- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مكافحة التطرف واجتثاثه في مصر وليبيا: العائدون والتبصر
في مطلع أيار/مايو، أعرب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين عن مخاوفه حيال السياسات التي تنتهجها مصر لمكافحة التطرف، وشدد على أن حالة الطوارئ وأعداد الاعتقالات الهائلة والاعتقال العشوائي، كلها عوامل تسهل انتشار التطرف. في ذلك الحين، عقد الرئيس الليبي فايز السراج والجنرال خليفة حفتر أول اجتماع بينهما منذ كانون الثاني/يناير 2016. وعلى ما يبدو، ستجري الانتخابات الرئاسية والتشريعية في آذار/مارس 2018 حيث اتفق الفريقان على التعاون لمكافحة الإرهاب. وعلى ضوء هذه التطورات، يُطلب من البلدين تعزيز سياساتهما المتعلقة بمكافحة الإرهاب واجتثاه.
في مواجهة العائدين
في آب/أغسطس 2015، وافق الرئيس عبد الفتاح السيسي على قانون جديد لمكافحة الإرهاب. وسلّط النقاد الضوء على أن القانون يحمي موظفي إنفاذ القانون من المساءلة عند استخدامهم القوة، ويمنع المراسلين الصحفيين من إعداد تقارير حول عمليات مكافحة الإرهاب تتعارض مع تصريحات الحكومة الرسمية، كما يمنح السلطات ومسؤولي الأمن صلاحيات مطلقة. وبالفعل، ينص القانون على أن القائمين على إنفاذ أحكام القانون "يعفون من المسؤولية الجنائية إذا استخدموا القوة لأداء واجباتهم بضرورة أن يكون مناسبًا لتحاشي الخطر"، وهي كلماتٌ تفتقد إلى حدّ كبير إلى الموضوعية. ومن دون شكّ، عقب ازدياد أعداد العائدين الذين غادروا بلادهم للانضمام إلى صفوف "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق، سيتم استخدام القانون للتعامل مع أعداد كبيرة من الأفراد الذين تشربوا روح التطرف.
ويُقدّر عدد المصريين الذين يحاربون في سوريا والعراق بين 600 وألف مقاتل، وهو عدد منخفض نسبيًا في بلد بحجم مصر. غير أنه إضافة إلى أبناء البلد، من المرجح أن يحاول المقاتلون غير المصريين دخول مصر، ما يعزز بالتالي وجود الجهاديين في الداخل.
وأصدرت الحكومة أيضًا لائحة بالدول التي يتطلب السفر إليها تصريحًا أمنيًا مسبقًا. وتشمل اللائحة المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عامًا، وتنطبق على السفر إلى سوريا وتركيا ولكن ليس العراق. كما ينص القانون على أن الأفراد الذين يتبين أنهم انضموا إلى جماعات إرهابية في الخارج سيعاقبون بالسجن لعشر سنوات، في حين أن الذين تلقوا تدريبًا عسكريًا قد تصل عقوبتهم إلى السجن المؤبد.
ومع ذلك، لا تزال الأجندة المعتمدة خالية من أي سياسات وبرامج لاجتثاث التطرف أو مكافحته.
وفي الوقت عينه، كان عدد كبير من المقاتلين الذين حاربوا في السابق في سوريا والعراق ينتقلون إلى ليبيا بسبب الانتكاسات المتكررة التي مني بها تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق.
وفي ظل الاتفاق الجديد بين السراج وحفتر، من المرجح أن يخطط عدد كبير من هؤلاء المقاتلين العائدين لتنفيذ عمليات في ليبيا، مع التركيز على العدو المحلي، أي الحكومة الجديدة، وبخبرات عسكرية وتكتيكية غير مسبوقة اكتسبوها في سوريا والعراق.
علاوةً على ذلك، سيتعيّن على السلطات الجديدة معالجة مسألة الميليشيات الداخلية وقيادة دفة عملية نزع سلاحها وتسريح عناصرها وإعادة دمجهم في المجتمع، وهي عملية ستحتاج حتمًا إلى تنفيذ سيادة القانون بشكلٍ صارم. وفي حال لم يصر إلى تسريح العناصر بفعالية وإعادة دمجهم بنجاح عقب عملية نزع السلاح، لن ينفكّ استياء المقاتلين الذين تمّ تشريدهم يزداد.
ولا بدّ من التمييز بين المفاهيم والسياسات - الخاصة باجتثاث التطرف مقابل مكافحته. فاجتثاث التطرف يتمحور حول عملية تغيير نسبي حيث يقتنع فرد أو مجموعة بأن استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية غير شرعي. وهي تشمل دائمًا مرحلة فكّ ارتباط تتسم بوقف الاستخدام الفعلي للعنف.
أما مكافحة التطرف فتشمل تلك الجهود الرامية إلى منع غرس الفكر المتطرف في الأفراد والجماعات، ولا سيما من خلال وضع ونشر روايات مضادة فعالة حول الهوية والإسلام والجهاد والعدو.
عمليات اجتثاث التطرف في مصر وليبيا
يمكن لمصر وليبيا الاعتماد على الدروس المستقاة من أمثلة سابقة على جهود اجتثاث التطرف ومكافحته التي تمّ بذلها داخل حدودهما قبل عقد من الزمن.
ومن دون شكّ، تبدل المشهدان السياسي والاجتماعي، فضلَا عن طبيعة الجهاد وخصائصه الرئيسية، علمًا بأنه - حتى قبل ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" - لم يعد ظاهرة وطنية بل أمسى حركة تضم شبكات عابرة للحدود منفصلة إنما مترابطة بشكلٍ ما.
غير أن أقدار الجماعات الجهادية المختلفة الثلاث، "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد الإسلامي" في مصر، و"الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" في ليبيا، قد تسلط الضوء على الأداة التي يجب أن تتسلح بها الحكومة عند تعاملها مع مساعي اجتثاث التطرف ومكافحته.
ففي عام 1997، أي بعد أكثر من عقدين من الزمن، بدلت "الجماعة الإسلامية"، وهي الجماعة الجهادية الأكبر في مصر، مسارها وأطلقت عملية اجتثاث التطرف الجماعية. وبعد شكوك أولية ساورت السلطات المصرية، قررت احتضان هذه العملية بشكل ناشط وبدأت تليّن التدابير التي تتخذها في حق المساجين من هذه الجماعة، حيث سمحت بالزيارات وتنظيم جولات في السجن للقادة السابقين الذين أرادوا نشر مراجعاتهم الإيديولوجية في أوساط الطبقة الأدنى.
وتبع ذلك المزيد من اجتثاث التطرف وفكّ الارتباط من قبل جماعة "الجهاد"، وهي ثاني أكبر جماعة إرهابية في البلاد. وقد قاد هذه الثورة الاستراتيجية أمير الجماعة السابق سيد إمام الشريف كاتب "ترشيد الجهاد في مصر والعالم" الذي يحتوي على مراجعات إيديولوجية عن الحركة.
ومن خلال اعتماد مثال "الجماعة الإسلامية"، أجرت قيادة "الجهاد" عددًا كبيرًا من المحاضرات الإصلاحية مع الطبقة الأدنى. وبالفعل، صُمّمت السياسات الحكومية في المقام الأول من أجل استمالة القيادة التي كان من المتوقّع أن تسيطر على أتباعها في ذلك الحين. وبعد فترة قليلة، خاضت "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" العملية نفسها. ففي عام 2007، تقرّب سيف الإسلام القذافي، وهو نجل معمر القذافي، من قادة الجماعة في السجون وعرض إطلاق سراح مقاتليهم مقابل إعلان القادة العلني عن تنصّلهم من التطرف الإسلامي. وفي كل الحالات المذكورة، كانت خطوات الحكومة تصاعدية وفعالة من حيث التكلفة وجماعية.
سياسات مكافحة الإرهاب: أخذ العبر من الماضي
يمكن تعلّم ثلاثة دروس رئيسية من عمليات اجتثاث التطرف المذكورة أعلاه وسياسات مكافحة التطرف المعتمدة من مصر وليبيا في ذلك الحين. أولًا، يُعتبر التدويل دائمًا أخطر تطوّر يمكن أن يختبره الجهاد. فالمشروع العابر للحدود الوطنية يلغي كل فرصة لاجتثاث التطرف وفكّ الارتباط حيث يمكن لجماعة ما التفاوض بشكل فعال مع دولة ما. وقد كان حكام مصر وليبيا من بين الأهداف الأولية والفورية لهذه الجماعات؛ فقد انشغلت بشكل رئيسي بالإطاحة بما يسمى بالأنظمة "المرتدة" لأنور السادات وحسني مبارك ومعمر القذافي.
وسرعان ما انضمت الفصائل التي استمرت في فكرها الجهادي إلى تنظيم "القاعدة"، عقب تحول أيمن الظواهري من العدو الأقرب إلى الأبعد حين لم يعد يعتقد أن "الطريق إلى القدس تمر في القاهرة" بغية التركيز على الجهاد العالمي. وعلى نحو مماثل، واصل المجاهدون الليبيون الذين لم يشاركوا في المفاوضات مع الدولة في تبني الفكر الجهادي. وقد أظهرت مستندات عُثر عليها في سنجار، العراق أن أكثر من مئة ليبي من معاقل "الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" شرقي البلاد انضموا إلى "القاعدة في العراق" بين العامين 2006 و2007.
ثانيًا، يمثل العائدون مشكلة لا يمكن التغاضي عنها. فما يحصل الآن مع المقاتلين الأجانب العائدين من المناطق الخاضعة لسيطرة "الدولة الإسلامية" سبق أن حصل في تسعينيات القرن الماضي إثر عودة متطوعين مصريين وليبيين - والكثير غيرهم - من الحرب ضد السوفيات في أفغانستان.
أخيرًا، لا بدّ من الاتعاظ من الموجة الأولى من الجهاد المصري والليبي المرتبط بآثار التجربة العملية التي من المرجح أن تبرز بين منظمتين إرهابيتين مختلفتين. فقد دخلت جماعة "الجهاد" مرحلة اجتثاث التطرف بفضل مثال "الجماعة الإسلامية" في المقام الأول، كما حدّد سيف الإسلام القذافي و"الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية" إطار عملية اجتثاث التطرف الخاصة بهما استنادًا إلى تلك التي اعتمدها المصريون.
ولا شكّ في أن الأمور تختلف بشكل كبير الآن عما كانت عليه في مراحل اجتثاث التطرف التي خضعت لها أولى الجماعات المصرية والليبية. ومع ذلك، لا بدّ من أن تغني الدولتان إستراتيجياتهما الخاصة بمكافحة التطرف وأن تقيما التوازن المناسب بين الأمن واجتثاث التطرف في الوقت الذي تعالجان فيه مسألة العائدين. إنها فرصة لتعلّم الدروس من الماضي وتكييفها مع السياسات المطبقة اليوم.