- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
قمة النقب "2"... معادلة الجيوبوليتيك الإقليمية
بعد شهور من التأخير، أفادت التقارير أن كلا من مسؤولي الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية اقترحوا عقد قمة النقب "2" في الخامس والعشرين حزيران /يونيو القادم.
ملاحظة المحرر: منذ نشر هذا المقال، تم تأجيل قمة النقب للمرة الرابعة، ومن المتوقع الآن أن تنعقد القمة في شهر تموز/ يوليو 2023.
كان وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين قد أعلن في وقت سابق أن "المغرب سيستضيف "قمة النقب الثانية" في آذار /مارس 2023، لمتابعة مخرجات القمة الافتتاحية التي عقدت قبل عام. شكلت قمة النقب الأولى- التي تعتبر أحد مخرجات اتفاقات إبراهام- نقطة تحول في العلاقات بين إسرائيل والدول الموقعة على تلك الاتفاقات. وبشكل عام، يهدف المنتدى إلى تعزيز العلاقات بين الدول الموقعة على اتفاقية إبرهام، وتوثيق التعاون بين المغرب والإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل، ومصر، والبحرين.
جاء التأخير في عقد القمة الثانية جزئيًا نتيجة تخوفات المغرب من الاضطرابات السياسية والاحتجاجات التي اندلعت في إسرائيل، إلى جانب تصاعد أعمال العنف في أعقاب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية - مما أدى إلى ظهور بعض ردود الأفعال الداخلية في المغرب نفسها. ومع ذلك، يبدو أن المغرب مستعد للمضي قدمًا في عقد المؤتمر وذلك في ظل هدوء الوضع في إسرائيل / فلسطين إلى حد ما، علاوة على المصالح العملية للمغرب التي يأمل في تعزيزها في هذا الحدث.
تعزيز المكانة الإقليمية المغرب
كونه أحد الموقعين على اتفاقية أبراهام للسلام، يحاول المغرب جاهدا الحفاظ على خطابه السياسي في ما يتعلق بأهمية حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين. كما يحرص على إشراك الأردن أو السلطة الفلسطينية في فاعليات منتدى النقب وطرح نفسه كوسيط، وذلك في وقت عقدت فيه الجزائر عدة اجتماعات عامة مع القيادة الفلسطينية، بما في ذلك اتفاق المصالحة في أكتوبر 2022 بين مختلف الفصائل.
ومع ذلك، يأمل المغرب خلال القمة المقبلة في تعزيز علاقاته الاقتصادية والتجارية والأمنية الثنائية مع إسرائيل، وذلك بهدف الإبقاء على دعم الولايات المتحدة الأمريكية له في صراعه مع الجزائر حول قضية الصحراء الغربية، وتعزيز نفوذه في المنطقة للحفاظ على نفوذه في شرق إفريقيا وعلى مستوى القارة الأفريقية عموماً، وذلك في ضوء سعيه الهادف للعب دور الزعامة هناك.
ومن الجدير بالذكر أن القمة سنتعقد في مدينة الداخلة الواقعة في الصحراء الغربية، حيث سيمكن ذلك المغرب من إرسال رسالة واضحة تتعلق بموافقة أعضاء القمة، وخاصة إسرائيل، على إجراء المحادثات هناك. وبالطبع يعكس ذلك نجاح المغرب في تحقيق الهدف الذي كان يرنو إليه منذ عقود وهو الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية.
تشكيل محور إقليمي لمواجهة التهديدات الإيرانية
المغرب وشركائه في قمة النقب "2"، قلقون بشكل خاص من التهديد الذي تشكله إيران، ففي حين سعت بعض الدول الخليجية مؤخرًا إلى تهدئة التوترات من خلال زيادة التواصل مع إيران، إلا أن طهران لا تزال تشكل تهديدًا نشطًا في المجالات التي تهم المغرب. ويذكر أن المغرب قد قطع علاقاته مع إيران في عام 2009 ومرة أخرى في عام 2018، عندما اتهم الملك محمد السادس إيران وحزب الله اللبناني، بتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لجبهة البوليساريو، التي تعارض سيطرة المغرب على الصحراء الغربية. كما أن إيران تقيم علاقات مع الجزائر، خصم المغرب.
أثار نشاط إيران المزعوم في منطقة الساحل الأفريقي، التي تُعتبر منطقة استراتيجية مهمة في البعد الأفريقي للسياسة المغربية الخارجية، مخاوف كبيرة بالنسبة للمغرب وإسرائيل على وجه الخصوص. ورغم محدودية المعلومات المتاحة للجمهور، أفادت التقارير أن فيلق القدس الإيراني وقوات حزب الله المدعومة من قبل إيران حاولت إيجاد موطئ قدم لها في منطقة الساحل، حيث تقوم تلك المجموعات بتجنيد الجماعات الشيعية في نيجيريا وغانا والسنغال ووسط وشرق إفريقيا. في شهر شباط/ فبراير، أعربت إسرائيل عن تحذيرات مماثلة بشأن النشاط الإيراني في تشاد. علاوة على ذلك، لطالما كان المغرب قلقًا بشأن الدعم الإيراني الواضح لجبهة البوليساريو في الصحراء الغربية، وهو اتهام قامت على خلفيته الرباط بقطع علاقاتها مع طهران في عام 2018.
شكل القمة المرتقبة
وبما أنه قد تم تحديد موعد لعقد قمة النقب "2"، قد تستمر الاحتجاجات الإسرائيلية في التأثير على مسار التعاون الإقليمي بين إسرائيل والأطراف الموقعة على اتفاقيات إبراهام، لا سيما في مجالات التعاون الاقتصادي والأمني. ومن الجدير بالذكر أن ظهور انقسامات في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، تجاه التعديلات القضائية والقانونية، تشكل مصدر قلق للمغرب، وذلك بالنظر إلى العلاقات العسكرية المتنامية بين الدولتين.
تراقب الأطراف الموقعة على اتفاقيات إبراهيم الأحداث الجارية في إسرائيل عن كثب، خاصة في ظل المخاوف المستمرة من حالة عدم الاستقرار الداخلي، ففي حين يحاول نتنياهو توسيع مسار التعاون مع الدول العربية، اتبعت بعض الأطراف الموقعة على اتفاقات إبراهام سياسة حذرة في التعامل مع الحكومة الحالية، واستمر هذا الوضع خلال الأشهر القليلة الماضية.
ومع ذلك، قد تعيد قمة النقب "2" تنشيط الجانب العام لهذا الحوار، وبينما سيحاول كل طرف من الأطراف المشاركة في المنتدى تعزيز مصالحه الاستراتيجية والأمنية، فإن دور المغرب كمضيف للقمة، وطرف محوري فيها، سيسلط الضوء بشكل خاص على ما تأمل الرباط في تحقيقه من خلال هذه القمة.