- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
رسائل "الدولة الإسلامية" بشأن عمليات مكافحة التجسس
منشورات تنظيم الدولة الإسلامية تكشف عن الموقع الجغرافي ونقاط تركيز عمليات مكافحة التجسس.
بذل الإعلام التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية" جهودًا حثيثة لجهة تضخيم معركته الجارية في وجه العملاء الاستخباراتيين الذين يعملون ضده- الضباط الاستخباراتيون والعملاء السريون أو الجواسيس. ويمكن ملاحظة الطريقة التي تُضخم بها هذه الجهود رسائله من خلال تحليل إحصائي لعمليات "الدولة الإسلامية" نشرته صحيفة التنظيم الأسبوعية الرئيسية "النبأ" خلال عام 2020. وفي حين لا يجب النظر إلى الهجمات التي يعلن عنها التنظيم وفق ظاهرها، إلا أن التركيز على هذه العمليات يبيّن محاولة واضحة لبعث رسالة للذين ينفذون أنشطة تجسس على التنظيم. من النتائج اللافتة للنظر أن منطقة واحدة في سوريا ، وهي محافظة دير الزور أو قاطع الخير التابع لداعش في ولاية الشام ، تمثل نسبة عالية بشكل استثنائي من هذه العمليات المزعومة، مما يشير إلى أن الصراع بين داعش وأعدائها مكثف بشكل خاص في هذا القاطع شديد التقلب، حيث يشكل العملاء لاستخبارات قوات سوريا الديمقراطية الهدف الرئيسي لعمليات مكافحة التجسس التي تقوم بها داعش.
ووفق بيانات تحليلات "حصاد الأجناد" المجمعة من صحيفة "الدولة الإسلامية" الأسبوعية "النبأ" في 2020، أعلن التنظيم مسؤوليته عن 3033 عملية أسفرت عن مقتل وجرح 9555 شخصًا في أنحاء العالم. وفي الأعداد الـ52 التي نُشرت بين الأول من كانون الثاني/يناير و31 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، زعمت "الدولة الإسلامية" أنها نفذّت 182 عملية ضد عملاء استخباراتيين وأعلنت أنها قتلت وجرحت 250 منهم. وهذا يعني أنه خلال 2020، زعم التنظيم أنه نفذ عملية ضد العملاء الاستخباراتيين كل يوم تقريبًا - عمليتين في ثلاثة أيام لنكون أكثر دقة، في حين شن 8.3 عملية عنيفة أخرى في اليوم.
وبينما يشكّل معدل عمليات مكافحة التجسس وضحاياها نسبة ضئيلة فقط من العمليات التي زعمت "الدولة الإسلامية" تنفيذها والضحايا التي أوقعتها– 6 في المائة و2.6 في المائة على التوالي– يُعتبر تعظيم جهود التنظيم لمكافحة التجسس مهمة رئيسية يضطلع بها إعلام "الدولة الإسلامية". فأخبار قتل جواسيس وضباط استخبارات تتصدر الصفحة الأولى في "النبأ"، ولا تفوّت الصحيفة فرصة للإشارة إلى عمليات سابقة ضد جواسيس وعناصر في أجهزة الاستخبارات.
علاوةً على ذلك، تشير "النبأ" إلى التغطية الإعلامية لهذه العمليات من خلال "وكالة أعماق الإخبارية" التي تنشر بشكل منتظم صورًا وفيديوهات وموجز معلومات عن الضحايا. وبما أن الصحيفة تتوجه في المقام الأول إلى أعضاء "الدولة الإسلامية" والمتعاطفين معها، تهدف هذه الروايات إلى ثني أنشطة التجسس من خلال الترهيب، وتوفير حس بالأمان لأعضائها وإضفاء الشرعية على العمليات على غرار الخطف وقطع رؤوس الرهائن، ولا سيما أعضاء جماعات جهادية أخرى. كذلك، تمّ نشر أخبار عن مزاعم بمقتل جاسوسات، إنما في العراق وسوريا فقط (3 في سوريا وواحدة في العراق) بما أن التنظيم يتجنب عادةً مزاعم قتل النساء. ويرمي ذلك على الأرجح إلى ثني العدد الكبير من أرامل أعضاء "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق عن التعاون مع منظمات معادية لـها.
وفي العام 2020، زعمت الفرق الأمنية التابعة للتنظيم عن تنفيذ أنشطة مكافحة التجسس في سبع ولايات. وفي ما يلي ترتيب هذه الولايات بدءًا بالتي شهدت العدد الأكبر من العمليات وصولًا إلى الأدنى: الشام، والعراق، وسيناء، وغرب أفريقيا، وخراسان، ووسط أفريقيا وباكستان حيث تمّ تنفيذ 90، و58، و12، و8، و7، و4، و3 عمليات على التوالي. وفي حين أن معظم الولايات استهدفت ضباطًا استخباراتيين وجواسيس في إطار الحملة العنيفة لمكافحة التجسس، زعمت ولايتا غرب أفريقيا وسيناء تنفيذ عمليات ضد جواسيس فقط، أما ولاية باكستان فاستهدفت ضباطًا استخباراتيين حصرًا. وقد يكون ذلك نتيجة قدرات مكافحة الإرهاب المحلية المختلفة التي يتمتع بها التنظيم، والدرجات المتفاوتة من ضعف العملاء الاستخباراتيين في هذه المناطق المختلفة.
هذا ولا تُعتبر مطاردة العملاء الاستخباراتيين مغامرة جديدة تقوم بها "الدولة الإسلامية"، لكن ولايات جديدة بدأت تنضم إلى هذه اللائحة خلال 2020. وفي أعداد صحيفة "النبأ"، تمّ تسجيل عمليات التنظيم ضد العملاء الاستخباراتيين في ولايات العراق والشام وسيناء وغرب أفريقيا في كانون الثاني/يناير؛ ووسط أفريقيا في شباط/فبراير؛ وباكستان في حزيران/يونيو؛ وخراسان في تموز/يوليو 2020.وفي حين تتواصل هذه العمليات في الشام والعراق وسيناء وخراسان طوال أيام السنة، إلا أنها توقفت في وسط أفريقيا في أيار/مايو 2020 وفي كل من باكستان وغرب أفريقيا في آب/أغسطس 2020؛ مما يشير إلى أنه تمّ استهداف العملاء الاستخباراتيين لسبعة أشهر في غرب أفريقيا وثلاثة أشهر في وسط أفريقيا وشهرين فقط في باكستان.
ومن أصل العمليات البالغ عددها 182 التي أعلنت مسؤوليتها عنها، كانت الشام أو "ولاية سوريا" بتنفيذها 90 عملية الولاية الأكثر نشاطًا في تنظيم "الدولة الإسلامية" التي تستهدف العملاء الاستخباراتيين. وضمن "ولاية الشام"، يُعتبر قاطع الخير، الذي يمثل محافظة دير الزور السورية، الأكثر نشاطًا ضدّ هؤلاء العملاء والمسؤول عن 72 من أصل 90 عملية نفذتها "الولاية". وتأتي قواطع البركة وحلب والرقة، التي نفذت كل واحدة منها 4 عمليات، وقاطعا حمص وحوران مع ثلاث عمليات نفذتها كل واحدة منهما، في المرتبة الثانية والثالثة على التوالي من حيث عدد العمليات.
وفي العموم، تحتل "ولاية العراق"، التي نفذت 58 عملية، المرتبة الثانية ولديها توزيع أكثر تجانسًا للعمليات ضمن قواطعها الأحد عشر: فبتنفيذه 11 عملية، يُعتبر قاطع دجلة الأكثر نشاطًا في حين أن نينوى هي الأقل نشاطًا ضد العملاء الاستخباراتيين بتنفيذها عمليتين فقط. أما الولايات الخمس الأخرى الأبعد في "الدولة الإسلامية"، فنفذت 19 في المائة من هذه العمليات. وعليه، وسط تنفيذ ما يقرب من 40 في المائة من إجمالي عمليات "الدولة الإسلامية" ضدّ العملاء الاستخباراتيين عالميًا، يبدو قاطع الخير في "ولاية الشام" المكان الأسوأ لهؤلاء العملاء المناهضين للتنظيم وهو أكثر نشاطًا بمرتين من ولايات "الدولة الإسلامية" الخمس البعيدة مجتمعةً. ويمكن تفسير حجم عمليات "الدولة الإسلامية" لمكافحة التجسس في الخير بقدرة عناصر التنظيم على التغلغل في "قوات سوريا الديمقراطية"، مستغلين العلاقات القبلية وطبيعة هذه القوات غير المتجانسة، والأنشطة الاستخباراتية غير المحمية بشكل كافٍ، وكذلك التوترات الإثنية والإيديولوجية إضافةً إلى القوة الإيديولوجية والعملياتية التي يتمتع بها عملاء التنظيم في الخير، علمًا بأن هذا القاطع كان الجيب الأخير الذي سقط للخلافة الإقليمية لتنظيم "الدولة الإسلامية".
ورغم أن "النبأ" لا تقدّم سوى تفاصيل محدودة بشأن عمليات التصفية هذه، من الواضح أن إطلاق النيران المباشرة من البندقيات هي وسيلة الهجوم الأكثر استخدامًا. يُذكر أنه تمّ خطف 36 عميلًا استخباراتيًا قبل تصفيتهم، معظمهم من الجواسيس؛ في حين أُفيد أن المختطفين الأربعة الذين قُطعت رؤوسهم كانوا جميعهم جواسيس. وليست فقط حياة هؤلاء على المحك إنما ممتلكاتهم أيضًا، وفي الأحيان التي تعذّر فيها الوصول إليهم شخصيًا، استهدف التنظيم ممتلكاتهم بدلًا من ذلك. ومن أصل العمليات الـ182، تمثلت 32 منها في إحراق أو تفجير منازل أو سيارات أو مزارع الجواسيس المزعومين وعناصر الاستخبارات، باستخدام الأسلحة النارية أو القنابل اليدوية أو الأجهزة المتفجّرة المرتجلة أو عمليات زرع هذه الأجهزة اللاصقة. ويُعتبر استهداف منازل وسيارات ومزارع العملاء الاستخباراتيين وسيلة أخرى لجعلهم مثالًا وثني المدنيين عن التعاون مع الأطراف المعادية للتنظيم.
وخلاصة القول، وعلى الرغم من أنها تشكّل 6 في المائة فقط من إجمالي عمليات "الدولة الإسلامية" المسلحة التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها، يسلّط إعلام "الدولة الإسلامية" الضوء على هذه المساعي لضمان أن يصل ردّ التنظيم الصارم بحق التجسس إلى جمهوره: أعضاء التنظيم والمتعاطفين معه والعامة. وفي تحليل للقصص التي جاءت في صحيفة "النبأ" بشأن استهداف العملاء الاستخباراتيين عام 2020، يتبيّن أن "ولاية الشام" وقاطع الخير التابع لها هما الكيانان الأنشط في محاربة التجسس ضمن "الدولة الإسلامية". وقد انضمّت ولايات بعيدة أخرى إلى الحملة بدرجة أقل، في حين تخلّت عنها ولايات أخرى لأسباب غير محددة.
تجدر الملاحظة أن مساعي "الدولة الإسلامية" لمكافحة التجسس ترمي إلى إحباط عمليات التجسس المناهضة للتنظيم، وتوفر حسًا من الأمن لأعضائه وتضفي كذلك شرعية على عملياته العنيفة. وتسلّط وسائل إعلام التنظيم الضوء على هذه العمليات من أجل ضمان وصول رسالته بفعالية. غير أن تحليل هذه الاخبار يقدّم بدوره نظرة معمقة إلى المكان الذي يمكن للعديد من معارضي "الدولة الإسلامية" التركيز عليه بشكل مجدٍ. وتهدف الخدمات الاستخباراتية المعادية للتنظيم إلى إجراء تقييم منتظم لمكامن الضعف والالتزام بأسس التدابير الأمنية للعملية الاستخباراتية. في الموازاة، ومن خلال تسليط الضوء على العمليات الاستخباراتية الناجحة ضد "الدولة الإسلامية" ونشر مقابلات مع محتجزين لدى "الدولة الإسلامية" ومنشقين عنها والتشديد على نقاط ضعف التنظيم الأمنية، يمكن لوسائل الإعلام المناهضة للتنظيم تقليل وإبطال أثر عمليات التنظيم الإعلامية لمكافحة التجسس.