March 27. 2017
وصف الملك الراحل حسن الثاني في أحد خطاباته الملهمة البصيرة المغرب بالشجرة الكبيرة التي تترسّخ جذورها في أفريقيا وينتصب جذعها في العالم العربي الإسلامي وتمتدّ أغصانها في أوروبا. فالمغرب هو بالتالي بوابة أوروبا إلى أفريقيا والعكس صحيح. ويعمل حاليًا خلفه، الملك محمد السادس، على تحويل هذا التعبير المجازي إلى حقيقة. بالفعل، يعمد هذا الأخير، إلى جانب تعزيز العلاقات مع أوروبا خاصة والغرب عامة، إلى الغوص في أفريقيا بحثًا عن جذور الثقافة المغربية ومصادرها من أجل تحسين العلاقات وتعزيز التبادل في قلب القارة.
دخل الإسلام إلى أفريقيا مع سلالة الأمازيغ المتحدّرة من المرابطين (1040-1147) والموحدّين (1121-1269) بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر. وبدأت بالتالي إمبراطورية المغرب بالتجارة المربحة مع شعب هذه القارة وانطلقت القوافل شمالًا من مدينة صفرو التي يسكنها التجار من المسلمين واليهود.
ومع تجارة القوافل، انتشر النفوذ الديني المغربي في القارة الأفريقية لا سيما عن طريق تعاليم سيدي أحمد التيجاني (1735-1815) الصوفية. وعاش التيجاني في مدينة فاس وأسّس الطريقة التيجانية الصوفية في عهد السلطان مولاي سليمان (1766-1822) الذي عامله معاملة حسنة بالرغم من كرهه للتعاليم الصوفية. واليوم، يُعتبر سكان معظم غرب أفريقيا بطرق كثيرة، من تلاميذ طريقته ويُعرفون باسم التيجان.
وعندما اعتلى العاهل المغربي القليل الكلام محمد السادس العرش العلوي في عام 1999، لم يتحدّث كثيرًا بل آمن بشدّة في الأعمال والأفعال وذلك بتناقض حاد مع والده البليغ. وفي الذكرة الثالثة والستين لثورة الملك والشعب، أعلن محمد السادس في خطاب بثّته شاشات التلفزيون على الصعيد الوطني في 16 آب/ أغسطس 2016 أن أفريقيا تحظى "بالأولوية القصوى" وأن "هذه العلاقة المتعدّدة الأبعاد تضع المغرب في قلب أفريقيا". وشدّد أيضًا على أن "أفريقيا تحتلّ مكانًا خاصًا في قلب المغاربة".
وبعد مرور عقدين من الزمن تقريبًا، انضم المغرب مجددًا في كانون الثاني/ يناير 2017 إلى الاتحاد الأفريقي بعد غياب سياسي عن هذه المنظمة دام 33 عامًا، بالرغم من مساهمته الاقتصادية في القارة. بالفعل، يخصّص المغرب 85 في المئة من استثماراته المباشرة لأفريقيا وذلك في إثبات فعّال "للتعاون بين بلدان الجنوب"، هذه الفلسفة الاقتصادية الإقليمية المقدّسة. لديه على سبيل المثال بنت شركة أسمدة كبيرة معامل في بلدان مختلفة وقدّمت لها المشورة الزراعية. وتمتلك شركة اتصالات المغرب أيضًا شركات هاتف خلوي في بلدان متعددة حيث تطوّر البنى التحتية وتمهّد الطريق لتقنية الألياف البصرية. فضلًا عن ذلك، يخطط المغرب مع نيجيريا لبناء خط أنابيب ضخم لنقل نفطها إلى زبائنها الأوروبيين والغربيين.
ويوفّر التعاون الاقتصادي المعرفة والخبرة المغربيتين على المدى الطويل في مجال الخدمات المصرفية والتأمين. ويقدّم المغرب منحًا دراسية لآلاف الطلاب الأفريقيين لمتابعة الدروس الجامعية في الجامعات ومعاهد التعليم العالي المغربية، كما يدرّب عناصر الجيش في مدارسه الحربية ورجال الدين في أكاديمية الإمام الشهيرة.
وتُقدَّر قيمة هذا المشروع الاقتصادي المثمر والذي يفيد الجميع بملايين الدولارات ويوفّر الآلاف من فرص العمل للشباب الأفريقي ويؤمّن في الوقت عينه الثروات والتنمية لبلدانهم. وفي حين يحمل هذا التعاون للمغرب امتنان الكثير من بلدان جنوب الصحراء الكبرى، لا تشعر الجزائر على سبيل المثال بالسرور لأنها ترى تهديدًا لهيمنتها على صعيد البترودولار ولنفوذها السياسي. بالفعل، لم يكتفِ المسؤولون الجزائريون وثمانية من حلفائهم بالتصويت ضد إعادة انضمام المغرب إلى الاتحاد الأفريقي، بل أفادوا أن المملكة تستغلّ التعاون الاقتصادي مع القارة الأفريقية لخدمة مصالح الغرب من خلال فتح الأسواق لمنتجات الشركات المتعددة الجنسيات من أجل التصدّي للنفوذ الصيني.
وفي ما يتعلّق بإعادة انضمام المغرب إلى أفريقيا عن طريق الاتحاد الأفريقي في خلال القمة الأفريقية الأخيرة في أديس أبابا، أعرب محمد السادس عن ارتياحه للنتيجة معبّرًا عن سروره للعودة إلى جذوره في القارة. ومن دون شك، يعني فرحه المزيد من التبادل والمزيد من التنمية والمزيد من الثروات للجميع.
أفريقيا هي من دون شك مستقبل البشرية وهذه ليست عبارة مبتذلة وإنما حقيقة. فأفريقيا تملك الموارد والتنوع الطبيعي والبشري والشباب الطموح والإرادة الصلبة لاتّخاذ الخطوات العملية وتحقيق الأمور لصالح شعوبها. ما من شكّ أن هناك الكثير ليتعلّمه العالم من هذه القارة. ألم تكن في نهاية المطاف مهد البشرية؟ لا بدّ أن يساعد العالم المغرب سياسيًا وماليًا في رحلته التنموية الأفريقية لصالح الجميع.