- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
لماذا انسحب التيار الصدري من العملية السياسية العراقية؟
قد تؤدي حالة الجمود السياسي التي يشهدها العراق مؤخرا إلى انهيار كامل لمؤسساته السياسية، وربما يدفع ذلك المجتمع الدولي إلى التدخل إذا أخفق الفاعلون السياسيون المحليون.
تصاعدت وتيرة الأزمة السياسية المستمرة في العراق، إذ رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على إغلاق صناديق الانتخابات التشريعية في البلاد، إلا أن الصراع السياسي لا يزال في أوجه نتيجة فشل الكتل السياسية في تشكيل الحكومة. ونتيجة لذلك، أدخلت حالة الانسداد السياسي المستمرة البلاد في عدة أزمات كان أخرها استقالة جميع النواب التابعين للكتلة الصدرية الفائزة بالأغلبية النيابية. ومن الجدير بالذكر، أن تلك الاستقالة تمت بناءً على توجيهات زعيم الكتلة "مقتدى الصدر"، التي وجهها الى رئيس كتلته في البرلمان حسين العذاري، واستجاب إليها جميع أعضاء التيار الصدري والبالغ عددهم 73 نائباً. واستنادا الى قانون الانتخابات العراقي لعام 2020، فإن مقاعد النواب المستقيلين، ستؤول الى بدائلهم والذين تحددهم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بحسب عدد أصواتهم ضمن دوائرهم الانتخابية.
ومع ذلك، أثارت تلك الاستقالات الكثير من الجدل القانوني، حيث يرى الباحث القانوني علي جابر التميمي، أنه ورغم موافقة البرلمان على طلبات الاستقالة، إلا أنها لا تزال ناقصة الأركان حيث لم يليها إصدار أي أمر نيابي يوثق هذه الاستقالات، كما لم يتم مفاتحة مفوضية الانتخابات بخصوص تحديد النواب البدلاء، وفق المادة 15 من قانون الانتخابات رقم 9 لعام 2020، واستدعاؤهم من أجل إداء اليمين الدستوري.
عبر الصدر عن دوافعه خلف هذا القرار، عبر حساب صالح محمد العراقي والمعروف "بوزير القائد" إذ نشر في 12 من شهر حزيران/يونيو تغريدة بخط يد مقتدى الصدر، تبين أن قراره ينبع من رغبته في تخليص الشعب من المصير المجهول الناتج عن استمرار حالة الصراع السياسي. كما ذكر الصدر خلال لقائه أعضاء الكتلة الصدرية في النجف أنه قررالانسحاب من العملية السياسية جاء "كي لا يشترك مع الفاسدين بأي صورة من الصور ..."وأضاف "أريد أن أخبركم، في الانتخابات المقبلة لن أشارك بوجود الفاسدين وهذا عهد بيني وبين الله وبيني وبينكم ومع شعبي". ورغم ما يدعيه هذا البيان، فإن هناك احتمالات أخرى، قد تكون الدافع الحقيقي وراء قرار الصدر بالانسحاب المفاجئ من العملية السياسية.
إن انسحاب الصدريين من العملية السياسة قد يكون نابعا من رغبتهم في إبراز وجودهم السياسي، والتأكيد على فشل السياسيين في تشكيل حكومة قوية بعيداً عن تياره، ودفعهم في ما بعد الى مطالبته بالعودة الى الواجهة السياسية. يستند هذا الرأي الى ما تؤكده المصادر في أن انسحاب نواب التيار الصدري قد ولد خلافات حادة داخل الإطار التنسيقي الشيعي وتحديداً بين زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وزعيم تحالف الفتح هادي العامري. حيث يرى المالكي بضرورة تقبل قرار الصدر والمضي قدما نحو تشكيل الحكومة، في حين يعتقد العامري بوجوب ثني الصدر عن قراره وإعادته الى العملية السياسية من خلال إرسال وفد للتفاوض معه في الحنانة "حيث مقر إقامة مقتدى الصدر في محافظة النجف".
قد يكون قرار الصدر أيضا مجرد مناورة سياسية تمت بالاتفاق مع حلفائه، لاسيما وأنه من غير الممكن استدعاء النواب البدلاء حالياً، أو تحديدهم، أو إصدار أي قرار نيابي، نظراً الى دخول البرلمان في عطلته التشريعية والتي ستستمر حتى بداية شهر أيلول/يوليو القادم. كما أن الموافقة السريعة لحليف الصدر الأبرز ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي على قرار استقالة أعضاء التيار الصدري، تبرر الادعاء بان هناك اتفاق مسبق بين الصدر وبين حلفاءه. أضف الى ذلك ردة الفعل الباردة التي أبداها باقي حلفائه في تحالف إنقاذ وطن من قرار الصدر، إذ أكدوا جميعاً بتغريدات متشابهة عبروا فيها عن احترامهم للقرار، وهو ما يبدو واضحاً في تغريدتي رئيس تحالف السيادة خميس الخنجر، وزعيم الحزب الوطني الكردستاني مسعود برزاني. هذا النوع من المناورات ليس جديدا على تيار الصدر ، حيث اعلن التيار العام الماضي الامتناع عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية المبكرة التي عقدت في أكتوبر /تشرين الأول، إلا انه في ما بعد ترادع عن القرار وشارع في العملة الانتخابية .
هناك احتمال أخر يفسر الدافع الرئيسي وراء قرار الصدر وهو أن يكون انسحاب الصدريون من العملية السياسية جاء نتيجة إدراكهم بفشلها المحتوم ورغبة الصدر في حماية تياره من هذه الوصمة المحيقة به والاستعداد لاحتمال حل البرلمان وبدأ انتخابات برلمانية جديدة. ورغم أن احتمالية حل البرلمان كانت مستبعدة نظراً لرفض الإطار التنسيقي المجازفة بهذا الأمر بعد خسارته خلال الانتخابات الأخيرة، ولكنها عادت الى الواجهة بعد انسحاب الصدر، بعد نجاح الصدر في تعبئة وتأجيج الشارع. وفي الحقيقة فإن للصدر سوابق سياسية في تعبئة الشارع العراقي، إذ قاد تظاهرات شعبية ضد حكومة حيدر العبادي في عام 2016 واقتحم أنصاره المنطقة الخضراء كما أنه ساهم بشكل كبير في الاحتجاجات الشعبية خلال عام 2019، بغض النظر عن طبيعة وكيفية مساهمته.
ومع كل هذه الاحتماليات، فإن من الصعب التنبؤ بخطوة الصدر القادمة نظراً الى تناقضاته الكثيرة السابقة إضافة الى خطواته السياسية المفاجأة والتي تزيد من صعوبة توقع خطوته التالية. ولكن الثابت هو أن انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية لن يصب في مصلحة الإطار التنسيقي وقد أدرك بدوره ذلك، حيث تبدو محاولاته في التساهل مع باقي الكتل وإعلان رغبته في تشكيل حكومة مكونة من المستقلين. ومع ذلك، فإن ماضي الإطار التنسيقي السابق والمليء بالتناقضات بدوره يعكر استيفاء الدعم الشعبي والسياسي لطموحه بتشكيل الحكومة. وفي ظل ذلك فإن حالة الانسداد السياسي تتطور نحو انهيار مؤسساتي شامل سيضع الدولة على منحدر حرج قد يكون الخروج منه صعباً، وربما يدفع المجتمع الدولي الى التدخل المباشر من أجل حل الأزمة بعد أن فشل السياسيون من حله داخلياً.