- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف ستردّ "قوات سوريا الديمقراطية" على غزو تركيا؟
يوم الأربعاء، أطلقت تركيا عملية "نبع السلام" في شمال شرق سوريا بعد تلقيها ضوءًا أخضر فعليًا من البيت الأبيض لتنفيذ عملية أحادية في المنطقة الواقعة بين تل أبيض ورأس العين. وقد بدأت هذه العملية مباشرة بعدما سحبت الولايات المتحدة على وجه السرعة 50 جنديًا من هذه المنطقة ضمن قاعدة تل أرقم وقاعدة غير محددة في تل أبيض. وتمّ إطلاق عملية "نبع السلام" رغم اتفاق الآلية الأمنية المبرم في وقت سابق بين تركيا والولايات المتحدة في آب/ أغسطس، الذي كان ليمنع هجومًا مماثلًا من الناحية النظرية. يُذكر أن القوات الكردية استولت على رأس العين في معركة ضد متمردي تنظيم "القاعدة" و"الجيش السوري الحر" في تموز/ يوليو 2013، لكن المعارك تجددت حاليًا في المدينة.
وتعقب أحدث عملية أطلقتها تركيا جهودًا بُذلت سابقًا على غرار عملية "غصن الزيتون" (بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس 2018) وعملية "درع الفرات" (آب/ أغسطس 2016– آذار/ مارس 2017) اللتين كان لهما هدف مشترك ألا وهو إقامة كيان بقيادة كردية على الحدود التركية. وتمامًا كما في العمليات السابقة، أخذت هذه العملية بدورها الضوء الأخضر فعليًا من روسيا التي تأمل إرغام "قوات سوريا الديمقراطية" على الخضوع لدمشق. ويبدو أن الهدف الحالي لعملية "نبع السلام" التي تشنها تركيا هو السيطرة على الجزء الأكبر من هذه المنطقة الممتدة على طول 125 كيلومترًا (78 ميلًا) حيث أزالت "قوات سوريا الديمقراطية" تحصيناتها السابقة. وتملك تركيا فيديو مراقبة ومعلومات من طائرة استطلاع تنطلق في دوريات مشتركة جوية وبرية، للمساعدة على تسهيل العملية.
وفي نهاية المطاف، استفادت تركيا في الواقع من اتفاق الآلية الأمنية، بما فيه إزالة القوات المرتبطة بـ"قوات سوريا الديمقراطية" لتحصيناتها من المنطقة في أيلول/ سبتمبر. ومن المرجح ألا تكون تركيا اعتزمت قط التقيّد بالاتفاق وكانت تنوي استخدام الآلية الأمنية لجمع معلومات عن مواقع الجنود في تل أبيض ورأس العين قبل العملية. وقد ثبُت ذلك أيضًا من خلال توحيد تركيا لجماعات المتمردين السوريين التي بات يُطلق عليها اليوم تسمية الجيش الوطني من مختلف الأراضي تحت إدارة وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة في 4 تشرين الأول/ أكتوبر.
كما صرّحت تركيا علنًا بنواياها إطلاق هذه العملية الأحدث طيلة أشهر. وفي كانون الثاني/ يناير، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "إننا لن نسمح أبدًا بإقامة منطقة آمنة ستتحوّل إلى مستنقع جديد بالنسبة لتركيا يشبه ذاك في شمالي العراق". ويمكن فهم أنه يرمي من خلال جهوده الحالية إلى منع "وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا من الحصول على استقلال ذاتي بالطريقة التي نجح بها أكراد العراق بعد انسحاب قوات صدام من شمالي البلاد عام 1991.
وتتحرك أنقرة مدفوعةً باعتقادها أنه لا يمكن فصل "وحدات حماية الشعب" عن "حزب العمال الكردستاني" التركي-الكردي الذي صنّفته تركيا وغيرها من دول حلف "الناتو"، بما فيها الولايات المتحدة، منظمة إرهابية. وبالتالي، ترى تركيا أن أي كيان كردي خاضع لهذه الوحدات هو بمثابة تهديد لسلامة أراضيها.
مواقف الولايات المتحدة وردّها
في وقت تبدو دوافع تركيا لتنفيذ الهجوم جليّة، لا يمكن توقّع دور الولايات المتحدة في تسهيله بالوضوح ذاته. ورغم ذلك، أكّد أحد كبار الدبلوماسيين الأمريكيين يوم الخميس أنه تمّت إحاطة الولايات المتحدة بالتوغل العسكري التركي مشيرًا إلى أننا "نعتقد أنها فكرة سيئة. لكننا لا نملك المؤشرات– فهم لم يمنحونا أي مؤشرات على أنهم يعتزمون التصعيد بدرجة تتخطى ما أعلمونا به". وبالتالي، من المحتمل أن تعارض الولايات المتحدة أي تصعيد تركي للصراع خارج منطقة "الآلية الأمنية" السابقة هذه.
ويساهم هذا الخط الأحمر غير المعلن في شرح التحذيرات التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على موقع "تويتر" قائلًا بأن الولايات المتحدة قادرة على "تدمير" اقتصاد تركيا في حال "تجاوزت الحدود"، فيما أثنى لاحقًا على تركيا باعتبارها شريكًا تجاريًا وإحدى الدول الأعضاء في حلف "الناتو". وتُظهر رسالة ترامب أنه هناك اتفاق فعلي على ما يبدو بين تركيا والولايات المتحدة بشأن حدود هذه العملية، وأن الرئيس الأمريكي يريد من تركيا إنهاء هذه العملية بسرعة ومن دون إيقاع ضحايا مدنيين.
ونظرًا إلى أن اجتماعًا مقررًا سيُعقد بين أردوغان والرئيس دونالد ترامب في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، من المرجح أن يكون الأول يأمل ببسط سيطرة تركيا على الأرض أقلّه في تل أبيض ورأس العين قبل هذا الاجتماع. لكن في حال نجحت تركيا في الاستيلاء على هاتين البلدتين، قد تحاول السيطرة أيضًا على عين عيسى للتحّكم بالطريق السريع M4، ما قد يسمح لها بتطويق كوباني وفتح الطريق إلى الرقة– وبالتالي قطع الأرض الخاضعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" إلى قسمين. تجدر الملاحظ إلى أن هذه القرية الاستراتيجية وقعت في قبضة الأكراد في الأساس خلال انتزاعهم تل أبيض في حزيران/ يونيو 2015 من "داعش". ومع ذلك، تغير الوضع يوم الأحد عندما أمر البيت الأبيض قواته بالانسحاب، خوفًا من الوقوع بين جيشين متحاربين.
التكتيكات التركية وردّ "قوات سوريا الديمقراطية"
من الناحية التكتيكية، تنفذ تركيا حملة بطيئة باستخدام المدفعية والدعم الجوي مع مشاركة مباشرة محدودة. وتُظهر التحركات على الخريطة أن الأتراك يحاولون محاصرة تل أبيض ورأس العين على السواء من الشرق والغرب. وردًا على ذلك، من المرجح أن تسعى "قوات سوريا الديمقراطية" إلى منع هذا الحصار من خلال المهاجمة من الخلف. في هذا الإطار، صرّح أحد مقاتلي "قوات سوريا الديمقراطية" للكاتب خلال فصل الصيف الفائت قائلًا بأنه "في ظل سيناريو مماثل، علينا تخفيف الضغوط عن قوة محددة تمّت محاصرتها". وتابع "إن تمّت مهاجمة إحدى المدن، ستضطر القوات من كافة المدن الأخرى إلى التدخل". من ناحية أخرى، تشنّ تركيا ضربات جوية عشوائية على طول الحدود لإرباك "قوات سوريا الديمقراطية".
وستعمل "قوات سوريا الديمقراطية" أيضًا على فتح جبهات على كافة جهات الحدود التركية. على سبيل المثال، أشركت الجيش التركي ووكلائه على مقربة من ديريك، غرب كوباني، ومن العريمة. وحتى أن إحدى وسائل الإعلام المحلية "قناة روج آفا" زعمت أن "قوات سوريا الديمقراطية" فتحت 8 جبهات، في حين خططت تركيا لواحدة فقط.
رغم أنه يصعب الدفاع عن المنطقة الحدودية المسطحة في هذه الأراضي، بخلاف منطقة عفرين الجبلية التي استولت عليها القوات التركية والقوات المدعومة منها، أفاد أحد مقاتلي "قوات سوريا الديمقراطية" السابقين أن شرقي الفرات أكثر استعدادًا لجهة الذخائر والعناصر والأسلحة. وبعد سقوط عفرين، أخذ قادة "قوات سوريا الديمقراطية" تهديدات تركيا على محمل الجدّ ولم يعودوا يثقون ثقة عمياء بالدول الأجنبية لوقف الهجوم التركي.
وكما ذكر أحد المقاتلين السابقين، "إن تمّ إطلاق رصاصة واحدة [في الشمال الشرقي]، ستتدمر كافة الحدود [من ديريك إلى كوباني]"– ستكون معركة حياة أو موت". في هذه الحملة، تملك "قوات سوريا الديمقراطية" أسلحة وذخائر وخنادق وعددًا كافيًا من المقاتلين. وأضاف "إن الخطوط خلف خط المواجهة واسعة بما يكفي لتحركات مواد الإمداد والتجهيز؛ فهي تتخطى 300 كيلومتر شمالًا إلى الفرات". في المقابل، كانت عفرين محاصرة بأرضٍ تركية وبالنظام السوري، وواجهت بالتالي صعوبات على صعيد خطوط الإمدادات اللوجستية.
غير أن الأرض المختلفة تشير إلى أن الطموحات التركية لا تنحصر على الأرجح بتل أبيض وعين الرأس. فإن بقيت أنقرة في المدينتين من دون التوسّع، ستكون محاطة من "قوات سوريا الديمقراطية" من كافة الجهات. في هذه الحالة، سيكون من المنطقي أكثر السيطرة على الطريق السريع M4، والاستيلاء في نهاية المطاف على منبج من أجل الارتباط بمناطق درع الفرات. كما سيقسّم ذلك المناطق الخاضعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" إلى قسمين. وكان الرئيس أردوغان قال بنفسه خلال خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه يرغب في إحلال السلام على مساحة بعمق 30 كيلومترًا، يمكن أن تمتد إلى الرقة ودير الزور. وتشير هذه الكلمات إلى أن هدف أردوغان النهائي هو القضاء بالكامل على "قوات سوريا الديمقراطية". لكن هذا الأمر يعتمد بدوره على موقف المجتمع الدولي.
وعليه، لفتت إلهام أحمد، الرئيسة المشاركة في "المجلس الديمقراطي السوري"– الجناح السياسي لـ "قوات سوريا الديمقراطية"- إلى أن "عين تركيا في عهد أردوغان تنصب على كامل سوريا، ولا سيما شمالي شرقي البلاد حيث الأرض غنية، من أجل مصادرة الطاقة والموارد الموجودة فيها.
وبعد أن بدأت تركيا في قصف عين عيسى وهددت بتقسيم المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية الى جزئين عن طريق التخطيط للاستيلاء على المدينة الاستراتيجية، انسحبت القوات الأمريكية من كوباني وعين عيسى. ونتيجة لذلك، اتخذت قوات سوريا الديمقراطية القرار المرير، حيث دعت الحكومة السورية للتحرك إلى المناطق الحدودية في شمال سوريا لوقف المزيد من الهجمات التركية والتوغل في الأراضي السورية. ومع ذلك، أعلن أحد المصادر في قوات سوريا الديمقراطية إنه حتى الآن، لم يتم نشر القوات السورية إلا في منبج وكوباني. وبالتالي، يبقى أن نرى خلال الأشهر القادمة إن كانت تركيا ستستمر في عملياتها العسكرية، وإن كانت كل من دمشق وروسيا سيسمحان لتركيا بالتوسّع أكثر.