- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مساعدات الأمم المتحدة في شمال غرب سوريا -أو انعدامها
في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا قبل عدة أسابيع، سارعت مساعدات الأمم المتحدة الممولة من الاتحاد الأوروبي في إيصال المساعدات إلى دمشق على الرغم من سجل نظام الأسد الكارثي، والذي يتضمن سرقة المساعدات من المؤسسات الدولية. أما على الأرض في شمال غرب سوريا، فيزداد الإحباط من الأمم المتحدة، سيما مع دخول المساعدات من الدول المجاورة بسرعة.
يوم وقوع الزلزال، غرد رئيس وفد الاتحاد الأوروبي إلى سوريا دان ستوينيسكو قائلًا: "بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا، بدأ مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (ECHO_Middle) وشركاؤنا في المجال الإنساني بتفعيل الاستجابة الطارئة للأزمات، من خلال توفير خدمات المياه والصرف الصحي والمواد غير الغذائية وإجراء عمليات البحث والإنقاذ في المناطق المتضررة في جميع أنحاء سوريا". وأضاف: "علينا أن نحرص على استمرار وصول المساعدة إلى الأشخاص المحتاجين بجميع الطرق، عبر خطوط النزاع وعبر الحدود، في الوقت المناسب! حان الوقت الآن لدعم جميع السوريين المتضررين من الكارثة في جميع أنحاء سوريا! والاتحاد الأوروبي جاهز للمساعدة". وفي وقت لاحق، نشر مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية (ECHO) مقطع فيديو مرفقًا بتعليقات باللغة العربية لطائرات تصل إلى مطار دمشق وهي تحمل مساعدات "ليتم توزيعها في جميع أنحاء البلاد بأسرع وقت ممكن... المساعدة الإنسانية محايدة وغير منحازة".
في غضون ذلك، بعد أسابيع من الكارثة، أفادت المجتمعات السورية في المناطق الأكثر تضررًا الواقعة خارج سيطرة النظام أنها ما زالت تنتظر وصول المساعدة الموعودة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إليها. بعد زيارة بعض المناطق الأكثر تضررًا ومقابلة المتضررين، كونتُ انطباعًا على الأرض بأن قرار الأمم المتحدة بالتمسك بمعايير قرار الأمم المتحدة رقم 2157 يعني أن الاعتبارات السياسية قد تفوقت على الاعتبارات الإنسانية في ما يخص مساعدات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى حالة جنديرس، وهي بلدة في جنوب عفرين على مقربة من إدلب وأحد أكثر المواقع تضررًا. فقد وصف محمود حفار، رئيس المجلس المحلي في جنديرس، البلدة بأنها تضم 51000 نسمة، من السكان الأصليين والنازحين الذين فروا من نظام الأسد. وقد لقى أكثر من 1200 شخص حتفه في جنديرس والريف، وحوالي 1000 في المدينة، و200 في الريف. يبلغ عدد سكان المدينة والريف حوالي 115000 نسمة. أصيب حوالي 840 بجروح خطيرة، لكن عدد المصابين الإجمالي يفوق 4000". كانت هذه المدينة إحدى أكثر المدن تضررًا في شمال غرب سوريا، وهي بحاجة ماسة للمساعدات الطارئة، مثلها مثل المناطق المجاورة.
لكن مساعدات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تمت عرقلتها في البداية على خلفية الجدل المتعلق بالوصول، بحيث تم حصر نقاط الوصول المعتمدة من الأمم المتحدة إلى هذا الجزء من شمال غرب سوريا مع الوقت بمعبر واحد فقط. فمعبر باب الهوى الحدودي مع تركيا هو المدخل الرئيسي وحتى وقت قريب نقطة دخول المساعدات الوحيدة المعتمدة من الأمم المتحدة في المنطقة الشمالية الغربية من البلاد الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" في إدلب، وعبر إدلب إلى محافظة حلب الشمالية، و"الجيش السوري الحر" المعارض المدعوم قبل تركيا.
لا يعود ذلك لعدم وجود معابر أخرى مناسبة، بل لاستخدام روسيا حق النقض (الفيتو) عام 2021 في مجلس الأمن لمنع الاستخدام المستمر لمعبر باب السلامة المجاور ومنافذ أخرى، فساعدت بذلك حليفها الأسد على احتكار توزيع المساعدات. أما بالنسبة للمعابر الأربعة الأخرى إلى تلك المنطقة، وهى باب السلامة إلى أعزاز، وباب الحمام إلى جنديرس، والمدخلان الآخران، الرأس وجرابلس، فجميعها تخضع لسيطرة الجيش الوطني السوري المعارض المدعوم من تركيا.
في يوم الزلزال، تضررت أحد الطرق في محافظة هاتاي المؤدية إلى باب الهوى، وتوقفت الإصلاحات في أعقاب الزلزال مباشرةً، بينما سارعت السلطات التركية المحلية إلى التعامل مع الأضرار الجسيمة والخسائر الفادحة في الأرواح في أنطاكية وإسكندرون المجاورتين. ومع ذلك، كان هناك أحد المعابر الأخرى التي كانت لا تزال صالحة للاستخدام، حيث تم نقل جثث السوريين الذين لقوا حتفهم في تركيا إلى سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي.
بالمقابل، كانت الطرق المؤدية إلى المعابر الحدودية الأخرى مثل باب السلامة والراعي والحمام، علمًا أن الأخير لا يبعد سوى 5 كيلومترات (3 أميال) فقط عن جنديرس، في حالة أفضل وظلت مفتوحة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لتلقي المساعدات. أبلغت السلطات المحلية في كلتي المنطقتين المؤلف عن غياب مساعدات الأمم المتحدة عن هذه المناطق. على الرغم من أن بعض الوثائق أفادت عن وصول مساعدات الأمم المتحدة إلى أعزاز، إلا أنها لم تكن ظاهرة على الأرض في جنديرس خلال زيارتي.
لكن المساعدات المقدمة من جهات أخرى قد وصلت. في صباح يوم 8 شباط/فبراير، أوضح لنا مدير معبر تل أبيض الحدودي فايز الكاطع أنه تلقى أمرًا من رئيس وزراء الحكومة السورية المؤقتة المعارضة مساء اليوم السابق بفتح جميع المعابر الحدودية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لتسهيل المساعدات وتمكين الجرحى من العبور للحصول على المساعدة الطبية. ومن أولى قوافل الإسعافات التي وصلت إلى عفرين، حيث تقع بلدة جنديرس، المساعدات التي تضمنت آلات حفر وحفارات جمعها أهالي تل أبيض. وتم تنظيم هذه الحملة من المناطق المجاورة من قبل المجلس القبلي، الذي يمثل الغالبية العظمى من سكان تل أبيض ذوي الانتماءات القبلية.
استخدم المانحون مثل قطر والمملكة العربية السعودية وحكومة إقليم كردستان هذه المعابر الحدودية المفتوحة لتقديم المساعدات بسرعة وكفاءة إلى المناطق الأكثر تضررًا. يوم السبت، قمنا بجولة في جنديرس لمعرفة نوع المساعدات التي وصلت. كانت شاحنتان من المساعدات التركية المقدمة من هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد" ظاهرتين للعيان، إلى جانب المنظمة السورية غير الحكومية "شفق"، وخيم سعودية، وصناديق مقدمة من القافلة القادمة من محافظات دير الزور والرقة والحسكة الشرقية. كما رأينا بطانيات مقدمة من "مؤسسة بارزاني الخيرية" وعيادات ميدانية لـ"فريق ملهم" التطوعي والحكومة السورية المؤقتة و"شفق". ورأينا سيارة لمنظمة "بهار"، وقافلة لمنظمة فلسطينية، ومنظمة "الخوذ البيضاء"، على الرغم من أن الأخيرة تعمل بأعداد أكبر بكثير في إدلب المجاورة.
أخبرنا رئيس فريق "مؤسسة بارزاني الخيرية" في سوريا يوم الجمعة أنهم غادروا إربيل بعد أربعة وعشرين ساعة من الزلزال، بحيث قاموا أولًا بتسليم المساعدات في الأجزاء الجنوبية الشرقية من تركيا ومن ثم دخلوا سوريا عبر معبر باب السلامة الحدودي في 10 شباط/فبراير. بحلول وقت المقابلة، كانت قافلتهم الخامسة قد دخلت وهم الآن في المنطقة وبرفقتهم 37 شاحنة و5 سيارات إسعاف، إذ سلموا 600 خيمة بحلول 16 شباط/فبراير في جميع أنحاء جنديرس و28 قرية صغيرة في المناطق الريفية المحيطة.
كانت المساعدات من دول خليجية متعددة ظاهرة أيضًا. فقد أخبرنا القادة العسكريون المحليون أن منظمة قطرية قدمت ما لا يقل عن 5000 بطانية في الليلة الأولى للزلزال وقدمت بعد ذلك العديد من الخيم والإمدادات الغذائية للمخيمات المنشأة حديثًا، وهي إضافات إلى مخيم "مدرسة" الكائن خارج جنديرس مباشرةً على الطريق المؤدية إلى مدينة عفرين ومخيم جديد في قرية هيكجة في ريف عفرين. زار وفد كويتي المنطقة في الأمس لتقديم المساعدة، وكانت المساعدات الكويتية والسعودية تصل بدون الإعلان عنها. كانت إحدى الإيجابيات القليلة التي نتجت عن الزلزال التقريب بين العرب والأكراد. في قرية كوكار السفلى، أخبرنا العديد من السكان الأكراد أنهم يقضون الليل الآن في خيم مع النازحين العرب الذين فروا إلى قريتهم منذ سنوات: "بعض النازحين داخليًا، وليس جميعهم، لديهم خيم، لأنهم قد فروا عدة مرات نحو الشمال أكثر. ليس لدينا خيم ويمكننا قضاء الليل معهم في الخيم". ولكن من اللافت أنه في هذه المرحلة، ما من علامات واضحة في جنديرس على إمدادات أو فرق تابعة للأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الخيم والفرق الموعود بها في البداية.
وما يزيد الأمور تعقيدًا المزاعم المتضاربة من داخل وخارج شمال غرب سوريا حول أسباب تأخر مساعدات الأمم المتحدة. بينما صرحت الأمم المتحدة في الأيام التي أعقبت الزلزال أن المساعدات من الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام إلى إدلب تأخرت بسبب "المشاكل المتعلقة بالموافقة" من "هيئة تحرير الشام". ولكن صرح حسين بازار، وزير الصحة في حكومة الإنقاذ في إدلب، الذراع الحكومية المدنية لـ"هيئة تحرير الشام"، في مقابلة مع المؤلف، أن معبر باب الهوى الحدودي من تركيا إلى إدلب قد فتح أمام أي مساعدات خلال أربعة وعشرين ساعة من وقوع الزلزال.
قال بازار أيضًا إن "الحدود فُتحت بالكامل منذ اليوم الثاني". فقد أشار إلى الصور المؤثرة للسوريين الذين لقوا حتفهم تحت الأنقاض في تركيا والذين أعيدوا إلى شمال غرب سوريا عبر معبر باب الهوى، "لكن للأسف لا توجد مساعدات". وبالمثل، نشرت منظمة إيكاد الإعلامية السورية مقطع فيديو يتحدى مزاعم الأمم المتحدة، وحصد حتى الآن ما يقرب من ثلاثة ملايين مشاهدة.
كما أكد بازار على وجود مستشفى ومهبط للمروحيات في باب الهوى، لذلك كانت الآليات البديلة لإيصال المساعدات ممكنة. وذكر بازار أيضًا أنه لم يتلقَ أي خيمة من أصل 500 وعد بها الاتحاد الأوروبي، على الرغم من الحاجة إلى ما يقدر بـ 3000 إلى 5000 خيمة إضافية فضلًا عن آلاف الخيم التي تم استلامها أصلًا من المنظمات الأخرى.
كانت المشاهد في إدلب قاتمة أيضًا، لا سيما في المدن الثلاث الأكثر تضررًا وهي حارم وبسنيا وسلقين. فقد انهارت بعض الأحياء في هذه المدن تمامًا، مخلفةً مشهد دمار كامل طال جميع المنازل التي كانت قائمة. قارن بازار الصورة في إدلب مع صورة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام: "يبلغ عدد الضحايا في مناطق النظام نحو عشرة بالمائة من إجمالي عدد الضحايا إذا أخذنا شمال غرب سوريا في الحسبان. على الرغم من ذلك، منذ اللحظة الأولى والساعات الأولى والأيام الأولى، وصلت طائرات محملة بالمساعدات، وأجريت حتى زيارات من مسؤولي الأمم المتحدة والدكتور تيدروس، مدير منظمة الصحة العالمية. وقد أدلوا بتصريحات، لكنها بقيت حبرًا على ورق هنا". كذلك، زعم وزير التنمية محمد البشير خلال مقابلة في 16 شباط/فبراير ما يلي: "منذ اليوم الأول، وجهنا رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة، بالتحديد إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في غازي عنتاب. لم نتلقَ أي رد، ولم يُعقد اجتماع إلا قبل يومين فقط، بعد أسبوع كامل من وقوع الزلزال. فقد تحججوا بالمسائل اللوجستية بما أن مكتبهم يقع في غازي عنتاب. ولكن الأمم المتحدة تضطلع بمسؤولية في حالات الطوارئ، فالناس يموتون تحت الأنقاض".
وبصرف النظر عن مسؤولي حكومة الإنقاذ، عبّر أيضًا نائب رئيس منظمة "الخوذ البيضاء" منير مصطفى عن محدودية مساعدات الأمم المتحدة في إدلب، مشيرًا إلى أنه "من بين المساعدات التي أرسلتها الأمم المتحدة إلينا مواد تنظيف لتنظيف المنازل، ولكن الناس خسروا منازلهم". في غضون ذلك، تصل المساعدات إلى إدلب بأعداد كبيرة من المحافظات الشرقية، خصوصًا من القبائل والعشائر العربية من دير الزور، ومن محافظتي الرقة والحسكة الخاضعتين لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) عبر معبر عون الدادات بالقرب من منبج، ومن مناطق "قسد" إلى مناطق "الجيش السوري الحر"، بحيث أفاد منسق القافلة في سلقين عن وصول 105 شاحنات. وأكد من مدينة الشدادي في محافظة الحسكة أنه فيما يعيش العديد من النازحين من هذه المحافظات هنا، تقدَم المساعدات للجميع.
في أعقاب الزلزال، أعلن نظام الأسد عن قراره بفتح معبري باب السلام والراعي الحدوديين، الأمر الذي رحب به غوتيريش في بيان لاحق. بعد ذلك مباشرةً، ذكرت الأمم المتحدة أن القافلة الأولى وصلت عبر معبر باب السلام. لكن الحقيقة هي أن هذه المعابر كانت مفتوحة أصلًا أمام مساعدات الجهات الراغبة في تجاهل تصريحات دمشق. ويثير عدم استعداد الأمم المتحدة لاستخدامها قبل الحصول على موافقة دمشق شكوكًا حول مدى إعطاء الاحتياجات الإنسانية الأولوية على المصلحة السياسية.
وحتى في الوقت الذي يبدو فيه أن القوى الإقليمية تستغل الزلزال كفرصة لتطبيع العلاقات مع النظام، انشغل النظام بعد الزلزال بمهاجمة شمال غرب سوريا ثلاث مرات على الأقل، وشمل ذلك تقارير عن قصف القوات الموالية للأسد للطريق السريع في إدلب انطلاقًا من معبر باب الهوى. في هذه المرحلة، لا يثق الأشخاص الذين تحدثت إليهم في شمال غرب سوريا بالمساعدات التي يتم تسهيلها عن طريق نظام الأسد ولا يريدونها. فكما قال أحد جنود الجيش السوري الحر: "[لقد] تسبب الأسد بآلاف الهزات الأرضية، وسوف أحرق أي مساعدات تأتي منه".