- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مصــر والأسد: الحسابات البرجماتية والأخلاقية
على مدار السنوات السبع الماضية، اختارت القاهرة أن تنأي بنفسها عن الدخول مباشرة في الصراع السوري، تارة بسبب مشاكلها الداخلية، وتارة أخرى بسبب تعقيد الملف السوري، لاسيما مع انتشار قوات روسية وأمريكية وأوربية وإيرانية وتركية داخل سوريا. ومع ذلك، هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن القاهرة قد تسعى إلى توسيع دورها في سوريا وذلك بدافع عدائها للجماعات الإسلامية، حيث تخشى من أن يؤدي سقوط النظام السوري إلى تمكين هذه الجماعات من الاستيلاء على السلطة. ومن ثم، تدعم القاهرة الآن وبشكل نشط الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك رداً على محاولات نظام الإخوان المسلمين لتقويض الحكومة المصرية. وللأسف، والى جانب كونه غير أخلاقي، فإن دعم القاهرة للأسد ليس بقرار حكيم من الناحية الاستراتيجية.
وفى شهر حزيران/يونيو 2013، وقبل فترة وجيزة من انتهاء ولايته القصيرة، قام الرئيس المصري محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان، بإعلان الجهاد ضد نظام الأسد في سوريا، حيث أعلن عن خطة لإرسال مقاتلين متطوعين إلى سوريا وحاول إقناع المسؤولين السعوديين والإيرانيين والأتراك بالمشاركة في الحوار. ومع ذلك، وعلى الرغم من الجهود التي بذلها في هذا الصدد، فشل مرسي في إقناع المجتمع الدولي بأن يأخذ تصريحاته ومقترحاته حول سوريا على محمل الجد.
وفى أعقاب الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين في حزيران /يونيو 2013، تغير الموقف المصري بشكل جذري، حيث أكدت مصر على مبدأ وحدة الأراضي السورية، ومبدأ دعم الدولة السورية ومؤسساتها، ومبدأ الحل السياسي للأزمة، مع استبعاد الجماعات الإرهابية من الحل والسماح لقوى المعارضة المعتدلة بالمشاركة في الحوار. كما أيدت القاهرة علنا التدخل العسكري الروسي لدعم النظام والجيش السوري ضد المعارضة.
مؤخراً، ظهرت مصر كلاعب رئيسي في سوريا للمرة الأولى، حيث قامت في تموز/يوليو الماضي برعاية المفاوضات بين الميليشيات المتمردة والنظام في الغوطة الشرقية (شرق دمشق) والأحياء الشمالية في مدينة حمص، وتلك المناطق كانت جزء من مناطق "تخفيف التصعيد" التي وافقت عليها روسيا وتركيا وإيران في مايو 2017.
علاوة على ذلك، يبدو أن المجتمع الدولي قد رحب بمشاركة مصر في الأزمة السورية المستمرة، حيث استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في وقت مبكر الشهر الماضي في القاهرة، ستيفان دى ميستورا، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا، قادما من إيران، وذلك قبل أن يتوجه المبعوث الأُممي لزيارة موسكو وبروكسل. ويأمل المبعوث الأممي من زيارته إلى دفع القاهرة لاستخدام نفوذها واتصالاتها لدفع الأطراف المعنية داخل سوريا بالجلوس على مائدة المفوضات والبدء في العملية السياسية.
وفي هذا السياق، من المهم ملاحظة أنه على الرغم من أن نطاق تدخل مصر في سوريا قد تغير، إلا أن موقفها تجاه النظام السوري لم يتغير، فالقاهرة تخشى من النمو المحتمل للجماعات الإسلامية في سوريا، وتأثيرها المحتمل على حركات التمرد المحلية في مصر. ومن ثم، تحالفت القاهرة مع الحكومة السورية التي تقدم نفسها كبديل وحيد لتلك الجماعات.
ومع ذلك، وعلى الرغم من مخاوف القاهرة بشأن تمدد الميليشيات الإسلامية، إلا أن تبني القاهرة لمقاربة الدعم العلني لنظام الأسد في الحقيقة لا يوجد ما يبررها على الجانب البرجماتي أو حتى الأخلاقي، فمن الناحية الأخلاقية يجب على القاهرة إلا تستمر في دعم نظام الأسد الذي اقترف كل أنواع الجرائم ضد شعبه ابتداء بإطلاق النار على المتظاهرين العزل ونهاية بهجمات كيماوية ضد نساء وأطفال ومدنيين.
وقد شكل موقف مصر من نظام الأسد تهديدا حقيقا للعلاقات بينها وبين حلفائها الخليجيين الذين يطمحون في تقويض النظام السوري بسبب علاقاته مع إيران. وقد برزت بوادر التوترات بين مصر ودول الخليج على خلفية الأزمة السورية في تشرين الأول/أكتوبر 2016،عندما صوتت مصر لصالح قرار روسي -تعارضه السعودية- في مجلس الأمن، مما تسبب في حالة غضب عارمة لدى المملكة التي وصف مندوبها في مجلس الأمن القرار على بانه "مؤلم." وردت السعودية بوقف إمداداتها من النفط الرخيص إلى مصر، الأمر الذي أجبر القاهرة على شراء إمداداتها النفطية من مصادر أخرى بأسعار السوق، مما أضر أينما ضرر بالموازنة المصرية وهي التي تعاني أصلا من عجزا قياسيا متناميا منذ عام 2011. لذلك، فإن دعم القاهرة للأسد يمثل تهديدا للعلاقات بين مصر وبين تلك الحكومات التي مدت يد العون لمصر للإطاحة بحُكم الإخوان المسلمين، ومن ثم، ساهمت في دعم الاستقرار في مصر في أعقاب 30يونيو 2013.
ويمكن لمصر في هذا الصدد أن تتبنى سياسة أكثر برجماتية وأخلاقية في ذات الوقت، وذلك بالحفاظ على قنوات اتصالاتها مفتوحة مع كل الأطراف. كما يجب أن تنظر مصر بعين الاعتبار للتهديدات الإيرانية في المنطقة، وان تعمل جنبا إلى جنب مع حلفائها الخلجيين والولايات المتحدة لمواجهة تلك التهديدات ووضع حد للنفوذ الإيراني في المنطقة. وإما عن خطر صعود الجماعات المتطرفة في سوريا الذي يقلق المصريين فهذا أمر يمكن احتوائه وجرى احتوائه بالفعل عن طريق الحملة الدولية ضد تنظيم "داعش" هناك. كما يجب ألا يؤثر تخوف القاهرة من التمدد الإرهابي على سياستها الخارجية في سوريا، حيث أن هناك منافذ أخرى وحلفاء أخرين يعملون من اجل إحلال السلام الداخلي في سوريا.