- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
علاقة السعودية بحزب الإصلاح اليمني حالة استثنائية
في حين يتمتع حزب الإصلاح اليمني والمملكة العربية السعودية بعلاقة خاصة استمرت أكثر من عقد من الزمان ، إلا أن السياسات الداخلية الحالية تهدد بتقويض هذه الشراكة الفريدة.
بعد إعلان المملكة العربية السعودية عن انطلاق حملة "عاصفة الحزم "العسكرية ضد مليشيا الحوثي في اليمن في مارس/آذار 2015، كان حزب التجمع اليمني للإصلاح من أول الأحزاب التي بادرت بتأييد العملية العسكرية، ما كلف الحزب ثمنا باهظا نتيجة لذلك إذ قامت المليشيا الحوثية بشن حملات واسعة من الاختطافات ضد قيادات الإصلاح واستولت على مقرات الحزب في أكثر من مدينة.
وقد مثلت عاصفة الحزم التي شنها التحالف العربي بداية جديدة لحزب الإصلاح في علاقته مع المملكة العربية السعودية، حيث أصبحت تلك العلاقة أكثر قوة عمقًا. كما هربت الكثير من قيادات الحزب، ووسائله الإعلامية، وكثير من أنصاره إلى السعودية ،وأنخرط أعضاء الحزب في المقاومة الشعبية التي تشكلت في أكثر من مدينة يمنية لقتال مليشيا الحوثي كما في مدينة تعز، وخسر الإصلاح نتيجة لذلك العديد من قياداته وكوادره وأعضاءه أثناء المعارك.
ومع ذلك، ما زالت العلاقات بين السعودية وحزب الإصلاح تواجه العديد من التحديات، حيث أن تباين الأهداف بينهما، وجمود العلاقات بين الإماراتي وحزب الإصلاح، وتغيير المواقف الشعبية في اليمن، كلها مؤشرات تدل على وجود خطر محتمل على تلك العلاقة. كما تمثل الظروف المتغيرة على الأرض في اليمن تهديدا حقيقيا لاستدامة تلك العلاقة وحمايتها . لكن في هذه المرحلة، فمن الواضح أن مصير العلاقة بين حزب الإصلاح والسعودية ستتوقف في الأساس على ما ستؤول إليه الحرب نفسها والتسوية السياسية إن حدثت.
علاقة غير متوقعة
إن علاقة المملكة العربية السعودية مع حزب الإصلاح – وهو حزب إسلامي يتهم بارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين ويحرص الحزب على نفي ارتباطه- علاقة صعبة، لكنها استثنائية حيث تتناقض مع نهج المملكة العربية السعودية في تعاطيها مع جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يمثل تحديا للحدود الدبلوماسية التقليدية في المنطقة. ومع ذلك، استمرت تلك العلاقة وابدى كلا الطرفين استعدادهما للتضحية من أجل الحفاظ عليها.
وكانت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وحزب الإصلاح توطدت عقب اندلاع احتجاجات الربيع العربي عام 2011، بعد أن ظلت العلاقات مرتكزة لفترة طويلة على شخصية رئيس الحزب الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، منذ تأسيس الحزب في عام 1990. عملت السعودية على تكوين مصالح مشتركة مع حزب الإصلاح بهدف مجابهة المد اليساري في نهايات القرن الماضي. وحاليا، تتركز هذه المصالح بشكل أساسي على مجابهة المد الحوثي.
وقد ساهمت تلك المصالح المشتركة في استمرار العلاقات بين الطرفين، والسيطرة عليها حتى في أصعب المنعطفات، وتحديداً بعد الشكوك التي أثيرت حول موقف السعودية من اجتياح جماعة الحوثي العاصمة صنعاء (21 سبتمبر 2014) والتي عززها تصريح اللواء السعودي أنور عشقي، حيث كشف أن قائد جماعة الحوثي عبد الملك الحوثي "تقدم بطلب للسعودية بهدف دعمه شريطة تخليه عن إيران". ورغم الخلاف الذي اندلع بين حزب الإصلاح والقيادة السعودية بشأن هذه الأحداث وهدد بتقويض تلك العلاقة بينهما، إلا أن الجانبين نجحا في الحفاظ على استدامتها.
وقد تأثرت كثير من الفئات المكونة لحزب الإصلاح بالسعودية، حيث تربطها بالمملكة علاقات وطيدة، مثل تلك القائمة مع زعماء قبائل الجنوب، وقادة المجتمع البارزين خصوصاً في المحافظات الواقعة على الحدود اليمنية السعودية كالجوف وصعدة وحجة وحضرموت وحتى مأرب وعمران وصنعاء.
علاوة على ذلك، يميل حزب الإصلاح إلى بذل جهود جادة للحفاظ على علاقته مع المملكة العربية السعودية، حيث ابدى استعداده لدعم السعودية في حربها في اليمن لدرجة أن الحزب قد خصص مادة في برنامجه لأهمية العلاقات مع السعودية. كما تجنبت وسائل إعلام الحزب انتقاد دور السعودية في اليمن، وشرع الحزب في تجمد عضوية بعض الشخصيات المنتمية له مثل توكل كرمان - الحائزة على جائزة نوبل للسلام- لانتقادها المتكرر للسعودية والإمارات، كما رفض الحزب التواصل مع إيران أو التمحور إقليميا بدون السعودية.
وبالمثل، يبدو أن كلا الجانبين على استعداد لتلقي انتقادات من الحلفاء بشأن طبيعة علاقاتهم الفريدة، فالإمارات مثلا، وهي الحليف الأبرز والأقوى للسعودية، لا ترى حزب الإصلاح استثناءً في إطار جهودها للحد من نفوذ الإخوان المسلمين في المنطقة. فمن جهتها حاولت السعودية تقريب وجهات النظر بين حزب الإصلاح ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تكللت جهودها بلقاء رئيس الحزب وأمينه العام بوليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد بحضور وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان بالرياض في كانون الأول/ديسمبر 2017، عقب تصفية جماعة الحوثي للرئيس السابق علي عبد الله صالح. كما تبع هذا اللقاء زيارة قيادة الإصلاح إلى الإمارات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، لكنها لم تحقق نتائج ملموسة في العلاقات بين الجانبين.
منذ ذلك الحين تمارس السعودية سياسة الإدماج المحدود لحزب الإصلاح خاصة حين يتعلق الأمر بمسائل "التحالف"، وذلك على عكس سياسات العصا والإقصاء التي انتهجتها الإمارات ضد حزب الإصلاح، حيث عملت بعض المنصات الإعلامية المدعومة من دولتي الإمارات وقطر رغم تناقض توجهاتها؛ على التشكيك بعلاقات السعودية بحزب الإصلاح والترويج لاتساع الفجوة بينها. وتبنت وسائل الإعلام المدعومة إماراتيا اتهام مواقف الحزب وانحياز كوادره لمحور قطر وتركيا في محاولة لإثارة مخاوف السعودية من توسع النفوذ التركي. وبالمقابل عملت وسائل الإعلام المدعومة من قطر على تضخيم استهداف السعودية والإمارات لحزب الإصلاح، والتشكيك بجدوى العلاقة معه. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الانتقاد والإحراج الدبلوماسي، ظلت العلاقة بين المملكة وحزب الإصلاح قوية.
تصدع في العلاقات
على الرغم من العلاقة الوثيقة بين حزب الإصلاح والسعودية إلا أن هناك بعض الصعوبات التأسيسية التي تشوب تلك العلاقة. وهناك تباين ملحوظ بين مقاربة السعودية ومقاربة حزب الإصلاح ما يشير الى أن المملكة والحزب قد لا يكونان متحالفين تمامًا.
ويتجلى هذا التباين في مقاربة كلا الطرفين بخصوص الحرب في اليمن، حيث يحاول حزب الإصلاح توصيف الحرب في اليمن من منظور سياسي وليس طائفي، وذلك في مخالفة صريحة لتوجهات وسائل الإعلام السعودية. كما يدعي الإصلاح انه لا ينوى المضي قدما منفردا لكنه يفضل الانضواء في الائتلافات السياسية. وقد يكون ذلك إدراكاً منه لحجم التحديات العديدة التي تعاني منها الدولة اليمنية وفي محاولة منه أيضاً لتجنب استهدافه منفرداً، حيث دأب الحزب على مشاركة بعض الأحزاب سواء في تقديم الرؤى والتعبير عن المواقف أو المشاركة في وفود الحكومة اليمنية للتفاوض مع المكونات الأخرى كجماعة الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وفى هذا الصدد، أبدى الحزب حرصه على المشاركة في تأسيس التحالفات السياسية مثل التحالف الوطني للقوى السياسية في نيسان/إبريل 2019 وسبقه اللقاء المشترك في عام 2003 إضافة إلى توقيع الحزب لاتفاق السلم والشراكة في أيلول/سبتمبر 2014 الموقع أثناء اقتحام جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء كما حاول الإصلاح أن يقيم تفاهمات مع جماعة الحوثي حيث زار وفد من الحزب زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بمحافظة صعدة وأعلن الطرفين اتفاقهم على تفاهمات بينها تطبيع الأوضاع.
وإلى جانب تباين نهج الحزب والمملكة بخصوص الحرب، هناك بعض المؤشرات على أن علاقة الإصلاح بالمملكة العربية السعودية هي فقط محصلة للقوة والظروف، وليست مبنية على توافقًا حقيقيًا في الآراء والرغبات. ويرى المراقبون أن التزام الحزب بالمبادرة الخليجية 2011 بعد انسحاب قطر يعد مؤشر على استقلال قراره حتى في ما يتعلق بالقضايا الخليجية. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الحزب قد أصدر بيانًا يدعم تدخل التحالف العسكري العربي في اليمن، إلا أن هذا البيان تبعه سلسلة من الإجراءات القمعية التي استهدفت قادة الحزب المعارضين للتدخل العربي في اليمن، حيث تم اعتقال ثلاثة منهم من قبل مليشيات جماعة الحوثي.
يشير هذا القمع للحزب إلى أنه يتمتع ببرغماتية واضحة وقدرة على التكيف، نتيجة ممارسته العمل السياسي منذ وقت مبكر وتنوع تحالفاته السياسية والمجتمعية، حيث دفعت تلك الظروف الحزب إلى تطوير خطابه الوطني وتحالفاته السياسية متجاوزاً الإيدلوجيا لصالح السياسة، وتجلى ذلك في مشاركته بتأسيس تكتل اللقاء المشترك الذي ضم عدة أحزاب متباينة الإيدلوجيا يمينية ويسارية. وتبدوا هذه الديناميكية واضحة من خلال تجربة الإصلاح وتحوله من المعارضة إلى المشاركة في الحكومة، بقدر ما أثبت قبوله بنتائج الانتخابات.
الحاجة المشتركة
في الوقت الحاضر، فان التفكير في الانقسام غير وارد، حيث يدرك كلا الطرفين (السعودية والإصلاح) أن علاقتهم لم تعد خياراً، بل ضرورة على الأقل في هذه المرحلة في ظل ظروف الحرب الراهنة الدائرة في اليمن. كما يدرك حزب الإصلاح أهمية الدور السعودي بثقله العسكري والاقتصادي والسياسي في اليمن، في صراعه ضمن الحكومة اليمنية المشارك فيها مع جماعة الحوثي التي انقلبت على السلطة، في ما تدرك السعودية إمكانيات حزب الإصلاح وتماسكه الوازن في المعادلة اليمنية بعد أن تعرضت كثير من القوى السياسية للانقسامات والضعف وفي مقدمتها حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان يرأسه الرئيس اليمني السابق صالح.
ومع ذلك، يترقب البعض مستقبل علاقة السعودية بحزب الإصلاح بتشاؤم؛ إلا أن ذلك مرتبط بمستقبل الدولة اليمنية، وحزب الإصلاح ذاته، والقضايا التي لها تداعيات على الأمن القومي السعودي، حيث يواجه حزب الإصلاح الكثير من التحديات في بيئة صراع متعددة الأطراف متقاطعة المصالح، وأبرزها تحدي استحقاقات تموضعه السياسي، وتأييده للتدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.
وفي ضوء تنامي الحراك الشعبي اليمني الذي يندد بفشل التحالف العربي في تحقيق أهدافه المعلنة، يشكل دعم حزب الإصلاح العلني والمطلق للسعودية خطورة خاصة على صورته، فضلاً عن تزايد الشكوك حول دور الإمارات في تقويض وتقسيم مؤسسات الدولة اليمنية.
لذلك، من الصعب تصور استمرار قدرة قيادة حزب الإصلاح -كغيره من المكونات- على السيطرة على جميع المنتمين له، في حالة آلت الأحداث في اليمن إلى تفكيك الدولة اليمنية وسيطرت بعض الفصائل المسلحة على بعض مناطقها، وبالمقابل، فمن المتوقع أن تبرز مكونات سياسية أخرى تعمل على ممارسة نفوذها في اليمن وتبحث عن مساندين إقليميين في مواجهة تفرد الفصائل المحلية المدعومة خارجيا ومواجهة القوى الإقليمية مثل تركيا التي قد تصبح مهتمة بممارسة نفوذها في اليمن.
بحسب بياناته الإعلامية، يحاول حزب الإصلاح إرسال رسائل طمأنة الى السعودية، ويستمر بالرهان عليها، لكن في المقابل يبدو أن مواقف الحزب قد أفقدته الكثير من الخيارات في المجال السياسي اليمني الأوسع والقدرة على المناورة بشكل مستقل عن الأجندة السعودية. وفي هذه المرحلة، يعتمد الكثير من هذه العلاقة بين السعودية والإصلاح على ما ستؤول إليه الحرب في اليمن.