- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف ابتلعت الميليشيات الإيرانية دير الزور؟
صارت المنطقة الواقعة جنوب وغرب نهر الفرات في محافظة دير الزور السورية منطقة ذات طابع عسكري كثيف حيث تقوم العديد من المليشيات والقوات بدوريات عسكرية وتعمل على تحقيق مصالحها المتنوعة على حساب المدنيين.
ومنذ عام 2021، واجهت دير الزور العديد من المشاكل نتيجة تزايد نفوذ الميليشيات، إلى جانب التهديدات التي يشكلها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والشباب المحلي الذين تم تجنيدهم بشكل متزايد في الميليشيات المختلفة في المنطقة.
وتعتبر المليشيات التابعة لإيران هي أبرز المليشيات الموجودة في المحافظة حيث تلعب دورا مهما في تثبيت أقدام الأسد وزيادة النفوذ الإيراني على الأرض، وتنقسم تلك المليشيات التي تتركز في دور الزور كالتالي:
أولاً: الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، وهي تعمل كمركز إداري وعسكري ومالي للميليشيات المدعومة من قبل إيران في محافظة دير الزور، و ويترأس “الحاج مهدي” - وهو قائد عسكري إيراني الجنسية - أحد هذه الميليشيات التي تتمركز في المدينة والمنطقة الشرقية، ويتركز ثقلها في مدينة الميادين شرق دير الزور، حيث ينتشر نحو 3000 عنصرا من “الحرس الثوري” في المدينة. ويقع أكبر مقر لمليشيا “الحرس الثوري الإيراني” في المنطقة الشرقية قرب مشفى الأسد جنوب مدينة دير الزور، ويضم أكثر من 400 عنصرا جميعهم من السوريين من مختلف المحافظات السورية. وفي كثير من الأحيان، تقوم الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني بتسهيل نقل البضائع المجهولة والمشبوهة. وفي الآونة الأخيرة، أثارت إحدى عمليات البضائع بعض المخاوف عندما قام الحرس الثوري الإيراني بفرض طوقا أمنيا وقت وصول الشحنة، وتوقفت مركبات التوصيل في مستودع تابع للحرس الثوري الإيراني يحتوي على رافعة طراز "بوم".
ثانيا: الميليشيات الأفغانية المدعومة من قبل الحرس الثوري الإيراني، وتتمركز في دير الزور، حيث تتواجد كلٌ من ميليشيا فاطميون وزينبيون في المربع الأمني الأفغاني قرب مركز الانطلاق بمدينة البوكمال ،ويشرف عليهم عدد من القادة أبرزهم "الحاج ذو الفقار" ويبلغ تعداد هذه الميليشيا نحو 4500 عنصر. وبناءً على طلب روسي، قامت ميليشيا فاطميون ومليشيات أخرى بالاستغناء عن راياتهم، حتى لا يتم استهدافهم كأهداف تابعة لإيران. ومع ذلك، أصبح نفوذ هذه المجموعات في تزايد مستمر في دير الزور، حيث يتجول عناصر الميليشيات في أحياء المدينة ويقومون بتكثيف نشاطهم.
ثالثا: مليشيا “حرس القرى” والتي تتبع للحرس الثوري الإيراني بقيادة “الحاج حسين”، ويبلغ تعداد عناصرها نحو 1500 عنصراً في المنطقة الممتدة من بلدة البوليل وحتى مدينة صبيخان بريف دير الزور الشرقي، ومهمتها الرئيسية هي التواجد على الشريط النهري في المنطقة المقابلة لمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
رابعا: مليشيات الدفاع الوطني، وهي ميليشيا موالية للأسد تشكلت تحت قيادة النظام السوري وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وجيش العشائر، وهي ميليشيا تابعة للنظام وترتبط بإيران، وتعمل على تعزيز مواقعها في صحراء دير الزور. وقامت الميليشيات بنشر قرابة 125 عنصراً على نقاطهم في مناطق الجلاء، الفيضة. كما صارت ميليشيا الدفاع الوطني المروج الأكبر للمخدرات بالوكالة عن الميليشيات الإيرانية التي تنتشر بشكل كبير في المنطقة، وتعمل على جلب المخدرات القادمة من لبنان والعراق وبيعها في مناطق سيطرة النظام بدير الزور وتهريبها أيضاً لمناطق سيطرة "قسد" في شمال شرق سوريا.
وفى حين كان هناك عمليات دمج واسعة للضباط التابعين لنظام الأسد في هياكل قيادة الحرس الثوري الإيراني، إلا أن مليشيا “فوج أبو الفضل العباس” تتبع الجيش الشعبي التابع لقوات النظام، وتتسم بطابع طائفي، وتتلقى أوامرها العسكرية والإدارية من منطقة السيدة زينب في دمشق، والقائد العام للمليشيا هو “عدنان عباس السعود – أبو العباس” من مدينة الميادين، مهندس معلوماتية كان قد خرج من منطقة الميادين عقب خروجها عن سيطرة قوات النظام عام 2012 واستقر في دمشق، وعاد مع قوات النظام السوري، بعد عودتها للمنطقة أواخر عام 2017. كما تعد مليشيا “أبو الفضل العباس” من أكبر الفصائل العسكرية الطائفية في المنطقة، إذ يبلغ تعداد عناصرها نحو 7310 عنصراً، منهم محليين (يحملون الجنسية السورية)، وآخرون أجانب من جنسيات أفغانية وإيرانية، يشرفون على مخازن أسلحة ومعتقلات في قلعة الرحبة الأثرية جنوب مدينة الميادين ويعملون على حماية مزار "عين علي".
والجدير بالذكر أن تدفق المجندين يسير في كلا الاتجاهين: ففي عام 2021، سافرت دفعة جديدة من أبناء دير الزور إلى ليبيا بتنسيق روسي قبل وقف إطلاق النار، ويذكر أنّ القوات الروسية أرسلت مئات الشبّان من أبناء دير الزور إلى ليبيا، خلال الفترة السابقة، وذلك للقتال إلى جانب ميليشيا حفتر المدعوم من قبل موسكو، مما تسبب في مزيد من الانقسامات في المجتمع.
وبالمثل، أرسلت الميليشيات الإيرانية المتطوعين للجبهات المحتدمة، حيث أصدرت قيادة ميليشيا الحرس الثوري الإيراني في دير الزور أوامر بنقل 65 عنصراً من أبناء محافظة دير الزور المطلوبين للخدمة الإلزامية من كل من ميليشيات أسود العشائر ولواء الباقر، وممن كان انتسابهم ضمن تسوية، للخدمة في صفوف قوات الأسد العسكرية في تدمر وإدلب وحماة، وتم تحويل العناصر لشعب التجنيد لحصولهم على أرقام عسكرية رسمية، حيث تمارس قيادات الميليشيات الإيرانية هذه الألاعيب مع المتطوعين، وتعدهم بأن خدمتهم محسوبة ضمن خدمتهم الإلزامية.
الجغرافيا العسكرية للمنطقة
بالإضافة إلى وحدات الميليشيات التابعة لها، تمتلك إيران أكثر من 300 موقعا عسكريا في سوريا، ما بين قواعد عسكرية وعملياتية وأمنية ونقاط مراقبة واستطلاع وأخرى لوجستية وأمنية، وتنتشر هذه المواقع في 13 منطقة، تقع اغلبها في دير الزور، وحلب، ودمشق، وحمص. وينقل مركز الجسور للدراسات أنّ القوات الإيرانية وبشكل رئيسي الحرس الثوري الإيراني هي أكثر القوات الأجنبية التي شهدت زيادة في عدد مواقعها العسكرية في سوريا.
وتعتبر قاعدة (تي 2) أو (الكم)، التي تقع في البادية المقابلة لمدينة البوكمال، اهم القواعد العسكرية. وقد نشر "العربي الجديد" أنّها الأقرب للقواعد الأميركية، وعلى مقربة منها أيضاً هنالك جيب أخير لتنظيم "داعش"، وقال الموقع نقلا عن مصادر ميدانية ذهب إليها محللون آخرون من دير الزور أنّ هناك تعاوناً من نوعٍ ما بين التنظيم والمليشيات الإيرانية في هذه المنطقة، بما يخص تهريب مقاتلي التنظيم من شرق الفرات، ولا سيما من منطقة الباغوز نحو البادية عبر صفقات أبرمت مع المليشيات. وقد زار هذه القاعدة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني في تموز 2019، حيث ظهر في مقاطع مصورة من داخل القاعدة.
كما أنّ هناك قاعدة حقل الورد النفطي في ريف البوكمال ويستقر فيها بشكل أساسي ميليشيات الحشد الشعبي وحركة النجباء.
وبالمثل، تعتبر قواعد معسكري الصاعقة والطلائع من أكبر تجمّع للمليشيات الإيرانية داخل مدينة دير الزور، وتقع بالقرب من مبنى المحافظة وحي الجورة، وهي في المجمل معسكرات تدريب وتجميع لمقاتلي المليشيات ومنطلق باتجاه المنطقة الوسطى.
من وجهة نظر عسكرية واستراتيجية مذهبية دينية سياسية، تعتبر قاعدة عين، التي تقع في بادية مدينة القورية في الريف الشرقي اهم تلك القواعد العسكرية، حيث أنشأت مليشيا "فاطميون" فيها مزارا دينيا، وتعتبر أيضا مركزا لتجمع الحجاج القادمين من إيران والعراق باتجاه سوريا، وقد أشرف القيادي في فيلق القدس الحاج أبو عبد الله على تأسيسها بتوجيه من الخامنئي نفسه. ورغم تعرّض القاعدة لعدد كبير من الغارات والضربات الصاروخية من قبل إسرائيل والتحالف الدولي، إلا أنّ هذه الضربات لم تؤثر بشكل كبير على تجهيزاتها وذلك كونها محصنة بمتاريس تحت الأرض.
الغارات الإسرائيلية على دير الزور
أدى إنشاء تلك القواعد الى قيام إسرائيل بشن ضربات جوية ضدها مستفيدة من إذعان روسيا الضمني. رداً على ذلك، لجأت إيران إلى عدة استراتيجيات. رداً على ذلك، قامت إيران بسحب قواتها المتواجدة من المناطق القريبة من إسرائيل بعد تفاهمات روسية وإسرائيلية، كما لجأت القوات التابعة لإيران بالتمركز بين المدنيين وتأسيس نقاط أصغر، والقيام بتهريب الأسلحة بين شحنات الأطعمة والمواد الغذائية.
في يناير 2021، نفذت إسرائيل غارات استهدفت مدينة دير الزور والبوكمال شرقي سورية، وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من عناصر المليشيات الموالية لإيران ولقوات الأسد. كما استهدف الطيران الحربي الإسرائيلي بعشرات الغارات عدداً من المواقع لقوات الأسد والميليشيات الإيرانية ومنها مواقع لميليشيا الحرس الثوري الإيراني في منطقة الثلاثات في بادية البوكمال شرق دير الزور، ومواقع لميليشيا الحرس الثوري وميليشيا الفوج 47 في بير الحمّار في بادية البوكمال، واستهدفت الغارات أيضاً منطقة السيبة حيث تنتشر بها مواقع لميليشيا الحرس الثوري الإيراني.
كما استهدفت الغارات مواقع أخرى لميليشيا زينبيون على طريق مطار الحمدان، وفي شارع الهجانة داخل مدينة البوكمال، ومواقع أخرى لميليشيا الحشد الشعبي العراقي قرب بوابة البوكمال الحدودية، كما تعرض موقع لميليشيا حزب الله في محيط مشفى عائشة بالبوكمال لغارة من الطيران الحربي. وفي مدينة الميادين، توزعت الغارات على مواقع لميليشيا الحرس الثوري الإيراني في منطقة المزارع على الطريق الدولي دير الزور- الميادين، ومواقع لميليشيا فاطميون بالقرب من “الماكف” وبمحيط قلعة الرحبة. وفي مدينة دير الزور ومحيطها، استهدفت الغارات مستودعات أسلحة لميليشيا فاطميون، ومواقع أخرى في تلة الحجيف، كما تم استهداف موقعاً بالقرب من كلية التربية في حي العمال بمدينة دير الزور، ومقراً للأمن العسكري في حي غازي عياش، ونقاطاً بالقرب من المشفى العسكري.
العنف والإرهاب
بصرف النظر عن محاولات عسكرة المحافظة، فإن عمليات القتل ذات الدوافع السياسية تشكل أيضًا تهديدًا للمدنيين الذين يعيشون في دير الزور. على سبيل المثال، في 12 كانون الثاني /يناير 2021، اغتيل أربعة أشخاص بينهم وجيه عشائري بارز بعمليات نفذها مسلحون مجهولون شرق دير الزور، حيث قُتل الحاج “طليوش الشتات” أحد وجهاء عشيرة العقيدات، بقرية الحوايج بريف دير الزور الشرقي، وابنه وضيفٌ كان في منزله، نتيجة اقتحام مسلحين مجهولي الهوية لمنزله وإطلاق النار عليهم، كما أعقب هذه الحادثة حادثة أخرى في بلدة الشحيل شرق دير الزور، حيث قُتل شاب نتيجة إطلاق نار من قبل مسلحين ملثمين، عند مروره بالقرب مشفى الشحيل.
إضافة الى ذلك، أصيب شيخ عشيرة البوصالح “محمد الأسعد البدر” وقُتل شقيقه “حميد البدر”، إثر هجوم شنه مسلحون مجهولون على سيارتهما في طريق جزرة البوحميد- أبو خشب شمال غرب دير الزور، وجرى الاستهداف من خلال الأسلحة الرشاشة، حيث كان المسلحون يستقلون دراجة نارية، في حوادث تتكرر بين الحين والآخر في المنطقة، وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي أنباء مفادها أن استهداف الشيخين، جاء إثر رفضهما المظاهرات الرافضة للتواجد الروسي في المنطقة.
إضافة الى ذلك، عادت دموية تنظيم "داعش" للواجهة مرة أخرى في دير الزور، حيث شهدت عدة مناطق من ريف دير الزور عمليات اغتيال وجرائم قتل تحمل بصمات تنظيم داعش ، إذ تفاجئ أهالي بلدة الشحيل بريف دير الزور الشرقي، بوجود جثة مقطوعة الرأس، وسط البلدة، وعليها ورقة تحمل تهديد ووعيد من قبل تنظيم داعش لكل من يتعاون مع من أسماهم “الصحوات” - في إشارة إلى ما يسمى بـ "صحوة الأنبار" خلال حرب العراق ، عندما قام ائتلاف العشائر السنية القوية بالدخول في تحالف مع الولايات المتحدة ضد تنظيم القاعدة والجماعات التابعة لها في العراق. في نيسان/أبريل 2021، قام مسلحون ملثمون بمهاجمة أفراد من قوات سوريا الديمقراطية أثناء تواجدهما في محل بقالة في بلدة مركدة بريف الحسكة.
كما قام تنظيم "داعش" بتهديد عشرات الأشخاص شرق دير الزور عن طريق بيان مكتوب تناول أسماء 27 شخصاً من أهالي بلدة جديد عكيدات بريف ديرالزور الشرقي، وصفهم التنظيم بـ “المرتدين”، نتيجة تعاملهم مع قوات سوريا الديمقراطية، وجاء في البيان أيضاً، تهديداً للأسماء المنشورة مالم يسارعوا بـ” التوبة”، وإلاّ سوف يواجهون الموت وهدم منازلهم على يد عناصر داعش.
والجدير بالذكر أن أبناء دير الزور وهؤلاء المنتسبين لميليشيا الحرس الثوري الإيراني سائقين وفنيين في المرآب، وأن هناك بعض قادة ميليشيات الحرس الثوري ومنهم الحاج مهدي والحاج عسكر يديرون مشاريع زراعية لمئات الهكتارات تم الاستيلاء عليها في عام 2018.
هناك عشرات العائلات في مدينة البوكمال ممنوعة من العودة لمنازلها بقرار من “مكتب الأصدقاء”، التابع لميليشيات الحرس الثوري الإيراني، الذي رفض عدة طلبات من العائلات النازحة التي ترغب في العودة إلى منازلها، كما أجبرت تلك الميليشيات عشرات العائلات على إفراغ منازلها لتستخدمها كمقرات عسكرية.
هذه العسكرة المستمرة لهذه المنطقة تمثل أحد جوانب العنف الذي ابتليت به سوريا على مدى العقد الماضي. وفى حين انحسر العمل العسكري المباشر، فإن حشد الميليشيات في هذه المنطقة يُذكر السكان يوميا في دير الزور بأن الصراع نفسه لم ينته بعد. لقد أظهرت إيران على وجه الخصوص نيتها في البقاء في دير الزور إلى أجل غير مسمى، سواء من خلال قواعدها العسكرية أو "قوتها الناعمة" وجهودها المستمرة لإعادة تشكيل ديمغرافية وهوية المنطقة لخلق كيان واحد متعاطف مع إيران ومؤمن بنمط خامنئي من الإسلام الشيعي. وقد تستغرق هذه العملية عقودًا حتى تكتمل، لكن في هذه الأثناء سيظل سكان دير الزور يعانون من التحديات التي أحدثتها بالفعل عملية عسكرة المدينة.