- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
قوات فاغنر في سوريا واستغلال الدول الفاشلة لتحقيق أرباح
رغم الخلاف الدائر بين مجموعة فاغنر والحكومة الروسية، فمن غير المرجح أن يتغير التدخل الاقتصادي والعسكري الراسخ لقوات فاغنر في سوريا قريبًا.
في 24 حزيران/يونيو، أعلنت قوات "فاغنر" العسكرية الخاصة، والتي لعبت الدور الأكبر في الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، تمردا مسلحا استولت من خلاله على مقر قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية في مدينة روستوف، وأقامت الحواجز على مداخل ومخارج المدينة، وهددت بعدها بالتقدم نحو موسكو، لإسقاط القيادة العسكرية في وزارة الدفاع.
ولذلك تبدو المواقف الرسمية الروسية اليوم مرتبكة ومتناقضة، فقبل أيام أعلنت الحكومة الروسية عن مداهمة قصر بريغوجين في سانت بطرسبرغ وقام التلفزيون الحكومي بتصوير أموال وذهب تمّت مصادرتها منه، في محاولة للتقليل من شعبيته داخل روسيا، وبعد بضعة أيام تم الإعلان عن أن بوتين قد استقبل قادة فاغنر بما فيهم بريغوجين نفسه بعد أيام من التمرد وأنهم أكّدوا على ولائهم له. ويبقى السؤال الأهم، هل ستتابع هذه الشركة عملها مع بريغوجين أم بدونه وهل سيكون أداءها بنفس الفعّالية في حال غياب مؤسّسها لسبب ما أو آخر. بالنظر إلى الوجود الكبير لقوات فاغنر في البلاد والدور الهائل الذي تقوم به، يظل هذا السؤال بشكل خاص عالقا في أذهان السوريين.
خلال العقد الأخير، توسّعت شركة فاغنر وتحوّلت من مجموعة مرتزقة يرتدون ثياباً عسكرية خضراء تستخدمهم وزارة الدفاع أو المخابرات الروسية لتنفيذ أعمال لا تريد الحكومة الروسية الاعتراف بمسؤوليتها عنها، إلى شركة كبيرة لديها عشرات آلاف المقاتلين ولها نشاطات واستثمارات اقتصادية واسعة ومتنوّعة عبر العالم. ومن ثم، فإن تسليط الضوء على طريقة عمل شركة فاغنر في سوريا قد يُساعد بشكل كبير في فهم المستقبل المحتمل لهذه المجموعة هناك، حتى مع عودة التفاوض بشأن دور هذه المجموعة في روسيا.
على الرغم من أن مجموعة فاغنر كانت نشطة في الماضي في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، كانت سوريا أول تدخّل لهذه المجموعة خارج هذا المجال، وذلك نتيجة حاجة بوتين لمقاتلين على الأرض بعد أن تعهّد في اجتماع لمجلس الدوما في سبتمبر 2015 عندما أعلن عن تدخّله في سوريا، "أن روسيا لا تنوي حشر نفسها في النزاع السوري وأن تدخّلها سيقتصر على سلاح الجو دون المُشاركة في العمليات البريّة"، وبما أنه من الصعب على سلاح الجو لوحدة إحداث تغيير جوهري في ميزان القوى خاصة أن قوات النظام السوري كانت مُنهكة وعلى وشك الانهيار فقد إخطار بوتين مجموعة فاغنر لتكون رأس حربة في بعض العمليات البرّية الضرورية.
وتأكّد ذلك في شهادات بعض عناصر فاغنر ومنهم شخص يُدعى مارات جابيدولين الذي تحدث عن معركة تدمر الأولى في أوائل عام 2016 قائلاً أن مقاتلي فاغنر كانوا في المقدّمة وبعدهم كان الجيش الروسي وفي الأخير كان يأتي "العرب" وكاميرات التصوير، وكان يقصد بالعرب الجيش السوري "حتى يظهر للعالم وكأنّ وحدات سورية وليس قوات مجموعتنا من يُقاتل داعش"، وتابع أن مستشفيات حميميم وروسيا امتلأت وقتها بجرحى فاغنر حتى أن الأطباء الروس تساءلوا من يقاتل هناك الجيش أم الشركات الخاصّة.
كما سلّط في مقابلته الضوء على ما تقوم به المجموعة من فظائع مثل ضرب أجساد الهاربين من القتال من الجنود السوريين بمطرقة ثقيلة وقطع رؤوسهم وتصوير ذلك ونشره حتى يتم ترهيب الآخرين، ويبدو أن هذا الاسلوب قد بقي معتمداً عند مجموعة فاغنر فقد ذكرت تقارير صحفية أنها استعملته خلال معركة باخموت الطويلة في شرق أوكرانيا.
كما تأكّد دور فاغنر الرئيسي في الحرب السورية عند مقارنة عدد قتلى هذه المجموعة مع قتلى الجيش الروسي في وثيقة حصلت عليها وكالة رويترز كُتب فيها أن 131 مدنياً روسياً قُتلوا في سوريا خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2017 وبعدها أجرت رويترز مقابلات مع أصدقاء وعائلات بعض هؤلاء القتلى وتبيّن أنهم مُتعاقدون عسكريون يقاتلون في سوريا، في حين كان العدد الرسمي للقتلى العسكريين خلال نفس الفترة 16 فقط، رغم أن هذا الرقم قد لا يكون دقيقاً لوجود شكوك في مصداقيّة البيانات العسكرية الروسية نتيجة أمر صدر من بوتين قبل التدخّل في سوريا باعتبار خسائر الجيش الروسي سر عسكري يُحظّر الإعلان عنه.
ولعل التحول الأكثر أهمية الذي طرأ على فاغنر في سوريا كان دخولها المجال الاقتصادي، فقد اشترطت هذه المجموعة على الحكومة السورية أن تأخذ نسبة 25 في المئة من إنتاج حقول الغاز والنفط ومناجم الفوسفات التي تقوم بتحريرها ثم تتولّى حمايتها، وكان ما يتبقّى من عائدات هذه الحقول تتقاسمه شركات روسية مع الحكومة السورية، وهنا تعلّمت فاغنر أنه بالإمكان الاستفادة اقتصاديا ومالياً من الدول الفاشلة أو التي تشهد صراعات داخلية أو حروب أهلية من خلال عقد صفقات مع قادة محليّين فاسدين.
واستخدمت فاغنر خبرتها هذه في إبرام عقود استثمار طويلة الأجل مع قادة ميليشيات في أفريقيا بحيث توسّعت استثمارات هذه الشركة لتشمل بالإضافة إلى البترول والغاز والفوسفات الذهب والماس، وأصبح لعملها العسكري عائد مالي مجزي يقدّر بمليارات الدولارات، مما تطلّب إنشاء عشرات الشركات والتداخلات المالية التي تعلمت فاغنر كيفية استخدامها للالتفاف على العقوبات الدولية بالتعاون مع شبكة عالمية من محامي الشركات المختصين في مثل هذه القضايا.
وتوسّع نشاط فاغنر بشكل خاص في سوريا نتيجة وجود قواعد عسكرية روسية جوية وبحرية وأصبحت سوريا قاعدة لوجيستية متقدّمة لنشاط الشركة العالمي. كما كان من نتائج هذا الوجود المزدوج تداخل عناصر فاغنر مع جنود وموظفي الحكومة الروسية، ففي بعض المناطق تمّ إنشاء ما يشبه مستوطنات روسية خالصة مثل تلك الموجودة قرب مطار تدمر والتي يقيم فيها عناصر من فاغنر مع شرطة عسكرية روسية مع استشاريين وفنيين روس مختصين بالنفط والغاز من شركة إيفرو بوليس المملوكة لبريغوجين، في مُجمّع سكني واحد.
وساعد وجود قوات فاغتر بشكل كبير في سوريا في تجنيد مرتزقة سوريين استخدمتهم روسيا في بعض المهمات الخارجية مثل الذين تم إرسالهم قبل عدة سنوات إلى ليبيا، وذكرت شبكة "آي تي في" البريطانية أن تمرّد فاغنر الاخير قد أوقف صفقة كانت على وشك الانتهاء بين بريغوجين وبشار أسد لتجنيد عشرات آلاف المقاتلين السوريين ضمن شركة فاغنر لاستخدامهم داخل وخارج سوريا وقد اشترط الجانب السوري أن يبقى نصفهم داخل سوريا بينما يُرسل الباقي إلى أوكرانيا أو إفريقيا، أي استغلال الوضع الاقتصادي البائس للشباب السوريين لتجنيدهم وإرسالهم إلى "مفرمة اللحم" في بخموت. ولو تحقّق ذلك لتحوّلت سوريا إلى أكبر قاعدة لفاغنر في العالم، وقال التقرير أن نظام الأسد هدف من هذه الصفقة الحصول على ملايين الدولارات شهرياً بما يوحي بأن المُتعاقد السوري لن ينال مستحقّاته من شركة فاغنر مباشرةً، بل من شبكات مرتبطة بالنظام السوري التي ستأخذ من المتعاقد حصتها وتعطيه ما تبقى رغم أنه هو من يُخاطر بحياته.
ولعل من الأمور الغريبة أنه رغم وجود آلاف المقاتلين من مجموعة فاغنر في سوريا منذ عدة سنوات ورغم الدور الكبير الذي لعبوه عسكرياً ورغم العقود العديدة التي وقّعتها شركة فاغنر مع الحكومة السورية، كان الإعلام الرسمي في سوريا كان يتجنّب دائماً الحديث عنها، مثل الفيل في الغرفة الذي يدّعي الجميع أنهم لا يروه، بينما تولّت الأطراف المعارضة للنظام السوري مهمّة تسليط الضوء على الجرائم التي ارتكبتها هذه المجموعة بحق السوريين وعلى العقود المجحفة التي أبرمتها الحكومة السورية مع هذه المجموعة ومنحتها فيها نسبة كبيرة من عائدات مرافق اقتصادية حيوية، وهو ما يمثل ضرر بشكل خاص على بلد تعانى من مثل هذه الصراعات الاقتصادية الكبرى.
وليس من المبالغة القول أن حالة الصدمة والخوف التي أصابت بعض أركان النظام السوري من تمرد بريغوجين وزحف قواته نحو موسكو كانت أكبر من صدمة وخوف كثير من المسؤولين الروس، وظهر ذلك في تعليقات بعض الموالين للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي الذين هاجموا بريغوجين ووصفوه بالخائن ثم رحّبوا بالاتفاق الذي أنهى التمرد رغم قولهم إن مصير بريغوجين ومن معه أصبح محسوماً أي سيتم التخلّص منهم في الوقت المناسب.
في 24 حزيران/يونيو، أعلنت قوات "فاغنر" العسكرية الخاصة، والتي لعبت الدور الأكبر في الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، تمردا مسلحا استولت من خلاله على مقر قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية في مدينة روستوف، وأقامت الحواجز على مداخل ومخارج المدينة، وهددت بعدها بالتقدم نحو موسكو، لإسقاط القيادة العسكرية في وزارة الدفاع.
ولذلك تبدو المواقف الرسمية الروسية اليوم مرتبكة ومتناقضة، فقبل أيام أعلنت الحكومة الروسية عن مداهمة قصر بريغوجين في سانت بطرسبرغ وقام التلفزيون الحكومي بتصوير أموال وذهب تمّت مصادرتها منه، في محاولة للتقليل من شعبيته داخل روسيا، وبعد بضعة أيام تم الإعلان عن أن بوتين قد استقبل قادة فاغنر بما فيهم بريغوجين نفسه بعد أيام من التمرد وأنهم أكّدوا على ولائهم له. ويبقى السؤال الأهم، هل ستتابع هذه الشركة عملها مع بريغوجين أم بدونه وهل سيكون أداءها بنفس الفعّالية في حال غياب مؤسّسها لسبب ما أو آخر. بالنظر إلى الوجود الكبير لقوات فاغنر في البلاد والدور الهائل الذي تقوم به، يظل هذا السؤال بشكل خاص عالقا في أذهان السوريين.
خلال العقد الأخير، توسّعت شركة فاغنر وتحوّلت من مجموعة مرتزقة يرتدون ثياباً عسكرية خضراء تستخدمهم وزارة الدفاع أو المخابرات الروسية لتنفيذ أعمال لا تريد الحكومة الروسية الاعتراف بمسؤوليتها عنها، إلى شركة كبيرة لديها عشرات آلاف المقاتلين ولها نشاطات واستثمارات اقتصادية واسعة ومتنوّعة عبر العالم. ومن ثم، فإن تسليط الضوء على طريقة عمل شركة فاغنر في سوريا قد يُساعد بشكل كبير في فهم المستقبل المحتمل لهذه المجموعة هناك، حتى مع عودة التفاوض بشأن دور هذه المجموعة في روسيا.
على الرغم من أن مجموعة فاغنر كانت نشطة في الماضي في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، كانت سوريا أول تدخّل لهذه المجموعة خارج هذا المجال، وذلك نتيجة حاجة بوتين لمقاتلين على الأرض بعد أن تعهّد في اجتماع لمجلس الدوما في سبتمبر 2015 عندما أعلن عن تدخّله في سوريا، "أن روسيا لا تنوي حشر نفسها في النزاع السوري وأن تدخّلها سيقتصر على سلاح الجو دون المُشاركة في العمليات البريّة"، وبما أنه من الصعب على سلاح الجو لوحدة إحداث تغيير جوهري في ميزان القوى خاصة أن قوات النظام السوري كانت مُنهكة وعلى وشك الانهيار فقد إخطار بوتين مجموعة فاغنر لتكون رأس حربة في بعض العمليات البرّية الضرورية.
وتأكّد ذلك في شهادات بعض عناصر فاغنر ومنهم شخص يُدعى مارات جابيدولين الذي تحدث عن معركة تدمر الأولى في أوائل عام 2016 قائلاً أن مقاتلي فاغنر كانوا في المقدّمة وبعدهم كان الجيش الروسي وفي الأخير كان يأتي "العرب" وكاميرات التصوير، وكان يقصد بالعرب الجيش السوري "حتى يظهر للعالم وكأنّ وحدات سورية وليس قوات مجموعتنا من يُقاتل داعش"، وتابع أن مستشفيات حميميم وروسيا امتلأت وقتها بجرحى فاغنر حتى أن الأطباء الروس تساءلوا من يقاتل هناك الجيش أم الشركات الخاصّة.
كما سلّط في مقابلته الضوء على ما تقوم به المجموعة من فظائع مثل ضرب أجساد الهاربين من القتال من الجنود السوريين بمطرقة ثقيلة وقطع رؤوسهم وتصوير ذلك ونشره حتى يتم ترهيب الآخرين، ويبدو أن هذا الاسلوب قد بقي معتمداً عند مجموعة فاغنر فقد ذكرت تقارير صحفية أنها استعملته خلال معركة باخموت الطويلة في شرق أوكرانيا.
كما تأكّد دور فاغنر الرئيسي في الحرب السورية عند مقارنة عدد قتلى هذه المجموعة مع قتلى الجيش الروسي في وثيقة حصلت عليها وكالة رويترز كُتب فيها أن 131 مدنياً روسياً قُتلوا في سوريا خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2017 وبعدها أجرت رويترز مقابلات مع أصدقاء وعائلات بعض هؤلاء القتلى وتبيّن أنهم مُتعاقدون عسكريون يقاتلون في سوريا، في حين كان العدد الرسمي للقتلى العسكريين خلال نفس الفترة 16 فقط، رغم أن هذا الرقم قد لا يكون دقيقاً لوجود شكوك في مصداقيّة البيانات العسكرية الروسية نتيجة أمر صدر من بوتين قبل التدخّل في سوريا باعتبار خسائر الجيش الروسي سر عسكري يُحظّر الإعلان عنه.
ولعل التحول الأكثر أهمية الذي طرأ على فاغنر في سوريا كان دخولها المجال الاقتصادي، فقد اشترطت هذه المجموعة على الحكومة السورية أن تأخذ نسبة 25 في المئة من إنتاج حقول الغاز والنفط ومناجم الفوسفات التي تقوم بتحريرها ثم تتولّى حمايتها، وكان ما يتبقّى من عائدات هذه الحقول تتقاسمه شركات روسية مع الحكومة السورية، وهنا تعلّمت فاغنر أنه بالإمكان الاستفادة اقتصاديا ومالياً من الدول الفاشلة أو التي تشهد صراعات داخلية أو حروب أهلية من خلال عقد صفقات مع قادة محليّين فاسدين.
واستخدمت فاغنر خبرتها هذه في إبرام عقود استثمار طويلة الأجل مع قادة ميليشيات في أفريقيا بحيث توسّعت استثمارات هذه الشركة لتشمل بالإضافة إلى البترول والغاز والفوسفات الذهب والماس، وأصبح لعملها العسكري عائد مالي مجزي يقدّر بمليارات الدولارات، مما تطلّب إنشاء عشرات الشركات والتداخلات المالية التي تعلمت فاغنر كيفية استخدامها للالتفاف على العقوبات الدولية بالتعاون مع شبكة عالمية من محامي الشركات المختصين في مثل هذه القضايا.
وتوسّع نشاط فاغنر بشكل خاص في سوريا نتيجة وجود قواعد عسكرية روسية جوية وبحرية وأصبحت سوريا قاعدة لوجيستية متقدّمة لنشاط الشركة العالمي. كما كان من نتائج هذا الوجود المزدوج تداخل عناصر فاغنر مع جنود وموظفي الحكومة الروسية، ففي بعض المناطق تمّ إنشاء ما يشبه مستوطنات روسية خالصة مثل تلك الموجودة قرب مطار تدمر والتي يقيم فيها عناصر من فاغنر مع شرطة عسكرية روسية مع استشاريين وفنيين روس مختصين بالنفط والغاز من شركة إيفرو بوليس المملوكة لبريغوجين، في مُجمّع سكني واحد.
وساعد وجود قوات فاغتر بشكل كبير في سوريا في تجنيد مرتزقة سوريين استخدمتهم روسيا في بعض المهمات الخارجية مثل الذين تم إرسالهم قبل عدة سنوات إلى ليبيا، وذكرت شبكة "آي تي في" البريطانية أن تمرّد فاغنر الاخير قد أوقف صفقة كانت على وشك الانتهاء بين بريغوجين وبشار أسد لتجنيد عشرات آلاف المقاتلين السوريين ضمن شركة فاغنر لاستخدامهم داخل وخارج سوريا وقد اشترط الجانب السوري أن يبقى نصفهم داخل سوريا بينما يُرسل الباقي إلى أوكرانيا أو إفريقيا، أي استغلال الوضع الاقتصادي البائس للشباب السوريين لتجنيدهم وإرسالهم إلى "مفرمة اللحم" في بخموت. ولو تحقّق ذلك لتحوّلت سوريا إلى أكبر قاعدة لفاغنر في العالم، وقال التقرير أن نظام الأسد هدف من هذه الصفقة الحصول على ملايين الدولارات شهرياً بما يوحي بأن المُتعاقد السوري لن ينال مستحقّاته من شركة فاغنر مباشرةً، بل من شبكات مرتبطة بالنظام السوري التي ستأخذ من المتعاقد حصتها وتعطيه ما تبقى رغم أنه هو من يُخاطر بحياته.
ولعل من الأمور الغريبة أنه رغم وجود آلاف المقاتلين من مجموعة فاغنر في سوريا منذ عدة سنوات ورغم الدور الكبير الذي لعبوه عسكرياً ورغم العقود العديدة التي وقّعتها شركة فاغنر مع الحكومة السورية، كان الإعلام الرسمي في سوريا كان يتجنّب دائماً الحديث عنها، مثل الفيل في الغرفة الذي يدّعي الجميع أنهم لا يروه، بينما تولّت الأطراف المعارضة للنظام السوري مهمّة تسليط الضوء على الجرائم التي ارتكبتها هذه المجموعة بحق السوريين وعلى العقود المجحفة التي أبرمتها الحكومة السورية مع هذه المجموعة ومنحتها فيها نسبة كبيرة من عائدات مرافق اقتصادية حيوية، وهو ما يمثل ضرر بشكل خاص على بلد تعانى من مثل هذه الصراعات الاقتصادية الكبرى.
وليس من المبالغة القول أن حالة الصدمة والخوف التي أصابت بعض أركان النظام السوري من تمرد بريغوجين وزحف قواته نحو موسكو كانت أكبر من صدمة وخوف كثير من المسؤولين الروس، وظهر ذلك في تعليقات بعض الموالين للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي الذين هاجموا بريغوجين ووصفوه بالخائن ثم رحّبوا بالاتفاق الذي أنهى التمرد رغم قولهم إن مصير بريغوجين ومن معه أصبح محسوماً أي سيتم التخلّص منهم في الوقت المناسب.
كذلك تم الإعلان عبر تلغرام عن حاجة شركة فاغنر لمترجمين للغة العربية والفرنسية، ليُعلن بعدها عن تسليم مجموعة فاغنر آلاف قطع السلاح وآلاف الأطنان من الذخيرة للجيش الروسي، بما يوحي بأن المجموعة ستواصل أنشطتها في الخارج في دول مثل سوريا، وذلك بغض النظر عن مصيرها في أوروبا الشرقية. ومن ثم، لا يزال السوريون على الأرجح يواجهون مستقبلًا مع مجموعة فاغنر بشكل ما أو بآخر، خاصة بعد أن أصبحت هذه المجموعة جزءًا من نسيج نظام الأسد.