- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مسألة الجولان: قضية مؤجلة بالنسبة للسوريين
بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتراف واشنطن على سيادة إسرائيل هضبة الجولان، عاد موضوع السيادة الإسرائيلية على مناطق تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 إلى السطح، ولفت انتباه الشعب السوري. ومن الجدير بالذكر أن قضية الجولان ليست بالجديدة في الأوساط السورية، ففي الوقت الذي أجمعت فيه التيارات السياسية السورية المعارضة منها والموالية منها للنظام على رفض القرار الأمريكي، وبات القرار الأمريكي نهائي في نظر الكثيرين الذين أصبحوا على قناعة بأن الولايات المتحدة لن تلعب دورًا في إعادة الإعمار السوري، كان الاحتجاج الفعلي ضد هذا القرار محدودا للغاية. وفي الواقع، فإن التحديات التي لا تحصى والتي تواجه السوريين حاليا تشير إلى أن قضية الجولان سوف تتوقف بشكل أساسي في مواجهة عملية إعادة الإعمار الشاقة في سوريا.
وخلال العقود المنصرمة، لعبت قضية الجولان دوماً دوراً مركزياً في مطالبة النظام ببقائه في السلطة، فلطالما كرس النظام السوري فكرة أن أهمية بقائه في الحكم تكمن كونه يشكل الجسم المقاوم لإسرائيل على المستوى السوري والعربي، غير أن هذه الفكرة لم تصمد كثيراً بعد قيام الثورة السورية، فاستخدام النظام السوري للجيش في مواجهة الانتفاضة الشعبية، دفع السوريون للقول بأن النظام ما كان يجهز الجيش ولا قواه الأمنية إلا ليقمع به السوريين، وأن قضية مقاومته لإسرائيل هي محض حجة ليبرر بها بطشه بكل معارض.
إضافة إلى ذلك، أصبحت دوافع النظام الفعلية واضحة بشكل خاص خلال السنوات الأخيرة نتيجة الهجمات التي شنتها إسرائيل على عدة مواقع للنظام السوري ولميليشيا حزب الله اللبناني الذي دخل على خط الصراع السوري إلى جانب النظام السوري، دون أن يرد النظام ولا حلفائه على إسرائيل متمسكاً بسردية احتفاظه بحق الرد "في الزمان والمكان المناسبين".
وعلى صعيد الردود الرسمية وغير الرسمية، عبرت الأحزاب السورية على اختلاف انتمائها عن رفضها لقرار ترامب وظهر نوع من التوافق في الرأي بين عدة تيارات على رفض القرار، حيث نقلت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» عن مصدر رسمي في وزارة الخارجية السورية قوله إنه «في اعتداء صارخ على سيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، أقدم الرئيس الأميركي على الاعتراف بضم الجولان السوري المحتل إلى كيان الاحتلال الصهيوني». ومن جانبه أصدر الائتلاف الوطني لقوى الثورة المناهض للنظام، والمعارضة السورية بياناً، اعتبر فيه أن «المساس بحقوق الشعب السوري وسيادته على كامل أراضيه هو أمر مدان، ولن يكون مقبولاً بأي شكل من الأشكال، كما أنه فتح لأبواب الصراع في المنطقة، وطريق مباشر نحو تقويض أسس القانون الدولي والقرارات الدولية، كما أنه خرق للمبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة، وخاصة عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة».
وفي ذات السياق، أصدرت مجموعة من الأحزاب الكردية منها الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي وحزب الوحدة الكردي عدة بيانات ترفض القرار الأمريكي. وبالتوازي مع ذلك، خرج الحزب الشيوعي الموحد ببيان استنكاري للقرار معتبراً أن القرار يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة ومجلس الأمني الدولي، داعياً الأطراف السورية للتوحد في مواجهة ما أسماه " العدوان الأمريكي، والاحتلال الصهيوني والتركي للأراضي السورية" مؤكداً على حتمية عودة الجولان لسوريا. ومن جانبه، أصدر حزب الإرادة الشعبية برئاسة قدري جميل بيانا يستنكر فيه القرار الأمريكي، معتبراً أن وقوف أمريكي إلى جانب إسرائيل قد يفقدها موقعها كوسيط في القضية السورية، كما دعا لرفض أي دور لواشنطن في العملية السياسية.
توالت ردود الأفعال المباشرة أيضا من قبل الهيئة الشعبية لتحرير الجولان التي لم تقتصر ردها فقط على شجب القرار إعلاميا بل شرعت في التفاوض مع جهات عليا على مسالة تفعيل الجناح العسكري الخاص بها، حيث جاء على لسان رئيسها إبراهيم العلى أن الهيئة "ستطرح كل الخيارات لتحرير الجولان سواء كان ذلك عن طريق المطالبة بالحقوق عبر المنظمات الدولية أو بأي وسيلة أخرى، منها المقاومة المسلحة."
وعلى الرغم من أن التيارات السياسية السورية المعارضة منها والموالية منها للنظام الحاكم، أجمعت على رفض القرار الأمريكي، إلا أنها اختلفت في مدى حدية الموقف من الولايات المتحدة، فالنظام السوري والأحزاب المقربة منه كانوا اكثر تشدداً في موقفهم من الولايات المتحدة الأمريكية، مقارنة بالتيارات السورية المعارضة التي كشفت المواقف والتصريحات الإعلامية الصادرة عن تحميلها النظام السوري جزءاً من المسؤولية، وأنه هو من فرط بالجولان في عهد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وحتى قبل أن يتسلم سدة الحكم في البلاد.
وبعيدا عن موقف الأحزاب السياسية، كانت ردة الفعل الشعبية أيضاً واضحة في رفضها للقرار الأمريكي، حيث أكدت على التمسك بسورية هضبة الجولان، لكن كشفت ردود الأفعال سواء عبر الاستطلاعات التي أجرتها وسائل الإعلام أو عبر رصد مواقف السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، أن السوريين اعتبروا هذا القرار مجرد انتكاسة جديدة تضاف لانتكاساتهم خلال السنوات الثمانية الماضية من عمر الثورة السورية.
وعلى الأرجح بات عدد لا بأس به من السوريين على مختلف انتماءاتهم مدركين، أنهم اليوم ليسوا في موقع يسمح لهم برفض فعلي لهذا القرار، وإن سقف درجات الرفض قد يكون ببيانات من التيارات السياسية، أو بأساليب رفض رمزية للمواطنين، الأمر الذي لم يكن أيضاً بمستوى الحدث، فلم تشهد لا المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري ولا الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية تجمعات كبيرة رافضة للقرار، إلا بضع تجمعات لأحزاب وأطر سياسية، على عكس ما كان يحدث في مناسبات مشابهة قبل الآن.
واليوم، يرى الكثيرون أن هضبة الجولان تم التخلي عنها من جانب النظام السوري في عهد الرئيس حافظ الأسد. وفي السياق ضمنه، ذهب بعض السوريين للمقارنات بين وضع الجولان بوضع المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش التركي في إدلب وجرابلس وعفرين، فيما ذهبت قسم آخر إلى المقارنة بين دمشق ذاتها مع الجولان معتبرين أن دمشق ترزح تحت ما أسموه الاحتلال الإيراني-الروسي للبلاد.
ومن خلال رصد ردود أفعال السوريين على القرار الأمريكي بسيادة إسرائيل على الجولان، يتبين أيضا أن ثقة السوريين بدور الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا قد اهتزت، وهذا يعود إلى السنوات الأولى من الثورة السورية، فالمواقف الأمريكية المرتبكة في التدخل المباشر إلى جانب المعارضين السوريين، مكتفية بالتهديد والوعيد دون خطوات ملموسة على أرض الواقع، تسببت باهتزاز ثقة السوريين بالولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أفسح المجال لإيران للتوسع في سوريا.
ومع ذلك، كان للقرار الأخير أثرا بالغا في أذهان العديد من السوريين، حيث ساهم في القضاء على أي دور أمريكي مستقبلي في حل الأزمة السورية، فبينما كان السوريون منتظرين تحركاً أمريكياً على صعيد المسار السياسي لحل القضية السورية، بعد إنهائها المرحلة الأولى من حربها على تنظيم داعش الإرهابي، صدر القرار الأخير بسيادة إسرائيل على الجولان، ما اعتبر لدى الكثير من السوريين أن القرار ناتج عن صفقة دولية غير معلنه يكون بموجبها الجولان إسرائيلياً وبشار الأسد رئيساً باقياً لسوريا.
واستنادا لما سبق، تعتبر قضية الجولان بالنسبة للسوريين وبالأخص المعارضين منهم في الوقت الحالي من القضايا المؤجلة، في ذات الوقت الذي يعتبرون فيه، أن قضية بناء الدولة السورية، والتخلص من النظام السوري والتنظيمات الإرهابية أولوية بالنسبة لهم أمراً راهناً واجب التركيز عليه. لذلك، ساهم قرار ترامب الأخير في اهتزاز ثقة السوريين بدور واشنطن في حل قضيتهم.
وقد تدفع وجهة النظر هذه عددًا من أعضاء المعارضة السورية البارزين إلى اللجوء إلى اتباع المسار الروسي كبديل لعملية الحل، انطلاقاً من أولويات وطنية تقوم على أن موسكو تطرح حلاً وسطاً لا ينفي حقوق المعارضة السورية بالمشاركة السياسية بشكل كامل، كما أنها تظهر موقفاً دبلوماسياً داعماً لحق سوريا السيادي على منطقة الجولان.
ولعل خروج رئيس الائتلاف السوري المعارض السابق معاذ الخطيب، طارحاً مبادرة تتضمن حواراً سورياً-سورياً تحت المظلة الروسية، يدلل على احتمال توجه المعارضة السورية نحو التحرك مع روسيا على حساب التحرك مع الولايات المتحدة الأمريكية. أيضاً ربما موافقة التصريح التركي الرسمي للموقفين الروسي والسوري؛ من جميع التيارات يدفع بدوره المعارضة نحو تكثيف الجهود في المسار الروسي للحل السوري، لا سيما وأن تركيا وروسيا تجريان أصلاً مفاوضات للحل النهائي في سوريا، الأمر الذي يضعف التأثير الأمريكي في مسار الحل السوري، بينما يساهم في تعاظم اهتمام اللاعبين الدوليين الأخرين بسوريا.