- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
رسائل "داعش" المتعلقة بإدارة بايدن الجديدة
في وقت تستعد فيه الإدارة الأمريكية الجديدة لبدء عملها، أظهر تنظيم "داعش" اهتمامًا غير اعتيادي وربما مقلقًا بالانتخابات الأمريكية التي جرت عام 2020.
ففى مقال نشرته حديثًا صحيفة "النبأ" التابعة لتنظيم "داعش"، أظهرت قيادة التنظيم قدرًا غير معهود من الاهتمام بالانتخابات الأمريكية لعام 2020. وفي حين قد يعكس المقال ببساطة مخاوف التنظيم حول رئاسة بايدن، قد يكون ذلك أيضًا إشارةً على أن تنظيم "داعش" قد يجدد الدعوات إلى شن هجمات على مصالح أمريكية.
وكان التنظيم نشر في عدد تشرين الثاني/نوفمبر 2020 من صحيفة "النبأ" (عدد 260) افتتاحية بعنوان "تائهون؛ أي إله يعبدون؟" وهذا المقال مخصص لمناقشة الانتخابات الأمريكية لعام 2020 وهو يتناقض مع طريقة تعاطي التنظيم المعتادة مؤخرًا مع الانتخابات الأمريكية – حيث أن التنظيم لم يَعرْ اهتمامًا كبيرًا لفترة ما قبل انتخابات 2020 أو لانتخاب الرئيس ترامب عام 2016. وحين ورد أي ذكر للانتخابات الأمريكية في صحيفة "النبأ"، كان ذلك عابرًا وموجزًا.
ففي إشارة إلى انتخابات العام 2016 في عدد رقم 27 (نيسان/أبريل 2016)، على سبيل المثال، كتبت الصحيفة "واليوم يخرج المسؤولون في إدارة أوباما ليعلنوا عن قرب الإعلان عن انتصار الولايات المتحدة في حربها على الدولة الإسلامية ...ليحفظوا بذلك ماء وجهه، بعد أن كان مشروعه الأساسي الذي انتخب بناء عليه هو إخراج الجيش الأمريكي من العراق، ويكون هذا الإعلان أيضا مساعدا لحزبه الديموقراطي في الانتخابات الرئاسية القادمة".". علاوةً على ذلك، في عدد رقم 58 (كانون الأول/ديسمبر 2016)، جاء في الصحيفة " ولم يقدّم طاغوت الإخوان المرتدين أردوغان لعبيده من الصحوات شيئا، سوى اجتماعات مع صليبيي روسيا السفّاحين وتهاني لصليبيي أمريكا بمناسبة نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة ".
وفي الآونة الأخيرة، في العدد رقم 220 (شباط/فبراير 2020)، ذكر التنظيم أن " ما يجمع عليه اليوم خبراء السياسة والاقتصاد أو يكادون، حتى الأمريكيون منهم، إعلانهم نهاية زمن الهيمنة الأمريكية على العالم، بل إن الحكومة الأمريكية نفسها تتصرف في ضوء هذه الحقيقة التي لا أدل عليها من الشعار الذي رفعه الطاغوت الأمريكي (ترمب) للفوز في الانتخابات الرئاسية وهو: لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى!".
كيف يعتبر بايدن مختلفًا؟
في المقابل، ورغم جهود تنظيم "داعش" كي يبدو غير مبالٍ، يشير أحدث مقال نشره حول الانتخابات الأمريكية إلى مخاوفه بشأن وصول الديمقراطيين إلى الرئاسة، ما يظهر أن الإدارة الديمقراطية القادمة دفعت بالتنظيم إلى إظهار اهتمام غير معهود بالانتخابات الأمريكية.
فالمقال لا يركّز على الانتخابات بحد ذاتها أو شخص الرئيس، إنما على موقف الدول العربية والإسلامية إزاء سلوك الرئيس المقبل. وفي هذا المقال، يلفت تنظيم "داعش" اهتمام قادة الشرق الأوسط إلى الانتخابات، مركزًا على المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة وكيفية التعامل مع الرئيس الجديد.
ويواصل التنظيم التأكيد على أنه وأتباعه لا يكترثون لمن يتولى منصب الرئاسة الأمريكية، قائلًا " أما الموحدون فقلوبهم معلقة بالله تعالي وحده، لا يبالون بأن يحل طاغوت محل طاغوت...فهم في حرب على كل الطواغيت... في جهادهم مستمرون".
لكن يبدو أن المقال بحد ذاته يشير إلى أن تنظيم "داعش" لا يرى ما هو جدير بالذكر في فوز بايدن. وبشكل خاص، قد تكون تسمية بايدن دفعت بتنظيم "داعش" للتحدث عن الانتخابات بسبب موقفه الأكثر تساهلًا – بالمقارنة مع ترامب – إزاء المسلمين، الذي ظهر بوضوح في تعهده برفع حظر السفر الذي فرضته أمريكا على عدد من الدول الإسلامية وحديثه عن إدخال محتويات إسلامية بشكل أكبر إلى مناهج المدارس الأمريكية. فتنظيم "داعش" قد يعتبر اتخاذ بايدن لهذه التدابير خطوة تعيق رسالته وجهود تجنيد أتباع له ضمن الولايات المتحدة.
فضلًا عن ذلك، يحمل بادين إرثًا من محاربة تنظيم "داعش" بفعالية خلال رئاسة أوباما. ورغم أن ترامب كرر مزاعمه بأن إدارته قضت على "داعش"، إلا أن انتصارات إدارته ضد التنظيم بُنيت على نجاحات سابقة محققة في ظل عهد أوباما. وقبل استلام ترامب للسلطة، كانت إدارة أوباما أضعفت أساسًا "داعش" إلى حدّ كبير من خلال القضاء على 60 ألف مقاتل و90 في المائة من قدراته النفطية، التي كانت تكتسي أهمية خاصة بما أن النفط كان مصدر إيرادات التنظيم الرئيسي. كذلك، فاقت الخسائر التي تكبدها التنظيم في الأراضي خلال عهد أوباما تلك التي مني بها في ظل إدارة ترامب، كما هو مبين في خارطة أعدها براين غلين ويليامز تضمنت مقارنة بين حجم الأراضي التي خسرها التنظيم خلال عهد الإدارتين.
وعليه، وفي حين لا يمكن تجاهل مساعي إدارة ترامب لمحاربة "داعش"، إلا أنها بنيت على النجاحات الباقية التي حققتها إدارة أوباما. وبالتالي، يرى التنظيم في الرئيسين عدوين لدودين، ولكنه يُظهر عداوة أكبر تجاه الديمقراطيين، ولا سيما وسط احتمال أن يبقي بايدن القوات الأمريكية في العراق. وكان بايدن سبق أن صرّح قائلًا "صحيح أنني أدعم سحب القوات، ولكن المشكلة أنه لا يزال علينا أن نقلق من الإرهاب و[الدولة الإسلامية]".
احتمال شنّ هجوم على المصالح الأمريكية
مع وصول رئيس جديد ربما يكون مهتمًا بتوسيع التواجد الأمريكي في العراق، قد يكون المقال أيضًا بمثابة دعوة إلى استهداف المصالح الأمريكية. ويمكن لفعالية الدعوات الصادرة مؤخرًا كي يشنّ تنظيم "داعش" هجمات وغياب فقرة "منذ أسبوع واحد" في صحيفة "النبأ" في عددها رقم 260 أن يشيران إلى أن محاولة استهداف المصالح الأمريكية قد تكون وشيكة.
وكانت التهديدات التي أطلقها التنظيم مؤخرًا وحضه مناصريه على تنفيذ هجمات قد لقي صدىً أكبر في الآونة الأخيرة. وتجلى مثل هذا النجاح في الهجوم الذي استهدف في 11 تشرين الثاني/نوفمبر القنصلية الفرنسية في جدة، السعودية، والذي أعلن "داعش" مسؤوليته عنه في خطاب أدلى به أبو حمزة القرشي بعيْد تنفيذ الهجوم. وعلى نحو مماثل، أسفرت التهديدات في العددين 257 و258 حيث حضّ "داعش" مناصريه على مهاجمة الدول الغربية بسبب ادعاءات بإهانة نبي الإسلام، عن هجمات مميتة في فرنسا وفيينا.
وتزيد هذه الهجمات الناجحة أهمية أخذ التهديدات والدعوات إلى التحرك في الصحيفة على محمل الجدّ. والجدير ذكره أن العدد 260 لم يتضمن فقرة "منذ أسبوع واحد" التي لم تغب عن أعداد صحيفة "النبأ" منذ العام 2017، ما يشير إلى أن الهدف من هذا العدد قد يكون دعوة مناصري "داعش" والموالين له إلى التحرك. ولطالما عنت إضافة الفقرات أو استثناؤها في "النبأ" تغييرًا في جمهورها المستهدف. ففي بعض الأحيان، تكون الصحيفة موجهة لكافة المسلمين، وفي أحيان أخرى تستهدف أتباع التنظيم وأفراده فقط. وتستقطب فقرة "منذ أسبوع واحد" الجمهور العام وليس فقط المناصرين والموالين ضمن حدود سيطرة "داعش". وعليه، يتمّ تناول مسائل على غرار الأزمة الخليجية ومقاطعة قطر في الفقرة باعتبارها مواد إخبارية جديدة تهمّ الجمهور المسلم عمومًا.
وبالتالي، تزامن عدم ورود الفقرة منذ تنصيب أبو ابراهيم الهاشمي القرشي زعيمًا لتنظيم "داعش" مع التركيز المتجدد على الموالين والمناصرين. وينطوي هذا التركيز على تهديدات هادفة ودعوات إلى التحرك على غرار تلك الواردة في أعداد كالعدد رقم 257، الذي تضمن تهديد الدول الأوروبية في فقرة الافتتاحية، إلى جانب التهديدات التي حملها خطاب أبو حمزة القرشي ودعا فيها إلى استهداف السعودية وأسفر عن شنّ هجوم في جدة، وكذلك العددين 258 و259 اللذين أسفرا عن العمليات المنفذة في فرنسا والنمسا.
والآن وفي غياب فقرة "منذ أسبوع واحد" في العدد رقم 260، ربما يُظهر "داعش" اهتمامه بالانتخابات، ما يمثل تهديدًا ودعوة ضمنية لأتباعه لاستهداف الولايات المتحدة ومصالحها. وقد يشير هذا إلى احتمال تنفيذ عملية إرهابية وشيكة داخل الولايات المتحدة أو ضد مصالحها في الخارج.
وبذلك، ربما يكون التبلور الناجح للهجمات الأخيرة وغياب فقرة "منذ أسبوع واحد" في صحيفة "النبأ" إشارة إلى احتمال تنفيذ هجوم على الولايات المتحدة أو مصالحها في الخارج. ففي النهاية، لا يزال تنظيم "داعش" ومناصروه في حالة حرب مع أي إدارة أمريكية ورؤساء الولايات المتحدة الذين يصفونهم بالطغاة: "إن قلوب الموحدين مرتبطة بالله القدير وحده، ولا يهتمون باستبدال طاغية بآخر؛ نحن في حرب ضد كل الطغاة".
هذا ويمكن أن تكون الصفات التي تدفع بالتنظيم إلى التركيز على الولايات المتحدة والسعي إلى استهدافها مرتبطة بسياسات جو بايدن وارتباطه بالنجاحات التي حققتها إدارة أوباما في محاربة "داعش". علاوةً على ذلك، يمنح استهداف الولايات المتحدة التنظيم عودة رمزية إلى الساحة السياسية وإذا ما اقترن ذلك بالمؤشرات الأخيرة قد يشير إلى أن شنّ هجوم على المصالح الأمريكية ربما يكون وشيكًا. وبما أن أي ضربة ينفذها التنظيم ضد الولايات المتحدة قد تؤثر على سياسات إدارة بايدن إزاء الشرق الأوسط، بحيث تزيد الوجود الأمريكي في معاقل "داعش" على غرار العراق في وقت يحتدم فيه النقاش حول التواجد الأمريكي في العراق نفسه، فهي قد تشجع المناصرين على الانضمام إلى التنظيم في العراق لمقاومة التواجد الأمريكي المتجدد. وعليه، يجب أن تكون الإدارة الجديدة حذرة على نحو خاص في أيام ولايتها الأولى من أجل تجنب أي هجوم وجرّها إلى وضع يعود بالفائدة على مصالح "داعش..