يخلّف فيروس كورونا المتفشّي وقعًا كبيرًا على حياة الإسرائيليين الشخصية والعامة، ولكن درجة تأثيره على الفلسطينيين المقيمين بجوارهم في الضفة الغربية وغزة لا تزال حتى الآن أخفّ. في خضم هذه الأزمة الطبية، تم إجراء استطلاع استثنائي للرأي في هذه المناطق، فأعطى لمحةً عن المواقف والتصرفات المتغيرة فيها وكشف عن بعض الجوانب الإيجابية المفاجئة.
التعاون ونظريات المؤامرة: في استطلاعٍ موثوق للرأي العام الفلسطيني أجري الأسبوع الفائت، تبيّن أن ثلثَي سكان الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية يؤيدون "التعاون بين إسرائيل والفلسطينيين لتفادي انتشار فيروس كورونا". وتُعتبر هذه النسبة أعلى بكثير من النسبة المناهزة للنصف والمؤيدة للتعاون الاقتصادي مع إسرائيل في استطلاع آخر أجرته المنظمة نفسها منذ فترة قصيرة تعود إلى منتصف شباط/فبراير.
ولكن في الوقت نفسه، أظهر الاستطلاع الجديد ميلاً نحو نظريات المؤامرة المتعلقة بهذا البلاء. إذ أن نسبة 47 في المائة من الفلسطينيين "تعتقد أن قوىً خارجية أو قوى أخرى تتسبب عمدًا بانتشار فيروس كورونا"، في حين أن النصف الآخر (ونسبته 51 في المائة) يعتبره "طفرة طبيعية". بالمقارنة، بلغت نسبة مؤيدي الفكرة الأخيرة في أحدث استطلاع مشابه للرأي في أمريكا 56 في المائة – علمًا أن قرابة الربع من الجانبين يعتبر أن الفيروس ينتشر بشكل متعمّد أو أنهم "لا يعرفون" مصدره.
من ناحية الفلسطينيين، يمكن ربط الارتياب والشكّ بوجهات النظر تجاه مواقع التواصل الاجتماعي. فالأغلبية الضئيلة (53 في المائة) تقول إن هذه المواقع تؤدي دورًا سلبيًا في الأزمة، مقارنةً بنسبة اقتصرت على 37 في المائة اعتبرت أن هذا الدور إيجابي. مع ذلك، أعلنت الأغلبية (58 في المائة) أن شبكات التعليم عبر الإنترنت تُعدّ خيارًا جديدًا مفيدًا في هذه الحالة – ومن بينها نسبة 15 في المائة تشيد بالتعليم الافتراضي باعتباره "بديلاً ممتعًا جدًا".
الأغلبيات تؤيد إجراءات حكوماتها حتى الآن: بشكل عام، أعرب الرأي العام الفلسطيني عن استحسانه لطريقة تعامل السلطات المحلية مع الأزمة حتى الآن، وهذا ما يفسّر سبب الهدوء النسبي الذي يخيّم هناك. إذ صنّف ثلثا السكان أداء سلطات الصحة العامة بـ"الجيدة جدًا" (24 في المائة) أو "الجيدة" (43 في المائة)، فيما قالت أغلبية ضئيلة الأمر نفسه عن "أداء الأجهزة الأمنية في ضبط الأمور وعدم التسبب بالخوف والذعر بين الشعب الفلسطيني في الوقت الراهن"، حيث وصفته نسبة 23 في المائة بالأداء "الجيد جدًا" واكتفت نسبة 39 في المائة بوصفه بـ"الجيد" لا أكثر.
وثمة نقطة مهمة أخرى في هذا الإطار، وهي أن أغلبية مماثلة (61 في المائة) وافقت على هذا الطرح: "أنا مستعد للتنازل عن بعض حقوقي الشخصية إذا كان ذلك يساهم في منع تفشي الفيروس". أما في الولايات المتحدة، وبحسب استطلاعٍ موازٍ أجرته "مؤسسة جالوب الدولية"، فجاءت هذه النسبة أقل نوعًا ما وبلغت 45 في المائة.
الحياة الشخصية تزعزعت إلى حدٍّ كبير: أعربت الأغلبية الساحقة (84 في المائة) من الفلسطينيين عن قلقها من الفيروس – مع إعراب نصف هؤلاء عن "قلق شديد". وانقسمت الآراء حول ما إذا كان التهديد مبالغًا به، بين 43 في المائة أجابوا بـ"نعم"، و55 في المائة أجابوا بالنفي. لكن التوقعات كانت بالإجمال متشائمة، بحيث اعتبرت نسبة 43 في المائة أن "الآتي أعظم"، وقالت نسبة 34 في المائة إن "الأمور ستبقى على حالها بالدرجة الكبرى"، وأبشرت نسبة 23 في المائة فقط أن "الأسوأ قد فات". بالمقارنة، أظهر الأتراك تفاؤلاً أكبر حيث اعتبرت نسبة 63 في المائة منهم أن الأسوأ انتهى، وذلك بحسب استطلاع "مؤسسة جالوب الدولية".
على صعيد الوقع الاقتصادي، اعتبر 71 في المائة من الفلسطينيين أن الفيروس أثّر على أسرتهم، لكن 31 في المائة فقط اعتبروا هذا التأثير حادًا حتى الآن. ومن ناحية العادات الشخصية، أفاد نحو الثلثان عن استخدام المعقّم وغسل اليدين بشكل متكرر، فيما أفادت نسبة 40 في المائة تقريبًا عن ملازمة المنزل أو الحد من الاختلاط الاجتماعي، إلا أن نحو الربع فقط قال إنه يستخدم الأقنعة أو القفازات للحد من خطر الإصابة.
ملاحظة حول المنهجية: استند هذا التحليل إلى نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي، الكائن في بيت ساحور بالضفة الغربية. وقد تضمّن الاستطلاع مقابلات شخصية مع الأسر ضمن عينة تمثيلية مؤلفة من 583 فلسطيني بعمر 18 وما فوق، تعيش نسبة 64 في المائة منهم في الضفة الغربية أو القدس الشرقية، و36 في المائة في غزة. تم اختيار المشاركين وفقًا للتقنيات النموذجية للاختيار الجغرافي العشوائي، وناهز هامش الخطأ الإحصائي 4 في المائة.
يُشار إلى أن كاتب هذا المقال عمل مع شركة الاستطلاع الفلسطينية هذه على مدى ثلاثين عامًا وسافر شخصيًا إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية خلال شهرَي كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير من هذا العام للتشاور مع فرقها الميدانية العاملة في تلك المناطق. ويُذكر أيضًا أن كل مشارك دوّن إجاباته بواسطة كمبيوتر لوحي مزود بنظام تحديد المواقع العالمي، بما يضمن مراقبة الجودة وإدخال البيانات في وقتها الفعلي، مع تقديم ضمانات بالحفاظ على السرّية. ولدواعي المقارنة، تم اقتباس الأجوبة المختارة على الأسئلة المتشابهة من استطلاعات أجرتها "مؤسسة جالوب الدولية" في دول أخرى خلال الفترة الزمنية نفسها، مع الإشارة إلى أن تلك الاستطلاعات أُجريت بالدرجة الكبرى عبر الهاتف أو الإنترنت.