- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مواقف واشنطن في سوريا والعراق وشروخ العلاقة مع أكراد إيران
على مدى السنوات الأربع الماضية، كان الأكراد في إيران يراقبون المجتمعات الكردية في سوريا والعراق وهم يتكبدون خسائر على أيدي القوات المعادية، وباتوا في حالة ارتباك جراء التحولات المضطربة في القراررت الصادرة من قبل واشنطن. بدا ذات مرة أن الولايات المتحدة ستدعم التغيير في إيران لصالح الأقلية الكردية في البلاد، ولكن الآن تركت سلسلة القرارات التي اتخذتها القيادة الأمريكية في سوريا والعراق العديد من القادة السياسيين الأكراد في إيران خائفين وغير راضين عن السياسة الأمريكية في المنطقة.
خلال رئاسة ترامب على وجه الخصوص، كان هناك حدثين مهمين أديا إلى توتر وتشويش صورة الولايات المتحدة بين أكراد إيران، أولهما مشاهدتهم لكيفية سماح إدارة ترامب للميليشيات الشيعية المعادية لأكراد العراق بالسيطرة على كركوك في أكتوبر 2017. أما الحدث الثاني فقد جاء بعد عامين، حيث شاهد الأكراد مرة أخرى سماح إدارة ترامب للقوات التركية بغزو شمال شرق سوريا ، مما دفع الأكراد المحليين إلى النزوح والفرار من منازلهم.
أدى هذين الحدثين الى تشكك الكثيرين من أكراد إيران من أن واشنطن ستساهم في التغيير في إيران وستساعدهم على نيل حقوقهم. هذا الشرخ السابق تحول إلى وادي عميق من فقدان الثقة في المستقبل، ومهد الطريق أمام أكراد إيران إلى إعادة التفكير في خياراتهم وموقفهم الدبلوماسي. ولسوء حظ كلا الطرفين، يبدو أنه لن يستفيد أحد من مثل هذا الصدع في العلاقات سوى الحكومة الإيرانية.
تلاشي الآمال
يرى الأكراد أن موقف إدارة ترامب المتشدد تجاه إيران يتعارض مع تخليها عن الجماعات الكردية في العراق وسوريا، الأمر الذي ينظر اليه الأكراد على أنه يفضح الطبيعة المتقلبة للسياسة الأمريكية.
كانت السياسة الجديدة لإدارة ترامب والتي تمثلت في انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في بداية فترة ترامب، بمثابة حافز معنوي للجماعات المعارضة للنظام الإيراني، حيث عملت تلك الجماعات المعارضة على حشد قواعدها الشعبية بتفاؤل متجدد، واشادوا بالإجراءات الأمريكية كإشارة على أن التطورات الإيجابية قد تكون في طريقها قريبًا. وفى حقيقة الأمر، وفى ظل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران إلى إثقال كاهل نظام خامنئي بانتكاسات اقتصادية ودبلوماسية كبيرة بالإضافة إلى التداعيات المؤلمة على حياة الطبقة الوسطى والفقيرة الواسعة للبلاد، رأى أكراد إيران أن الإجراءات الأمريكية يمكن أن تكون محفزا للتغيير الحقيقي، بل انتشرت شائعات عن وعود غير مباشرة من الحكومة الإيرانية بتأسيس حقوق دستورية وهيئات سياسية محلية للأقلية الكردية.
ومع ذلك، سرعان ما تبخرت تلك المحفزات مع سقوط كركوك، ودخول القوات التركية الى الشمال السوري، فبعد أن أشارت الولايات المتحدة إلى أنها تدعم تركيا، الكيان الذي يُنظر إليه عمومًا على أنه معادي للمصالح الكردية، بدأ الأكراد في إيران في التشكيك في حكمة وفعالية العمل عن كثب مع واشنطن.
صارت مسألة العلاقة مع الولايات المتحدة الآن هي التي تحدد الكثير من محتوى الخطاب السياسي الكردي في إيران، حيث ذكرت العديد من المنافذ الإعلامية أن الأكراد في سوريا قد حذروا أكراد إيران في علاقتهم مع واشنطن، وفي وعودها النظرية التي تتغير بتغير الحاكم في البيت الأبيض. من وجهة نظر الأكراد الإيرانيين، فان فرص التعاون التي كانوا يتطلعون اليها سابقا مع الولايات المتحدة أصبحت اليوم بمثابة حالة ثقة في غير محلها.
ومن ثم، لم يعد هناك مدخل عقلاني لرأب الصدع في العلاقة بين أكراد إيران وواشنطن وذلك رغم تصدرهم المشهد السياسي والعسكري المعارض للنظام الإيراني تاريخياً
الوضع المعقد في سوريا يشير إلى نظرة قاتمة لأكراد إيران
بمرور الوقت، ازداد تعقيد الوضع في سوريا، مما زاد من تعقيد عملية الاستقلال السياسي لأكراد سوريا، حيث شاهد أكراد إيران فشل القوى الأمريكية والخليجية في حماية الأكراد القاطنين في الدول العربية، الأمر الذي دفعهم إلى التراجع عن المواجهة مع الحكومة الإيرانية. وفي حين تخلت القوات الأمريكية بشكل عام عن المناطق الكردية في شمال سوريا مع الحفاظ على السيطرة على المناطق المحيطة بحقول النفط في دير الزور والحسكة، انخرطت تركيا وروسيا وإيران في نشاط مشترك لتقويض الجهود الأمريكية في سوريا ، وإطالة أمد الصراع هناك وتفاقم الانقسامات. مع التغييرات التي حدثت في أعداد القوات الامريكية الموجودة على الأرض وتراجع العمليات الأمريكية هناك، أصبح إنشاء منطقة إدارية شبه مستقلة في سوريا تشبه إقليم كردستان في العراق - والتي دعمتها الولايات المتحدة أثناء تشكيلها في فترة التسعينيات - أمرًا مستبعدًا للغاية..
أدت هذه القيود المتعددة إلى ضعف وتراجع الحركة الكردية في سوريا، وخلق وضع سياسي أكثر خطورة على الأكراد في إيران. كما أدرك أكراد إيران بدورهم أن الوعود الخليجية لن تتحقق على ارض الواقع، خاصة بعد فشل دول الخليج في التحرك في سوريا.
كما أن تعامل واشنطن مع الأزمة السورية كمسألة هامشية، يرسل رسالة واضحة مفادها أن قضية الحكم الذاتي الكردي خارج إطار الصراع الأمريكي مع إيران. لذلك، يبدو أن الولايات المتحدة قد أدركت أن النفوذ الكردي بدأ يتضاءل، وصارت غير مهتمة بإنفاق المزيد الموارد على رهان خاسر.
ومع ذلك، فإن إحدى النتائج التي ربما لم تفكر فيها واشنطن هي أن الكتلة الكردية، ذات الثقل والتنظيم العتيق سياسياً وعسكريا في إيران لم يعد لها ذات الاندفاعة السابقة للعمل ضد النظام الإيراني. لذلك، يواجه أكراد إيران مستقبل أكثر سوداوية، حيث مثلت قرارات واشنطن في سوريا والعراق المصدر الأساسي لمخاوفهم.
خطوات لرأب الصدع
وعلى هذا النحو، لا يمكن الحديث عن تشكيل كتلة سياسية معارضة، وقوية، وذات نواة صلبة، من الأكراد في إيران إلا بتصحيح الأخطاء الكارثية للسياسات الصادرة عن واشنطن في سوريا، وبخاصةً، تجاه شريكتها المحلية قسد والإدارة الذاتية. هذا التصحيح لابد أن يتمحور حول فتح الطريق للقادة السياسيين الأكراد في سوريا للانخراط في العملية السياسية والدستورية الحالية. كما أن مصير المناطق التي احتلتها تركيا وعمليات التهجير التي تتم ضد المواطنين الكرد في عفرين ورأس العين وغيرهما، وبتوثيق رسمي لمنظمات عالمية مرموقة، تحتاج إلى إيجاد حل جذري وحقيقي لها من واشنطن.
كما يمكن للولايات المتحدة أيضا العمل على تعزيز الدور الحيوي للمجتمع المدني في شرق الفرات وتعزيز الدور الدبلوماسي للجهات السياسية للأحزاب الكردية والعربية والمسيحية في المنطقة لتصدير كتلة مقبولة سياسية قادرة على الحوار مع الحكومة السورية والمعارضة الموالية لتركيا في نفس الوقت. في هذا الإطار، يجب على واشنطن أيضا التواصل مع موسكو للعمل بشكل جدي على دفع روسيا للضغط على النظام السوري للقبول بتسوية مع الكيان المحلي في شمال شرق سوريا، حيث إن كل تطبيع أمني وسياسي تقوم به واشنطن لصالح حلفائها في قسد والإدارة الذاتية يقابله تطبيع في علاقاتها مع الكتلة السياسية الكردية في إيران.
ومع ذلك، فان إهمال واشنطن لتلك القضايا يفتح الطريق لطهران للتغلغل أكثر من خلال إظهار واشنطن بصفة الخائن لحلفائها في المنطقة. ومع ذلك، يراقب أكراد إيران بقلق ما ستؤول إليه الأمور مع أشقائهم في سوريا والعراق، وسيتخذون قراراتهم المستقبلية بشأن علاقتهم مع الولايات المتحدة بناءً على ما يرونه.