- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
محادثات الوحدة بين الأكراد في شمال شرق سوريا في دائرة الخطر
استؤنفت المحادثات هذا الشهر في جلسات سرية وأحرزت تقدمًا نحو الاتفاق. لكن الكثيرين يخشون أن التأخيرات والمطالب غير المعقولة حوّلت المحادثات إلى مسرح تتنافس فيه الأطراف الإقليمية على السلطة.
أصبحت المفاوضات حول تقاسم السلطة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين في شمال سوريا – وهي أصلاً عملية مستمرة منذ سنوات – شبه جامدة منذ وصول بايدن إلى الرئاسة. فبما أن وزارة الخارجية الأمريكية والجنرال مظلوم عبدي من "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة لعبا دورًا مشتركًا في الوساطة بالمحادثات، كان لتغيير الإدارة في واشنطن تداعيات خطيرة على العملية. كما أن الصراع السياسي الداخلي المرير بين الحزبين الكرديين أدى إلى تفاقم علاقتهما المشحونة أصلاً. وبذلك تسببت هذه العوامل مجتمعةً بإضعاف المحادثات الضرورية لإحراز تقدم سياسي في المنطقة وتأخيرها.
تهدف المحادثات، التي استؤنفت في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 واستمرت بشكل متقطع حتى نيسان/أبريل، إلى تشكيل حزب سياسي كردي سوري واحد يدمج بين الحزبين الرئيسيين الموجودين، أي "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"المجلس الوطني الكردي". إذ تأمل وزارة الخارجية قيام هيئة كردية قوية وموحدة قادرة على إحراز التقدم اللازم لتطبيق قرار الأمم المتحدة الذي يسعى إلى تحقيق نهاية سياسية للحرب الأهلية السورية المستمرة منذ عقد من الزمن. لكن قادة "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"المجلس الوطني الكردي" لم يلتقوا شخصيًا منذ كانون الأول/ديسمبر ولم يخوضوا مفاوضات إلا مع الوسطاء، في حين تبيّن المناقشات والمقابلات مع القيادات الحزبية والسكان في كامل المناطق الشمالية من البلاد صعوبة تحقيق هذه الوحدة ما لم تمارَس الضغوط اللازمة للعودة بجدية إلى طاولة المفاوضات.
وتشمل النقاط العالقة في ما يسمى "محادثات الوحدة" عودة وحدة كردية متحالفة مع "المجلس الوطني الكردي" في شمال العراق كانت قد مُنعت من العودة إلى شمال سوريا، ووضع نظام تعليمي معتمد، وقطع ما تبقى من العلاقات بين "حزب الاتحاد الديمقراطي" و"حزب العمال الكردستاني". وتعرقلت المفاوضات أيضًا بسبب مسألة تعديل نظام الحكم التقدمي الحالي الذي يقوم على الحكم المشترك بين ذكر واحد وأنثى واحدة يمثلان المنطقة. وفي حال اندماج الحزبين معًا، ليس واضحًا كيف سيضمَّن تقاسم السلطة بين الحزبين في هذا النموذج.
في هذا السياق، لفت مسؤول أمريكي رفيع خلال مقابلة أجراها في شباط/فبراير إلى أن المحادثات اصطدمت بحجر عثرة في بداية السنة ويحتمل أن تكون في خطر. لكن مصادر أخرى في الكونغرس مطلعة على المفاوضات تعتقد أن الكثير من الأمور التي كانت تسبب الانقسام بين الحزبين قد عولجت، وأن ما يتبقى هو اتفاقيات يمكن إبرامها لاحقًا حالما يتم التوافق على ترتيبات رسمية لتقاسم السلطة.
أما من الجانب السوري، فتحدث كثيرون علنًا عن أهمية نجاح المفاوضات. فالممثلة الخارجية لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" في الولايات المتحدة سينام محمد وصفت المحادثات بالضرورية والمشحونة بالمشاكل، حيث قالت: "هي حاجة ضرورية لكل الناس ويجب أن تحدث لأننا إذا أردنا حل المسألة السورية، ستبدأ بضم كل الأطراف السورية معًا على الطاولة وستبدأ مع الشعب الكردي ... [و] هذا ما نحتاجه إذا كنا حريصين جدًا على إنهاء معاناة الشعب السوري". لكنها أشارت أيضًا إلى أن العملية "غير فعالة الآن".
غير أن عامل انعدام الثقة بين الطرفين قد يُخرج المحادثات عن مسارها. فخلال الأسابيع الأخيرة، ألقى "المجلس الوطني الكردي" باللوم على "حزب الاتحاد الديمقراطي" بتهمة إحراق مقره الرسمي وعدم تحريك ساكن للتخلص من انتشار الإدارات الذاتية الإقليمية والعلاقات البعيدة مع "حزب العمال الكردستاني". وقد أخبرني أحد كبار قادة "المجلس الوطني الكردي" محمد إسماعيل في مكتبه في القامشلي: "تحدثنا عن الانتهاكات التي ارتكبها الطرف الآخر ضدنا في تلك الفترة حين أضرموا النار في مكاتبنا واعتقلوا أهلنا واتهموا المجلس بالخيانة على وسائل الإعلام وحاكموا عائلات "البيشمركة" ومارسوا ضغوطًا كبيرة علينا. إذًا أعادونا إلى نقطة الصفر، إلى المربع الأول. قلنا لهم إنه لا يمكن إجراء المحادثات في هذه الظروف وإنه عليهم القيام بدورهم في هذا الشأن".
يعتقد إسماعيل أن بنية الحكم المشتركة مع "حزب الاتحاد الديمقراطي" بحاجة إلى مزيد من التعديلات رغم قوله إنهم ما زالوا قريبين من الاتفاق الشامل. وهذا ما قاله لي إسماعيل: "لم نكن نريد أن يستغرق الأمر هذا الوقت الطويل. كنا نتمنى لو نستطيع الانتهاء في غضون 10 أو 15 يومًا. لكن العملية استغرقت وقتًا طويلاً. وحتى الجهة المعنية بالمراقبة ليست ناشطة. إذ يبدو أن الأمريكيين لا يريدون الإسراع". وبعد المقابلة، حثّ نائب المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، السفير ديفيد براونشتاين، الأطراف المختلفة على المضي قدمًا في محادثاتها نحو التوحيد الفوري بهدف إحضار ذلك الوفد إلى محادثات السلام السورية برعاية الأمم المتحدة.
في المقابل، يلوم الكثيرون "المجلس الوطني الكردي"، المدعوم من الحزب السياسي المهيمن على "حكومة إقليم كردستان" شمال العراق، على جرّ المحادثات إلى الجمود. ويستشهد هؤلاء بمطالب "المجلس الوطني الكردي" غير المنطقية، على غرار طلب إعادة قوات "بيشمركة" روج آفا، وهي قوة مقاتلة منفية سميت تيمنًا بالمنطقة السورية ذات الأغلبية الكردية، للمساهمة في الجهود الأمنية بالرغم من رفض "قوات سوريا الديمقراطية" طلب "البيشمركة" بالعودة. كما أن الزيارة التي قام بها "المجلس الوطني السوري"، الذي ينتمي إلى المعارضة السورية ومقره في تركيا ويعتبره العديد من الأكراد السوريين تابعًا ومدينًا لتركيا، إلى "إقليم كردستان العراق" في أوائل آذار/مارس دلت بالنسبة للكثيرين على عدم استعداد "المجلس الوطني الكردي" وشريكه العراقي لأخذ المفاوضات على محمل الجد. حتى أن البعض اعتبر الزيارة أشبه بـ"طعنة" في الظهر.
فضلاً عن ذلك، يطالب "المجلس الوطني الكردي" بالسيطرة على 50 في المائة من الإدارة الذاتية الراهنة. وعلى حد ما قاله لي أحد سكان القامشلي، إن المطالبة بنسبة 50 في المائة من المناصب بدون تصويت من الشعب يقوض القيم الديمقراطية التي سعت الهيئة الحاكمة الحالية إلى إرسائها، وسوف تؤدي أيضًا إلى تهميش أصوات الأكراد والعرب والسريان وغيرهم من الفئات العرقية التي تتألف منها المنطقة.
بالرغم من أن أجواء التوتر المحتدمة والقضايا المشحونة بشكل لافت، قد تعني المفاوضات في الحالات المثالية نهاية الجمود السياسي الحاصل في الشمال وتوحيد الأطراف المتباينة التي تسعى وراء حلٍّ يتيح لها الاتحاد ضد الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية الأخرى داخل البلاد. ولكن تحقيق هذه النتيجة يتطلب من الولايات المتحدة ونظيرتها في الوساطة – أي "قوات سوريا الديمقراطية" – أن تبيّنا أنهما لا ترغبان بعد الآن في استضافة تمثيليات تافهة وأن المعوقات التي تُصور على أنها هي أسباب تأخير التقدم في المفاوضات، يمكن بسهولة التغلب عليها.