- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
"كوران" ونهاية الشعبوية في إقليم كردستان العراق
بعد أشهر من الأخذ والردّ، يجري الحزبان الرئيسيان في حكومة إقليم كردستان - "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" - مفاوضات لوضع اللمسات الأخيرة على التشكيلة الحكومية، التي يجب أن تكتمل بحلول 12 تموز/يوليو. ولكن، بعد أن برزت معالم الحكومة الائتلافية لحكومة إقليم كردستان بشكل أوضح، بدا وكأن حركة "كوران"، وهو الحزب المعارض في إقليم كردستان العراق، قد رضي بدوره الثانوي في الحكومة الائتلافية. فباعتباره حركة شعبية سابقًا، وحصوله اليوم على اثني عشر مقعدًا فقط في البرلمان المؤلّف من 111 مقعدًا، فإن نهوض "كوران" وسقوطه كحزب معارض قوي يدلّان على تراجع الشعبوية في الساحة السياسية الكردية.
من حزب شعوبي خارج المعادلة إلى عضو في التحالف
كان برنامج "كوران" الأصلي الذي صمّمه في عام 2009 زعيم الحزب، نوشيروان مصطفى، الذي يتمتع بشخصية ملهمة، والذي برز في الحركة الكردية ضد النظام البعثي السابق في العراق، مجاهرًا في تعزيز جهود مكافحة الفساد والديمقراطية وسيادة القانون. ولاقت هذه الرؤية صدًى لدى عدد كبير من الأكراد العاديين، الذين عانوا من الفساد والمحسوبية وضعف سيادة القانون لسنوات في حكومة مؤلفة من حزبي المنطقة الرئيسيين. ومن هذا المنطلق، كان من السهل تعبئة الناخبين بوعود الحركة. فاحتلّ "كوران" المرتبة الثانية بحصوله على 25 مقعدًا في خلال أول معركة انتخابية له. وبعد هذا النجاح المذهل، أكّد "كوران" أنه سيحقق تطلعات الناخبين المحبطين.
ولكن بعد سنوات من الوعود، لم يتحقق أي من المبادئ التي يسترشد بها "كوران". وعلى الرغم من نجاح تركيز الحزب في البداية على الخطابة الشعبوية، غير أنّ "كوران" تخلى عن هذا الأسلوب الخطابي في أعقاب انتخابات أيلول/سبتمبر الماضي. وبدلاً من ذلك، ركزت قيادة "كوران" على التوصل إلى اتفاق لتشكيل الحكومة مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، وهو ما أدّى إلى توجيه قدر هائل من الانتقادات ضد "كوران" من قبل مؤيديه، الذين يرون أنه حزب منافق نظرًا إلى أنّه لطالما صوّر "الحزب الديمقراطي الكردستاني" كعدو له.
في الأعوام الأولى التي تولى فيها "كوران" السلطة، كان سياسيوه نشطون في محاربة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني". وعلى الرغم من أنّه وعد "بأربع سنوات من الاستقرار" عندما انضم إلى الحكومة في عام 2014، حاول "كوران" وأحزاب معارضة أخرى في حكومة إقليم كردستان تغيير القانون الرئاسي بعد عام. وهو التغيير الذي ربما يكون قد أجبر مسعود البرزاني على التنحي كرئيس لإقليم كردستان العراق بعد انقضاء قرابة عقد على توليه هذا المنصب. غير أنّ هذه المحاولة أتت بنتائج عكسية وأدّت جهود "كوران" إلى إقالة رئيس البرلمان - وهو عضو في "كوران" - ومنع الوزراء التابعين لحزب "كوران" من دخول أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق. وعلاوة على ذلك، عطّل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" البرلمان لمدة عام ونصف. إذ كان يجب على "كوران" أخذ العبرة من هذه الحادثة وأن يدرك أنّ الحزبين الحاكمين في حكومة إقليم كردستان سيوقفان أي إجراءات قانونية وديمقراطية إذا كانت تلك العمليات تتحدى حكمهما بشكل جذري.
واجه "كوران" في أيار/مايو 2017 المزيد من الانتكاسات عندما توفي زعيمه صاحب الشخصية البرّاقة. وانتقدت دائرةُ الحزب بشدة قيادتَه المنتخبة حديثًا لأن الكثيرين كانوا سياسيين أكبر سنًا أو زعماء سابقين في "الاتحاد الوطني الكردستاني". وعلاوة على ذلك، عندما تم نقل ملكية ممتلكات نوشيروان - بما في ذلك تل زركته، حيث المقر الرئيسي لحزب "كوران" ومحطة التلفزيون ومحطة الراديو التابعتين له - إلى ولديه جيا ونما، احتج أعضاء "كوران" العاديون على أن المحسوبية كانت تتدخل في حوكمة الحزب. هذا وزادت المخاوف بشأن تل زركته على مزاعم المحسوبية ضد قياديي الحزب البارزَين، عثمان حاجي محمود وقادر حاجي علي، اللذين استقالا من الحزب في نهاية المطاف.
إنّ الاتهامات الموجهة حاليًا ضد "كوران" هي تراكمات ناتجة عن سنوات عديدة وتعكس المخاوف بشأن قيادة الحزب ورسالته. وعلى الرغم من الانتقاد الواسع النطاق، قد يكون من المعقول أن يحتاج أي حزب إلى تعديل خطابه من أجل الانضمام إلى الحكومة بعد سنوات من كونه حزبًا معارضًا.
إنّما الأمر المذهل هو أنّ هذا التغيير الذي طرأ على حزب "كوران" يتعلق بقضية سياسية رئيسية كانت قد فصلت الحزب من قبل عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني". ففي منتصف حزيران/يونيو، أعلنت قيادة "كوران" أنها تتفق مع سياسة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" بأن إقليم كردستان له الحق في إدارة موارده الطبيعية خارج بغداد. يشار إلى أنّ حكومة إقليم كردستان قد اتبعت هذه السياسة لسنوات، واستفادت منها النخبة الكردية بشكل كبير لكنها تسببت في معاناة الكثير من الأكراد العاديين. فبسبب النزاع حول عائدات النفط، قطعت بغداد في الكثير من الحالات حصة كردستان من التمويل من الميزانية العراقية.
وما يؤكّد على التناقض بين رسائل الحزب وأفعاله هو إصدار "كوران" إعلانه بعد المحاولات التي قام بها ثلاثة من نوابه ونائبان كرديان آخران في بغداد لدفع حكومة إقليم كردستان إلى تصدير النفط عبر العراق، حيث جادل السياسيون حينها أن مثل هذه الخطوة ستسمح لاقتصاد إقليم كردستان العراق بالازدهار وستضع خارطة طريق لتسوية النزاعات بين الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم كردستان.
مستقبل "كوران"
يشير هذا التحول الكبير في السياسة إلى أن "كوران" قد تعلّم أنه لا يمتلك القدرات اللازمة لإجراء تغييرات جذرية في حكومة إقليم كردستان خلال فترة زمنية قصيرة. ونظرًا لأن "كوران" هو حركة مدنية أساسًا، يجب عليه التفاوض مع الحزبين الرئيسيين لحكومة إقليم كردستان من أجل إحداث أي تغيير داخل النظام. وحتى لو كان جزءًا من الحكومة، فإن محاولة تنفيذ إصلاحات جذرية ستعمل في نهاية المطاف ضد قدرة "كوران" على إنشاء إصلاحات أكثر تواضعًا بمساعدة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني". وعلاوة على ذلك، من غير المعقول افتراض أن التحسينات الجذرية قد تكون ممكنة في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن. فحكومة إقليم كردستان هي نظام قائم يرتكز على المصالح الحزبية والشخصية التي تطورت على مدار ثلاثة عقود تقريبًا، وينبغي عدم التوقّع أن تكون أي إصلاحات متعلقة في هذا النظام فورية.
وفي المقابل، قد ينتج عن ذلك خيبة أمل كبيرة إذا ما اندمج الحزب تمامًا في المؤسسة، وكفّ عن بذل جهود لمحاربة الفساد، وإذا أصبح مشاركًا طوعيًا في المؤسسات الحزبية في حكومة إقليم كردستان. وفي حين أن الكثير من المحللين السياسيين يتهمون "كوران" بالفعل بالتوجه نحو هذه النتيجة، قد يكون من المبكر الحكم على فعالية "كوران" الذي يعمل بنشاط ضمن نظام حكومة إقليم كردستان.
ربما يكون "كوران" قد تخلى عن قدرته على حشد الناخبين من خلال الخطاب الشعبوي الذي كان يعتمد عليه من قبل. ففي الماضي، كانت قدرة "كوران" على حشد مؤيديه من خلال هذه اللهجة الخطابية تعني أن قرارات الحزب قد صيغت بشكل كبير من خلال تصورات الناس للمشهد السياسي بدلاً من خطة سياسية منظمة لإحداث التغيير. فقد أدّت استجابة "كوران" الخطابية لمخاوف الناخبين إلى رفع التوقعات، ولا سيّما في ما يتعلق بكل من الإصلاح وإسقاط الحكم الثنائي لـ"الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني". وبالتالي، فإنّ ما تبع ذلك من تحوّل، حيث أصبح الحزب مشاركًا في الائتلاف، إلى جانب فشله في الوفاء بوعوده، أدّى إلى زوال الوهم والشعور بخيبة الأمل جراء التوقعات المبالغ فيها. وفي نهاية المطاف، أفضى صعود خطاب "كوران" الشعبوي وسقوطه إلى تشكيل سياسات حكومة إقليم كردستان، وذلك بصورة رئيسية من خلال جعل الكثير من الناس يعتقد أنه لا يمكن تحقيق أي انتقال للسلطة أو أي إصلاح بالوسائل الديمقراطية.
وتُعزى هذه النتيجة جزئيًا إلى افتقار قيادة "كوران" إلى رؤية طويلة المدى حول كيفية إجراء الإصلاحات في المنطقة. وفي حين أن عملية إضفاء الطابع المؤسسي، وتعزيز سيادة القانون والديمقراطية تتطلب واقعيًا سنوات عديدة من الإصلاح التدريجي، تحدّث سياسيو "كوران" كما لو كان من الممكن تحقيق هذه الأهداف خلال فترة ولاية واحدة من البرلمان - وبالتالي حكموا على أنفسهم بالفشل.
حزب جديد، أخطاء قديمة
بعيدًا عن إثارة شعور الناخبين بالإحباط إزاء العملية الديمقراطية، فإن خيبة الأمل في "كوران" قد أنشأت أيضًا فراغًا في المعارضة. تجدر الإشارة إلى أنه في الدورة الانتخابية السابقة، شارك رجل الأعمال الكردي العراقي البارز، شاسوار عبد الواحد، في تأسيس حزب "الجيل الجديد"، الذي حصل على أربعة مقاعد في الانتخابات الفيدرالية وثمانية مقاعد في الانتخابات الإقليمية. فبالنسبة لحزب جديد، يُعتبر ذلك انتصارًا كبيرًا، لا سيّما عند مقارنته بالمقاعد الخمسة التي حصل عليها "كوران" في الانتخابات نفسها. كما أنّ حملة شاسوار ضد استفتاء استقلال كردستان دعم أيضًا مؤهلاته، حيث زعم أن النتيجة المحتملة للاستفتاء يمكن أن تشمل فقدان حكومة إقليم كردستان السيطرة على المناطق المتنازع عليها في بغداد. وعندما حدث ذلك جزئيًا، قادت البصيرة التي يتمتع بها شاسوار الآلاف من الناس، ولا سيّما الشباب الكردي، إلى أن يكونوا أكثر ميلًا إلى اعتباره زعيمًا سياسيًا.
ومع ذلك، فإن برنامج "الجيل الجديد" يشبه إلى حد كبير برنامج "كوران" الأولي، على الرغم من أن خطابه الشعبوي أقوى من خطاب "كوران". فقد قدّم الحزب وعودًا غير معقولة، مثل الالتزام بجلب السيارات الكهربائية إلى المنطقة على الرغم من أنّ عددًا كبيرًا من الأفراد يفتقرون إلى الكهرباء في منازلهم. وتمكّنت هذه الرسائل من الانتشار بفعالية من خلال قناة "إن آر تي" الشهيرة التي يملكها شاسوار. وفي فترة لاحقة، تم تعليق عضوية بعض الشخصيات الرئيسية في الحزب، من بينهم رابون معروف، وسركوت شمس الدين وأرام سعيد بعد اتهامهم لشاسوار بخلط شؤون الحزب مع أعماله والهيمنة على القرارات الجماعية لحزب "الجيل الجديد".
من الضروري أن تتوخى أحزاب المعارضة في إقليم كردستان العراق الحذر من الخطابات الشعبوية. فمع بدء الأكراد في رؤية هذا الأسلوب باعتباره مبتذلاً وليس موقفًا سياسيًا جادًا، يصبح الخطاب الشعبوي أقل ميلاً إلى تعبئة الناس في الانتخابات المقبلة. لذلك، من المحتمل أن يواجه "الجيل الجديد" المشاكل نفسها التي واجهها "كوران" في المستقبل القريب نظرًا لطابع وعوده الجذري. ومن المهم أيضًا أن تنظر مجموعات المعارضة في استراتيجيات جديدة تؤدي فعلاً إلى الإصلاح وتساعد على استعادة ثقة الناس بها. فمهما كان عدد المقاعد التي يحصل عليها أي حزب أو مهما يتم انتقاد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، سيتعين على أي حزب معارض في النهاية التعامل مع الحزبين الكبيرين المهيمنَين على حكومة إقليم كردستان من أجل إحداث أي تغيير. وبخلاف ذلك، ستواصل مجموعات المعارضة في إقليم كردستان العراق إحباط الناس من خلال الالتزامات غير المحققة وستساعد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" على الحفاظ على الوضع الراهن.