- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
رداً على نتائج الاستقصاء في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «داعش»
تعتبر استطلاعات الرأي العام الوسيلة الأهم التي يمكن من خلالها فهم الشعوب وآرائها واتجاهاتها. وأي خلل في المنهجية العلمية أو المهنية في الأداء سيؤدي الى نتائج كارثية في الفهم.
ومع ذلك، فمن الصعب للغاية إجراء استطلاعات رأي في منطقة تفتقر إلى الأمن، لا سيما في منطقة تخضع لسيطرة تنظيم «داعش». وبالتالي وبناء على خبرتي في مجال الرأي العام العراقي، فإن التقرير الذي أعده "المعهد المستقل لدراسات السوق والمجتمع المدني" (IIACSS) وتم نشره من قبل "معهد واشنطن" يحتوى على عدد كبير من الإدعاءات التي تبدو جدلية وضعيفة.
فهذا الاستطلاع الذي انتجه أحد المراكز العراقية ("المعهد المستقل لدراسات السوق والمجتمع المدني")، والذي مقره العاصمة الأردنية عمان وليس في بغداد، لم يتمكن من تقديم أدلة مقنعة لتأكيد عنوانه الجريء: "مكافحة «داعش»: نحن نخسر معركة القلوب والعقول".
ومن حيث منهجية البحث، تحدث الاستطلاع عن دراسة أجريت في حزيران/يونيو وشملت عينة تضم 200 فرد وأجريت المقابلات وجهاً لوجهه. وتم انتقاء عينة اخرى شملت 120 فرد في مدينة الموصل على طريقة كرات الثلج. المشكلة هنا هي أنه من المستحيل تقريباً إجراء مثل هذه المقابلات بسبب المخاوف الأمنية واللوجيستية، وخاصة أنه يُعرف عن تنظيم «داعش» بأنه يقتل الصحفيين والأفراد الذين لا يقومون بخدمة التنظيم والالتزام بقواعده. وهناك العديد من الأسئلة الأخرى فيما يتعلق بدقة النتائج التي لا تزال دون إجابة. هل تم أخذ اذن من المستجيبين لإجراء تلك المقابلات؟ كيف تأكد الباحثون من أن المشاركين في العينة التي أخذوها، إن كانت حقاً لها وجود، ليسوا عملاء لتنظيم «داعش»؟
هذه الأسئلة مشروعة بالطبع نظراً لأن رفض الجماهير الاستجابة لتلك المقابلات مرتفع نسبياً في الظروف العادية في العراق فمعظم المشاركين في الاستطلاع لا يثقون في جدية الباحثين. ولما كان هذا هو الحال بالنسبة لبقية العراق، فإن السؤال لا زال قائماً: كيف استجاب أولئك المستطلَعين لهذا الاستقصاء فى المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية»؟ في الواقع، لا يمكن تطبيق هذه المنهجية في مناطق يسيطر عليها «داعش» نظراً لأن التنظيم لا يسمح بوجود وسائل الإعلام المستقلة والباحثين في أماكن سيطرته. ووفقاً للجنة حماية الصحفيين إن تنظيم «داعش» هو المسؤول عن إعاقة أي عمل إعلامي فضلاً عن اغتيال سبعة عشر صحفياً يعيشون في أماكن تحت سيطرة التنظيم وفى مناطق أخرى خارج سيطرته. ومثال على ذلك اغتيال الصحفي ناجي الجرف في تركيا.
ومن الواضح أن العينة التي تم انتقاؤها حتى بعد حساب القضايا المنهجية، تميزت بدرجة عالية من الانتقاء الذاتي. وعلى العكس فإن العينة التي يجب التركيز عليها ودراستها لفهم الوضع تحت سيطرة «داعش» يجب أن تضم أولئك الذين فروا من أماكن سيطرة التنظيم الى بغداد وكردستان وغيرها من المناطق.
ووفقاً لـ "مركز رصد النزوح الداخلي"، أن ما يقرب من 4 ملايين نازح داخلياً يعيشون حالياً في العراق. وأغلب المدنيين الذين بقوا وشاركوا في الاستطلاع كمستجيبين محتملين إما فقراء جداً أو مرضى، وكبار في السن لا يستطيعون النزوح من المناطق التي يسيطر عليها «داعش». وهناك أيضاً بعض المدنيين والمستجيبين المحتملين الذين بايعوا «داعش» من أجل البقاء على قيد الحياة، بينما يؤمن البقية بفكر «داعش».
هناك أيضاً تساؤلات تتعلق بصياغة أسئلة الاستقصاء. على سبيل المثال، يتعلق إحدى الأسئلة بالقلق بشأن "قوات الحشد الشعبي" و "الميليشيات الشيعية الدينية". وقد تم صياغة ذلك السؤال كما لو كان هذان الكيانان منفصلين لكنهما في حقيقة الأمر كيان شيعي واحد.
بالإضافة إلى ذلك يطرح الاستطلاع سؤالاً حول نظريات المؤامرة: "يقول البعض أن هناك مؤامرة من قبل الحكومة الأمريكية لدعم تنظيم «داعش». ما هو رأيك؟" هذا السؤال مناسب فقط للنخب وليس للجماهير العادية. وعلاوة على ذلك، فانة من الصعب تصديق نتائج الاستطلاع (50 في المائة يعترضون، 41 في المائة وافقوا في حزيران/يونيو 2014، 37 في المائة يعترضون، 60 في المائة وافقوا في كانون الأول/ديسمبر 2015)، نظراً لوجود اعتقاد كبير بنظريات المؤامرة على نطاق واسع في العراق ومنطقة الشرق الأوسط أيضاً. وقد قام ماثيو جراي بتوثيق تلك الظاهرة في كتابه "شرح نظريات المؤامرة في الخطاب السياسي العربي- الشرق أوسطي المعاصر"، (2008)، كما قامت ليز فيكيت بتوثيق نظرية المؤامرة في كتابها "نظرية المؤامرة المسلمة ومذبحة أوسلو" (2012). وقد أكدت الانتصارات الأخيرة ضد تنظيم «داعش» في محافظة الأنبار أن الإدعاء بأننا "نخسر معركة القلوب والعقول" لا ينبغي أن يحمل الكثير من المصداقية.