نرى علاقة أوثق بيننا وبين المجتمع الكردي - سواء في إيران أو في العراق - من أي دولة أخرى؛ هم بيننا". كان خامنئي يأمل من خلال هذا التصريح، في تصوير الإيرانيين كـ "أخ كبير" لأربيل وليس مجرد شريك استراتيجي أو جار.
أربيل تريد توازن قوى بين دولتين إقليميتين
كان أحد الأهداف الأساسية لإيران من استضافة الرئيس بارزاني إبعاد حكومة إقليم كردستان عن الفلك التركي. فلسنوات متعددة، تقرّبت أربيل بشكل وثيق من أنقرة أكثر من طهران. ويعود موقف حكومة إقليم كردستان البارد من إيران إلى العلاقة المعقدة بين أربيل وبغداد خلال فترة حكم نوري المالكي المدعوم من إيران (2006-2013)، من بين عوامل أخرى. وفي خلال هذه الفترة، كان إقليم كردستان العراق على اتصال وثيق مع تركيا اقتصاديًا وسياسيًا. وعلى الرغم من كل الاعتراضات وردود الفعل القاسية من جانب الحكومة المركزية العراقية، وقعت أربيل اتفاقية استراتيجية مدتها 50 عامًا مع تركيا لتصدير النفط، في خطوة استبعدت بغداد تمامًا.
واليوم، تعد أربيل طريق العبور لمشروع مهم من شأنه تعزيز نفوذ تركيا في العراق، على الرغم من أن مدى انخراط إقليم كردستان العراق في المشروع لا يزال غير معروف. وتجدر الإشارة إلى أن تنفيذ مشروع "طريق التنمية"، الذي كان الموضوع الرئيسي لزيارة أردوغان إلى بغداد وأربيل، مدرج على جدول الأعمال بين بغداد وأنقرة. وقد رفعت المشاركة المالية لدولتي الإمارات العربية المتحدة وقطر في المشروع سقف التوقعات، لكن موقف إيران بشأن هذه المسألة لم يتضح بعد.
لكن لتجنب خطأ عام 2014 وتهدئة مخاوف إيران المحتملة، حاول بارزاني من خلال زيارته لطهران، وفق المحللين، إقناع المسؤولين الإيرانيين بأن مشروع "طريق التنمية" ليس هدفًا استراتيجيًا لإيران. ومن المخاوف الأخرى التي تشغل إيران العمليات العسكرية التركية المحتملة ضد مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" في محافظتي دهوك وأربيل في الصيف. فمن شأن هذه العملية أن تمهد الطريق أمام تعاظم نفوذ أنقرة في العراق. ومن أجل إحباط نفوذ أنقرة في إقليم كردستان العراق، وفرت إيران غطاءً لبعض عناصر "حزب العمال الكردستاني" من خلال إدراجهم تحت راية "قوات الحشد الشعبي" شبه الرسمية، ما يزيد من تعقيد أي هجمات مستقبلية قد تشنها تركيا. وفي هذا السياق، أفيد بعد زيارة أردوغان للعراق أن المسؤولين الإيرانيين ناقشوا العمليات العسكرية التركية المحتملة وتداعياتها مع نظرائهم العراقيين. والجدير بالذكر أنه بعد زيارة أردوغان، تعرض حقل غاز خورمور، الذي تديره شركة دانة غاز الإماراتية، لهجوم صاروخي، يُشتبه بضلوع الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران به.
حاولت إيران تقويض قدرة أربيل من خلال الحكومة في بغداد ونفوذها على "الاتحاد الوطني الكردستاني" في السليمانية، ولكن يبدو الآن أن إيران مستعدة لكبح جماح عدائها وبدء مرحلة جديدة من العلاقات الإيجابية مع حكومة إقليم كردستان، بما أن هذا الانفراج قد يكون أكثر فائدة لطهران.
وعلى الرغم من أن أربيل تريد تحقيق توازن في التنافس بين أنقرة وطهران في المنطقة، نظرًا لعلاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة والدول الغربية وتركيا العضو في الناتو، تواصل إيران على ما يبدو الضغط على أربيل في محاولة لاكتساب النفوذ ذاته الذي تتمتع به في السليمانية. ويمكن اعتبار قدرة حكومة إقليم كردستان على إقناع إيران بأن أربيل لا تهدد مصالحها في العراق خطوة ضرورية لمنع طهران من الضغط عليها من خلال وكلائها أو مباشرةً من خلال عمل عسكري.