- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
ما زال بإمكان الكونغرس الأمريكي المساعدة على رسم المشهد النهائي في سوريا
عندما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب حوالى ألفَي جندي أمريكي متمركزين في سوريا، لقي نصائح المستشارين وانتقاد الكونغرس، في حين حاول شركاؤه في الميدان إقناعه بالعكس. وقد أتمّت هذه السياسة مهمّةً أخرى على قائمة ترامب ولبّت بالوعد الذي قطعه بـ"الخروج من سوريا" خلال حملته الرئاسية وبإعادة الجنود الأمريكيين إلى ديارهم، ولو عارض مؤيدوه ذلك. وكما يعرف كل من يتابع أحداث النزاع، سوف يعكس سحب القوات الأمريكية من سوريا عددًا كبيرًا من المكاسب التي حققها الجنود الأمريكيون هناك بقوة قتالية فعالة، ولو أنها صغيرة.
لحسن الحظ، لطّف الرئيس قراره هذا، ليبقى حوالى مئتين إلى ألف جندي في شمال شرق سوريا كما في قاعدة التنف في جنوب البلاد للوقت الحالي. إلا أن وعود الرئيس الجوهرية القاضية بهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" بشكل دائم وممارسة أقصى مستويات الضغط على إيران قد تنهار في الأشهر القادمة مع تراجع الانخراط الأمريكي.
ولهذا السبب يجب ألا يسمح الكونغرس الأمريكي للرئيس الترامب بأن يتخذ القرار النهائي حول سياسة الولايات المتحدة في سوريا. ولحسن الحظ أن القيادة الحزبية الثنائية حول سوريا تستمر في مجلس النواب كما في مجلس الشيوخ، والدليل على ذلك "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" وإحياء الذكرى العامة الثامنة للتظاهرات السلمية في سوريا، إذ يتمتع كل من العسكريين السابقين في الكونغرس والأعضاء الجدد بعلاقات عمل جيدة حول المسائل المتعلقة بسوريا. وفي حين تحوّلت بعض المخاوف إزاء السياسة الخارجية من وقت إلى آخر إلى عواصف إعلامية في السابق، يبقى الإجماع بين الحزبين على الانخراط الأمريكي في سوريا راسخًا إلى حدٍ كبير.
ويتعين على أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ من كلا الطرفين أن يجددوا سلطة إنفاق الكونغرس وإشرافه من أجل الحرص على استمرار الولايات المتحدة في تحقيق أهداف الأمن القومي، ألا وهي: هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" ومقاومة نفوذ إيران الخطير ومحاسبة مجرمي الحرب ودعم الحلفاء وإعادة زرع الإيمان بأنه يمكن للعالم أن يعتمد على أن الولايات المتحدة سوف تدعم الكلام بالفعل.
وينص الدستور بشكل واضح على أن قياد الشؤون الخارجية تقع في يد السلطة التنفيذية ورئيس الأركان. فما هي الجوانب التي يمكن للكونغرس الأمريكي – من مجلس النواب ومجلس الشيوخ، ومن ديمقراطيين وجمهوريين – أن يركّز عليها من أجل المساهمة في رسم السياسات؟
بدايةً، يتعين على الكونغرس الدفع من أجل استمرار الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، إذ إنّ فصل جنودنا بشكلٍ كامل عن سوريا يعود بالمنفعة على أخصام الولايات المتحدة ويضر بحلفائها. ويتعين على لجان مجلس النواب ومجلس الشيوخ المعنية بالقوات المسلحة والشؤون الخارجية، إلى جانب أعضاء القوات من كافة المستويات، استخدام منبر القوة الذي يتمتع به الكونغرس – ويشمل ذلك جلسات الاستماع والبيانات العامة والرسائل إلى المسؤولين في إدارة ترامب والظهور الإعلامي - لكي يبرهنوا للرئيس كما للشعب الأمريكي أهمية قوّتنا العسكرية الصغيرة إنما الفعالة في سوريا. ويتعين على ممثلي الشعب أيضًا أن يوضحوا بشكل علني المنطق الكامن وراء الوجود العسكري الأمريكي في سوريا استجابًا إلى الارتباك العام حول هذه المسألة من أجل بناء قاعدة دعم أكبر.
وسواء سيتم تنفيذ الانسحاب أم لا، يجب أن يخطط الكونغرس لإشراف متين على كل مرحلة من هذه العملية. فيتعين على أعضاء الكونغرس طلب التوضيحات حول خطط الإدارة وآثار هذه الخطوات على الأرض من خلال الرسائل وجلسات الاستماع في الكونغرس لمسؤولي الإدارة والبنتاغون. ويتعين على أعضاء الكونغرس أيضًا تقديم الدعم العلني (من خلال الظهور الإعلامي والبيانات العلنية) والخاص (من خلال الاتصالات الهاتفية والاجتماعات المغلقة) إلى المسؤولين في الإدارة على غرار السفير جيمس جيفري الذي يشغل اليوم منصب المبعوث الأمريكي الخاص حول سوريا وتنظيم "الدولة الإسلامية"، إلى جانب المسؤولين الآخرين الذي يشاركون بشكل ناشط في توجيه السياسية الأمريكية حول سوريا.
ويمكن للكونغرس التركيز على مسائل أخرى غير مسألة الانسحاب من أجل المساهمة في رسم سياسة قوية حول سوريا. فيشكّل المجتمع المدني القوي والمرن عاملًا مضادًا للإيديولوجيات المتطرفة الخاصة بتنظيمَي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية". ولكن للأسف، قطعت الإدارة الحالية التمويل المخصص لإرساء الاستقرار في بعض المناطق ودعم المجتمع المدني في الصيف الفائت، حتى بعد أن شدّد عدد من الناشطين السلميين على غرار رائد فارس، الذي تم اغتياله على يد عناصر "القاعدة" في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، على ضرورة الدعم الأمريكي. لذا سوف تشجع إعادة فتح التمويل من خلال عملية التخصيص والتشريعات ذات الصلة على غرار قانون الهشاشة العالمي (Global Fragility Act) الأعداد الكبيرة من السوريين الذين يرفضون التطرف إنما لا يلقون التشجيع أو الدعم الكافيين من المجتمع الدولي في الوقت الراهن.
ويكتسي الضغط المالي أيضًا أهميةً كبرى، لذا يتعين على الولايات المتحدة أن تقود حملة قطع التمويل لجرائم الحرب الموثّقة التي ارتكبها بشار الأسد ضد المدنيين، وتشمل التعذيب والبراميل المتفجرة والتجويع القسري. ويشمل ذلك أيضًا القصف المتزايد بالقذائف من قِبل الروس والنظام السوري على السواء في محافظة إدلب في الآونة الأخيرة، وهو عمل أدانته وزارة الخارجية الأمريكية عن حق. ولن تبرهن زيادة العقوبات أن الولايات المتحدة تتخذ موقفًا صارمًا ضد الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان فحسب، بل تشكل هذه الزيادة وسيلة من الوسائل القليلة المتبقية لممارسة الضغط من أجل وضع حد للنزاع من خلال المفاوضات السياسية بحضور الأسد وروسيا. وقد فشل الكونغرس السابق في تمرير "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" في كانون الأول/ديسمبر 2018، وقد كان وسيلةً أساسية لتحقيق هذه الغاية، ويبقى مشروع القانون عالقًا حتى تاريخه. ومرر مجلس النواب الحالي القانون رقم 31 حول حقوق الإنسان H.R. 31 المعروف بـ"قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" في حين مرر مجلس الشيوخ القانون الأمني S.1 الذي شمل مشروع قانون قيصر. إلا أنه لا يزال يتعين على المجلسين أن يتوصلا إلى حل وسطي من أجل تحويل مشروع القانون هذا إلى قانون. فيمكن لأعضاء الكونغرس أيضًا أن يشجعوا نظراءهم البرلمانيين في أوروبا على الانضمام إلى جهود مشتركة رامية إلى فرض عقوبات متعددة الأطراف من أجل إحضار بشار الأسد وفلاديمير بوتين إلى طاولة المفاوضات.
ومن الجهة الأخرى، يجب ألا تتم مكافأة رجال الأعمال السوريين والإيرانيين والروس الاستغلاليين بتقديم عقود إعادة الإعمار لهم. فالآن وقد باتت روسيا تشعر أنها صاحبة اليد العليا، وعلى الكونغرس أن يتوقع من بوتين أن يعزز جهوده لجمع الأموال الغربية دعمًا لإعادة الإعمار في سوريا، وخصوصًا في المناطق الموالية للأسد. وفي حين قد تبدو هذه السياسة عمل خير، لا تأتي بالمنفعة إلا على الذين دمّروا البلاد. فلا تحقق الأموال المودعة في أيدي الموالين للنظام إلا تشجيع عودة اللاجئين الذي يخافون بكل حق من عقاب النظام الانتقامي الذي يريدهم أن يبقوا خارج سوريا بشكلٍ نهائي. وشكّل مؤتمر المانحين في بروكسل الذي انعقد في آذار/مارس دليلًا مثيرًا للإعجاب عن الامتناع عن تقديم الهبات. وتهدف التشريعات الإضافية من الكونغرس على غرار قانون حظر المساعدات إلى الأسد (No Assistance for Assad Act) إلى إبقاء الأموال المخصصة لإعادة الإعمار على منأى من رجال الأعمال الفاسدين وذوي العلاقات مع النظام.
ويملك أعضاء الكونغرس أيضًا منتدىً عامًا، ويجب أن يستخدموه ليرفعوا الصوت باسم الأمريكيين الذين قُتلوا أو سُجنوا على يد الأسد. فمقتل العاملة في مجال حقوق الإنسان ليلى شويكاني، المولودة في شيكاغو والمواطنة الأمريكية الأولى التي قتلها النظام، يجب أن يذعر الجميع، وكذلك خطف النظام للطبيب الأمريكي مجد كم الماز. فيجب أن يولّد مقتلها واختفاؤه صرخة الكونغرس والدعاية نفسهما اللتين ولّدتهما أحداث مقتل أشخاص آخرين أو سجنهم على يد الأنظمة الاستبدادية، ومن هؤلاء الأشخاص جيسون ريزايان أو الصحافي في جريدة "واشنطن بوست" جمال خاشقجي أو الصحافي أوستين تايس. وبطبيعة الحال، يتعين على أعضاء الكونغرس أيضًا نشر الوعي بأن هذه الأحداث كانت وما زالت تقع لمئات آلاف السوريين بشكل يومي، ويمكنهم نشره من خلال إلقاء الخطابات وإصدار البيانات العلنية والظهور في وسائل الإعلام.
إن قائمة الإجراءات التي يمكن اتخاذها لحماية مصالح الأمن القومي الأمريكي والقيادة المعنوية في سوريا طويلةٌ جدًا، سواء سيتم سحب الجنود الأمريكيين أم لا. ويضطلع الكونغرس بدور فريد في رسم معالم السياسة الخارجية، ويجب أن يعمل كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ معًا في مواجهة الأنظمة الدكتاتورية المجرمة ومحاسبة الحكومة الأمريكية على السواء.