- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
لمَ آن الأوان لتعزيز التعاون الفرنسي-الإسرائيلي
تربط إسرائيل بالدول الأوروبية علاقات غير متكافئة منذ عقود. لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يجدان نفسيهما اليوم في مكانة فريدة تخوّلهما تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بقدرٍ أكبر مما هو عليه الحال مع بعض دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. إذ تستطيع فرنسا بشكل خاص أن تستفيد من إسرائيل في مجالَي الأمن والتكنولوجيا فيما تستفيد إسرائيل من علاقة ماكرون المقرّبة بلبنان ومن تزايد شعبيته لدى الزعماء العرب السُّنة.
ففي أعقاب قيام دولة إسرائيل عام 1948، بيعَ مقدار كبير من التكنولوجيا الخاصة بقطاعات الصناعة الفرنسية للأسلحة والمواد النووية إلى الإسرائيليين، كما تعاونت أيضًا بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عام 1956 خلال أزمة السويس. وفي مطلع ستينيات القرن المنصرم، عملت فرنسا إلى جانب القوات الجوية الإسرائيلية وطوّرت الطائرات بشكل ملحوظ. هذا وكان الرئيس الفرنسي شارل ديغول معروفًا بحبّه الكبير لدولة إسرائيل، حيث أنه أشاد برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ديفيد بن غوريون واصفًا إياه بأحد "أعظم قادة الغرب".
غير أن التوتر ساد العلاقات بين فرنسا وإسرائيل لسنوات طويلة بعد أن بدّلت فرنسا موقفها في أعقاب حرب الأيام الستة أو حرب عام 1967، حين آثرت فرنسا الوقوف إلى جانب الدول العربية وفرضت حظرًا مؤقتًا على صفقات بيع الأسلحة لإسرائيل. ولكن العلاقة بين البلدين عادت لتتحسن عام 1981 في ظل حكم الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران الذي عُرف كصديق للشعب اليهودي وزائر معتاد لإسرائيل.
أما الرئيس نيكولا ساركوزي الذي امتدّت ولايته بين عامَي 2007 و2012، فأعرب عن دعمه لإسرائيل من خلال حركته المناهضة لـ “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل". ولكن فرانسوا هولاند الذي تولى الرئاسة من عام 2012 حتى عام 2017 لم يكن منكبًّا على العلاقة مع إسرائيل بقدر الرئيس الذي سبقه.
ومنذ انتخاب ماكرون رئيسًا في ربيع عام 2017، زار نتنياهو قصر الإليزيه مرتين، وقد ناقش الاثنان مسائل عديدة، بدءًا من النزعة المعادية للسامية وصولاً إلى النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. وفي ظل إدارته الجديدة، تعهد ماكرون بتحويل فرنسا إلى دولة "ناشئة". فقد وعد ماكرون خلال حملته الإنتخابية باستخدام خبرته في العمل لدى المصارف الاستثمارية من أجل تشجيع الشركات الصغيرة والتكنولوجيا الجديدة لتحقيق رؤيته لفرنسا. وفي حزيران/يونيو 2016، ألقى ماكرون كلمةً في مؤتمر فيفا للتكنولوجيا جاء فيها: "بكلمة واحدة: رواد الأعمال هم بناة فرنسا الجديدة... أريد أن تصبح فرنسا دولة المؤسسات الناشئة، أي دولة تعمل مع الشركات الناشئة ولصالحها، إنما أيضًا دولة تفكّر وتتصرّف كشركة ناشئة".
وإسرائيل التي تملك أعلى نسبة شركات ناشئة بعد منطقة "وادي السيليكون" الأمريكية وعدد شركات مدرجة في بورصة "ناسداك" يفوق أي دولة أجنبية أخرى، تتمتع منذ فترة طويلة بلقب "دولة الشركات الناشئة". ونظرًا إلى الرؤية الجديدة التي يضعها ماكرون لفرنسا، قد يفيده النظر في كيفية نجاح إسرائيل في إنشاء مجتمع للشركات الناشئة مزدهر بهذا الشكل. والواقع أن الشركات المحلية من عالم التقنية العالية والشركات الناشئة في كلا البلدين سبق أن باشرت بجهود مشتركة، ولكن التنسيق على المستوى الحكومي لا يزال ضئيلاً نسبيًا. وفي نيسان/أبريل 2017، أقيم مؤتمر "إينوفاتيك" للمرة الأولى وهدف إلى تشجيع الشركات الفرنسية والإسرائيلية على الاستثمار في منتجات بعضها البعض، وقد جمع المؤتمر 250 مسؤولاً من قطاع التقنية العالية الفرنسي.
وبشار إلى أن فرنسا شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في التهديدات الأمنية على مدى السنوات الثلاثة الماضية. وجرّاء الاعتداء الذي تعرضت له صحيفة "شارلي إيبدو" في كانون الثاني/يناير 2015 والهجوم الذي نفّذه تنظيم "الدولة الإسلامية" في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، عززت السلطات الفرنسية تحصيناتها الأمنية بشكل ملحوظ، حيث ارتفع عدد العناصر العسكريين في المطارات ومحطات القطار بينما كثّفت الاستخبارات الفرنسية جهودها لتفادي وقوع اعتداءات جديدة. في المقابل، ساعدت الاستخبارات الإسرائيلية السلطات الفرنسية في تحقيقاتها حول الأفراد الذين خططوا للتفجيرات وزودتها بمعلومات عن التنظيمات المقاتلة في سوريا والعراق. وفي هذا الإطار، ألقى وزير الاستخبارات الإسرائيلية يسرائيل كاتس الضوء على فرصة تعزيز التعاون لافتًا إلى أن "هذه المعلومات قادرة على مساعدة الفرنسيين – وليس الفرنسيين وحدهم – في التعامل مع آثار الحوادث، وليس في ما يخص الحوادث التي وقعت بل كذلك الهجمات الإرهابية المخطط تنفيذها في المستقبل".
بالإضافة إلى ذلك، استضافت إسرائيل خلال تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ثمانية دول من بينها فرنسا للمشاركة في عمليات مشتركة للقوات الجوية عُرفت بتمارين الراية الزرقاء. واعتبر هذا التمرين أضخم تدريب جوي تستضيفه قوات الدفاع الإسرائيلية على الإطلاق، ولم يقتصر الغرض من تلك المناورات على تحسين القدرات التقنية بل هدفت كذلك إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية. من هنا فإن زيادة التبادل الاستخباري والتعاون العسكري بين الإسرائيليين والفرنسيين لن يفيد فرنسا فحسب في محاولتها القضاء على التهديدات الإرهابية بل سيوطّد في الوقت نفسه العلاقة بين البلدين.
أضف إلى ذلك أن العلاقة المقرّبة التي تجمع بين ماكرون ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري يجب أن تشكل حافزًا للاستثمار أكثر في العلاقة الفرنسية-الإسرائيلية. فبعد استقالة الحريري الوجيزة من الحكومة اللبنانية، تدخّل ماكرون لإعادة الاستقرار إلى البلاد، فدعا رئيس الوزراء اللبناني إلى قصر الإليزيه لمناقشة التهديدات الناجمة عن النفوذ الإيراني في لبنان وعن "حزب الله"، وقد تعامل ماكرون مع الحريري على أنه مسؤول شرعي حتى حين كان في المملكة العربية السعودية "وقابله بالتشريف المخصص لرؤساء الوزراء". وبعد أسابيع قليلة، وخلال زيارة نتنياهو الثانية إلى باريس للعام 2017، ناقش ماكرون المخاوف الإسرائيلية من نشاط "حزب الله" في جنوب لبنان قائلاً "نحن نسعى إلى تحقيق الاستقرار في لبنان مع احترام كل الأقليات."
وفي الآونة الأخيرة، تحدّث ماكرون علنًا عن البرنامج النووي الإيراني ودعا إلى فرض القيود على أنشطة الصواريخ البالستية التي تقوم بها إيران. وقد أعرب عدد كبير من الزعماء العرب السنّة عن استحسانهم لموقف ماكرون الحاسم تجاه إيران – كما ومن انتقاده لقرار الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل. ومع أن إسرائيل لا تتفق مع فرنسا على هذه النقطة الأخيرة، يجدر بنتنياهو، مع ازدياد شعبية ماكرون لدى الزعماء العرب السنّة، أن يدرس إمكانية أن يؤدي ماكرون دور الوسيط بين إسرائيل وسائر دول المنطقة.
ونظرًا لهذه المسائل الأمنية والتجارية والسياسية التي تربط بين فرنسا وإسرائيل، فإن العمل على توطيد العلاقة بين الرئيس ماكرون ورئيس الوزراء نتنياهو يستحق العناء. إذ يمكن لفرنسا وإسرائيل الاستفادة كثيرًا إحداها من الأخرى، حتى فيما تحافظ كلٌّ منهما على علاقات وطيدة بالولايات المتحدة.