- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
ردود الفعل الإعلامية والرسمية على فوز إردوغان
تلعب تركيا دورًا محوريًا في المنطقة وتنخرط في عدد من القضايا العالمية المعاصرة، وشكلت بالتالي انتخاباتها الأخيرة محط تركيز وسائل الإعلام العربية في جميع أنحاء الشرق الأوسط التي تابعتها عن كثب وتكهنت بأثر نتائجها.
لم تكن التغطية الإعلامية العربية للانتخابات التركية الأخيرة متجانسة على الإطلاق، فمن جهة، يرى البعض في نظام إردوغان مصدر إلهام إذ تمكن أردوغان من هزيمة العلمانية التركية وعزل الجيش عن الساحة السياسية، بالإضافة إلى نجاحه في بناء نظام اقتصادي ريادي، أقله في السنوات العشر الأولى من حكمه. ومن جهة أخرى، رفضت أصوات إعلامية أخرى تدخلات أردوغان السياسية والعسكرية في المنطقة، وتحدثت بعض وسائل الإعلام عن "قضائه" على الديمقراطية التركية وقمعه حرية التعبير وانتهاكه حقوق الإنسان.
التغطية الصحفية الإيجابية تتوافق مع السياسات الرسمية
من غير المفاجئ أن تعمد وسائل الإعلام في الدول العربية التي تربطها علاقات وثيقة ومصالح مشتركة مع تركيا بتصوير الفوز الانتخابي الذي حققه أردوغان بفارق ضئيل بطريقة إيجابية. وشملت هذه الدول العربية قطر والجزائر والمغرب وحكومة الوحدة الوطنية الليبية والسلطة الفلسطينية والكثير من الحركات الإسلامية في المنطقة. وبشكل خاص، صورت وسائل الاعلام العربية في تلك الدول فوز اردوغان باعتباره انتصارًا للإسلام على العلمانية وهزيمة للغرب وبصيص أمل للقضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية.
ففي قطر، سارع الأمير تميم بن حمد آل ثاني إلى المباركة لأردوغان في تغريدة ابتدأها متوجهًا إلى الرئيس الحالي بعبارة "أخي العزيز" متمنيًا له تحقيق ما يطمح له الشعب التركي ومشيرًا إلى أن العلاقات بين البلدين ستزداد تطورًا ونماء. وجاء موقف وسائل الإعلام القطرية منسجمًا مع رد فعل حكومتها، إذ علقت قناة الجزيرة على فوز اردوغان قائلة :"لقد برهن الرئيس أردوغان من جديد على أنه هو ربان السفينة المتمرس في بحر متلاطم الأمواج، وأنه أهلٌ لذلك المكان وتلك المكانة، بما حباه الله به من العقيدة الإسلامية الصلبة، والروح الإنسانية الرحبة، والحكمة السياسية العميقة، والحاسة الإستراتيجية المرهفة".
وعلى المنوال نفسه، تفاعلت وسائل إعلام قطرية أخرى مع فوز أردوغان في إطار تآمري. فقد رأى مثلًا الإعلامي في قناة "الجزيرة"، أحمد منصور، فوز أردوغان كانتصار للشعب التركي على الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي كان ينوي "إسقاط أردوغان"، في إشارة إلى تصريح أدلى به بايدن خلال تجمع انتخابي أقيم في العام 2020 وذكر فيه أنه يجب "على واشنطن تشجيع خصوم أردوغان على هزيمته انتخابيًا"، مشددًا على أنه "لا ينبغي الإطاحة به في انقلاب".
أظهرت التهاني الرسمية من قبل عدد كبير من القادة العرب الآخرين مدى هذا الدعم، ففي فلسطين، هنأ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أردوغان وشدد على علاقات الأخوة والتضامن التاريخية التي تجمع بين البلدين. كما أشاد عباس بموقف أردوغان الثابت في دعم الشعب الفلسطيني و"قضيته العادلة". وفي ليبيا، هنأ نائب رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد دبيبة، أردوغان وأشاد بفوزه باعتباره تجديدًا لثقة الشعب التركي بمشاريعه وسياساته الناجحة. وفي هذا السياق، علقت صحيفة المستقبل الليبية بأن فوز أردوغان "يشير إلى أن تركيا ستستمر في لعب دور إيجابي في ليبيا" من خلال التعامل مع ملفات رئيسية مهمة: الاتفاقية البحرية ومذكرة الطاقة، الاتفاقية العسكرية، واستكمال مشاريع اعادة الإعمار. وهنأ الرئيس الجزائري، عبد الهادي تبون، أردوغان معتبرًا أنه انتُخب مجددًا نتيجة لحكمته وسياسته العقلانية. وقد علقت صحيفة الخبر الجزائرية على خبر فوز اردوغان، بأنه أظهر "وعي الشعب التركي ونضجه الديمقراطي". كما أرسل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برقية تهنئة لأردوغان، كما أكد عمرو اديب، الإعلامي الموالي للنظام، أن طريقة إدارة الانتخابات تستحق الاحترام والتقدير. كما هنأ عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، ورئيس قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو. أرسل أيضا الرئيس العراقي عبد اللطيف راشد برقيات تهنئة لأردوغان بفوزه، وعزت صحيفة الزمان العراقية فرحة الشارع العربي بفوز أردوغان إلى إحباطهم من حكامهم الذي فشلوا في تأمين لقمة العيش ولا حتى أبسط الخدمات لشعوبهم.
الحركات الإسلامية احتفت بدورها بفوز أردوغان
أثنى عدد من الحركات والأحزاب الإسلامية الرئيسية في جميع أنحاء المنطقة على فوز أردوغان بفضل خطابه الإسلامي والديني وعلاقاته الوثيقة بالكثير من الحركات الإسلامية. فعلى سبيل المثال، أصدرت حركة حماس بيانًا عبرت فيه عن تطلعاتها إلى أن يشكل فوز أردوغان محطة انطلاق لنصرة القضية الفلسطينية ودعم حركة حماس في إقامة دولة فلسطينية مستقلة. كما هنأ إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أردوغان بفوزه في الانتخابات.
بالإضافة إلى ذلك، توجه القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمود حسين، بخالص التهنئة إلى أردوغان، سائلًا الله تعالى أن يوفق الرئيس والبرلمان المنتخب التوفيق لاستكمال بناء تركيا الحديثة وتعزيز نهضتها. ومن الشخصيات الإسلامية الأخرى التي هنأت أردوغان، نائب رئيس الحركة الإسلامية في إسرائيل كمال الخطيب، ورئيس تحالف "السيادة" في العراق الشيخ خميس الخنجر، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي عبد الإله ابن كيران، ورئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، ورئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، وهو أكبر حزب إسلامي في اليمن، محمد عبد الله اليدومي، وأعضاء حركة مجتمع السلم في الجزائر.
على الرغم من التقارب الحاصل، أردوغان في مرمى نيران وسائل الإعلام الخليجية
خلافًا لبقية المنطقة وعلى الرغم من التقارب الحالي بين المملكة العربية السعودية وتركيا، أظهرت وسائل إعلام سعودية وإماراتية عدائية لأردوغان طوال الدورة الانتخابية ودعمت منافسه كيليجدار أوغلو. فقد عملت مصادر إعلامية خليجية رئيسية مثل "سكاي نيوز" و"العربية" و"الشرق الأوسط" و"الحدث" على التشكيك بمصداقية فوز أردوغان وشعبيته وبنزاهة الانتخابات في حين صورت كيليجدار أوغلو على أنه المرشح الوحيد القادر على إنقاذ الاقتصاد التركي.
هذا وبدأت القناة الإماراتية "سكاي نيوز العربية" منذ الجولة الأولى من الانتخابات التركية بنشر معلومات هادفة، وأحيانًا غير دقيقة، عن أردوغان. فقد نشرت مثلًا القناة تغريدة بأن أردوغان صفع طفلاً بينما كان ينتظر دوره للإدلاء بصوته، إلا أنها سارعت إلى إلغائها عندما تبين لاحقًا أن الطفل حفيده وكان يداعبه. وكذلك الأمر، نشرت قناة "سكاي نيوز" تغريدة أكدت فيها أن قيمة الليرة التركية تراجعت وأصبحت 20.05 مقابل الدولار في أعقاب فوز أردوغان.
أما على الصعيد الرسمي، فقد نشر مستشار رئيس دولة الإمارات، عبد الخالق عبد الله، تغريدة أشار فيها إلى أن أردوغان فاز بفارق أربع نقاط فقط، وذكر أن حوالي نصف الشعب التركي لم يصوت له ولم يرده رئيسًا. وقد تلقت تغريدته ردودًا انتقادية من بعض الصحافيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال ردت خديجة بن قنة الصحفية في قناة الجزيرة بأن هذه النقاط الأربع التي يتحدث عنها الدكتور عبد الله تساوى ملايين الأصوات. كما علق بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي قائلين: أن تغريدة عبد الله أظهرت "القليل من الفهم" للديمقراطية، وقالوا انه يجب أن يشعر بالحرج لأن بلاده ليس لديها انتخابات خاصة بها.
علاوة على ذلك، بثت أيضًا قناة "العربية" السعودية الجولة الأولى من الانتخابات من مراكز اقتراع في مناطق تابعة للمعارضة تحديدًا، للإشارة إلى أن عدد الناخبين الذين جاءوا للتصويت لصالح كيليجدار أوغلو أعلى بكثير من المصوّتين لأردوغان. وعلى سبيل المثال، أجرى أحد مراسلي القناة مقابلة مع شابة أفادت أنها جاءت للتصويت لصالح كيليجدار أوغلو بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، مضيفةً أن الفقراء سيظلون فقراء إذا صوتوا لأردوغان.
وفي السياق عينه، عمدت قناة "الحدث" السعودية بعد إعلان النتائج الأولية للجولة الثانية من الانتخابات التركية إلى تسليط الضوء على الحزن والإحباط الذي يشعر به الأتراك المقيمون في مناطق المعارضة في إسطنبول.
على الرغم من أن المعارضة التركية اعترفت بالخسارة ولم تشر إلى وجود تزوير، استمر بعض الإعلاميين السعوديين بالتشكيك في نزاهة نتائج الانتخابات بعد جولة الإعادة والتلميح إلى وجود تزوير، بمن فيهم عدوان الأحمري الذي نشر تغريدة قال فيها إن المبالغة في أثر نتيجة الانتخابات التركية على العالم العربي مضحكة، مؤكدًا أن مشروعي الإخوان المسلمين وأردوغان قد انتهيا.
وعلى الرغم من أن معظم وسائل الإعلام المصرية حافظت على التوازن في تغطيتها وتجنبت انتقاد أردوغان، ربما بسبب التقارب الدبلوماسي الحالي بين مصر وتركيا، اتهم أحمد موسى، الإعلامي المعروف، أردوغان بتزوير الانتخابات.
سوريا وتونس لم تعبّرا عن موقفهما
لم تصدر بيانات تُذكر حول موضوع الانتخابات التركية أو فوز أردوغان عن الرئاستين السورية والتونسية، مع أن وسائل الإعلام المحلية في الدولتين انتقدت سياسات أردوغان ودعمت منافسه كيليجدار أوغلو. ففي تونس، اعتُبر صمت الرئيس قيس سعيد مفاجئًا نظرًا لأن أردوغان كان من أوائل الذين هنأوه بفوزه بالرئاسة في العام 2019. ولعل السبب يُعزى إلى الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت مؤخرًا بين الرئيسين عندما أصدر أردوغان بيانًا قال فيه إن قرار سعيد بحل البرلمان التونسي في العام 2021 يشكل انتهاكًا للديمقراطية.
إلا أن صمت الرئيس السوري، بشار الأسد، لم يكن مفاجئًا نوعًا ما نظرًا للخلاف القائم بين أردوغان والأسد نتيجة التدخل العسكري التركي المستمر في سوريا. ومن الجدير بالذكر أنه قبيل الانتخابات التركية اشترط الأسد انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية لكي يلتقي مستقبلًا بأردوغان. وتماشيًا مع موقف حكومة البلدين، عملت وسائل الإعلام الموالية للنظام في الدولتين على تشويه سمعة أردوغان وتصويره على أنه دكتاتور.
على الرغم من أن التغطية الإعلامية العربية السلبية لفوز أردوغان توافقت غالبًا مع المواقف الرسمية العدائية تجاه حكومته، سيتّبع على الأرجح القادة العرب في هذه البلدان نهجًا عمليًا تجاه تركيا، مدركين أنه سيتعين عليهم التعامل مع أردوغان على مدى السنوات الخمس المقبلة على الأقل. وفي هذا السياق، ظهرت علامات تقارب سياسي عميق مع تركيا على الجبهتين السعودية والإماراتية، إذ أودعت المملكة العربية السعودية قبل أسابيع قليلة على الجولة الانتخابية النهائية مبلغًا بقيمة 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي لمساعدة اقتصاد تركيا المتعثر، كما وقعت الإمارات اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة مع تركيا.
أما في مصر فقد ازدادت سرعة تقريب العلاقات، إذ زار وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، القاهرة في شهر آذار/مارس للقاء نظيره المصري، سامح شكري، للمرة الأولى منذ انقطاع العلاقات الثنائية قبل نحو عشر سنوات. وأعلن الجانبان في مؤتمر صحافي عقب اجتماعهما عن استئناف العلاقات على مستوى السفارات، ليشكل هذا المثال مؤشرًا أوليًا على السياسة البراغماتية التي من المحتمل أن تنتهجها الدول العربية في علاقاتها المستقبلية مع تركيا.