- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مؤتمر بروكسل: فرصة لإضفاء الشفافية على مساعدات ضحايا الزلزال في سوريا
بالتركيز على “مستقبل سوريا"، وفي عصر التطبيع، يمكن أن يشكل مؤتمر بروكسل منبرا تتمكن الدول الغربية والعربية من خلاله من تنسيق المساعدات التي تصل إلى سوريا.
من المقرر عقد مؤتمر بروكسل السابع، الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي، يومَي 14 و15 حزيران/يونيو تحت عنوان "دعم مستقبل سوريا والمنطقة". في حين يسعى عدد كبير من دول الشرق الأوسط إلى التطبيع مع الأسد بعد أكثر من عقد من العزلة، يضطلع مؤتمر هذا العام بأهمية خاصة بما أنه يشكل فرصة لفرض شروط تتعلق بالمساعدات التي يتم جمعها خلال جولة التمويل هذه والتأكيد على القيود والشروط الخاصة بالدور المستقبلي للنظام في تلك الحلول. فعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية بدون تنفيذ أي إصلاحات أو إبداء أي حسن نية تجاه الشعب السوري تثير تساؤلات حول التزامه ولا يمكن أن تصبح المعيار الدولي عندما يتعلق الأمر بإعادة إعمار سوريا.
يتمثل الهدف الأساسي لمؤتمر هذا العام بتأمين الدعم الدولي المستمر للشعب السوري بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وفي الوقت عينه، سيركز المؤتمر بشكل خاص على سبل تقديم المساعدة المالية للأفراد النازحين واللاجئين السوريين في البلدان المجاورة، فضلًا عن الآفاق المتوفرة أمام استجابات المساعدات الدولية في أعقاب زلزال شباط/فبراير الذي ضرب تركيا وسوريا.
أكد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عزمهما على الامتناع عن سن أي تشريع قد يصب في مصلحة نظام الأسد أو يرفع العقوبات الاقتصادية، وسيواصلان تحديد استثناءات للإغاثة الإنسانية. مع ذلك، رفعت الولايات المتحدة مؤقتًا العقوبات المفروضة على مساعدات إعادة الإعمار في إطار الاستجابة للزلزال، وضخت الكثير من الدول العربية، التي تحفّزها جهود التطبيع المتزامنة، الملايين في سوريا في السياق عينه، من دون الإشراف على كيفية إدارة نظام الأسد لهذا الدعم أو استفادته منه. توضح هذه المسارات المتباينة الحاجة إلى نهج أكثر فعالية وتنسيقًا لمساعدات الزلزال من شأنه دعم الشعب السوري، وليس النظام.
استغلال الأسد لمساعدات إعادة الإعمار
قدّر تقييم حديث للأمم المتحدة أن الأضرار والخسائر الإجمالية التي سببها الزلزال في سوريا تبلغ قرابة 9 مليارات دولار. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات إلى ضرورة تأمين حوالي 15 مليار دولار لجهود الإنعاش في المناطق المتضررة. ولكن تقارير إعلامية متعددة أثارت مخاوف بشأن حيادية مؤسسات الأمم المتحدة في سوريا والتزامها بالشفافية، لا سيما في ما يتعلق بالمنهجية العلمية المتبعة للتمييز بين أضرار الزلزال والأضرار الناجمة عن أعمال النظام خلال الحرب المستمرة. فالكثيرون يخشون من أن يكون الأسد في صدد التلاعب بتقديرات التعافي المبكرة هذه للمطالبة بالمزيد من المساعدات تحقيقًا لمكاسب مالية شخصية.
فقد أنشأ مثلًا الأسد "صندوقًا وطنيًا لدعم المتضررين من الزلزال" في الأول من أيار/مايو، بهدف الإشراف على تدفق الأموال لدعم إعادة الإعمار وتسهيله. ولكن من دون وجود مساءلة واضحة، يمكّن الصندوق النظام من الاستفادة من المساعدات المالية من الدول العربية والغربية على حد سواء.
على وجه الخصوص، يسمح الصندوق لنظام الأسد بالاستفادة من الثغرات المحتملة في الرخصة العامة 23 الخاصة بسوريا الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية، والتي تسمح بـ180 يومًا من العمليات كافة ذات الصلة بالإغاثة من الزلزال والتي كانت محظورة بموجب أنظمة العقوبات المفروضة على سوريا. حتى بعد انتهاء مدة 180 يومًا المحددة في الرخصة، سيواصل صندوق الأسد الوطني الإشراف على تدفق الأموال من الدول العربية التي تبرعت باكرًا وغالبًا لجهود الإغاثة والتي تتطلع إلى توسيع علاقاتها الاقتصادية مع سوريا في ظل التطبيع.
من الضروري التأكيد على أن هذه الأموال قد تُستخدَم لدعم أجندات نظام الأسد وإيران وروسيا الرامية إلى ترسيخ السيطرة على سوريا من دون تنفيذ أي تحسينات هامة في حياة الشعب السوري، بخلاف تطلعات الدول العربية الداعمة لهذه المبادرة والغرب.
الحد من إمكانية الاستغلال
كسوريين قلقين، من الضروري التأكد من خضوع الأموال التي يقدمها الاتحاد الأوروبي والدول العربية والأمم المتحدة للنظام السوري لرقابة وشفافية صارمتَين. ولا بد من احترام الأهداف التالية:
- يجب أن يستفيد الشعب السوري مباشرة من الأموال المخصصة له، بما يضمن تحسينات ملموسة في حياته.
- يجب عدم توجيه الأموال إلى الشركات الروسية والإيرانية العاملة داخل سوريا.
- يجب ألا يتلقى الأفراد والشركات الخاضعين للعقوبات الأوروبية أو البريطانية أو الأمريكية تمويل المانحين وألا ينفّذوا مشاريع المساعدات.
- على وجه التحديد، أعربت روسيا وإيران عن تفضيلهما منح الأولوية لمشاريع الكهرباء في مرحلة التعافي المبكر، مشيرتين إلى ارتفاع تكاليف التنفيذ وهدفهما المتمثل بالسيطرة على القطاع لإرغام النظام على تسديد ديونه.
- يجب إنشاء آليات رقابة صارمة لضمان الامتثال للسياسات الغربية التي تدعو إلى فرض قيود على تمويل البناء وعدم رفع العقوبات إلا بعد تنفيذ القرار الدولي رقم 2254.
- يجب وضع إطار عمل لتوجيه التواصل العربي مع نظام الأسد، مع إعطاء الأولوية دائمًا لمصالح الشعب السوري الفضلى، بما ينعكس إيجابًا على استقرار المنطقة.
للوفاء بهذه المتطلبات، من الضروري أن يغتنم الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة الفرصة التي يوفرها مؤتمر بروكسل ويُنشئوا نظامًا مخصصًا لمراقبة أموال الإغاثة من الزلزال وإعادة الإعمار في سوريا والحد منها. سيفرض هذا النظام التزامًا على الدول المساهمة بإخطار السلطات المختصة المسؤولة عن العقوبات، ويجب أن يتضمن معلومات شاملة بشأن المبلغ المتبرع به، والغاية من استخدام الأموال، والهيئة أو المنظمة المنفذة المسؤولة عن تنفيذ مشاريع تتماشى مع الأهداف المذكورة أعلاه.
من خلال تطبيق هذا النظام، يمكن ضمان الشفافية والمساءلة من قبل الغرب والدول العربية، ما يمنع أي سوء استخدام للأموال من قبل نظام الأسد ويوفر الرقابة اللازمة من قبل المانحين. وبالطبع، سيشكل هذا أداة ضغط ستستفيد منها الدول العربية في تعاطيها مع الأزمة السورية.