- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف تؤثّر أفغانستان في نهج حركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين" وإيران إزاء إسرائيل
نظرًا لأن سيطرة حركة طالبان على البلاد سترفع من معنويات وكلاء إيران، يجب على إسرائيل والولايات المتحدة العمل على تطوير استراتيجية منسقة ضد هذه الجماعات بغية تعزيز الأمن الإسرائيلي واستعادة الثقة في الالتزامات الأمريكية نحو الشركاء الإقليميين.
صدمَ استيلاء حركة "طالبان" سريعًا على أفغانستان الغرب رغم أنه كان أمرًا متوقعًا. وسيُلصق هذا التطور ونتائجه على الأرجح سمة الهزيمة بالولايات المتحدة ويعطيها صورة الفشل في أداء دورها كقائدة للعالم الحر وللغرب. فطالما اعتُبرت الولايات المتحدة العدو الأشرس للإسلام الأصولي والعائق الأكبر أمام هذا الأخير في تحقيق رؤيته. لذلك، مهما كان الانسحاب الأمريكي ضروريًا ومبررًا – مع أنه ما من انسحاب يبدو جيدًا على الإطلاق – كانت مشاهده المقلقة بمثابة رياح دافعة لرحلة الإبحار التي شرع بها الجهاديون.
سيؤدي واقع أن نظام "طالبان" يمكن أن يعيد تأسيس نفسه في أفغانستان إلى تأجيج نيران الجهاد حول العالم، وبشكل خاص في الشرق الأوسط، مع العلم إلى درجة كبيرة من اليقين بأن العالم سيقف متفرجًا فيدينه ويعترض عليه من دون أن يتدخل. فيتعدد حلفاء حركة "طالبان" ومشجعوها في هذا المحيط المكتظ، ومن بينهم حركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين" وحركة "حماس".
عقدَ إسماعيل هنية، وهو زعيم حركة "حماس"، اجتماعًا عامًا مع زعماء "طالبان" في قطر لاقى تغطية جيدة. وإلى ذلك، تتمتع حركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين" بروابط تاريخية بحركة "طالبان": فانضم عبد الله عزام، وهو من الزعماء البارزين لحركة "الجهاد الإسلامي" سابقًا، إلى حركة "طالبان" وساعدها في تطوير قدراتها العسكرية.
وسارعت قيادتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي في فلسطين" إلى إصدار بيان دعم وتهنئة لحركة "طالبان" على نصرها الباهر. وحين أعرب زعيم "طالبان" عن امتنانه للمهنئين، أشار إلى ارتباط النجاح في أفغانستان بالجهد الفلسطيني للقضاء على إسرائيل وإنشاء دولة فلسطينية من النهر إلى البحر.
مع أن قادة "حماس" يدركون مستوى قوة التنظيم مقارنة مع إسرائيل، ويدركون المسؤولية الهائلة التي يتحملونها عن الناس في قطاع غزة وأهمية تطوير جهود إعادة البناء وتحسين الوضع الإنساني هناك، قد يؤدي ما تراه حركة "حماس" كمثابرة وتضحية من جهة "طالبان" أديتا إلى تحقيق نصر عظيم على الولايات المتحدة بحد ذاتها، إلى زعزعة حس "حماس" بالمسؤولية والاهتمام وأن يرخي قيودها.
رغم أن فكرة الإنجاز الذي حققته حركة "طالبان" لا تؤدي إلى تخلي "حماس" سريعًا عن كافة المحاذير، قد يفترض المرء أن حس الثقة بالنفس والبهجة، وحتمًا بروز منظمات جهادية أخرى في الساحة، سيؤثّران في سلوك "حماس" – ويمكن أن يساهما في التصعيد.
على النحو نفسه، عزز هذا النجاح على الأرجح زخم حركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين" – وهي عمومًا شريكة لحركة "حماس" إنما أيضًا وكيلة لإيران تحفزها فلسفة تفوق حركة "حماس" في التطرف والطابع القتالي. فمن وقتٍ إلى آخر، تتحدى حركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين" حركة "حماس" وتعمل بشكل مستقل وضد مصالح "حماس" من خلال تصعيد الخطوات العسكرية ضد إسرائيل.
التنسيق الإيراني والرد الإسرائيلي
يتوافر أيضًا تأثير إقليمي أوسع نطاقًا، بسبب تنسيق الهجمات ضد إسرائيل. ففي خلال عملية "حارس الأسوار"، واجهت إسرائيل هجمات من أربع جبهات مختلفة هي: قطاع غزة وجنوب لبنان وجنوب سوريا وغرب العراق. ويجب اعتبار الجبهات الأربع، وأيضًا الجبهة الخامسة التي يشغّلها الحوثيون في اليمن، ككيان واحد يشغّله المبدأ التنظيمي نفسه وتقوده إيران عبر الوكلاء.
ففيما تختلف حركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين" حين يتعلق الأمر بخصائصهما كوكيلتين لإيران – إذ يشكل "الجهاد الإسلامي" وكيلًا إيرانيًا واضحًا في حين أن حركة "حماس" تعمل ككيان مستقل بشكلٍ أكبر، وعلى عكس "الجهاد الإسلامي"، لا تخضع للحُكم الإيراني المطلق – لا يبدّل هذا الأمر بأي شكل من الأشكال جوهر النظام الإقليمي الذي تقوده إيران.
كان كلٌ من إسماعيل هنية، زعيم حركة "حماس"، وزياد النخالة، زعيم حركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين"، ونعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ"حزب الله"، يجلس في الصف الأمامي المخصص للوجهاء في حفل أداء رئيسي، وهو الرئيس الإيراني الجديد، لليمين الدستورية. ومن ثم، يوضح هذا الموقف الرمزي للغاية كيف ترى إيران هؤلاء الوكلاء ، سواء أكانوا شيعة أم سنة ، مشاركين في "محور المقاومة".
على مدى سنوات بنت إيران بشكل منهجي هذه الجبهات الخمس كعنصر أساسي من جهدها لردع الدفاعات الإسرائيلية وإرهاقها. وتستطيع إيران التحكم بارتفاع ألسنة النيران عبر إصدار تعليمات إلى وكلائها، فيبقى عليهم تحديد كيفية تشغيل هذه الجبهات ضد إسرائيل. رغم العداوة القائمة منذ زمن طويل بين إيران وحركة "طالبان"، استغل كلاهما السنوات العشرين من التواجد الأمريكي في أفغانستان لإعادة بناء علاقتهما وإنشاء تحالف.
وبالنسبة لإيران، كانت الرغبة في تشكيل تحالف ضدها من الحلفاء الإقليميين بقيادة الولايات المتحدة هو ما حفّز "اتفاقات أبراهام". كما تحرص إيران على دق إسفين بين إسرائيل والدول المجاورة لإيران في الخليج – أي الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسعودية. فتركّز إسرائيل ودول الخليج على برنامج إيران النووي والتهديد الذي يطرحه وكلاء إيران على أراضي هذه الدول. وتخشى إيران أيضًا تزايد الوجود الإسرائيلي على صعيدَي الاستخبارات والعمليات في الخليج.
إلا أن كلًا من إسرائيل ودول الخليج يشعر أن الردع المتأصل في التعاون مع الولايات المتحدة قد تضرر مع الإدارة الجديدة في واشنطن، وأن رغبة الإدارة الحالية تتمثل في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران وتقليص وطأة قدمها الخاصة في الشرق الأوسط: أي أولًا في أفغانستان، ثم على الأرجح في العراق وسوريا.
تجدر ملاحظة أن النظام الإقليمي الذي بنته إيران يتسم بالكراهية المتعصبة تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل وكل ما يمثّله الغرب، فضلًا عن الاعتقاد الديني الشديد الحماس والتفاني في سبيل الجهاد كطريقة عمل. ويتمثل هدف النظام في تقويض الهيمنة والنفوذ الأمريكيَين، وإضعاف الأنظمة السنية والإطاحة بها، وتدمير دولة إسرائيل، لتتبع ذلك عملية أسلمة المنطقة. ويفضّل هذا النظام ترك حل النزاع التاريخي بين الشيعة والسنة إلى النهاية.
حين يتعلق الأمر بالجهاد، يُعتبَر الإنجاز الباهر المفترض الذي حققته حركة "طالبان" في استيلائها السريع على أفغانستان بمثابة دليل على فعالية الصمود وعلى القضية المحقة للمجموعة. وتشبه إعادة تأسيس "إمارة أفغانستان الإسلامية" منبع أمل أكثر من كونها مجرد رفع للمعنويات بالنسبة إلى الرؤية الجهادية الخاصة بحركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين" وما يشبههما في المنطقة.
بالتالي، من الحكمة افتراض أن الفرح الكبير الناتج لن يؤدي سوى إلى تعزيز البهجة، التي تشبه تلك التي استمتعت بها حركة "حماس" في خلال عملية "حارس الأسوار" وبعدها، وسيقود التنظيمات الجهادية إلى استفزاز إسرائيل والدول العربية. ولا يُستبعَد احتمال أن يزيد وكيل تنظيم "الدولة الإسلامية" في شبه جزيرة سيناء كلًا من عدد الهجمات ونطاقها على الجيش المصري المتمركز هناك، وربما أيضًا من شبه جزيرة سيناء ضد إسرائيل.
في مواجهة هذا التحول ، ينبغي على إسرائيل تبديل نهجها الاستراتيجي إزاء النظام الإقليمي الذي يتشكل ويترسخ حاليًا، وإزاء ما يربطه بنجاح "طالبان". وعليها تطوير استراتيجية مصممة لتقويض المبدأ التنظيمي للنظام الإقليمي الذي ترأسه إيران، وتفكيك الصلات التي تربط الأطراف الفاعلة، وتعطيل بناه التحتية المتعددة. ولتحقيق هذه الغاية، على إسرائيل تبني استراتيجية تتمثل في بذل جهد استباقي وثابت لتعطيل عناصر النظام بشكل منسق، بدلًا من الرد على الأعمال التي ينفذها أحد عناصر النظام ضدها. ويجب أن يتمثل المبدأ التوجيهي في تحمُّل كافة عناصر النظام ولاعبيه المسؤولية المشتركة.
لو طُبّق هذا المنطق في خلال عملية "حارس الأسوار" ضد حركة "حماس" في قطاع غزة، ، لكانت إسرائيل سترد على جميع الأطراف المعنية. فحين اختارت الميليشيا الشيعية في غرب إيران إطلاق طائرة مسلحة من دون طيار إلى إسرائيل، واختارت المنظمات الفلسطينية، تحت حماية "حزب الله"، استهداف إسرائيل بالصواريخ، وأدار "حزب الله" غرفة عمليات مشتركة مع "حماس"، وأعلن عن التزامه بمساندة "حماس"، وهدد بالرد على إسرائيل في حال حدوث نزاع آخر مع "حماس"، لكانوا فقدوا حصاناتهم.
مع ذلك، لا يتعين على إسرائيل اتخاذ التدابير ضد عناصر النظام الإيراني فحسب، وعليها بذل قصارى جهدها لإنشاء نظام مضاد يتألف من الدول العربية السنية البراغماتية مع إشراك الدعم الناشط للولايات المتحدة. فيمكن أن تكون فعليًا هذه اللسعة النفسية الناتجة عن ضعف أمريكا وتراجعها عن التزامها بمساندة حلفائها، كما اتضح من خلال قرار سحب قواتها من أفغانستان، بمثابة حافز للإدارة الأمريكية: فتبرز هنا فرصة لإثبات العكس، والحفاظ على مكانة الولايات المتحدة ونفوذها في المنطقة عبر وسائل الدعم العملي لنظام إقليمي سيُبنى من أجل مواجهة النظام الإقليمي الإيراني بفعالية، ووضع حد للإلهام الذي ولّده نجاح "طالبان" لدى عناصر ذلك النظام.
يمكن أن تُشرك إسرائيل إدارة بايدن لزيادة التدخل في الشرق الأوسط عبر استخدام "اتفاقات أبراهام" كمنصة للتعاون الإقليمي ضد إيران، لا سيما على خلفية قلق الدول العربية من احتمال تخلي الولايات المتحدة عن المنطقة. فترى الدول العربية أن إسرائيل تتمتع بنفوذ كبير في واشنطن، وأنها قادرة على تمثيل موقفها. والمطلب المحوري الموجه إلى الإدارة هو إيجاد رابط جديد بين حلفاء واشنطن الإقليميين، يساهم في إرساء الاستقرار الإقليمي، وينشئ قوة معاكسة ضد الكيانات المثيرة للمشاكل التي تسعى إلى مواصلة النزاعات على الدوام، ويوفر مساحة من المرونة للولايات المتحدة تسمح لها في الوقت نفسه بمواجهة كلٍ من المشاكل الإقليمية والعالمية التي قد يغذيها انتصار طالبان.