- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مخيّم الهول: حواضن محتملة للإرهاب والتطرف
سبق وأن تحوّلت نقاط الاحتجاز الأمنيّة لأفراد الجماعات الجهاديّة في الشرق الأوسط، إلى حواضن لنشوء وتنامي تنظيمات جهاديّة جديدة، أشدّ خطورة وقوة اقتصاديّة وبشريّة من سابقاتها. هذه الجماعات الّتي تأسّست من بقايا تنظيمات جهاديّة ثانية، وسّعت نطاقها، وأهدافها، وأماكن عملها. هذه التنظيمات، التي تأسست من فلول الجماعات الجهادية الأخرى عملت على توسيع نطاقها وأهدافها ومجالات عملها.
فعندما شرعت القوات الأمريكيّة، في عام 2003، لإنشاء سجن بوكا، جنوبي العراق قرب مدينة أم قصر، يبدو أنّها لم تكن تعلم بأنّ هذا السجن، سيتحوّل فيما بعد إلى نقطة التقاء الجهاديين من مختلف الجماعات الجهاديّة الإسلاميّة المتطرفة في العراق. وقد احتضن هذا السجن جميع أفراد الجماعات الجهاديّة الإسلاميّة التي ناهضت وجود قوات التحالف في العراق خاصة القوات الامريكية.، حيث صار السجن بمثابة البيئة الأمثل للتخطيط والتفكير بتشكيل الجماعات الجهاديّة، وكان نقطة التقاء لقياديها من أمثلة أبو بكر البغدادي الذي قامت الولايات المتحدة الأمريكيّة بإلقاء القبض عليه في الفلوجة، شباط عام 2004، وكان يبلغ من السن 33 عاماً.
ومن ثم، يبدو أنّ مخيّم الهول للاجئين العراقيين والنازحين السوريين، هو أقرب أن يكون النسخة السوريّة لسجن بوكا، ونقطة تجمّع أكثر من 12 ألف من المتشددين بينهم أكثر من 4 آلاف امرأة و8 آلاف طفل من عوائل تنظيم “داعش"، والمؤمنين بأفكاره وسبل عيشه. ويتيح هذا التجمع لهؤلاء المتطرفين أن يخططوا ما يريدون، ويفتعلوا ما يودون، وصولاً إلى إعادة تدوير التنظيم الجهادي بين الأجيال في المستقبل. وعلى الرغم من أن هناك بعض المحادثات الجارية حول إعادة المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم، إلا أن تلك المحادثات يجب أن تأخذ في الاعتبار المخاطر الناجمة عن عدم نقل هؤلاء المعتقلين من معسكر الهول في أسرع وقت ممكن.
ومن الجدير بالذكر أن بعض الأطفال الذين يعيشون داخل المعسكر من أبناء "داعش"، يقيمون في المخيّم منذ سنوات، وبعضهم ولِد في كنف التنظيم وحكمه، وتربّى على إرث الجهاديّة الإسلاميّة. ووفقا لبعض التقارير، هؤلاء الأبناء مهيؤون لأن يقوموا على مظلوميّة الآباء وإرثهم. وقد حوّل نساء التنظيم المخيّم إلى معهد مركز لتعليم التطرف يتلقى فيه الأطفال تعاليم وشروط وقواعد وضوابط دينيّة على يد أمّهاتهم. كما أن هناك قسم كبير من الأطفال المقيمين في المخيّم، قُتل أباءهم أثناء عمليات قوات سوريا الديمقراطية/التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة، وهؤلاء الأبناء، كلّما زادت المدة الزمنية التي يقيمونها في المخيّم، كلّما زادت الروح الثأرية لديهم.
وقد شهد مخيم الهول عدة حوادث أظهرت أن هناك مجموعة متشددة من العائلات والسجناء من مغسولي الدماغ الذين ما زالوا ينتمون إلى التنظيم ويتمسكون بأفكاره المتشددة. ففي شهر حزيران/يونيو عام 2019، أقدمت امرأة من عوائل تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش" على قتل حفيدتها في مخيّم الهول للاجئين العراقيين والنازحين السوريين في محافظة الحسكة، في كردستان السوريّة، بسبب عدم إرتداءها الزي الشرعي، وفق قواعد وضوابط التنظيم المتطرّف. وفى أواخر شهر أغسطس الجاري قامت مجموعة من سجناء "داعش" في مخيم الهول للاجئين برفع علم التنظيم وهتفوا بشعارات مكرسين أنفسهم لخدمة قضيته "حتى النهاية". كما نقلت وسائل إعلام محليّة سوريّة، مشاهد مصورة، لأطفال صغار من أبناء عوائل التنظيم داخل مخيّم الهول وهم يتوعّدون بالانتقام والقتل.
عملياً، لم تنجح قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدوليّ في ضبط الأوضاع الأمنيّة في مخيّم الهول، وذلك رغم العنف المستمر داخل المخيم. ففي ضوء الحرية الممنوحة للمحتجزين داخل المعسكر، أصبح هؤلاء المعتقلين يتمتعون بفرصة للاجتماع والاتفاق والتشاور والتخطيط. حتّى في زمن قوّة التنظيم، لم يكن هذا العدد الكبير من حاملي الفكر الجهادي مجتمعين في بقعة جغرافيّة واحدة. جمع مخيم الهول بين الجهاديين من مختلف المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، وما تفعله قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، أنّها تراقبهم عن بُعد، دون أن تعي هذا الخطر، أو على الأقل دون أن تتخذ أي إجراءات وقائية لمنع حدوثه.
وعلى ضوء ذلك، فإنّ مخيّم الهول بحاجة إلى عدّة إجراءات احترازيّة في الفترة القادمة، لاحتواء هذه الأزمة والحدّ من خطرها. تبدأ في أن تقوم المنظمات الدوليّة الإنسانيّة والتحالف الدولي بإنشاء مراكز وبرامج لإعادة التأهيل خاصّة للأطفال والشباب الذين يعيشون حتّى الآن مع ذويهم في المخيّم، وعاشوا سنواتهم السابقة تحت حكم التنظيم الجهاديّ، ويحتاج الأمر إلى أن يقوم التحالف الدوليّ بتقديم مساعدات مالية وتوفير الخبرات الفنية إلى الإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سوريا التي من شأنها أن تساعدها في إدارة هذا النوع من البرامج. كما إن تطوير وتدريب الكوادر المحلية يمثل أهمية كبيرة لإدارة جهود مكافحة العنف واجتثاثه من جذوره.
ومع ذلك، يجب أن يركز المجتمع الدولي على العمل على تخفيض عدد الأشخاص المقيمين داخل المخيم، فمع استمرار رفض الدول الغربية والعربية استقبال عوائل التنظيم، فإنّ قوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية يمكنها إنشاء محكمة دولية في سوريا على شاكلة المحاكمات التي تم أنشاؤها في العراق، وهناك دعوات في أوروبا حالياً لاعتماد هذه المقاربة. ويتمثل التحدي الرئيسي في تنفيذ تلك الخطوات هو أن الدول الأوربية والإقليمية ستضطر للدخول في مفاوضات واتفاقيات مباشرة مع الإدارة الذاتية الكردية، ما يترتب عليه اعتراف دولي وإقليمي بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. ومثل هذا الاتفاق سوف يشمل الاعتراف الدولي والإقليمي بروجافا، وهو ما ترفضه تركيا وحكومة النظام السوري والمعارضة السورية. وفي الوقت الذي تسبب فيه مسألة الاعتراف بالإدارة الذاتية في تعطيل المناقشات الجارية، يتعين على جميع الأطراف المعنية أن تدرك أن هناك قضايا حقيقية على المحك تتعلق بالتطرف في معسكر الهول، وبالتالي ينبغي بذل المزيد من الجهود لتقليص قدرة المخيم على العمل كحاضنة للتطرف، ووضعه بشكل بارز على جدول الأعمال الدولي.