- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف يهدد تدهور قطاع التعليم في اليمن بإطالة الصراع
مع دخول حرب اليمن المدمرة عامها الخامس من دون أن تلوح أي نهاية لها في الأفق، يواصل القطاع العام في البلاد تدهوره مع تسجيل معدلات تنذر بالخطر ضمن منطقة النزاع. ومن المتوقّع أن تتفاقم حالة القطاع العام السيئة أساسًا، لاسيّما التعليم، في المستقبل القريب. وفى الوقت الذي تبدوا فيه محنة القطاع التعليمي في اليمن مشكلة ثانوية مقارنة بالتحديات الأخرى التي يعاني منها اليمن، مثل عدم توفر الغذاء والدواء الأساسي، إلا أن القطاع التعليمي لا يمكن تجاهله دون حدوث عواقب وخيمة. وإذا لم يتوفر للشباب اليمني فرص كافية للوصول إلى الفرص التعليمية، فعلى الأرجح أن يلجأ هؤلاء الشباب إلى الجماعات العنيفة التي توفر لهم التعليم والتوظيف، مما يُسهم في خلق بيئة خصبة لنمو تلك الجماعات المتطرفة في البلاد والتهديد بإطالة أمد النزاع أكثر.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" قد حذّرت في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي بأن الحرب الدائرة في اليمن سترغم أكثر من مليوني طفل يمني على ترك مقاعد الدراسة ومن أن استمرار انقطاع رواتب المعلمين بصورة رئيسية– من شأنه أن يؤدي إلى انهيار قطاع التعليم في تلك المناطق ويهدّد مستقبل جيل بكامله. وحذرت المنظمة أيضًا من الخطر المتنامي الذي يطال أطفال اليمن على شكل عمالة الأطفال أو تجنيدهم ضمن جماعات مسلحة ووضعهم في الجبهات الأمامية لساحة المعركة. ومع بدء العام الدراسي الجديد، أثبتت تحذيرات ("اليونيسف") صحتها. لكن هذه المعضلة لم تحظ بعد بالإستجابة المناسبة من المجتمع الدولي والمحلي. فانهيار قطاع التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بالرغم من أنه مدمّر، ليس مفاجئًا، فهو نتيجة متوقّعة للنزاع المستمر ويمثل إحدى تداعيات الحرب على كامل البنية التحتية للبلاد– رغم أن هذا القطاع كان يعاني حتى قبل اندلاع النزاع بكثير.
يُذكر أن الأغلبية من معلمي اليمن يعملون في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين. ولا يزال هؤلاء المعلمون يواجهون ظروفًا سيئة: فهم لم يتلقوا رواتبهم للعام الثالث على التوالي ويخشى الباحثون الانعكاسات المالية والنفسية لهذا الأمر على الأساتذة وطلابهم. كما أظهرت التقارير ارتفاع معدلات الانتحار وإقدام بعض الأسر على قتل أولادها، ويعود السبب على الأرجح إلى استمرار انقطاع الرواتب وغياب فرص العمل. وكانت هذه الظاهرة الجديدة في قطاع التعليم قد صدمت المجتمع اليمني وعكست مدى الضرر اللاحق بالنظام التعليمي ككل. بدورهم، وصف معلقون يمنيون هذه الأحداث بأنها تمهّد لـ “سابقة خطيرة" للمستقبل.
من جهة أخرى، اتُهم التحالف بقيادة السعودية بانتهاك القانون الدولي ووضع حدّ لطموحات آلاف الأطفال التعليمية. فمنذ بداية الحرب، توقّف استخدام أكثر من 2500 مدرسة إما بسبب الدمار أو الإقفال أو مصادرتها للاستخدام العسكري. كما نفذت قوات التحالف بقيادة السعودية ضربات جوية استهدفت مدارس وغيرها من المنشآت التعليمية التي لا تزال قيد الاستعمال. وعلى نحو مماثل، اتُهم متمردو الحوثي باستخدام المنشآت التعليمية كمستودعات للأسلحة وسجون سرية لاحتجاز المعارضين وتعذيبهم، وكذلك كمنشآت تجنيد وتدريب. كما اتُهمت المملكة العربية السعودية باستخدام جنود أطفال من السودان للدفاع عن حدودها الجنوبية وإشراكهم في معارك شرسة ضد الحوثيين.، إلى جانب اتهامات مماثلة بأن قوات الحوثي استغلت الجنود الأطفال أيضًا.
كما أن تداعيات تدهور الفرص التعليمية على جيل الشباب في اليمن ظاهرة للعيان، لاسيّما من خلال معدلات التسجيل المتدنية في الجامعات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وهذا أمر يدعو للقلق على نحو خاص بما أن الطلاب اليمنيين ,وبخلاف فترة ماقبل اندلاع الصراع , باتوا يولون اهتماماً أكبر لمسألة الإنضمام لجماعات مسلحة خطيرة. وينبع استعداد الطلاب للانضمام إلى هذه الجماعات من شعور عميق باليأس وغياب أي بدائل منظورة. وتوفر تلك الجماعات لهولا الشباب الشعور بالانتماء ومصدر للتكسب حيث كانت الحالة الاقتصادية والتعليمية السيئة في اليمن بمثابة محفز لعدد كبير من الطلاب من أجل الانضمام إلى صفوف هذه الجماعات المسلحة انطلاقًا من الوعود المالية التي تقدمها لهم.
يترتّب عن استغلال النظام التعليمي بغية جذب جيل الشباب اليمني إلى ساحات المعركة تداعيات خطيرة على مستقبل اليمن. فالطلاب والأطفال الذين ينضمون إلى صفوف هذه الجماعات ويتشبعون من أيديولوجيتها، سيؤججون الحرب الدائرة أكثر فأكثر.ولهذا السبب فإن انهيار قطاع التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين– التي تضمّ أغلبية الشعب اليمني– لا يخدم سوى مصالح الجماعات المسلحة والتنظيمات المتطرفة في البلاد.
وبالتالي، من الضرورة بمكان أن يوحّد المجتمع الدولي والحكومة اليمنية جهودهم من أجل وضع حدّ لأزمة انقطاع رواتب المعلمين ومعالجة مشاكل القدرة على الحصول على التعليم على الفور. وفى الوقت الذي تكافح فيه الحكومة اليمنية لمواجهة العديد من التحديات الأساسية التي يواجهها المواطن اليمنى، إلا أنها لا يمكنها أن تتغافل عن إعطاء الأولوية لمستقبل الأطفال اليمنيين وذلك من خلال ضمان وجود بنية تحتية تعليمية كافية.
وفى إطار النزاع القائم، يتعيّن على المجتمع الدولي، لاسيّما الولايات المتحدة، ممارسة أقصى درجات الضغط على السعودية من أجل التقيّد بالقانون الدولي الذي يجرّم استخدام الأطفال في النزاعات المسلّحة وإدانة الهجمات السعودية على المنشآت التعليمية بشكل علني. لذلك، فان اتخاذ بعض الإجراءات الداخلية والخارجية يمثل ضرورة قصوى لإنقاذ النظام التعليمي في اليمن من الانهيار. ومن ثم، فان ضمان قدرة المعلمين على أداء وظائفهم وعدم استهداف المرافق التعليمية والأطفال يمكن أن يساعد الشباب اليمني على اختيار مسار التعليم عوضا عن الانضمام للجماعات المسلحة.