- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مرحلة جديدة في حرب اليمن: السياق والتبعات
تسلط الهجمات الأخيرة للحوثيين على الإمارات العربية المتحدة الضوء على آخر التطورات في الحرب اليمنية، وكيف ستناور الجهات الفاعلة الرئيسية خلال الأشهر المقبلة.
بعد سبع سنوات من اندلاع الحرب الأهلية اليمنية والتي خلقت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، فتح الحوثيون جبهة أخرى مستهدفين مناطق صناعية ومناطق إنشاءات في المطار وقاعدة الظفرة الجوية في أبو ظبي. والواقع أن التصعيد كان متوقعًا بعد عودة دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا إلى الانخراط في الحرب، وتسبب ذلك في مزيد من التصعيد والقتال بين التحالف الذي تقوده السعودية والحوثيين. من المرجح أن يستمر التصعيد بشكل خاص إذا استمرّ الحوثيون بخسارة الأراضي بعد أن أرغمت القوات الموالية لهادي والميليشيات المدعومة من التحالف ومن ضمنها " لواء العمالقة" المدعوم من قبل الإمارات - قوات الحوثيين على التراجع في يناير / كانون الثاني بعد أشهر من مكاسب الحوثيين.
فهم دوافع الحوثيين
على نقيض هجمات الحوثيين المتكررة على السعودية، أحجمت القيادة الحوثية - حتى الآونة الأخيرة - عن استهداف دولة الإمارات. فالدعم الذي قدمته الإمارات إلى "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي والقوات المشتركة على الساحل الغربي اليمني كان في الواقع مفيدًا للحوثيين، بشكل مباشر وغير مباشر، في حربهم ضد قوات حكومة هادي، خصوصًا في المعركة على مأرب. ولذلك شكّكت حكومة هادي اليمنية في المقاربة الإماراتية للصراع اليمني، ما أدى إلى توتر العلاقات بين الطرفين في مناسبات مختلفة. ومع ذلك، تُعدّ أبو ظبي أحد أقوى الأطراف الفاعلة في حرب اليمن، وهذا ما يجعل دورها في الصراع مسألة ذات أهمية كبيرة لأهداف الحوثيين الاستراتيجية.
من المرجح أن المقاربة الجديدة التي يتبعها الحوثيين تجاه الإمارات جاءت رداً على تحول دور ألوية العمالقة في الحرب من قوات محايدة مهمّتها حفظ السلام بين مختلف الجماعات المحلية المعادية للحوثيين إلى قوات تشارك في المعارك المباشرة ضد قوات الحوثيين. فقد تصدّرت نجاحات "العمالقة" عناوين الصحف ونشرات والأخبار في اليمن، وهذا ما أثار مخاوف الحوثيين من أن تؤدي سمعة الألوية إلى مزيد من الانتصارات بعد نجاح قوات التحالف في استعادة شبوة. لذلك، استهدف الحوثيين الإمارات بغية وقف تقدّم الجماعات المدعومة من التحالف على الأرض ورفع معنويات مناصريهم.
تطوير طائرات بدون طيار وصواريخ بالستية حوثية
بعد مرور شهرٍ على الهجوم الأولى على الإمارات، وقيام الإمارات باعتراض طائرات بدون طيار تابعة لجماعة مركزها في العراق في 2 شباط/فبراير – أثبت الحوثيون بوضوح أنهم قادرون على استهداف مواقع داخل الإمارات. علاوةً على ذلك، أصبح استعمال المركبات الجوية بدون طيار عنصرًا متزايد الأهمية في الاستراتيجية الحوثية؛ فخلال العامين اللذان أعقبا استحواذ الحوثيين على صنعاء، استخدموا الكثير من الطائرات المسيّرة ضد خصومهم المحليين وضد التحالف الذي تقوده السعودية. ومنذ الهجوم على أبو ظبي، استمرّت الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية الحوثية باستهداف السعودية، بما في ذلك الهجوم الأخير على مطار أبها في 10 شباط/ فبراير. وعلى الصعيد المحلي، استهدفت قوات الحوثي في كانون الأول/ ديسمبر 2020 مطار عدن أثناء وصول المسؤولين الحكوميين الجدد الى العاصمة المؤقتة لحكومة هادي.
بحسب المجموعة المختصة بالأبحاث حول أسلحة الصراعات، لدى الحوثيين أربعة أنواع من الطائرات المسيّرة القتالية من صُنعهم، هي: "قاصف 1" و"قاصف 2K" و"صماد 2" و"صماد 3". تتمتع طائرات "قاصف" بمدى يتراوح بين 150 و200 كم، ولهذا تُعتبر مناسبة للهجمات على الأهداف المحلية. أما طائرات "صماد" فيقدَّر أن يتعدّى مداها يقع ما بين200- 1500 كيلومتر، وبالتالي تستطيع الوصول إلى أبو ظبي أو حتى دبي من مناطق الحوثيين. والمصدر الأساسي لهذه الأسلحة هو مخزون الحكومة اليمنية الذي تم الحصول عليه في فترة تحالف الحوثيين مع علي عبد الله صالح بين عامَي 2014 و 2017، في حين تشير بعض التحاليل إلى أن إيران هي مصدر آخر لها.
لكنّ خطر التعرض لهجمات مستقبلية بواسطة الطائرات المسيرة يشكل تهديدًا قويًا بشكل خاص لدولةٍ كالإمارات العربية المتحدة، كونها تخشى أن تخسر سمعتها كوجهة آمنة كما أنها تجني معظم مدخولها من السياحة والاستثمارات الأجنبية الضخمة. لذلك فإن إظهار الحوثيين أن طائراتهم المسيرة قادرة على بلوغ أبو ظبي أثار بطبيعة الحال مخاوف إقليمية بشأن قوتهم المتنامية.
الرد
من هذا المنطلق، سيكون لهجمات الحوثيين على الإمارات تداعياتها على مجرى الحرب وعلى فرص السلام في اليمن. فمنذ الهجوم على أبو ظبي، كثّف التحالف ضرباته الجوية على صنعاء، وتضمن ذلك قصفًا بقيادة السعودية لسجنٍ في صنعاء خلال الأيام التي أعقبت الهجوم على الإمارات، واستهداف التحالف لمجمّعٍ للاتصالات في صنعاء في 14 شباط /فبراير، زاعمًا أن الحوثيين يستخدمونه لشن هجمات بالطائرات بدون طيار.
غير أن هذه الجهود الرامية لردع ضربات الحوثيين على جيرانهم في الشمال قد لا تؤتي بالنتيجة المرجوة؛ إذ لم تبدر عن الحوثيين أي دلالة على أنهم ينوون وقف هجماتهم بالطائرات المسيرة. ومن المرجح أيضًا أن يؤدي تصعيد الضربات الجوية من كلا الجانبين إلى عواقب أسوأ على المدنيين في كلٍّ من اليمن والإمارات العربية المتحدة، بدون أن يغّير مسار الحرب في اليمن.
في المقابل، ما زالت أبو ظبي تستخدم ورقة الضغط الدبلوماسي، ففي الأسابيع الأخيرة، كثّفت جهودها لعزل الحوثيين عن الساحة الدولية من خلال مطالبة حلفائها، على غرار إدارة بايدن، بمعاودة تصنيف جماعة الحوثي على قائمة المنظمات الإرهابية. تشير مناورات الحوثيين الأخيرة إلى أن القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة الظفرة الجوية أصبحت الآن على مرأى من طائرات الحوثيين المسيرة. في هذا السياق، تضغط كل من الإمارات والسعودية على الرئيس بايدن لإعادة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية وهو الأمر الذي كان متبعا في عهد ترامب، والذي تعهد بايدن بالإبقاء عليه عند توليه منصبه.
ومع ذلك، ما زال موقف الولايات المتحدة بشأن هذه المسألة معقد، فمن جهة، اتخذت إدارة بايدن سلسلة من الخطوات الدفاعية ردًا على استهداف الحوثيين للإمارات: فوصلت مقاتلات "أف-22" الأمريكية في 12 شباط/فبراير إلى قاعدة الظفرة الجوية حيث تتواجد القوات الأمريكية. وكذلك أُرسلت السفينة البحرية الأمريكية "يو إس إس كول" إلى أبو ظبي، وسافر قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال فرانك ماكنزي إلى الإمارات حيث وعد أن الولايات المتحدة ستساعد في تجديد الأجهزة الاعتراضية الإماراتية المستخدمة لإسقاط الصواريخ.
ويأتي أيضًا هذا التطور الأخير في فترة تمرّ بها السياسة الأمريكية في المنطقة بوضع متقلقل. فإدارة بايدن مهتمة اليوم بإبرام اتفاق نووي مع إيران والتوصل إلى حلٍّ سلمي للأزمة الأوكرانية - ورفض السعودية طلبَها بزيادة إنتاج النفط - أكثر مما هي مهتمة بحرب اليمن. وفى حين أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على ما أسمته شبكة تمويل الحوثيين والحرس الثوري الإيراني في 23 شباط/فبراير، لم تقوم إدارة بايدن بمعاودة التصنيف السابق الذي اتبعته إدارة ترامب. وفي أحسن الأحوال، من الممكن أن تحذّر إدارة بايدن الحوثيين من أي تصعيد إضافي بينما تحاول إقناع قادتهم السياسيين بأن النصر الكامل على كل الأراضي الشمالية اليمنية هو هدف عسكري غير واقعي.
لكنّ الشكوك تساور المنطقة بأن يكون للولايات المتحدة سياسة خارجية تنص على التخلي عن حلفائها، خصوصًا بعد انسحابها المفاجئ من أفغانستان. فإذا اختارت واشنطن إظهار نفسها كقوة محايدة في حال استمر الاستهداف المباشر لحلفائها الخليجيين، ستتراجع ثقة الحلفاء بها مع الوقت وهذا ما قد يدفعهم إلى البحث عن حلول للازمة اليمنية في مكان آخر.
ما الذي ينتظر اليمن في المرحلة المقبلة؟
في نهاية المطاف، ستحدد العوامل الداخلية في اليمن مستقبل هذا الصراع على المدى الطويل، فعلى مدى السنوات السبع الماضية، دفع الاعتياد على الحرب المقاتلين من كلا الجانبين إلى النظر إليها كمصدر نموذجي للتوظيف، فالحافز الرئيسي للمقاتلين اليمنيين هو على الأرجح قرابة الدم أو المال أو الانتقام- وهي عوامل تختلف عن تلك التي تؤثر على صناع القرار في أبو ظبي والرياض. وعلى المستوى الاستراتيجي، ستتيح الظروف الراهنة للحوثيين اكتساب قوة أكبر مع الوقت. ولكن إلى حين يتقبّل الحوثيون فكرة أنه لا يمكنهم الاستحواذ على اليمن بأكمله، ستستمر الحرب وستواصل الأزمة الإنسانية التفاقم إلى ما لا نهاية. لذلك، فمن المرجح أن يصبح التصعيد الحالي بين الحوثيين والإماراتيين تحديًا طويل الأمد بالنسبة لأبو ظبي.
في ضوء هذه العوامل الداخلية، يبقى السبيل الأكثر عقلانيةً للخروج من المعضلة اليمنية هو تهدئة التوتر الحوثي إزاء دول الخليج، وفرض حظر دولي على الدعم الخارجي لأي ميليشيا محلية، ومن ثم إعادة تنظيم حوار وطني جديد بين اليمنيين يحصل فيه كل طرف على التمثيل الذي يستحقه في الحكومة. لكنّ المضي قدمًا يستوجب من كل الأطراف إدراك صوابية هذه الخطوات – وهذا أمرٌ قد يستغرق وقتًا طويلاً جدًا.