- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
قرار الجزائر قطع علاقاتها مع المغرب يعتبر تحصيل حاصل
يأتي قرار الجزائر بقطع العلاقات مع المغرب في أعقاب الرسالة التصالحية التي جاءت من قبل ملك المغرب وبعد النجاحات الدبلوماسية الإقليمية الأخيرة التي حققها المغرب.
أعلن وزير الخارجية الجزائري يوم 24 أغسطس قرار بلاده قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب. وجاءت هذه الخطوة بعد خمسة أيام فقط من قرار المجلس الأعلى للأمن الجزائري إعادة النظر في علاقاته الدبلوماسية مع جاره المغرب.
وبرر وزير الخارجية رمطان لعمامرة القرار، مرددا ما طرحه المجلس، باتهام المغرب بـ"دعم" المنظمات الإرهابية التي تسببت في حرائق الغابات التي اندلعت مؤخرا في الجزائر. كما اتهم الحكومة المغربية بالتواطؤ مع "الكيان الصهيوني" لزعزعة استقرار الجزائر باتخاذه قرار تجديد علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل. الأكثر من ذلك أن لعمامرة قد عبر عن إحباط بلاده من النكسة الدبلوماسية الحاسمة التي ألحقتها بها الرباط حينما اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
العلاقات المغربية-الجزائرية بعيون مغربية
يعتبر الشارع المغربي أن هذا الحدث يعتبر بمثابة حلقة جديدة في سجل تاريخي جزائري حافل بالعداء تجاه المغرب من أجل تغيير أنظار الشعب الجزائري عن المشاكل الداخلية وتعزيز الحس الوطني. وبالتالي، فلم يكن قرار قطع العلاقات ولا ومزاعم "المؤامرة" المغربية لتقويض الجزائر أمراً مفاجئا. ولعل ما يثير الانتباه هو أن قرار الجزائر تصعيد التوتر جاء بعد شهر واحد فقط من دعوة الملك محمد السادس إلى مصالحة جزائرية-مغربية حقيقية في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة عيد العرش-وهو خطاب سنوي يستعرض فيه الملك آخر التطورات على المستويين الداخلي والخارجي ويصدر إعلانات مهمة. وقد استحسن الإعلام المغربي لهجة الملك الودية وحرصه على وضع خلافات وترسبات الماضي جانباً لتدشين عهد جديد في العلاقات الثنائية مبني على حسن الجوار والحوار والثقة.
وقد ركز الخطاب الملكي بشكل كبير على حاجة الجزائر والمغرب للعمل معًا لمواجهة تحدياتهما الاقتصادية والأمنية المشتركة. أسبوعين فقط بعد ذلك، وعندما اجتاحت حرائق الغابات معظم شمال الجزائر، أوفى الملك محمد السادس بتعهده بالعمل سوياً من أجل مواجهة التحديات المشتركة من خلال إصداره تعليمات لحكومته بتخصيص طائرتين لمكافحة الحرائق وفريق إغاثة من الكوارث للتنقل لإنقاذ الجزائر.
ومع ذلك، رفضت الجزائر العرض الذي قدمه المغرب، وفضلت بدلاً من ذلك أن استئجار طائرات إخماد الحرائق من فرنسا وإسبانيا. وصعَّدَ الإعلام والطبقة المثقفة على حد سواء في الجزائر من هجومهم على المغرب بعد دعوة الملك الجزائر للحوار، مشككين بذلك في نواياه المعلنة. وعرفت الأيام التي أعقبت خطاب الملك غزارة في التقارير الإخبارية والافتتاحيات التي اتهمت المغرب بالضلوع في الكثير من أحداث التي وقعت في الجزائر في الأشهر الماضية - بدءا من حرائق الغابات إلى تزايد ضغط المنظمات المعادية للحكومة في الجزائر. بل الأكثر من ذلك، أن وسائل الإعلام والقادة السياسيين في الجزائر روجوا بشكل غير مسبوق لادعاء مفاده أن المغرب تواطأ مع "الكيان الصهيوني" وحركة تقرير المصير في منطقة القبائل بهدف زعزعة استقرار الجزائر.
وقد مهدت هذه الأحداث الطريق أمام اتهام الجزائر للمغرب بالضلوع وراء الحرائق، ومن تم قرارها اللاحق بقطع العلاقات بين البلدين. بيد أن ظاهرة الحرائق شائعة الحدوث في غابات منطقة تيزي وزو، حيث أورد أحد السكان بأنها تحدث "كل عام". وإن السرعة التي خلص بها النظام الجزائري إلى أن نشطاء من القبائل تسببوا في الحرائر- مدعية بشكل غير مقنع أن المغرب كان وراء هذه الحرائق وأن الجناة المزعومين كانوا يتأهبون للفرار إلى المغرب- توحي أن الجزائر استعملت هذه الورقة كذريعة للتصدي للضغوطات الدبلوماسية التي تواجهها. في ظل ظروف عادية، من المفترض أن تستغرق تحقيقات في حرائق من هذا الحجم عدة أسابيع أو حتى أشهر قبل أن تتمكن السلطات المختصة من تحديد أسبابها الحقيقية على وجه اليقين.
بناءً على ذلك، فإن قرار الجزائر بقطع العلاقات مع المغرب واتهامه بتدبير مؤامرة ضد مصالحها ما هو إلا نتاج لعملية بدأت منذ تسعة أشهر.
تحويل الأنظار عن المشاكل الداخلية
إن الدافع الرئيسي وراء قرار الجزائر هو التطورات الأخيرة التي عرفها المغرب وإنجازاته الدبلوماسية، بالإضافة إلى التحدي الوجودي الذي تواجهه النخبة الحاكمة بسبب استمرار غليان الشارع الجزائري وسعيه للتخلص من قبضتها. وبما أن النظام الجزائري قد استنفذ كل أوراقه الاستراتيجية لمواجهة التقدم الدبلوماسي المغربي المتزايد، فقد لجأ إلى اتخاذ قرارات من شأنها إلى تشتيت انتباه الرأي العام الجزائري وتعبئته ضد "عدو" أجنبي مشترك.
ومن المؤكد أن قرار الجزائر بقطع العلاقات مع المغرب لا يعتبراً حدثاً مفاجئاً، إذ أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين كان مجمدة لمعظم السنوات الـ 27 الماضية، وظلت الحدود مغلقة بين البلدين منذ سنة 1994. وبالرغم من دعوات المغرب المتكررة لفتح الحدود منذ سنة 2005، إلا أن الجزائر رفضت ذلك مرارا وتكرارا وقامت ببناء حائط وخندق عرضه خمسة أمتار على طول الحدود. ونتيجة لذلك، فإن التعاون بين البلدين غير موجود، حيث لم يكن هناك تبادل للزيارات الرسمية رفيعة المستوى منذ سنة 2012. ومع ذلك، فقد وصف الإعلام المغربي قرار الجزائر الأخير على أنه "عبثي وغير مبرر" ومحاولة يائسة من قبل النخبة الحاكمة الجزائرية للتغطية على فشلها في مواجهة تحدياتها الداخلية وتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب الجزائري.
وإن مع يعزز هذا الطرح هو النجاحين الدبلوماسيين اللذان حققهما المغرب. وقد شكل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء انتكاسة بالنسبة للجزائر. الأكثر من ذلك أن هذا الاعتراف جاء بعد أقل من شهر من أحداث الكركرات في 13 نوفمبر 2020، عندما أجلت القوات المغربية عناصر البوليزاريو المسلحة التي كانت تعرقل حركة النقل الدولي للبضائع بين جنوب المغرب وموريتانيا وجزء كبير من أفريقيا جنوب الصحراء.
وبالتالي، فقد عانت الجزائر في أقل من شهر من انتكاستين دبلوماسيتين كبيرتين أدتا إلى تغيير كبير في موازين القوى الإقليمية لصالح المغرب، خاصة فيما يتعلق بنزاع الصحراء. ومن المرجح أن اتخاذ الجزائر لقرار قطع علاقاتها مع المغرب جاء عندما أصبح واضحًا أن إدارة بايدن لن تلغي قرار الإدارة الأمريكية السابقة بشأن النزاع حول الصحراء.
وفي حقيقة الأمر، اتخذت الجزائر منذ ذلك الحين عددا من الخطوات العدائية التي تهدف إلى استفزاز المملكة وجرها إلى مواجهة مفتوحة. وكانت الحملة المسعورة لوسائل الإعلام الجزائرية على ملك المغرب وطرد فلاحين مغاربة من واحات العرجة في شهر مارس المنصرم من بين الوسائل التي حاولت بها الجزائر استنفاذ صبر المغرب.
كما هاجمت الجزائر المغرب بعدما قرر استئناف علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل بينما التزمت الصمت الصارخ بشأن اتخاذ الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان لنفس القرار. ونظرًا لأن الجزائر انتقدت المغرب حد الهوس على تجديد علاقاته مع إسرائيل ولم توجه انتقادها نحو البحرين، أو مصر، أو السودان، أو الأردن، أو الإمارات العربية المتحدة، فيظهر أن النجاحات الدبلوماسية الحاسمة التي حققها المغرب بخصوص نزاع الصحراء هي السبب الرئيسي الذي أثار غضب الدولة الجزائرية.
عرض للحوار
في هذا السياق المشحون، توقع النظام الجزائري أن تكون لغة الملك محمد السادس عدوانية في خطابه بمناسبة عيد العرش، خاصة بعد الرسالة التي وجهها عمر هلال، المبعوث الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، إلى الأمين العام لحركة عدم الانحياز.
وقال هلال في رسالته، التي جاءت كرد على تحرش الجزائر بالوحدة الترابية للمغرب، أن الحكومة الجزائرية تعتمد سياسة الازدواجية عندما يتعلق الأمر بمسألة تقرير المصير، حيث أوضح أن الجزائر تدافع بشراسة عن حق ما تمسية حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير بينما تحرم 11 مليون من منطقة القبائل، وهي منطقة أمازيغية، من نفس الحقوق التي تدافع عنها في الصحراء.
نظرًا لقوة هذه الرسالة ورد الفعل الإعلامي الجزائري الغاضب، توقع العديد من الجزائريين والمغاربة على حد سواء أن يكون الرد المغربي مماثلاً. إلا أن الملك محمد السادس اختار عوض ذلك تعزيز الحوار وحث القادة الجزائريين على تجاوز الجمود القائم منذ عقود بين البلدين "التوأمين" وإرساء أسس اتحاد مغاربي حقيقي.
ويبدو أن هذه النبرة قد فاجأت النظام الجزائري وأخذته على حين غرة، خاصة وأن كلمات الملك التصالحية تتناقض بشكل كلي مع الرواية التي رسخها النظام الجزائري عن المغرب على مدى العقود الستة الماضية - مما قد تسبب في حرج كبير لهذا النظام أمام الرأي العام. ففي الوقت التي يقدم النظام الجزائر المغرب على أنه فزاعة وأن إحدى أهداف المغرب هي تقويض المصالح الاستراتيجية للجزائر، فقد حمل خطاب الملك خطابا ً مختلفا وأكد أن المغرب على استعداد لتجاوز خلافات الماضي ودعا إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وتحقيق ازدهار مشترك.
وشكلت النبرة التي استعملها الملك والتوقيت الذي جاء فيه الخطاب تطوراً غير مرحب به ونُظر له على أنه يشكل تهديدا للجزائر، خاصة أنها تعيش أزمة سياسية خطيرة، حيث لا زال النظام الجزائري يواجه ضغوطات الحراك الشعبي الذي كشف عن فقدان الطبقة الحاكمة للشرعية الشعبية. ولعل ما فاقم الغضب الشعبي هو الأزمة الاقتصادية التي استمرت لعقد من الزمن والتي عان منها الشعب الجزائري علاوة على مأساة أزمة فيروس كورونا ومستوى التضخم الكبير وتبذير عائدات الهيدروكربونات وانخفاض قيمة الدينار الجزائري. إن الحكومة الجزائرية غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب الجزائري الذي سئم من عجزه وعدم قدرته على تغيير أوضاعه في ظل تواجد نفس الطبقة الحاكمة التي اختطفت حاضر البلاد ومستقبلها.
وبالتالي، فبالنسبة لنظام اعتمدت فلسفته وشرعيته السياسية على شيطنة المغرب، فإن قبول عرض هذا الأخير للحوار والمصالحة سيحرمه من ورقة المفضلة لصرف نظر الشارع عن الجزائري عن مشاكله الداخلية. فمن الحقائق المؤكدة أن عند مواجهة الأنظمة للاستياء الشعبي المتزايد وتراجع شرعيتها فإنها تخلق "عدوًا للأمة"- عادةً ما يكون حكومة أجنبية- لتحويل انتباه الرأي العام عن فشلها في الحكم.
لذلك، فإن رد الصحافة الجزائرية على عرض المصالحة في الأيام التي تلت خطاب الملك محمد السادس والاتهامات التي وجهتها للمغرب "بالخيانة" كان مؤشراً على نوعية الرد الجزائري. وإن توقيت قرار الجزائر بقطع علاقاتها مع المغرب واستنكارها الشديد اللهجة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل يوحي بأن التقدم الذي أحرزه المغرب في قضية الصحراء ساهم في اتخاذ الجزائر لهذا القرار.
وبفعلها ذلك، ربما تكون الجزائر قد أطلقت النار على نفسها من خلال جعل الصراع المغربي الجزائري يتصدر عناوين الصحافة العالمية. فمن المؤكد أن موجة التوتر الجديدة هذه بين البلدين ستدفع الكثيرين في المجتمع الدولي إلى التعمق أكثر في الأسباب الكامنة وراء التطورات الأخيرة في العلاقات بين البلدين.
وفى حين يقدم النظام الجزائري نفسه على أنه مدافع عن الصحراويين والفلسطينيين، فإن توقيت قراره بقطع العلاقات وتعامله مع لمنطقة القبائل يوضح دوافعه الحقيقية غير المعلنة.
إن ما تسعى إليه الجزائر من خلال هذا القرار هو بسط هيمنتها بلا منازع في شمال إفريقيا، الأمر الذي يستلزم وصولاً غير مقيد إلى المحيط الأطلسي في جنوب المغرب ووجودًا وازنا في الجغرافيا السياسية الإفريقية. إلا أن ذلك سيتطلب مجاراة ومحاكاة العمق الاستراتيجي الذي حققه المغرب في إفريقيا والسعي إلى تقويض نجاحاته بشكل تام.