- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف تؤثر سياسة الصين تجاه أفغانستان على نهجها في الشرق الأوسط
بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، تواجه الصين إشكاليات بشأن سياستها - وكيفية تعاملها في الوقت الراهن مع المنطقة الأوسع.
تشكل حكومة طالبان الجديدة في أفغانستان تحديًا سياسيًا حقيقيًا للصين. للمرة الأولى، تجد الصين نفسها مضطرة إلى تطوير دور نشط نسبيًا في نقطة إقليمية فعالة التي يمكن أن تؤثر سلبًا على مصالحها الخاصة.
لم يفاجئ بكين خروج الولايات المتحدة من أفغانستان -. وكذلك، استثمرت بكين جهودًا كبيرة في التفكير بكيفية تجنب أن تكون جزءًا من "مقبرة الإمبراطوريات". و فيما أعرب المسؤولون الصينيون عن ارتياحهم لرحيل الولايات المتحدة، فإن هذه التصريحات تناقض الواقع الذي تواجهه الصين الآن: مع رحيل الولايات المتحدة، لن تستفيد الصين بعد الآن من الأمن الإقليمي المجاني الذي كان يوفره الحضور الأمريكي على طول الحدود الباكستانية-الأفغانية والأفغانية-الصينية، وهي المنطقة الاستراتيجية المعروفة بمنطقة "أفباك". فالاستقرار والأمن في منطقة "أفباك" سهّلا تطوير الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، وهو أحد الأصول الجيوستراتيجية الصينية الرئيسية التي أصبحت محور في السياسة المميِزة للرئيس الصيني شي جين بينغ، ألا وهي مبادرة "الحزام والطريق" (تُعرف أيضًا بمبادرة "حزام واحد، طريق واحد").
سيتعين على الصين الآن تحديد طرق جديدة لحماية هذه المصالح، وتعمل بكين حاليًا على تحديد كيفية التعامل مع أفغانستان ما بعد الوجود الأمريكي. اطلاع الصين الجيوسياسي لمنطقة "أفباك" واللاعبين الرئيسيين فيها، بما في ذلك إيران، يقدم رؤى مهمة حول كيفية تعامل الصين مع الشرق الأوسط وكيف ستؤثر تجربتها في منطقة "أفباك" على سياستها في الشرق الأوسط.
ماذا تواجه الصين في أفغانستان وباكستان؟
إن الصين ليست بالوافدة الجديدة على منطقة "أفباك". فهي تتشارك حدودًا طولها 57 ميلًا مع أفغانستان عند نهاية ممر واخان النائي والمعزول، الذي كان في الأصل منطقة عازلة بين الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية. تتمتع الصين بعلاقة قديمة العهد مع باكستان تعود إلى الخمسينيات، تضمنت المساعدة الصينية لبرنامج باكستان النووي العسكري. خلال الاحتلال السوفياتي، تعاونت الصين مع الولايات المتحدة في إمداد ودعم المتمردين الإسلاميين في أفغانستان، المعروفين بـ “المجاهدين". وعندما سيطرت "طالبان" على أفغانستان في أواخر التسعينيات، سعت بكين للحصول على تأكيدات بأن أفغانستان لن تأوي جماعات انفصالية معارضة للصين، وفي المقابل قدمت اعترافًا سياسيًا واستثمارات أجنبية لأفغانستان. في عام 2000، أصبح المبعوث الصيني إلى باكستان أول دبلوماسي عالي المقام غير مسلم يلتقي الملا عمر، الذي تعهد بأن "طالبان" لن تسمح للجماعات الأويغورية المتشددة بالعمل في أفغانستان أو مهاجمة الصين.
تعتبر منطقة "أفباك" حاليًا أساسية لمصالح الصين لسببين رئيسيين. أولًا، تتمتع أقلية الأويغور المسلمة المتمركزة في سنجان (أو شينجيانغ) بعلاقات تاريخية وعرقية عبر الحدود الشمالية الغربية للصين مع باكستان وأفغانستان وطاجيكستان. بحث مقاتلو الأويغور المتشددين عن ملاذ آمن في أفغانستان وارتبطوا بتنظيم "القاعدة"، بحيث انضم عدة مئات منهم إلى القتال في سوريا. وتقلق الصين من أن يسعى مقاتلو الأويغور إلى استخدام ممر واخان النائي في أفغانستان كنقطة انطلاق لشن الهجمات وإثارة المعارضة في سنجان.
يتمثل القلق الثاني والمرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأول، بأن تستغل الجماعات الإرهابية الإسلامية أفغانستان لتهديد مصالح الصين المزدهرة في باكستان. الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، الموازي للحدود الأفغانية-الباكستانية، يربط بين شمال غرب الصين والساحل الجنوبي لباكستان، عبر السكك الحديدية والطرق وخطوط الأنابيب، حيث تقوم الشركات الصينية ببناء ميناء دولي رئيسي في جوادر. فميناء جوادر، المطل على التقاطع بين المحيط الهندي وخليج عمان، سيخفض تكاليف العبور ويؤمن سلاسل التوريد الصينية من الوقود الأحفوري البالغ الأهمية من الشرق الأوسط. ومن المرجح أن يصبح ميناء جوادر ثاني قاعدة بحرية للصين في الخارج، بعد جيبوتي، ما يسمح لها بإبراز قوتها العسكرية في بحر العرب، والخليج العربي، والبحر الأحمر.
حتى الآن، استثمرت الصين ما يقدر بنحو 60 مليار دولار أمريكي في المشاريع المتعلقة بالممر الاقتصادي بين الصين وباكستان. تعتبر هذه المشاريع بالغة الأهمية لتنمية باكستان وتم استهدافها من قبل الإرهابيين الإسلاميين والانفصاليين الباكستانيين.
بالرغم من الانتكاسات الكبيرة، حققت الصين من خلال الممر الاقتصادي بينها وبين وباكستان ما أرادته الإمبراطورية السوفيتية العظمى كما يُزعم عند غزوها أفغانستان، والذي هو تأمين منفذ إلى بحر العرب والمحيط الهندي. بالتالي، تعلق الصين أهمية بالغة على تأمين أصولها في باكستان.
تشمل المصالح الاستراتيجية والتجارية طويلة المدى للصين في أفغانستان رواسبها من الأتربة النادرة والمعادن الأساسية الأخرى للتصنيع. قدر تقرير أمريكي صدر عام 2010 أن قيمة الممتلكات المعدنية تبلغ تريليون دولار. ولكن أدى الافتقار إلى البنية التحتية وعدم الاستقرار المتأصل الى منع استخراجها، ما يشير إلى أن الاستثمار الأجنبي في هذه المعادن غير مضمون. فقد فازت شركتان صينيتان بعقد إيجار لمدة 30 عامًا لمنجم نحاس كبير في أفغانستان في العام 2008 ولم تباشرا بعد في استخراج المعدن، إذ فضلتا التأجيل حتى تتمكن أفغانستان من توفير بيئة أكثر أمانًا واستقرارًا. وفي نيسان/إبريل 2020، هاجمت طالبان المنجم، ما أسفر عن مقتل 19 شرطيًا أفغانيًا.
أولويات الصين في إدارة "نقطة إقليمية فعالة"؟
يقدم نهج الصين الآخذ في التطور تجاه منطقة "أفباك" لمحة عن الأسلوب الذي قد تنتهجه بكين لتعزيز مصالحها في الشرق الأوسط، بما أن الصين تعتبر أن سياساتها الخارجية تجاه أفغانستان وإيران مرتبطة ببعضها البعض. يكشف تركيز بكين في هذه المنطقة الصعبة عن ثلاثة أبعاد مترابطة: (أ) إعطاء الأولوية للمصالح الصينية المباشرة والمحددة بدقة وتأمينها؛ (ب) محاولة تسهيل حل النزاعات؛ و(ج) السعي لتحقيق أهداف استراتيجية طويلة المدى.
أولًا، تركز الصين على تأمين مصالحها الخاصة – أي الحماية المادية لاستثماراتها، بما في ذلك الأفراد العاملين وعمليات البناء، وتحويل حدودها إلى حاجز منيع. وكما يُزعم، تستخدم الصين أنظمة مراقبة واسعة النطاق للحد من التسلل عبر الحدود على طول ممر واخان. فيما تتوقع الصين تعاون شركائها ودعمهم للمصالح الأمنية الصينية، مثل تسهيل الوصول الكامل لشركات الأمن الخاصة، فإنها تنشر أيضًا جنودها في نقاط التفتيش التي قامت بتمويلها في طاجيكستان المجاورة لمراقبة الحدود الطاجيكية-الأفغانية.
بينما يأمل القادة والخبراء الصينيون في تعزيز موقف الصين من خلال إدارة النقاط الفعالة، تعلن الصين أيضًا عن التزامها بـ “عدم التدخل" في "الشؤون الداخلية" للدول الأخرى. بما أن نهج الصين تجاه أفغانستان يتعمق في الواقع في الشؤون الداخلية لهذه الدولة، فقد اقترح الخبراء الصينيون نهجًا أكثر مرونة يصفونه بأنه "مشاركة بناءة" لتبرير أعمال بكين.
في حزيران/يونيو 2021، قدمت الصين خطتها الأفغانية المكونة من 8 نقاط، والتي تضمنت عملية "شاملة" لمصالحة "بقيادة الأفغان ومملوكة من الأفغان" بهدف تشكيل حكومة مستقرة وفعالة. ولكن استيلاء "طالبان" بدون مقاومة على كامل أراضي أفغانستان أفقد المبادرة أهميتها. فمتى رأت بكين اتجاه الأحداث، أعلنت على الفور دعمها "لخيار الشعب" الأفغاني، ألا وهو دولة تقودها "طالبان". وشددت على الخطوط الحمراء للصين: منع الإرهاب العابر للحدود الذي يستهدف الصين، بالتحديد في منطقة سنجان، أو المصالح الصينية في باكستان. في الواقع، أعربت وسائل الإعلام الصينية عن ارتياحها لتصريحات قادة "طالبان" الساعية إلى تهدئة مخاوف بكين.
يعتبر التعامل "العملي" الأول من نوعه في الصين مع نقطة فعالة على حدودها، والذي يؤثر أيضًا على مصالحها الأساسية، تجربة تعليمية في محاولة إدارة الصراع باستخدام العناصر الأساسية للسياسة الخارجية الصينية. لا يزال غير واضح ما إذا كانت "طالبان"، بمشاركة باكستانية أو بدونها، ستخلق بيئة مستقرة وسط أمراء الحرب القبليين وبقايا عناصر "القاعدة" و"داعش". مع ذلك، تبدو بكين واثقة. بدأ كبار مستشاري السياسة الصينيين بدراسة رؤيا استراتيجية أوسع بعد تحقيق الاستقرار في أفغانستان، من خلال قيادة محور استراتيجي من باكستان عبر أفغانستان وصولًا إلى إيران. وفي هذا السياق، يدرس المفكرون الاستراتيجيون الصينيون كيفية الاستفادة من شراكة بكين مع إيران ورعايتها لمنطقة "أفباك" لإبراز نفوذها في الشرق الأوسط.
كيف ستؤثر تجربة منطقة "أفباك" على مناورة الصين في الشرق الأوسط؟
مثلما يؤثر الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على موقف الصين العالمي، فإن طريقة تعامل الصين مع أفغانستان ومنطقة "أفباك" ستؤثر على نهج الصين تجاه الشرق الأوسط ومكانتها فيه.
يقود منظور مميز طريقة تقييم الصين للدول العربية والإسلامية وإشراكها. تلعب المصالح الملموسة دورًا رئيسيًا، غير أن الأفكار المسبقة الصينية لا تقل أهمية في تأطير كيفية سعي الصين لتحقيق تلك المصالح.
أولًا، تعتقد الصين أن موروثات حركة عدم الانحياز لا تزال مهمة. لتوضيح ذلك، لا تزال الصين مقتنعة بأن مناصرة القضية الفلسطينية ما زالت تنال استحسان الدول العربية وتكسب ودها. تواصل الصين أيضًا الالتزام بالمبادئ المتطرفة/المثالية المعادية للغرب لحل النزاعات. ولذلك، إن مبادرات الصين لحل النزاعات هي مبادئ "منظمة" متعددة النقاط تبدو خارجة عن السياق بالنسبة إلى جميع الجهات الفاعلة الأخرى. وبالإضافة إلى خطة النقاط الثماني لأفغانستان، والتي فقدت اليوم أهميتها، فقد حددت الصين أيضًا أربع نقاط لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وخطة من أربع نقاط لحل الأزمة السورية. لم يكن لأي من هذه الخطط أو المبادرات أي أثر فعلي حتى الآن، ولكنها تساعد في وصف نظرة الصين الذاتية إلى دورها في المنطقة.
ثانيًا، تحترم نخب السياسة الصينية الدول ذات الإرث التاريخي الغني، ما يساهم في اعتبار الصين إيران عامل استقرار إقليمي. تعتقد بكين أن علاقات إيران الفارسية العرقية والتاريخية تجعلها مؤثرة في أفغانستان. بحسب التقارير الإيرانية، استخدمت الصين ذريعة الأزمة الأفغانية لتأمين انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، موضحةً أن الوضع في أفغانستان يتطلب "تعاون إيران الكامل لحلها".
في ظل هذه الخلفية، يدرس كبار الخبراء الصينيين بجدية فكرة قيادة الصين لمحور نفوذ يمتد من باكستان وأفغانستان إلى إيران. كما يعلقون اليوم أكبر أهمية ممكنة على الصفقة البالغة قيمتها 400 مليار دولار مع إيران والممتدة على 25 عامًا، التي تم الإعلان عنها في آذار/مارس من هذا العام. زعم المحللون مؤخرًا أن الشراكة "أظهرت أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تحرك ساكنًا" وأن الترتيبات التي تسمح باستخدام اليوان الرقمي، المتوقع أن يكون عملة التجارة مع إيران، "قد هزت الولايات المتحدة، لأن الهيمنة الأمريكية تعتمد بشكل أساسي على عملة الدولار الأمريكي الدولية".
إن الخبراء والمسؤولين الدوليين محقون في التشكيك في أسس مقاربات الصين. فالقول بأن العلاقات الفارسية التاريخية مع القبائل المختلفة في أفغانستان تخول إيران حل الأزمة يشير الى عدم قراءة الثقافة المحلية بشكل صائب. وكذلك، لم تُحدث الصفقة مع إيران أثرًا ملحوظًا على الموقف العالمي للولايات المتحدة. في الواقع، يشكك معظم الخبراء الإيرانيين في رغبة إيران في أن تكون جزءًا من المحور الصيني أو في حماية المصالح الصينية في أفغانستان بشكل ناشط.
لكن مفاهيم الصين الخاطئة تجاه الشرق الأوسط وأفغانستان لم تُنتج سوى تداعيات سلبية قليلة حتى الآن بما أن الصين لم تلعب بعد دورًا مباشرًا في إدارة أزمات الشرق الأوسط. تتمتع الصين بدلًا من ذلك بعلاقات ودية مع شركائها في الشرق الأوسط، الذين يسعون إلى إرضاء عميل الطاقة الاحتكاري والمستثمر السخي هذا من خلال تأييد "سياسات" الصين تجاه الأقلية الأويغورية مع التزام الصمت حيال المفاهيم الصينية الخاطئة.
في كلتا الحالتين، قد تصبح سيطرة "طالبان" على أفغانستان عامل تغيير كبير لسياسات الصين في الشرق الأوسط الى جانب مكانتها في المنطقة. فكيفية تأمين الصين للممر الاقتصادي بين الصين وباكستان ومنعها الإرهاب العابر للحدود وإدارتها للتحديات الجديدة التي تفرضها الساحة الأفغانية، سيتردد صداها خارج الحدود الصينية. وفيما تملأ بكين فراغ السلطة الذي خلفته الولايات المتحدة، يمكن أن يكون للدروس المستقاة في أفغانستان تأثير ملحوظ على كيفية توسيع بكين لوجودها في الشرق الأوسط – كيفية تعاملها مع إيران وموازنتها العلاقات مع الدول السنية. بطريقة أو بأخرى، سيكون لتجربة الصين في أفغانستان تأثير مباشر على سياساتها ومواقفها في منطقة الشرق الأوسط الأوسع.