- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف تؤثر الحرب في أوكرانيا على الوكلاء في سوريا
تستغل روسيا وجودها في سوريا للدفاع عن مصالحها في أوروبا. هذا التحول الى جانب الأثر العالمي للحرب في أوكرانيا، لهما تداعيات مهمة على الديناميات على الأرض في سوريا.
بينما اعتبرت روسيا في البداية أن تدخلها الرسمي في سوريا هو دفاع عن مصالحها في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط، فهي تستخدم الآن وجودها في سوريا للدفاع عن مصالحها في أوروبا أيضًا. وفي الوقت نفسه، أدت إعادة توجيه تركيز روسيا والتداعيات العالمية للحرب إلى تغيير الديناميات في سوريا، ما أثر على مقاتلي الميليشيات المدعومة من إيران والميليشيات الأخرى العاملة في جميع أنحاء البلاد.
لقد أصبحت الحروب بالوكالة الشكل الأبرز للصراع الذي تقوده الدول منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك نظرًا لمختلف المزايا الاستراتيجية التي تقدمها هذه الحروب للقوى العالمية. وإن جاذبية هذا النوع من الحروب بالنسبة إلى هذه القوى واضحة، فهي تسمح لها بتخفيض تكاليفها البشرية والمادية على حساب القوات بالوكالة وتوفر لها مرونة أكبر للانحراف عن البروتوكولات والاتفاقيات العالمية. وفي حين خرجت حرب روسيا في أوكرانيا عن هذا النمط، يُعاد اليوم نشر البنية التحتية الروسية للقوات والميليشيات بالوكالة في أوكرانيا، ويزداد احتمال ارتفاع الأعداد المنشورة مع استمرار الصراع.
التجنيد الروسي لمرتزقة سوريين
دخلت روسيا الحرب السورية رسميًّا بتفويض من الرئيس بوتين والبرلمان السوري "الرسمي"، لكنها تقاتل حاليًّا عبر كل من القوات الرسمية والقوات المساعدة، وتعمل القوات الجوية الروسية والخبراء العسكريون والضباط الروسيون في سوريا. وفي موازاة ذلك، تستخدم روسيا المرتزقة من مجموعة "فاغنر"، وخاصة فرق المشاة، للعمليات الميدانية العسكرية. وهي تفعل ذلك لتجنب وقوع إصابات في صفوف جنودها، الأمر الذي سيكون له عواقب محلية وربما يثير المشاعر المناهضة للنظام داخل سوريا. بالإضافة إلى ذلك، طوّر هؤلاء المرتزقة الروس تجربتهم القتالية من خلال القتال في أوكرانيا وليبيا وأماكن أخرى.
ولروسيا أيضًا تاريخ طويل من استخدام المرتزقة الأجانب والسوريين في الحرب للتهرب من المساءلة. والسوريون على دراية بهذا التكتيك بشكل خاص. ففي دير الزور، حاولت مجموعة من مرتزقة "فاغنر" ومجموعات مقاتلة تابعة للأسد في شباط/فبراير 2018 مهاجمة قاعدة تابعة لـ "قوات سوريا الديمقراطية" كان يتمركز فيها مستشارون أمريكيون. وردًّا على ذلك، قصفت الولايات المتحدة وقتلت مقاتلين من مجموعة "فاغنر" ومقاتلين موالين للأسد. وبينما لم يجرِ الكشف عن عدد الضحايا، انتشرت شائعات عن مقتل جميع المهاجمين المتورطين، وتصل التقديرات إلى بضعة مئات القتلى.
وبينما نفت موسكو في البداية وجود هذه القوات تمامًا، زعمت روسيا لاحقًا مقتل مجموعة من المواطنين الروس الذين انضموا إلى القتال في سوريا لأسباب متنوعة. وبالمثل، سلّط المسؤولون الضوء على أن القوات شبه العسكرية الروسية غير قانونية داخل روسيا، وهو تصريح صحيح من حيث الوقائع لكنه لا يعكس حقيقة علاقة الكرملين بهذه القوات. ومع ذلك، نظرًا إلى أن هؤلاء الأفراد لم يكونوا رسميًّا جزءًا من الجيش الروسي، فقد تجنبت روسيا الإدانة العلنية ولم يُطلب منها دفع تعويضات لأسر القتلى، على الرغم من وجود أدلة وفيرة على الصلات القائمة بين مجموعة "فاغنر" والكرملين. وأظهر الحادث قيمة نشر قوات بالوكالة عوضًا عن القوات الروسية ولا يزال يشكّل عاملًا كبيرًا لمشاركتها في سوريا.
ومع ذلك، تقوم روسيا الآن بنقل مجموعة من المجنّدين السوريين إلى الشمال ليُشاركوا في القتال التي تشنّه في أوكرانيا. وأدت وسائل الإعلام السورية المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان دورًا رئيسيًّا في تغطية هذه الجهود لتجنيد السوريين للحرب. في 24 شباط/فبراير، ذكر تقرير نشرته شبكة "دير الزور 24" أن مجموعة "فاغنر" كانت تعمل على تجنيد مرتزقة سوريين، وهو أمر أكّدته صحيفة "وول ستريت جورنال" لاحقًا. وأكد نظام الأسد عملية التجنيد هذا الأسبوع، معلنًا أن المئات من أبناء مدينة دير الزور قد تسجلوا للتطوع.
في حين أن التأثير الحالي لهذه القوات على القتال يبقى محدودًا، يرى المراقبون أن المرتزقة سيستمرون في التدفق إلى الصراع مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، ما سيعزز تطور الوحدات السورية الوكيلة. وعلى الرغم من أن عددًا كبيرًا من الشيشان والبيلاروسيين يقاتلون بالفعل إلى جانب روسيا، فقد بدأت هذه الأخيرة بتوسيع مجموعتها من خلال إعادة نشر قوات "فاغنر" وتجنيد السوريين، وخاصةً بعد إعلان أوكرانيا أنها ترحب بأي شخص يرغب في الانضمام إلى قتالها ضد القوات الروسية. وقد انضم آلاف الأشخاص، وخاصة من أوروبا، إلى هذا الفيلق الدولي منذ ذلك الحين.
ولروسيا اهتمام خاص بهؤلاء المجنّدين السوريين بسبب كلفتهم المنخفضة. ولقد أفادت وسائل إعلام سورية ومصادر حقوقية عن افتتاح أكثر من عشرة مراكز تجنيد في البلاد. وتشجع هذه المراكز السوريين على الانضمام للقتال لرد الجميل لروسيا، قائلة إنّها أنقذت النظام السوري من السقوط.
ومع ذلك، فإن الأسباب الفعلية التي دفعت السوريين للانضمام، ولاسيما أولئك الذين يعيشون تحت سيطرة النظام، هي عملية أكثر وتعكس حالة تدهور الظروف المعيشية في الوطن. ويدرك عدد كبير من هؤلاء المجندين أن الظروف المعيشية داخل سوريا من المرجح أن تستمر في التدهور نظرًا للتداعيات الاقتصادية ونقص الغذاء الذي ولّدته الحرب في أوكرانيا. ويوفر القتال من أجل روسيا فرصة نادرة للحصول على رواتب حقيقية. ورغم أن التكلفة المادية المدفوعة للمرتزقة السوريين غير مؤكدة، إلا أن مصادر محلية تقدّر أنّها تتراوح بين 300 و600 دولار شهريًّا، وتشمل تعويضات مقابل مقتل أي شخص أثناء المعركة. وفي غضون ذلك، يتوق آخرون إلى الذهاب إلى أوكرانيا حتى يتمكنوا بعد ذلك من طلب اللجوء في أوروبا.
وتطلب روسيا أن يكون لدى المرتزقة خبرة في حرب المدن، وأن يكونوا قد عملوا بشكل مباشر أو شبه مباشر تحت القيادة الروسية في الفيلق الخامس والفرقة الرابعة و"قوات الدفاع الوطني". وبحسب تقارير محلية، يخطط الضباط الروس لتدريب المجندين لفترة وجيزة، ثم إرسالهم إلى أوكرانيا من قاعدة حميميم الروسية في سوريا.
إيران تستغل انشغال روسيا بالحرب
وفق دلالات جهود التجنيد الروسية للسوريين، تغيّر الحرب حسابات روسيا الاقتصادية والعسكرية في سوريا، وهو ما يمكن أن يؤثر بدوره على سوريا ككل. وتُعتبر التحولات في استراتيجية إيران في سوريا ونهجها الخاص تجاه المقاتلين بالوكالة إحدى الطرق التي تظهر بها هذه التغيرات.
فمع تزايد انشغال القوات الرسمية والمساعدة الروسية بالحرب في أوكرانيا وتجنيد المرتزقة، تعمل إيران على زيادة أنشطتها في سوريا، ولا سيما في دير الزور. وتحاول إيران ترسيخ موقعها العسكري وبسط نفوذها في دير الزور، حين تتقاسم العمليات مع روسيا عبر المناطق التي يسيطر عليها النظام في غرب المنطقة، ومن المرجح أن تسعى إلى تغيير الديناميات الطائفية في بعض المناطق السورية لتعكس تطوّر وكلائها في العراق ولبنان.
ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، حاولت إيران زيادة تنسيقها الأمني مع النظام السوري. ففي 1 آذار/مارس، زار طهران مدير مكتب "الأمن القومي" السوري علي مملوك. وفي وقت لاحق من شهر آذار/مارس، أشاد وزير الخارجية الإيراني بعملية التطبيع الجارية بين نظام الأسد والدول العربية الأخرى، مؤكّدًا أنّها "فرصة طيبة لكي نراجع كافة تطورات المنطقة... وما يجري من أحداث هامة على الساحتين الإقليمية والدولية".
وتعزز التحركات الإيرانية المتزايدة على الأرض هذا الخطاب. ووصلت في 16 آذار/مارس تعزيزات كبيرة من الميليشيات الإيرانية إلى الريف خارج حمص ومدينة تدمر، وكثفت إيران أنشطتها في المناطق الخاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية". وقد تكون الكميات الهائلة من المخدرات التي كشفت عنها الإدارة الذاتية مرتبطة بمحاولات إيران زيادة عائداتها من خلال تهريب المخدرات في المناطق التي يسيطر عليها حلفاء واشنطن.
وبينما قوض القصف الإسرائيلي المستمر للمواقع الإيرانية في سوريا هذه الجهود إلى حد ما، ستهدف إيران إلى الاستفادة من النفوذ المتزايد الذي تتمتع به في سوريا بسبب تركيز روسيا على الحرب في أوكرانيا. وقد ترحب طهران علنًا بالتقارب بين الأسد والعالم العربي، لكن من المؤكد أن إيران ستعمل على إبقاء دمشق في مدارها بدلًا من فلك الدول العربية الأخرى.
وما مِن مؤشرات على أي نهاية وشيكة للحرب الروسية في أوكرانيا، ناهيك عن السياسات الوسيطة التي اتخذتها أمريكا وأوروبا ضد روسيا، بما في ذلك مجموعة من العقوبات الشديدة والمتوسطة الأجل وتزويد أوكرانيا بالأسلحة اللازمة للوقوف في وجه الروس.
وتلقي كل هذه القضايا بظلالها على القوة التي تتمتع بها روسيا في سوريا، ولقد تضاءل اهتمامها بهذه الأخيرة بشكل طبيعي منذ اندلاع حربها ضد أوكرانيا. ومع تحويل روسيا مواردها بعيدًا عن سوريا وإعادة تخصيصها للقتال في أوكرانيا، سيستمر الفراغ في السلطة في الاتساع بالنسبة إلى إيران، التي تسعى بالفعل لتوسيع سيطرتها.
وتزدهر إيران في حالة من الفوضى بينما تساهم أكثر في تفعيل أدوارها المجتمعية والعسكرية والأيديولوجية. لذلك فإن الفوضى السورية القائمة بالفعل، بالإضافة إلى الفوضى التي خلّفتها الحرب الروسية في أوكرانيا، هي مبتغى إيران لزيادة، وجودها، وهيمنتها أيديولوجيًّا، وعسكريًّا.