- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
معادلة جيوبوليتيك الطاقة في شمال أفريقيا
اكتسب التنافس الإقليمي الطويل الأمد بين المغرب والجزائر معنى جديدًا، حيث صار البلدان يتنافسان على الشراكات في مجال الطاقة في أوروبا.
في حين تسعى العديد من الدول الأوربية إلى تقليل اعتمادها على إمدادات الغاز الروسي نتيجة الحرب الروسية -الأوكرانية، تتجه الأنظار الآن نحو القارة الأفريقية. يندرج ذلك أيضا على منطقة شمال إفريقيا حيث تتنافس الجارتان الجزائر والمغرب للظفر بصفقة أنابيب الغاز المتّجهة نحو أوروبا. ورغم التوترات التي شهدتها ديناميات الطاقة في المنطقة منذ سنوات، فقد دخل التنافس بين المغرب والجزائر مؤخرًا فصلًا جديدًا بعد إعلان نيجيريا وصول مشروع خط الأنابيب الذي سيربطها بالمغرب ثم أوروبا مرحلة البحث عن التمويل. ومع ارتفاع الطلب على الطاقة أكثر من أي وقت مضى، يتم بالتالي رسم خطوط الطاقة عبر منطقة شمال إفريقيا حيث تتصاعد حدة المنافسة على قضية الطاقة الرئيسية.
إسبانيا تسعى للدخول في شراكة في مجال الطاقة مع المغرب
لأكثر من عام حتى الآن، وجدت إسبانيا نفسها وسط نزاع مرير بين المغرب والجزائر بشأن الطاقة، خاصة منذ أن اتخذت الجزائر قرارًا في عام 2021 بإغلاق خط أنابيب الغاز الذي يربط بين إسبانيا عبر المغرب، وهو ما أدى بالتالي إلى وقف الغالبية العظمى من إمدادات الغاز عبر المغرب. ومن ناحية أخرى، أبقت الجزائر على خط أنابيب " ميدغاز"، الأقل كفاءة الذي يمتد أسفل سطح البحر لتزويد إسبانيا بالطاقة دون تدخل المغرب. ومع ذلك، فإن تحرك إسبانيا الأخير لإعادة فتح خط الأنابيب المغربي الأوروبي وتعزيز إمدادات الغاز المغربي، أدى إلى تفاقم وضع الجزائر إلى حد كبير، وذلك على الرغم من تعهد مدريد بأن العقد الجديد لن يشمل إرسال الغاز الجزائري للمغرب.
وتجدر الإشارة إلى أن سياسة إعادة المواءمة التي اتخذتها إسبانيا تجاه المغرب بشأن قضية الطاقة والتي تأتي في وقت أعادت فيه مدريد أيضًا تأكيد دعمها للرباط قضية الصحراء الغربية، قد أدت مؤخراً إلى توتر العلاقات بين الجزائر وإسبانيا. وبشكل عام، أصبح لدى إسبانيا قناعة أنه لا يمكن الاعتماد على الجزائر في صادرات الغاز المستقبلية، ما دفع مدريد إلى للاعتماد بشكل أكبر على المغرب كمورد رئيسي للطاقة.
علاوة على ذلك، يجعل خط الأنابيب المغربي-النيجيري المرتقب الشراكة مع المغرب أكثر قيمة بالنسبة لإسبانيا، حيث أن احتياطيات الغاز الهائلة التي تستحوذ عليها نيجيريا قد تمكنها من أن تصبح شريان الطاقة الرئيسي في أوروبا وذلك في ظل غياب صادرات الغاز الروسية. بعد حصول إسبانيا على احتياجاتها من الطاقة من نيجيريا –أحد موردي الطاقة الرئيسيين و"الأكثر موثوقية" - عبر خط الأنابيب المغربي - الإسباني الموجود مسبقًا، يبدوا أن إسبانيا تسعى إلى تجنب المزيد من المشكلات مع المصادر الجزائرية. من جانبه، سيتمكن المغرب من خلال خط الأنابيب هذا من تأمين ميزة استراتيجية كبيرة تفوق صادرات الغاز الروسية والجزائرية.
مسار خط الأنابيب بين المغرب ونيجيريا، مسار قابل للتطبيق لأنه يعتمد على خط أنابيب غاز غرب إفريقيا القائم فعلياً والذي ينقل الغاز النيجيري إلى بنين وتوغو وغانا عبر الرابط البحري. بموجب الاقتراح الجديد، سيتم تمديد خط الأنابيب البحري هذا على طول ساحل غرب إفريقيا عبر بلدان مثل ساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا كوناكري وغينيا بيساو والسنغال وموريتانيا والمغرب. بعد ذلك يكون مسار نقل الغاز من المغرب إلى أوروبا عبر إسبانيا سهل، وذلك بسبب القرب الجغرافي.
ويبدوا أن المغرب، سيكون من أوائل المستفيدين من هذه الشركة الاقتصادية حيث سيصبح قادرا على تغطية احتياجاته من الطاقة، فضلا عن تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، وتسريع وتيرة استكمال مشاريع تمديد الكهرباء. كما ستُمكن تلك الشراكة المغرب من إعادة تحديد علاقاته مع نيجيريا، لا سيما في قضية الصحراء، التي ستتيح للرباط حضوراً أوسع في منطقة غرب إفريقيا، وهو ما ينسجم مع توجهات المغرب الجديدة في التركيز على البعد الأفريقي في علاقاته الخارجية.
سعى إيطاليا للدخول في شراكة مع الجزائر في مجال الطاقة
بطبيعة الحال، الجزائر أبعد ما يكون عن التهميش خلال المنافسة على عقود الطاقة الأوروبية، حيث صارت نقطة محورية بالنسبة لإيطاليا التي تسعى إلى توسيع إستراتيجيات الطاقة الخاصة بها. وفي هذا السياق، أعلنت شركة الطاقة الإيطالية إيني في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، عن استحواذها على أنشطة شركة بريتش بتروليوم (بي بي) في الجزائر، كما استحوذت على امتيازات في بعض حقول الغاز في الجزائر وهما "إن أميناس" و "إن صالح." تلعب شركة إيني الدور الأكبر ضمن خطة تأمين أمن الطاقة في القارة الأوروبية حيث تهدف إلى إنهاء الاعتماد على الغاز الروسي وإيجاد إمدادات بديلة للغاز الروسي البالغ 29 مليار متر مكعب بحلول نهاية عام 2023.
وحتى يتسنى لها تأمين تلك الشراكة، دخلت إيني والشركة الجزائرية الحكومية سوناطراك في شراكة طويلة الأجل تهدف إلى زيادة قدرات الجزائر في مجال تصدير الطاقة إلى أوروبا ودراسة قدرة الجزائر على التوسع في مجال الطاقة المتجددة. يتماشى هذا المشروع مع خطة الإنتاج التوسعية التي تتبناها الشركة في جميع أنحاء إفريقيا، والتي تشمل شراء إمدادات الغاز، وخطوط الأنابيب المشتركة، ومحطات معالجة الهيدروكربونات، ومصافي النفط.
تمكنت الجزائر من خلال اتفاق ثنائي بينها وبين إيطاليا من تصدير 10 مليارات متر مكعب من الغاز إضافية إلى أوروبا ستمر عبر خط أنابيب "ترانسميد." تشكل هذه الاتفاقيات أحد جوانب الجهود الإيطالية المستمرة لتعظيم شراكاتها الجيو- اقتصادية مع البلدان الأفريقية من الجزائر إلى نيجيريا، والكونغو، وأنغولا، وموزمبيق.
وتجدر الإشارة إلى ان اختيار كلا من إسبانيا وايطاليا في معادلة الصراع المغربي -الجزائري يمكن رده إلى عدة أسباب، منها رغبة كلا من إيطاليا والجزائر في تعزيز الشراكة بينهما في مجال الطاقة والتسارع في عقد الصفقات للاستحواذ على حق التنقيب ونقل الغاز الطبيعي لأوروبا وهو ما سيفتح المجال امامهما لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك الهيدروجين. فضلاً عن ذلك، ستساهم تلك الشراكة في زيادة التعاون بين البلدين في ملفات أخرى مثل الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، والملف الليبي وملف الصحراء الغربية. من جهة أخرى، ُتعتبر ا لمغرب بمثابة “شريك مرجعي" لإسبانيا بسبب تعاونها العميق في شؤون الهجرة ووضعها الاستراتيجي الذي يسمح لها بأن تكون حليفًا رئيسيًا في الأمن ومكافحة الإرهاب والاستثمار في الطاقة.
التنافس المغربي- الجزائري في السياق
أدت المنافسة الشرسة بين المغرب والجزائر من أجل شراكات الغاز الطبيعي في أوروبا إلى بروز العديد من المقترحات الاقتصادية في جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء. وفي محاولة لمواجهة خط الأنابيب النيجيري – المغربي، اقترحت الجزائر تطوير "خط أنابيب الغاز العابر للصحراء"، لنقل الغاز النيجيري إلى أوروبا عبر جمهورية النيجر والأراضي الجزائرية. كما سعت الجزائر أيضاً، لبناء خطوط أنابيب غاز مع موريتانيا لنقل الغاز المستخرج من حقل "سلحفاة أحميم" البحري الذي يقع على الحدود بين مياه السنغال وموريتانيا. أدت المنافسة على خطوط الغاز أيضًا إلى نشوب معركة دبلوماسية أكبر بكثير بين المغرب والجزائر تهدف إلى بسط نفوذهما المنطقة.
وفي ما يتعلق بقضية الصحراء وغيرها، سعى كلا من المغرب والجزائر بشكل متزايد إلى تعزيز موطئ قدمهما في القارة الإفريقية من خلال اتباع سياسة خارجية متجددة. وتعد عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي في عام 2017 خطوة جيدة أظهرت مدى رغبة المغرب في تحسين علاقاته الإقليمية ودعم الجهود الاقتصادية والسياسية القارية. بالطبع، أدت الجهود الدبلوماسية المغربية إلى بروز ردود دبلوماسية معاكسة من قبل الجزائر، حيث وفرت عملية التطبيع الأخيرة والتحالف بين المغرب وإسرائيل فرصة للجزائر لتأكيد مكانتها كزعيم عربي ولاعب إقليمي أساسي.
إن غياب التعاون بين الجزائر والمغرب له ما يبرره، فمنذ ان حصلت الرباط من إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب، على الاعتراف بسيادتها على الصحراء الغربية، مقابل تطبيع علاقاتها مع إسرائيل فيما ما يعرف باتفاقيات إبراهيم، وصل التعاون بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق خاصة بعد الزيارة الاخيرة التي اجراها وزير الدفاع الإسرائيلي للرباط، والتي نتج عنها توقيع اتفاق عسكري بين الطرفين. ومن جهة أخرى، هذا التقارب بين المغرب وإسرائيل جعل الجزائر تشعر انها مستهدفة بشكل مباشر نتيجة دعمها لجبه البوليساريو والقضية الفلسطينية، وهو ما أدى إلى اتهامها للمغرب بمحاولة نقل الصراع من الشرق الأوسط إلى شمال أفريقيا من خلال تقاربها مع إسرائيل.
وفي الأساس، تعتبر الجهود الحالية التي يبذلها المغرب والجزائر للتفوق على بعضهما البعض في مجال صادرات الطاقة، مظهر آخر من مظاهر معركة شد الحبال بين البلدين. في كلتا الحالتين، يبدو أن أوروبا ستكون هي أبرز المستفيدين من المنافسة على إمدادات الطاقة في شمال إفريقيا، حيث ستوفر هذه التطورات للمنطقة عدة طرق جديدة لمعالجة مشكلة ندرة الطاقة في وقت تسعى فيه أوروبا لإنهاء اعتمادها على الغاز الروسي.