- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مكافحة الفساد بالجزائر أقوال بحاجة إلى أفعال
أقر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بتفشي ظاهرة الفساد في البلاد وذلك في كلمته التي ألقاها نيابة عنه الأمين العام لرئاسة الجمهورية حبة العقبي خلال مؤتمر حكام الولايات الجزائرية (المحافظين) الذي عقد بالعاصمة الجزائر في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث حذّر بوتفليقة من أن "بعض الآفات مثل الرشوة والمحسوبية والتصرفات البيروقراطية الجائرة التي يراد بها الباطل تستشري في جسم المجتمع وتتحول إلى طفيليات معوقة ".
مؤخرا، أعلنت بعض المنظمات الدولية المستقلة أن الفساد في الجزائر قد ساء في الآونة الأخيرة، حيث أشار ترتيب مؤشر مدركات الفساد العالمي الذي تعده منظمة الشفافية الدولية إلى أن الجزائر قد تراجعت بحده إلى المركز 112 في تصنيف عام 2017، وذلك بعد أن كانت تحتل المرتبة 88 قبل عامين. وقد كان لهذا الفساد المتفشي بشكل متزايد آثار مدمرة على اقتصاد البلاد.
حققت الجزائر طفرة اقتصادية كبيرة بعد عام 1999، نتيجة وصول أسعار النفط لمستويات عالية. وعلى الرغم من تراجع أسعار النفط منذ عام 2014، إلا أن الإيٍرادات الناتجة مكنت الجزائر من تخصيص نحو ألف مليار دولار لمختلف برامج التنمية خلال الولايات الأربع للرئيس بوتفليقة، لكن تلك المبالغ المالية الضخمة لم تنتشل البلاد من دائرة التخلف، ولم تمكنها من الخروج من معضلة التبعية النفطية، فرغم مقدرات البلاد فهي تبقى رهينة لعائدات البترول التي تمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي ونحو 95 في المائة من عائدات التصدير.
وقد أدى انتشار ثقافة الريع إلى استشراء ظاهرة الفساد عبر أجهزة الدولة، حيث ساهمت جهود مكافحة الفساد في الكشف عن بعض قضايا الفساد الضخمة أبرزها ما سمي بـ "فضيحة القرن" والتي تورط فيها الملياردير رفيق خليفة بتهمة الثراء غير المشروع، وهو الشاب اليافع الذي لا يتجاوز الـ 49 عاما وتمكن في ظرف سنوات قليلة من تأسيس مجموعة الخليفة، والتي تضم بنك ضخم، وشركة طيران، وبسبب تورطه في قضايا فساد فرّ إلى بريطانيا، قامت السلطات البريطانية بتسليمه للسلطات الجزائرية في 25 ديسمبر/كانون الأول 2013 حيث حُكم عليه بالسجن لمدة ثمانية عشر عاما في عام 2015.
بعد قضية الخليفة ظهرت قضية الطريق السيار شرق-غرب، وهي إحدى أكبر مشاريع البنى التحتية في البلاد والتي خصص لها في البداية نحو 6 مليارات دولار إلا أن المشروع استهلك أكثر من 17مليار دولار، ومن ثم، أصدرت محكمة جزائرية عام 2015 أحكاماً بالسجن على 14 شخصاً بتهمة الفساد في المشروع، وغسيل الأموال واختلاس الأموال العامة. وبالإضافة إلى ذلك، تم تغريم سبع شركات أجنبية في ما يتصل بأموال الطرق السريعة.
وفي عام 2015، برزت أيضا فضيحة فساد شركة سوناطراك، وهي إحدى أكبر شركات المحروقات في العالم، وتؤمن 98% من عائدات الجزائر من العملات الصعبة، كما حققت الشركة في عام 2012 رقم أعمال من التصدير بنحو 72 مليار دولار. وقد تم توجيه اتهامات بالفساد ضد ستة متهمين منتمين للشركة قاموا بعمليات غسيل أموال بغية مواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط. وفي أوائل 2013، فتحت النيابة العامة في الجزائر العاصمة قضية "سوناطراك 2" عندما أمرت بإجراء تحقيق حول فساد محتمل شاب عقودا بين مجموعة "إيني" الإيطالية وسوناطراك يسود اعتقاد بأن وزير الطاقة السابق شكيب خليل متورط فيه.
وفي ضوء تلك الأمثلة السالف ذكرها، يمكن القول أن الحكومة الجزائرية قد نجحت إلى حد ما في تسوية فضائح الفساد من خلال ضمان توجيه الاتهام إلى المتورطين وسجنهم في معظم الحالات. وتأتي هذه الموجة بعد أن نُقل عن الرئيس بوتفليقة تأكيده عدم التسامح مع الفاسدين مهما تكن رتبهم ومناصبهم. ففي خطوة غير مسبوقة، قرّر قاضي التحقيق بالمحكمة العسكرية لمحافظة البليدة بالجزائر إحالة 5 جنرالات متقاعدين إلى الحبس الاحتياطي لاستكمال التحقيقات في تُهم تتعلَّق بالثراء غير المشروع واستغلال الوظيفة العمومية. وقد أمر بوتفليقة بالإفراج المؤقت والمشروط عن الجنرالات الموقوفين في انتظار محاكمتهم.
ومع ذلك، عاد النقاش مجددا بشأن الفساد واستشرائه الحاد وأثره المحتمل على الرئاسيات المقبلة والمقرر عقدها في نيسان/أبريل 2019. فهناك تخوف من تحوّل هذه الحملة إلى غطاء لتصفية الحسابات بسبب المواقف السياسية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية القادمة وتحديدا بمحاولة إزاحة كل شخص معارض لفكرة ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة آو إبعاد كل من له طموح في خلافة الرئيس في منصبه، وهنا نتحدث عن اللواء المقال عبد الغاني هامل الذي كان مرشحا قويا لخلافة بوتفليقة.
ومن الأسباب التي تعطي لهذه المخاوف مصداقية هي الانتقائية في التعامل مع قضايا الفساد، فأغلب المتابعين هم من القيادات العسكرية في ما يتم استثناء قطاعات أخرى تشهد فسادا مروعا مثل رجال الأعمال والبرلمانيين ومختلف المسؤولين في مستويات مختلفة، كما أن أغلب القضايا استهدفت الحيتان الصغيرة دون الحيتان الكبيرة.
ورغم أن الحكومة أسست العديد من الآليات والأجهزة الحكومية لمكافحة الفساد، إلا أن أغلب تلك الأجهزة التي يتجاوز عددها الخمسة تبقى معطلة ولا تمارس مهامها التي أنشأت من أجلها، أبرزها الديوان المركزي لقمع الفساد، ومجلس المحاسبة، والهيئة الوطنية للوقاية من الفساد. ومن المفارقات أن تلك المؤسسات عينها لم تسلم من ظاهرة الفساد والدليل على ذلك إعلان وزير العدل الطيب لوح في 19 سبتمبر/أيلول الماضي عن إنشاء فوج عمل لإصلاح الديوان المركزي لقمع الفساد.
تمثل ظاهرة الفساد أحد المظاهر السلبية المنتشرة والتي تهدد الاستقرار الوطني للدول، وأكثرها فتكاً بالأمن والسلم المجتمعي؛ ذلك أنّها تصيب مفاصل حيوية ومؤثرة في الدولة، كالصحة، والتعليم وغيرها من مؤسسات الحكم، فالمال والرشوة، والمحسوبية تعتبر العناوين الكبرى في هذه الظاهرة. ومن ثم، لا يمكن القضاء على تلك الظاهرة في ظل غياب منظومة قانونية قوية تمكن العدالة من الاستقلالية التامة عن الجهاز التنفيذي والحكومي.
كما أن مكافحة الفساد لا تتم عبر التشريع القانوني فقط، بل تحتاج إلى إرادة سياسية قوية تعمل على تكريس دولة القانون وإقرار مبدأ الفصل بين السلطات، ووجود عدالة مستقلّة، وبرلمان قوي، وصحافة مستقلّة، مع تحسين المنظومة القانونية، وتفعيل دور الرقابة، وتعزيز الشفافية والمسائلة، وزيادة التوعية بأضرار الفساد، والأهم آن حملات مكافحة الفساد لا يجب أن تكون ظرفية بل يجب أن تكون عملية دائمة ومستمرة من خلال تمكين مختلف الأجهزة التي تم استحداثها من الآليات والوسائل التي تمكنها من أداء دورها بكل حرية واستقلالية.