- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
مخاطر اندلاع حرب أوسع نطاقاً مع إيران ووكلائها
Also published in "الإيكونوميست"
إن توسيع نطاق الانتشار البحري الأمريكي ليس كافياً لتعزيز الردع ضد إيران في المنطقة. على الولايات المتحدة الرد بشكل حاسم أيضاً على الهجمات التي تنفذها ميليشيات إيران بالوكالة على قواتها وزيادة الضغط الاقتصادي على طهران.
يشكّل نشر قوىً هامة في الشرق الأوسط عنصراً رئيسياً في استجابة إدارة بايدن للحرب الجارية في غزة. فقد أرسلت الولايات المتحدة حتى الآن مجموعتين من حاملات الطائرات ومدمرات الصواريخ الموجهة التابعة لهما، ووحدة استطلاع تابعة لقوات "مشاة البحرية" الأمريكية قادرة على القيام بعمليات برمائية، من بين أصول أخرى. وأشارت وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن الهدف من هذا الأسطول هو توجيه "إشارة قوية لردع أي جهاتٍ فاعلة قد تفكر في الانخراط في النزاع"، في إشارة غير مباشرة إلى إيران والقوات الوكيلة لها في المنطقة.
ويقيناً، أن استعراض القوة الأمريكي في البحر المتوسط مبهرٌ فعلاً ــ وهناك المزيد في المستقبل. فقد أفاد البنتاغون أنه سيرسل نظام "ثاد" للدفاع الجوي المضاد للصواريخ وكتائب صواريخ "باتريوت" إلى المنطقة. إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا كان عرض العضلات هذا يكبح فعلاً انخراط جهات فاعلة أخرى، أم أنه سيمنع الحرب من الانتشار. يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الاستفزازات الناشئة ليكون تهديدها الرادع مقنعاً.
منذ اندلاع الحرب (بين إسرائيل وحركة "حماس")، ينخرط "حزب الله"، الميليشيا اللبنانية الوكيلة لإيران، في حملة تصعيدٍ مدروسة على طول الحدود الشمالية لإسرائيل. واستهدف الحزب مواقع للجيش الإسرائيلي بالصواريخ المضادة للدبابات، وعطّل عدداً من مراكز المراقبة وحاول التسلل عبر الحدود، وسمح لـ "حماس" والجماعات الأخرى المدعومة من إيران، إن لم يكن قد شجعها، بإطلاق الصواريخ عبر الحدود.
وقد ردّت إسرائيل، في بعض الأحيان بقوة فتاكة بل مضبوطة، في محاولة لإبطاء وتيرة التصعيد. ويبدو أن إيران تتردد من جهتها في إصدار الأمر إلى "حزب الله" بشنّ حربٍ شاملة، وتفضّل بدلاً من ذلك الحفاظ على قوة الردع الأكثر فعاليةً لديها ضد أي تحرّك عسكري إسرائيلي محتمل يستهدف برنامجها النووي. ومع ذلك، تتزايد المخاوف من أن تؤدي المناوشات الحالية إلى سوء تقدير وإلى صراع مكلف آخر بين "حزب الله" وإسرائيل على غرار ذلك الذي حدث في عام 2006، وهو صراع دام 34 يوماً في لبنان وشمال إسرائيل ومرتفعات الجولان.
فإيران، التي رعت حركة "حماس" ودرّبتها وزوّدتها بالعتاد على مدى سنوات وصولاً إلى المذبحة التي أودت بحياة نحو 1400 شخص في جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، لطالما صورت نفسها كمُدافع عن الشعب الفلسطيني. وكان "الشارع العربي" يغلي حتى قبل الانفجار المأساوي الذي وقع في "المستشفى الأهلي العربي المعمداني" في غزة يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر. ومع تزايد الضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين، ستتعرض إيران لضغوط متزايدة للوفاء بتهديداتها.
وفي ظل ترقُّب هجومٍ بري إسرائيلي على غزة، تزداد عدوانية الوكلاء الإيرانيين في المنطقة، وليس فقط على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. ففي 19 تشرين الأول/أكتوبر، أسقطت مدمّرة أمريكية في البحر الأحمر أربعة صواريخ "كروز" و 15 طائرة بدون طيار أطلقتها ميليشيا الحوثيين الوكيلة لإيران في اليمن، ويبدو أنها كانت موجهةً نحو إسرائيل. وفي اليوم نفسه، أطلقت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق وابلاً من الصواريخ والطائرات المسيّرة، فأصابت قاعدتين أمريكيتين في البلاد. أما في جنوب سوريا، فقد هاجم وكلاء إيران بالطائرات المسيّرة موقعاً عسكرياً أمريكياً - تم الاحتفاظ به لمساعدة الميليشيات المتمردة في المنطقة على محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" - ومنشأة نفطية يتواجد فيها جنود أمريكيون.
وتشكّل هذه العمليات التي ترعاها إيران تحذيراً واضحاً لإسرائيل والولايات المتحدة. ولكن هل إيران مستعدّة فعلاً لاستغلال وكلائها بالكامل؟
يعتمد مستوى حشد الجمهورية الإسلامية للميليشيات العميلة لها على نجاح العمليات البرية للجيش الإسرائيلي في غزة أو فشلها - على الرغم من أن التصعيد قد يؤدي إلى أي من الاتجاهين. وإذا سارت العمليات الإسرائيلية على ما يرام، فقد تسعى إيران إلى توسيع رقعة النزاع. أما إذا سارت الأمور بشكل سيئ، فقد تسعى إلى استغلال الضعف الظاهر. ومن المحتمل أيضاً أن يختار القادة في طهران حصر النزاع بدلاً من ذلك، والحفاظ على قدرات وكلائهم لردع إسرائيل عن مهاجمة إيران نفسها.
ولكن في نهاية المطاف، يبقى مفتاح تفادي توسّع النزاع على الصعيد الإقليمي في يد واشنطن. وتتمركز الأصول البحرية الأمريكية في البحر المتوسط لردع توسيع نطاق الحرب، ولكن هل تُعتبر تهديدات هذه القوة العظمى بالتدخل مقنعةً؟ قد تكون الأمور مجرد تهديدات، إلا أن بعض التابعين لـ"حزب الله" يهزؤون علناً من الوجود الأمريكي المعزَّز في المنطقة، في حين يزيد الوكلاء الإيرانيون الآخرون عملياتهم ضد القوات الأمريكية في سوريا والعراق.
وإذا كانت إدارة بايدن تأمل في منع فتح جبهاتٍ إضافية، يجب أن يبدو التهديد الأمريكي بالتدخّل مقنعاً. ولم تقل إدارة بايدن ذلك بعد، ولكن إيران هي المسؤولة عن اندلاع الحرب في غزة. وإذا توسّعت هذه الحرب، فلن يحصل ذلك إلا بأمرٍ من إيران. ولتفادي حصول ذلك، يتعين على الولايات المتحدة الرد بصورةٍ حاسمة على الهجمات ضد قواتها على مستوى المنطقة. والأهم من ذلك، بدلاً من تركيز واشنطن على وكلاء إيران فقط، سيتعين عليها تحميل إيران المسؤولية المباشرة عن تصرفات عملائها.
وإحدى الطرق للقيام بذلك هي زيادة الضغوط الاقتصادية. وقد فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في الأسبوع الماضي سلسلةً من العقوبات المالية على برامج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الإيرانية. علاوة على ذلك، يتعين على إدارة بايدن أن توضح أنه سيتم تجميد مبلغ الستة مليارات دولار الذي تم الإفراج عنه لإيران في أيلول/سبتمبر، كجزء من صفقة لإطلاق سراح خمسة معتقلين أمريكيين، إلى أجلٍ غير محدد في قطر. ويمكنها أيضاً فرض عقوبات على الشركات المرتبطة بالميليشيات العراقية المدعومة من إيران. ومن شأن هذه الخطوة، إلى جانب تدابير أخرى رامية إلى تضييق وصول العراق إلى الدولار، أن تساعد على إضعاف الأنشطة التي تسعى إيران من خلالها إلى التهرّب من العقوبات.
ومع ذلك، فإن القوة العسكرية هي الأكثر فعالية من الأدوات المالية. فقد سمح تردُّد الولايات المتحدة في استخدام القوة في المنطقة بالمغامرة الإيرانية، إن لم يكن قد شجعها. ومن المؤكد أن إرساء قوة الردع والحفاظ عليها قد يفرض بحدّ ذاته خطر التصعيد. وتدرك إيران ووكلاؤها جيداً أن الولايات المتحدة تودّ تفادي حصول اشتباكاتٍ مسلّحة أخرى في الشرق الأوسط، مما يشكّل عاملاً آخر يقوّض مصداقية التهديدات الأمريكية في هذا الصدد. ولسوء الحظ، لمنع اتساع نطاق الحرب في غزة، قد لا يكون أمام واشنطن خيار سوى التدخل عسكرياً.
ديفيد شينكر هو "زميل أقدم في برنامج توب" في معهد واشنطن، ومدير "برنامج «روبين فاميلي» حول السياسة العربية" التابع للمعهد، والمساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "الإيكونوميست".