- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
ما الذي على الولايات المتحدة المطالبة به في حوار مع رئيس الوزراء العراقي السوداني
في ما يتعلق بزيارة السوداني إلى أمريكا، يجب أن نرى ما يستطيع رئيس الوزراء العراقي تحقيقه قبل تأكيد هذه الدعوة المهمة. يمكن للسوداني أن يكون رئيس وزراء حقيقي لدولة حقيقية ذات سيادة إذا أراد ذلك، لكن ذلك سيتطلب المخاطرة.
أعلنت "كتائب حزب الله" الإرهابية العراقية في 30 كانون الثاني/يناير 2024 بأنها ستعلق عملياتها ضد القواعد الأمريكية (في العراق وسوريا وأي مكان آخر ربما) "دفعًا لإحراج الحكومة العراقية". وتعدّ "كتائب حزب الله" أقرب جماعة عراقية للحرس الثوري الإيراني ويمكن إيجاد لمحة عامة عنها على موقع "الأضواء الكاشفة للميليشيات". وفي أعقاب هذا الإعلان، قال وكيل إعلامي لدى رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إن تعليق الهجمات يعود إلى الجهود "المكثفة" التي بذلها السوداني الذي "يعمل جاهدًا" لكبح جماح الميليشيات.
بما أن السوداني يتوق إلى تحقيق طموحه في إجراء زيارة رسمية إلى البيت الأبيض هذا العام، ربما في نيسان/أبريل، فلديه ما يكفي من الأسباب ليظهر بمظهر الشخص القوي ذي التأثير الإيجابي. وبالنسبة إلى السوداني، كما أي زعيم في العالم يحاول الحفاظ على الاحترام داخل بلاده وخارجها، يعدّ قبوله في المكتب البيضاوي المعيار الذهبي ليحظى بتأييد دولي ومن شأن ذلك أن يعزز حظوظه في تعيينه مجددًا بعد الانتخابات العامة في تشرين الأول/أكتوبر 2025 في العراق.
لكن الواقع الحالي المخزي هو أن السوداني لم يتم تعيينه إلا بعد أن استولى القضاء المسيّس على انتخابات العراق للعام 2021 لصالح "الإطار التنسيقي" الذي تقوده عصابة من الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران. فتم تنصيب السوداني رئيس وزراء مصحوبًا بتعليمات لإدارة "حكومة المقاومة" فحسب بصفته "مديرًا عامًا" لها. وعلى حدّ قول أحد المؤيدين البارزين للحركات المدرجة على قائمة الإرهاب الأمريكية في العراق بعد تعيين السوداني، يقتصر دوره على "توفير غطاء سياسي للمقاومة".
والسبب الأكثر مصداقية، أي ما دفع حقًا "كتائب حزب الله" إلى التنحي يوم أمس، هو وصول قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني إلى بغداد في اليوم السابق، مع الإشارة إلى أن "فيلق القدس" هو الجماعة الإرهابية التي شكلت "كتائب حزب الله" وتسيطر عليها اليوم. وقد يكون الدافع وراء هذه الزيارة هو رغبة إيران في تجنب التعرض لضربة من الولايات المتحدة ومن هنا ادعاء "كتائب حزب الله" المضحك بأن إيران لم تكن على علم بالهجمات الكثيرة التي شنتها على الأمريكيين. وكذلك الأمر، ربما لا ترغب إيران في مقتل جزء كبير من قيادة "كتائب حزب الله" على يد الأميركيين.
إذا كانت "المقاومة" المدعومة من إيران تريد عدم إحراج السوداني، فذلك لسببين لا ثالث لهما، أولاً لأن الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران يناسبها وجود السوداني كواجهة غير محظورة لقيادة العراق اسميًا، وثانيًا لأنها تتوقع أن يقوم السوداني عما قريب بتنفيذ عملية إخراج القوات الأمريكية من العراق ضمن إطار زمني محدد. وهذا توقع ذو أهمية كبيرة بالنسبة إلى إيران نظرًا لأن الولايات المتحدة على وشك فرض عقوبات وضرب أجزاء كثيرة من الدولة العراقية استولت عليها "كتائب حزب الله" والجماعات الإرهابية الأخرى خلال استحواذ "الإطار التنسيقي" على الكثير من الحقائب الوزارية في الدولة.
ما الذي على واشنطن أن تطالب السوداني به؟
لقد قابلتُ السوداني وتحدثت معه مرات عديدة في السابق أثناء صعوده سلّم السياسة العراقية، الأمر الذي منحني فكرة عن الرجل ومسيرته المهنية المثيرة للإعجاب من دون شك. فقد عمل على كافة مستويات الحكومة العراقية، كرئيس بلدية ومحافظ ووزير (مرات عديدة) والآن كرئيس للوزراء. وهو على الأغلب لا يسعده العمل بخدمة الميليشيات ويطمح إلى أكثر من ذلك وبأن يكون رئيس وزراء حقيقيًا لدولة حقيقية، ولكن لا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا إذا حصل على دعم دولي ومحلي قوي لتغيير نظام العراق الفاسد. يسكن في أعماق السوداني اليوم زعيم مجتهد عاجز فحسب عن التحرر من قبضة الجماعات الإرهابية والميليشيات التي عقد معها صفقة شيطانية ليصبح رئيسًا للوزراء في المقام الأول.
كما أنني أعرف طريقة عمل واشنطن من الداخل، وأدرك مدى فعالية نفوذ واشنطن في العراق عند تطبيقه بطريقة مدروسة وهادفة. ولو كنت مسؤولاً عن السياسة العراقية، لقدمت التوصيات التالية كثمن مناسب لضبط أنفسنا ومنع انتقام عسكري كبير ردا على الاستفزازات المتصاعدة من وكلاء إيران في العراق.
- يجب على رئيس الوزراء العراقي استعراض قوته. يتعامل السوداني بخنوع مع الجماعات الإرهابية والميليشيات داخل حكومته. وعلى الولايات المتحدة أن تشجعه على المخاطرة وأن يقول علنًا: "ينص الدستور على أن رئيس الوزراء العراقي هو القائد الأعلى، وليس زمرة من قادة الميليشيات. وحان الوقت لتتوقف بعض الجماعات مثل "كتائب حزب الله" عن مخاطبة الجمهور وكأنها تدير الدولة العراقية. لقد وضعت "كتائب حزب الله" العراق في موقف حرج وذلك باعترافها وسوف تُعاقب على فعلتها". وقد ينقلب السوداني على من ساعدوه، ولكن إذا أراد أن يصبح زعيماً حقيقيًا، فليس هناك وقت أفضل من الآن، وإذا فشل الآن، فيجب على الولايات المتحدة أن تدرك أنه لا ينوي أبدًا الخروج من عباءة رعاة الإرهاب.
- يجب طرد عناصر "كتائب حزب الله" من القيادة العليا لقوات "الحشد الشعبي". لا ينبغي لأي عضو كبير من أعضاء "كتائب حزب الله"، الذين تستطيع الولايات المتحدة أن تعدد الكثير منهم، أن يدير مؤسسات الدولة العراقية، وتحديدًا قوات "الحشد الشعبي" الجامعة للميليشيات التي تسمح الدولة بعملها، ومن بينهم (على سبيل المثال لا الحصر) أبو فدك (المعروف أيضًا باسم عبد العزيز المحمداوي)، رئيس العمليات الحالي في قوات "الحشد الشعبي"، وأبو زينب اللامي (المعروف أيضًا باسم حسين فالح عزيز اللامي)، رئيس الأمن الفاسد في قوات "الحشد الشعبي" والخاضع لعقوبات على خلفية انتهاك حقوق الإنسان، وأبو إيمان البهالي (المعروف أيضًا باسم عذاب كيطان البهالي، ستار جبار التعبان)؛ رئيس استخبارات قوات "الحشد الشعبي" المدرج على لائحة العقوبات الأمريكية. وينبغي في نهاية المطاف حل ألوية "كتائب حزب الله" الثلاثة (45، 46، 47) التابعة لقوات "الحشد الشعبي".
- يجب نفي زعيم كتائب حزب الله أبو الحسين من العراق. عندما كانت الولايات المتحدة تستهدف وكلاء إيران فيما مضى، غالبًا ما كانوا يغادرون إلى إيران لفترة من الوقت. وينبغي انتظار ذلك من الأمين العام لـحركة "كتائب حزب الله"، أبو حسين (المعروف أيضًا باسم أحمد محسن فرج الحميداوي)، وأي أعضاء رئيسيين آخرين تحددهم الولايات المتحدة. وطالما أنهم لم يعودوا إلى العراق، فلن يتم استهدافهم.
- يجب اجتثاث "كتائب حزب الله" من الأنظمة المالية والصناعية. استهدفت الولايات المتحدة مؤخرًا شركة طيران (فلاي بغداد) ومصرفًا (الهدى) تابعين لـ"كتائب حزب الله" ويجب التعمق أكثر في هذه العملية، بما في ذلك إزالة الشركات التابعة للجماعة من النظام المصرفي العراقي بأكمله وأجهزة المخابرات والمطارات والمراكز الجمركية والقطاع الصناعي.
- يجب محاكمة منفذي هجمات 27 كانون الثاني/يناير بتهمة الإرهاب وقضاء مدة عقوباتهم كاملة. ينبغي البحث عن الإرهابيين العراقيين الذين قتلوا ثلاثة أميركيين في 27 كانون الثاني/يناير في الأردن من خلال تحقيق مشترك بين العراق والولايات المتحدة، ومحاكمتهم بموجب قوانين الإرهاب العراقية وسجنهم أطول فترة ممكنة. ويجب إظهار أسماؤهم ووجوههم للعلن، على خلاف ما جرى في الحالات السابقة حيث كان يُنتظر من الأميركيين أن يثقوا فحسب في "حكومة المقاومة" بأنهم سجنوا شخصًا حقيقيًا وبقي في السجن.
لا تقتصر المشكلة على "كتائب حزب الله" على الإطلاق. فثمة جماعات إرهابية مماثلة مثل "عصائب أهل الحق" و"كتائب سيد الشهداء" و"حركة حزب الله النجباء" يجب أيضًا استئصالها وشطبها من الأنظمة الحكومية والتجارية الرئيسية. كما أن هناك جماعات مجاورة للإرهاب مثل منظمة "بدر" يجب النظر في اعتبارها من الأهداف المحتملة للعقوبات بسبب مشاركتها الأساسية في تمكين حركات مصنفة إرهابية من إدارة مشاريع فساد ضخمة في العراق. إلا أن "كتائب حزب الله" تشكل اختبارًا رمزيًا مناسبًا للسوداني، ويعتبر تأمين الإنجازات المذكورة أعلاه خطوة مناسبة جدًا للبدء بالحوار حول تقليل الوجود الأمريكي في العراق، ولكن أولًا بأول. فالولايات المتحدة لن تنسحب من العراق تحت النيران، ولذلك يعدّ التعليق المستمر للهجمات خطوة أولية مهمة.
وفي ما يتعلق بزيارة السوداني إلى أمريكا، يجب أن نرى ما يستطيع رئيس الوزراء العراقي تحقيقه قبل تأكيد هذه الدعوة المهمة. وقد يتساءل المرء، هل كان السوداني "يعمل جاهدًا" أو يبذل جهودًا "مكثفة" قبل 30 كانون الثاني/يناير، عندما تعرضت القوات الأمريكية (منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2023) للهجوم ما يقرب من 180 مرة من العراق وفيه أو من قبل عراقيين في القواعد الأمريكية في سوريا والأردن؟ وقد يتساءل المرء عما إذا كان السوداني يستحق زيارة إلى البيت الأبيض واستقباله في المكتب البيضاوي مثل فولوديمير زيلينسكي، إذا كان كل ما فعله هو محاولة متأخرة للانصياع لوقف إطلاق النار الذي عرضته إيران وشركاؤها الإرهابيون لأن الولايات المتحدة كانت على وشك الهجوم.
إن الخوف من فقدان الوظيفة ليس مبررًا كافيًا لدخول البيت الأبيض. يجب على واشنطن أولاً أن تترك السوداني يثبت أن دوره أكثر من مجرد "مدير عام" لعصابة من الإرهابيين تدير العراق اليوم. يمكن للسوداني أن يكون رئيس وزراء حقيقي لدولة حقيقية ذات سيادة إذا أراد ذلك، لكن ذلك سيتطلب المخاطرة، وعند ذلك يمكنه أن يحظى باستقبال الأبطال في واشنطن.