- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مسألة عائلية: الانشقاقات داخل عائلة طالباني تسلّط الضوء على الضعف السياسي في إقليم كردستان العراق
يشير الخلاف المستمر بين قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بافيل ولاهور طالباني إلى تحولات محتملة في سياسة إقليم كردستان العراق ووجود دوافع محتملة تؤدى الى استمرار حالة عدم الاستقرار الإقليمي.
واجه "الاتحاد الوطني الكردستاني" أزمة كبيرة على صعيد القيادة منذ أن باشر زعيمه بافل طالباني ببذل جهود للإطاحة بلاهور طالباني، وهو ابن عمه الذي يشاركه في القيادة. فاختير الرجلان كزعيمين مشاركين للحزب في شباط/فبراير 2020 بعد وفاة والد بافل المدعو جلال طالباني – وهو الرئيس العراقي السابق ومؤسس حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي تزعّمه لمدة 42 عامًا. وبعد مرور ثلاث سنوات على وفاة جلال طالباني، لم يتمكن الحزب من تعيين زعيم مؤثّر قادر على الحفاظ على وحدة الحزب. وتبين الآن أن نظام مشاركة القيادة الذي يعاني من الاضطراب ليس مستدامًا، ما يُظهر ضعف النظام السياسي الخاص بـحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" والقائم على العائلة.
"الاتحاد الوطني الكردستاني" هو ثاني أكبر حزب في إقليم كردستان العراق، وهو الخصم التاريخي "للحزب الديمقراطي الكردستاني" الأكبر حجمًا والقوي سياسيًا. وفي البداية، سعى بافل ولاهور إلى العمل معًا من أجل التعويض عن الأرباح التي اكتسبها "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، والتي أخذت تتزايد منذ أن أُصيب جلال طالباني بالمرض في عام 2012. لكن في خلال الشهر الماضي، أصبحت المنافسة وراء الكواليس داخل عائلة طالباني هي الحدث الرئيسي، في ظل قيام بافل بمجموعة من الخطوات الرامية إلى إزاحة لاهور عن موقع السلطة.
أولًا، جرّد بافل لاهور مؤقتًا من واجبات مشاركة القيادة وعزل المسؤولين الموالين للاهور عن مناصب القيادة. ثم داهمت القوى الأمنية وسائل الإعلام الموالية للاهور. وأصدر النظام القضائي في السليمانية مذكرة توقيف بحق لاهور وشقيقَيْه، من بينهما بولاد طالباني، وهو الرئيس السابق لأحد أجهزة مكافحة الإرهاب. وحظيت جهود بافل بدعم عدة أفراد من العائلة ومسؤولين حزبيين أساسيين، من بينهم شقيقه الأصغر قباد طالباني – أي نائب رئيس وزراء إقليم كردستان العراق. كما أنه مدعومٌ من المسؤولَيْن القديمَيْن في حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" جعفر شيخ مصطفى، وهو نائب رئيس إقليم كردستان العراق، وكوسرت رسول علي، وهو رئيس "المجلس السياسي الأعلى" في حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، اللذَيْن يسيطران معًا على أكبر عدد من قوات "البيشمركة" التابعة للحزب في السليمانية.
ردًا على ذلك، قال لاهور بعد أن طُلب منه مغادرة السليمانية: "لن أغادر شعبي حتى نفسي الأخير". وتُظهر الصور التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لاهور جالسًا في البيت إلى جانب رجال مسلحين، مع حشد كبير من الناس الذين ينتظرون خارج منزله، ما يشير إلى احتمال نشوب نزاع مسلح بين الرجال الموالين لزعيمَيْ الحزب.
رغم أن بافل طالباني يبدو الآن مسيطرًا على الحزب ويحافظ على التحالف الانتخابي الذي شكّله حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" مع "حركة كوران (التغيير)" الإصلاحية، تُظهر هذه الأزمة الحاصلة على مستوى القيادة أن الحزب فقدَ قدرته على حل المسائل الداخلية. وحتى لو توصل "الاتحاد الوطني الكردستاني" إلى التوحد حول بافل، سيلزمه الكثير من الوقت والجهد لمنافسة "الحزب الديمقراطي الكردستاني". وإذا لم يتراضَ الطرفان بشكل مفاجئ، يُحتمل أن تزيد حملة التطهير التي يواصل بافل ممارستها على الموالين للاهور زعزعة الاستقرار في الحزب من حيث الانضباط والوحدة والثقة. حتى أن الانشقاق قد يتسبب بحدوث نزاع مسلح بين قوات الأمن والاستخبارات و"البيشمركة" التابعة لحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" والموالية للطرف الأخر.
علاوةً على ذلك، قد تثير الأزمة الحالية الشكوك بين أعضاء حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" في ما يخص نظام القيادة الذي تقوده عائلة طالباني. فقد يتزاحم أعضاء الحزب للحلول مكان أفراد عائلة طالباني كزعماء مشاركين لحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، أو قد يغادرون هذا الحزب ويشكلون أحزابًا جديدة. وفي الواقع، هكذا تأسست "حركة كوران"؛ فأسس العضو السابق في حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" نوشيروان مصطفى الحزب في عام 2009 بعد انتقاد قيادة عائلة طالباني.
لا يؤدي الاقتتال الداخلي ضمن "الاتحاد الوطني الكردستاني" سوى إلى زيادة تعقيد الوضع السياسي المتزعزع أصلًا في إقليم كردستان العراق. فطالما أدى الشقاق والاقتتال الداخلي واتهامات الخيانة بين حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" إلى عدم الاستقرار وسط الأكراد العراقيين. ومنذ أن انسحبت قوات "البيشمركة" التابعة لحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" من كركوك في تشرين الأول/أكتوبر 2017 وسط فشل محاولة حكومة إقليم كردستان التي سعت فيها إلى الاستقلال عن العراق، اتهم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" "الاتحاد الوطني الكردستاني" بالتعاون مع اللواء الإيراني قاسم سليماني وحكومة بغداد. وهو يتطلع إلى الانتقام من قيادة عائلة طالباني، ويرى أن الانشقاق هو فرصة للتركيز على مأسسة السيطرة في إربيل، أي عاصمة إقليم كردستان العراق والقاعدة التقليدية "للحزب الديمقراطي الكردستاني"، إلى جانب عاصمة قضاء دهوك، في ظل تَلَهّي خصمه وتوهُّنه.
من ناحية أخرى، قد ينظر "الحزب الديمقراطي الكردستاني" إلى صعود بافل من زاوية إيجابية. فقد التقى بافل طالباني بمسؤولين من "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في عدة مناسبات منذ الانسحاب من كركوك في عام 2017، ويبدو أنه أصلح علاقاته مع قيادة بارزاني. كذلك، يتمتع قباد طالباني وكوسرت رسول علي المناصران لبافل بعلاقات طيبة مع مسؤولي "الحزب الديمقراطي الكردستاني". وفي المقابل، تَمسّكَ لاهور طالباني بموقفه المعادي "للحزب الديمقراطي الكردستاني" – دافعًا "الاتحاد الوطني الكردستاني" إلى تنفيذ سياسات مناهضة "للحزب الديمقراطي الكردستاني"، بما فيها زيادة الاستقلالية عن إربيل وإعطاء الأولوية لبغداد بدلًا منها. كما أن لاهور اتهم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بالتدخل في حملة التطهير التي يشنها بافل ضده.
في حين أن هذه الوقائع تشير إلى احتمال دعم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" لبافل في تنافسه مع لاهور، سيؤدي تورط هذا الحزب في أزمة داخلية ضمن "الاتحاد الوطني الكردستاني" إلى زيادة عدم الثقة بـ"الحزب الديمقراطي الكردستاني" في السليمانية. لذلك، سيتمسك هذا الحزب على الأرجح بموقف حيادي في ما يخص الانشقاق داخل عائلة طالباني، بينما قد يؤدي تولي بافل وحده القيادة إلى بداية حقبة انفراج في العلاقات المستقبلية بين الحزبين.
بِغَضّ النظر عن النتيجة المباشرة، لا يشكل النزاع بحد ذاته سوى أحد الأمثلة عن التحدي المستمر الذي لا يفارق إقليم كردستان العراق. ففي السنوات الثلاثين تقريبًا منذ أن حصل هذا الإقليم على المزيد من الاستقلالية عن بغداد، تمثلت المشكلة الأساسية بالنسبة إليه في الازدواج الحزبي داخل النظام السياسي، الذي تخضع بموجبه مختلف وحدات "البيشمركة" والاستخبارات والأمن والحُكم لسيطرة فصائل متنوعة تابعة لحزبٍ ما أو عائلةٍ ما.
في حال الحفاظ على هذا النظام، سيستمر في تعريض النظام السياسي ضمن إقليم كردستان العراق للخطر ويعزز عدم الاستقرار، كما يتضح من خلال الانشقاق الراهن داخل عائلة طالباني. وفي الواقع، قد يواجه "الحزب الديمقراطي الكردستاني" قريبًا أزمة داخلية مشابهة ضمن العائلة على صعيد القيادة، ما بعد الحقبة الطويلة التي تولّى فيها زعيمه المؤثّر مسعود بارزاني قيادته. وطالما تُعتبر العلاقات العائلية عنصرًا محدِدًا أساسيًا في سياسات إقليم كردستان العراق، ستستمر هذه المسائل في التسبب بانقسام السياسة داخل هذا الإقليم وتعقيدها أكثر فأكثر.