- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
قبل حلول شهر رمضان، الاقتصاد اليمني يزداد صعوبة
بالنسبة للمسلمين، يمثل شهر رمضان أحد أكثر الأوقات تكلفةً في السنة. ستنفق العديد من العائلات ما يصل إلى ضعف نفقاتها المعتادة خلال شهر رمضان، مع مزيد من الإنفاق لشراء الملابس وغيرها من احتياجات إجازة عيد الفطر، الذي يحل نهاية شهر رمضان، مثل اللحوم التي يتم تناولها والتبرع بها أثناء العيد كأحد الشعائر الدينية للعيد.
إضافة إلى تكاليف الاحتفال المتزايدة خلال شهر رمضان، فإن العائلات غالباً ما تقوم بترتيب حفلات الزفاف بين عيد الفطر وعيد الأضحى، الذي يأتي بعد حوالي شهرين؛ فهذه فترة الإجازة الصيفية وحفلات الزفاف أكثر تواتراً خلال هذه الفترة من أي وقت آخر من العام، تليها تكاليف إضافية للأطفال الذين يبدؤون سنة دراسية جديدة بعد عيد الأضحى. كل هذا يعني أن شهر رمضان والأشهر الثلاثة التالية مجتمعة يمثلان قدرا كبيرا من النفقات الإضافية للعديد من الأسر المسلمة. لا تهدأ هذه الضغوط في البلدان التي تعاني من أزمات اقتصادية حادة، مثل اليمن.
بالنسبة لليمنيين، تأتي الضغوط المتزايدة لتغطية تكاليف الشعائر الدينية والعادات الاجتماعية في وقت يهدد فيه الاقتصادُ المتدهور في البلاد بقتل أشخاص أكثر من الحرب. إن تدهور الريال اليمني، وندرة الوقود، وارتفاع تكلفة التأمين على الشحن، كلها عوامل أدت إلى زيادة لا يمكن السيطرة عليها في أسعار السلع الأساسية، فما بالك بأسعار ملابس العيد واللحوم أو تكلفة تأثيث المنزل. هذه الضغوط الاقتصادية التي لا تُطاق منتشرة في جميع أنحاء اليمن الغير منخرطة بالنزاع؛ اما الوضع في مناطق النزاع النشط فهو أكثر تعقيداً، نظراً لعدم وجود الأمن الغذائي بالأساس.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، أصبحت تكاليف الاحتفال برمضان تفرض تكاليف متزايدة مع انهيار الريال اليمني: كان الريال اليمني يتداول بسعر 340 مقابل الدولار في رمضان 2017، ثم بـ 491 في رمضان 2018، وخلال الربع الأول من عام 2019 وصل إلى حوالي 588. الريال اليمني تدهور أيضًا مقابل الريال السعودي، خلال شهر رمضان 2017، كان يتم تبادله بسعر 88 ريالاً يمنياً مقابل الريال السعودي، ثم بـ 131 العام التالي، وخلال الربع الأول من عام 2019 بلغ حوالي 156. عدم استقرار أسعار الصرف يجعل العديد من الموردين غير راغبين في الاستيراد؛ غالبا ما يؤدي ذلك إلى نفاد أنواع معينة من البضائع. وفقاً لرجال أعمال، انخفض تصدير المواد الغذائية من موانئ الإمارات العربية المتحدة إلى الموانئ اليمنية بنسبة 30-40 ٪ خلال عام 2017 مقارنة بعام 2016. ووفقاً لمكتب التجارة والصناعة في محافظة حضرموت، فقد انخفضت واردات الدقيق إلى ميناء المكلا خلال شهر رمضان في عام 2018 بنحو 1400 طن مقارنة بالواردات خلال نفس الفترة من عام 2017. وأدى ذلك إلى نفاد سريع للدقيق، وغيرها من المواد مثل الأرز، من بعض المتاجر الكبيرة خلال شهر رمضان وبعده.
كما أدى تدهور الريال اليمني، إلى جانب عوامل أخرى، إلى زيادة في أسعار السلع والخدمات المتاحة. كان سعر الدقيق (كيس 10 كجم) 1500 ريال في رمضان 2017، وارتفع إلى 2000 ريال في العام التالي، ثم ارتفع الى حوالي 2500 خلال الربع الأول من عام 2019. وارتفع سعر الأرز (كيس 40 كجم) من 15200 إلى 22200 إلى 31131 في رمضان 2017، 2018 وأخيرا خلال الربع الأول من عام 2019 على التوالي. كما ارتفعت الأسعار أكثر من المتوسط في بعض المحافظات.
على الرغم من أن ارتفاع الأسعار يشكل مصدر قلق، إلا أن نقص الوقود وغاز الطهي، إلى جانب انقطاع التيار الكهربائي، يشكلان مصدر قلق كبير للسكان، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة خلال شهر رمضان بما يجعل الصوم لا يُطاق. أصبح من الشائع رؤية طوابير طويلة من الناس أمام محطات الوقود أو محلات بيع غاز الطهي في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق المحررة. يصبح هذا المشهد أكثر دراماتيكية خلال شهر رمضان.
حتى مع انهيار الاقتصاد اليمني بشكل عام، فإن اقتصاد الحرب والفساد يزدهران من خلال ممارسات كل من المتمردين الحوثيين والحكومة الشرعية.
في نهاية العام الماضي، دعا برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إلى وضع حد فوري للتلاعب بتوزيع مساعدات الإغاثة الإنسانية في اليمن بعد الكشف عن أدلة على هذه الممارسات في العاصمة اليمنية صنعاء وأجزاء أخرى من البلد تحت سيطرة أنصار الله ، المعروف أيضًا باسم الحوثيين. حيث تم اكتشاف تقديم بعض المساعدات الغذائية لغير مستحقيها، كما يتم بيعها في بعض الحالات في صنعاء.
اُتهمت سلطات صنعاء بمثل هذا السلوك حتى قبل الحرب. على سبيل المثال، يؤكد شهود عيان بيع المساعدات التي تم تقديمها إلى ضحايا كارثة السيول في حضرموت جنوب شرق اليمن في أسواق صنعاء في عام 2008.
سيطرة الحوثيين على موارد الدولة زادت من التحديات الاقتصادية التي يواجها اليمنيون. وفقًا لتقرير للأمم المتحدة في عام 2018 ، قد يكون ما لا يقل عن 407 مليار ريال يمني تحت سيطرة الحوثيين نتيجة تحصيلهم الدوري لعائدات الشركات ورسوم الترخيص المطبّقة على الاتصالات والتبغ والسلع والخدمات الأخرى. بالإضافة إلى عائدات واردات الوقود من مدينة الحديدة الساحلية الغربية، كما يبيع الحوثيون الوقود في السوق السوداء في مناطق سيطرتهم بعد تلقيها كدعم مُحتمل من إيران. من المُحتمل أن تدخل الأرباح الناتجة عن هذه العمليات المشبوهة في جيوب بعض الأفراد الذين هم على قائمة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2140، الذي يحظر تقديم الدعم للأفراد والكيانات التي تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن.
يقوم الحوثيون أيضاً بتحصيل رسوم جُمركية إضافية عند نقاط التفتيش الداخلية في بعض المناطق مثل محافظة البيضاء ومديرية أرحب في شمال صنعاء ومحافظة ذمار. تشير بعض المصادر إلى أن آخرين مِن غير الحوثيين يستفيدون من نظام الجمارك والضرائب الذي أنشأه الحوثيون لتحقيق مكاسبهم الشخصية.
تشمل أنشطة الفساد واقتصاد الحرب بين الأفراد والكيانات في الحكومة الشرعية الفسادَ واحتمالية تحويل الأموال العامة المخصصة أصلاً لإنتاج الكهرباء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في عدن ولحج وأبين. بالإضافة إلى التباين الكبير بين حجم الوقود المذكور في مستندات المناقصة وكمية الوقود الموجهة لاحقًا إلى محطات توليد الطاقة في عام 2017. وتشمل مظاهر الفساد الأخرى المذكورة في تقرير الأمم المتحدة التلاعب بحصص الإعاشة للعسكريين.
على الرغم من كآبة الوضع الاقتصادي في معظم أنحاء اليمن، فإن الاقتصادات المحلية في بعض المحافظات تبدو أقل تأثراً نسبياً. فسيطرة الحكومة الشرعية ضعيفة للغاية في مأرب، إحدى المناطق المنتجة للنفط في اليمن؛ وقد أدى ذلك إلى تنامي قوة السُلطة المحلية في المحافظة. يرفض فرع البنك المركزي في مأرب تقديم أي من احتياطاته إلى البنك المركزي اليمني في عدن ويعمل بشكل مستقل عنه. الفرع غير مستعد للإفصاح عن أرقام الإيرادات والنفقات المحلية.
ومع ذلك، فإن حكم مأرب المحلي القوي واحتياطيات النفط لهما تأثير إيجابي على توفّر الوقود. فعلى الرغم من أن كلاهما يخضع لسيطرة الحكومة الشرعية، إلا أنه يمكن شراء لتر من البنزين في مأرب مقابل 175 ريال فقط، بينما سعر اللتر في حضرموت هو 300 ريال، أي ضعف السعر تقريباً. يمكن شراء غاز الطهي مقابل حوالي 1500 ريال في مأرب، في حين يبلغ سعره في حضرموت 2000 ريال.
أدى الابتعادُ عن الصراع مع الحوثيين والحدُ من سيطرة الحكومة إلى وضع اقتصادي أكثر ازدهاراً في مأرب وحولته إلى وجهة للفرار من مناطق النزاع، إلى جانب اليمنيين الذين عادوا من المملكة العربية السعودية بعد فرض قوانين إقامة وعمل معقّدةٌ هناك خلال عامي 2017 و 2018. جلب هؤلاء المهاجرون بعض رؤوس أموالهم، مما أدى إلى زيادة في المشاريع الاستثمارية. علاوة على ذلك، فإن السلطة المحلية، التي تتمتع بسلطات واسعة، تمهّد العديد من الشوارع الجديدة، وتطوّر قطاعي الصحة والتعليم في المنطقة، وتشجّع الاستثمار المحلي، وكل ذلك يؤدي إلى زيادة جودة حياة مواطنيها.
ومع ذلك، فإن مأرب هي الاستثناء وليست القاعدة. حيث ارتفع إجمالي الفقر في اليمن إلى 71-78 في المائة من إجمالي السكان، وفَقَدَ أكثرُ من 40 في المائة من الأسر مصدرَ دخلها الأساسي وهي تجدُ صعوبة متزايدة في شراء الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية. ولكن هناك بعض التقارير المتفائلة بشأن مستقبل اليمن الاقتصادي، وهي تشير إلى أن الاقتصاد اليمني سوف ينمو لأول مرة منذ ست سنوات في الرُبعين الاخيرين من عام 2019 بمعدل 2.9 ٪. ومع ذلك، فإن هذه المكاسب المُحتملة على المدى الطويل لن تفعل شيئاً لمساعدة اليمنيين على الاستعداد لشهر رمضان وعيد الفطر وعيد الاضحى هذا العام، وستكون هذه المناسبات أكثر تكلفة من سابقاتها أثناء تخطيها للتحديات الاقتصادية اليومية داخل اليمن.