- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
على الملك عبد الله والرئيس بايدن مناقشة الاقتصاد، وليس فقط التوترات الإسرائيلية الفلسطينية
من الضروري إيجاد طرق لاحتواء العنف المتصاعد في الجوار، ولكن على الزعيمين أن يدركا أن تدهور الأوضاع الاقتصادية يمكن أن يشكل تهديدات بحد ذاتها.
في 2 شباط/فبراير، سيلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالرئيس بايدن في المكتب البيضاوي، وسيعقدان محادثات تعد بالتركيز على التصعيد الأخير في العنف الإسرائيلي الفلسطيني وتداعياته المحتملة على الجانب الآخر من نهر الأردن. وتتزامن الزيارة مع مرحلة مزدهرة في علاقات المملكة مع الولايات المتحدة، تقابلها مرحلة معقدة في علاقاتها مع إسرائيل، شريكتها في السلام منذ فترة طويلة.
وفيما يتعلق بالشق الأول، كان عام 2022 استثنائياً في العلاقة بين الولايات المتحدة والأردن، وتكلل بتوقيع مذكرة تفاهم تاريخية في أيلول/سبتمبر. ويتضمن الاتفاق التزاماً أمريكياً لمدة سبع سنوات بتزويد المملكة بحد أدنى قدره 1.45 مليار دولار سنوياً من المساعدات الخارجية، والتي يمكن أن يزيدها الكونغرس الأمريكي من خلال مخصصات إضافية كما فعل في عامي 2021 و2022. وحتى الرقم الأساسي يمثل زيادة سنوية تفوق 200 مليون دولار بالمقارنة مع الاتفاق الذي أمده خمس سنوات وتم توقيعه في عام 2018. ويتضمن الاتفاق دعم الميزانية، والمساعدة العسكرية، ومشاريع "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية"، وتمويلاً إضافياً لتحفيز الإصلاح الاقتصادي.
وشهد العام الماضي أيضاً موافقة واشنطن على بيع 12 طائرة مقاتلة متطورة من طراز "إف-16 بلوك 70" (F-16 Block 70) إلى الأردن. وبما أن تكلفة هذه الصفقة تفوق 4 مليارات دولار، أي ما يقرب من ربع الميزانية السنوية الإجمالية للمملكة، تقوم الحكومتان باكتتابها (بضمانها) بشكل مبتكر من خلال "تمويل التدفق النقدي". وستؤدي هذه الآلية، المخصصة لأقرب حلفاء واشنطن، إلى تمكين المملكة الآن من شراء طائرات "إف-16" من خلال الاستفادة من التزامات التمويل العسكري الخارجي للولايات المتحدة في المستقبل.
وفي المقابل، كانت الأسابيع القليلة الماضية صعبة على العلاقات الأردنية مع إسرائيل. فقد كانت علاقة الملك مع بنيامين نتنياهو معقدة قبل فترة طويلة من عودة رئيس الوزراء الأخيرة إلى السلطة، وتأزمت بشدة خلال إدارة ترامب بسبب التصورات بأن إسرائيل لا تقدر بشكل كافٍ المصالح الأردنية في السعي لتحقيق السلام مع الفلسطينيين أو اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية الأخرى. وبعد أن تحسنت العلاقات في عهد رئيسي الوزراء نفتالي بينيت ويائير لابيد على مدى عام، تجد عمّان نفسها اليوم قلقة مجدداً نظراً للشخصيات المثيرة للجدل المشاركة في حكومة نتنياهو الجديدة.
في أوائل شهر كانون الثاني/يناير على سبيل المثال، قام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، رئيس حزب "عوتسما يهوديت" اليميني المتطرف، بزيارة استفزازية إلى جبل الهيكل/الحرم الشريف. وأثار الحادث إدانة شديدة من الأردن، الذي مُنح "دوراً خاصاً" فيما يتعلق بالأماكن الإسلامية المقدسة في القدس من خلال معاهدة السلام مع إسرائيل من عام 1994. واعتبرت عمّان زيارة بن غفير انتهاكاً للوضع الراهن للحرم واستدعت السفير الإسرائيلي إيتان سوركيس إلى وزارة الخارجية لتأنيب رسمي. وبعد أسبوعين، تم استدعاء سوركيس مجدداً بعد أن مُنع السفير الأردني غسان المجالي مؤقتاً من الدخول للصلاة في المسجد الأقصى.
وعلى الرغم من الزيارة المفاجئة التي قام بها نتنياهو إلى عمّان بعد ذلك بوقت قصير، إلا أن التقارير الإعلامية والبيانات الرسمية المتعلقة بلقائه بالملك لا يمكن وصفها بالإيجابية. وفي غضون ذلك، أدى تصاعد العنف في الجانب الآخر من النهر وتلاشي آفاق التقدم السياسي إلى تحفظ الأردن عن المشاركة في منتدى النقب، الذي يضم الولايات المتحدة وإسرائيل وأربعة شركاء سلام عرب آخرين.
ولا شك في أن الرئيس بايدن والملك عبد الله سيراجعان الوضع القائم بين الأردن وإسرائيل والجهود الدبلوماسية الأمريكية الأخيرة للحفاظ على الهدوء في الضفة الغربية والقدس، وهي حملة تضمنت زيارات لمسؤولين أمريكيين هم مدير "وكالة المخابرات المركزية" ومستشار الأمن القومي ووزير الخارجية في الأسبوع الماضي وحده. ونجح هؤلاء المسؤولون على ما يبدو في إعادة التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، والذي تم تعليقه لفترة وجيزة بعد أن أسفرت عملية إسرائيلية لمكافحة الإرهاب في جنين عن مقتل عدد من المسلحين وإمرأة مدنية مسنة.
ولا يُعد تركيز الملك على القضايا الفلسطينية في الجوار مفاجئاً بما أن غالبية سكان الأردن هم من أصل فلسطيني، ويتزايد قلقه في ظل احتمال حدوث المزيد من التدهور الأمني مع بداية موسم رمضان وعيد الفصح اليهودي في أواخر الشهر المقبل. ومن هذا المنطلق، على إدارة بايدن أن توصي بعملية ثنائية على مستوى العمل بين إسرائيل والأردن، إذا لم يضعا واحدة أساساً، وذلك بهدف الاستفادة من دروس السنوات السابقة منعاً لوقوع أحداث يمكن تجنبها خلال الأعياد في جبل الهيكل/الحرم الشريف.
على واشنطن أن تتطرق إلى موضوع آخر على نفس القدر من الأهمية مع الملك، وهو الاقتصاد. وسيكون الاجتماع الأول منذ أن شهد الأردن احتجاجات استمرت عدة أشهر على خلفية تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد. فاقتصاد المملكة يواجه تحديات مزمنة، غير أن جائحة "كوفيد-19" وحرب أوكرانيا فاقمتا الصعوبات.
وتكشف الأرقام وضعاً صادماً. فنسبة البطالة في الأردن تبلغ 25%، و50% في صفوف الشباب، بينما تعد مشاركة الإناث في القوى العاملة من أدنى المعدلات في العالم. وتتضمن الميزانية السنوية المقترحة البالغة حوالي 16 مليار دولار عجزاً قدره 2.6 مليار دولار، ووفقاً لبعض التقارير تم تخصيص ما يقرب من 2.25 مليار دولار لدفع الديون. وبصورة إجمالية، يتحمل الأردن ديوناً تقارب 41 مليار دولار، أي ما يعادل 90% تقريباً من "الناتج المحلي الإجمالي" للبلاد. وتمثل نفقات القطاع العام، والتي تشمل بشكل أساسي الرواتب والمعاشات الحكومية، نحو 70% من الميزانية. وفي غضون ذلك، أدى الارتفاع العام في أسعار السلع الأساسية والتزامات المملكة تجاه "صندوق النقد الدولي" إلى ترشيد تكلفة الوقود والطاقة والمياه، وهي زيادات في الأسعار ساعدت في تشجيع الاحتجاجات الأخيرة.
لقد أحسن الأردن صنعاً في السنوات الأخيرة بزيادة الإيرادات الضريبية وتمت الإشادة به من قبل "صندوق النقد الدولي" في أحدث مراجعة لمجلسه التنفيذي. ومع ذلك، لا يزال الوضع الاقتصادي هشاً، كما أن بعض الخطط المستقبلية للمملكة لا توحي بالثقة. ففي كانون الثاني/يناير، على سبيل المثال، أعلنت الحكومة أنها تمضي قدماً في خطة مؤجلة لبناء عاصمة إدارية جديدة على بعد 40 كم من عمّان. وعلى غرار مشروع "القاهرة الجديدة" الضخم والطموح في مصر، تثير مبادرة الأردن التي تبلغ قيمتها 11.5 مليار دولار تقريباً بعض الدهشة.
إن رفاهية الاقتصاد في الأردن، وبالتالي استقراره الداخلي، لا تقل أهمية بالنسبة للأمن الإقليمي عن التطورات بين إسرائيل والفلسطينيين. ويشكل لقاء الرئيس بايدن مع الملك عبد الله فرصة جيدة لمناقشة مسار هذه القضية الرئيسية وتشجيع عمّان على الاستمرار في مسار الإصلاح الاقتصادي.
ديفيد شينكر هو "زميل أقدم في برنامج توب" في معهد واشنطن ، ومدير "برنامج السياسة العربية" التابع للمعهد، ومساعد سابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون "الشرق الأدنى".