- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
رسميًا لم تعد الإمارات ملاذًا خاليًا من الضرائب
أعلنت الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا عن فرض ضريبة اتحادية بنسبة 9 في المائة على أرباح الأعمال اعتبارًا من حزيران/يونيو 2023. وتُعتبر الضريبة على أرباح الأعمال التعديل الأحدث على نظام غياب الضرائب السابق الذي اعتمدته البلاد بعدما اعتمدت للمرة الأولى ضريبة على القيمة المضافة بنسبة 5 في المائة في 2018.
يُذكر أنه في دول مجلس التعاون الخليجي، كان جزء كبير من الاستقرار الذي شهده النظام في مرحلة ما بعد النفط خلال العقود العديدة الماضية مدعومًا من آلية الدولة الريعية التي ضمنت قيام دولة رفاه من المهد إلى اللحد مقابل ولاء مواطنيها وخضوعهم.
وبشكل خاص، ساهم نموذج دبي للأعمال المفتوح والخالي من الضرائب، الذي تمّ اعتماده عام 1905، في نجاح الإمارة – والدولة ككل. كما كانت دبي رائدة في المنطقة من حيث إقامة مناطق حرة تضمن ملكية خاصة بنسبة 100 في المائة إلى جانب إعادة الرساميل والأرباح المهاجرة. وبحسب الإعلان الأحدث عن التغيير في القانون الضريبي، تبقى الشركات المسجلة في هذه المناطقالحرة معفاة من الضريبة إنما تخضع لموجبات معينة لم يتمّ تحديدها بعد.
الاستدامة الضريبية تبقى بعيدة المنال
مع ذلك، تؤكد الضرائب الجديدة وجود مخاوف حكومية حول إمكانية صمود الاستراتيجية التي طبعت نجاح مجلس التعاون الخليجي. فقد علّقت الدول الخليجية الآمال على الابتعاد عن التعويل على النفط منذ حصولها على استقلاليتها وأطلقت مستندات "الرؤية" التي وضعت الأهداف والاستراتيجيات المحددة لإبعاد الاقتصاديات عن الإيرادات الهيدروكربونية. علاوةً على ذلك، لطالما حضّ "صندوق النقد الدولي" الدول الخليجية على فهم ضرورة فرض ضريبة على القيمة المضافة للانتقال بفعالية إلى اقتصاد ما بعد النفط. وقد أوضحت عواقب انهيار سعر النفط عام 2014 مدى إلحاح هذه المسألة. فمنذ ذلك الحين، تواجه الإمارات وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي عجزًا ماليًا فاقمته جائحة فيروس كورونا.
لقراءة المزيد، انظر: الرؤى الخليجية المتعثرة: رؤية الإمارات العربية المتحدة 2021
وفي حزيران/يونيو 2016، وقّعت كافة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي اتفاقًا موحدًا لفرض ضرائب على القيمة المضافة. وعليه، أصبحت السعودية والإمارات أول دولتين خليجيتين تفرضان ضريبة الاستهلاك عام 2018، بمعدل رمزي بلغ 5 في المائة، تلتهما البحرين وعُمان عام 2019 و2021 على التوالي. ورغم الإبقاء على معدل 5 في المائة، تخطت إيرادات الإمارات حتى الآن 26 مليار دولار. ومن الواضح أن الضريبة على القيمة المضافة أصبحت الآلية الأقل خطورة التي تفضلها الدول الخليجية لدعم خزينة الدولة. وفي تموز/يوليو 2020، زادت السعودية الضريبة على القيمة المضافة بثلاثة أضعاف إلى 15 في المائة، في حين رفعتها البحرين إلى 10 في المائة ودخلت حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني/يناير 2022.
هل ستحتفظ الإمارات بميزة تنافسية؟
في تموز/يوليو 2021، اتفقت 130 دولة على فرض أو زيادة الضريبة على الشركات إلى ما لا يقل عن 15 في المائة بعد مفاوضات في "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، وأشارت إلى أن هذه الزيادة ستدرّ نحو 150 مليار دولار سنويًا. كذلك، تمثل المبرر المنطقي خلف هذه الزيادة المنسقة بشكل جماعي في دفع الشركات المتعددة الجنسيات على دفع حصة عادلة من الضرائب المفروضة عليها. وكانت الإمارات من الدول التي وقعت على الاتفاق، في قرار ناتج جزئيًا عن ضغوط دولية وأيضًا عن رغبة في خفض النفقات وتوسيع مصادر الدخل. فضلًا عن ذلك، تعتقد الإمارات أن زيادة الضريبة بنسبة 9 في المائة التي من المقرر تطبيقها في 2023 – والتي لا تزال دون النسبة الواردة في اتفاق "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" – لن تؤثر بشكل كبير على الاستثمارات بما أنها ستسمح للدولة بالحفاظ على ميزتها التنافسية بالمقارنة مع الدول الخليجية المجاورة ودول أخرى تجذب استثمارات بفضل الضرائب المنخفضة التي تفرضها على غرار إيرلندا (12.5 في المائة) وسنغافورة (17 في المائة) وهونغ كونغ (بين 8.5 و16.5 في المائة).
وضمن مجلس التعاون الخليجي، تُعتبر الإمارات والبحرين الدولتين الوحيدتين اللتين لم تفرضا بعد ضريبة على الشركات. كذلك، لا تزال الضريبة الجديدة التي اقترحت الإمارات اعتمادها الأدنى بين دول الخليج. فالسعودية تفرض الضريبة الأعلى عند 20 في المائة، في حين تناهز الضريبة المفروضة في عُمان والكويت 15 في المائة، رغم أن الأخيرة لا تفرض بعد الضريبة على المواطنين الكويتيين أو الخليجيين. أما الضريبة التي تفرضها قطر على الشركات، فهي قريبة من الإمارات عند 10 في المائة. في هذا السياق، قال طارق فضل الله، خبير مالي بارز في شؤون الشرق الأوسط، إنه في حين لا يزال من السابق لأوانه الجزم، إلا أن عام 2023 "سيكون حافلًا بالتحديات على ما يبدو"، بما أن الشركات قد تقلّص نفقاتها لتعويض المدفوعات المترتبة على زيادة الضرائب الوشيكة.
الحاجة إلى التوازن والشفافية
خلال ندوة عُقدت في كانون الأول/ديسمبر 2020 بشأن آفاق وتحديات السياسة المستقبلية بالنسبة للدول الخليجية، لفت جوزف سفاكياناكيس، وهو عالم بارز في كلية بيمبروك في جامعة كمبريدج، إلى أنه خلال الأزمات الاقتصادية، لا يكون استنزاف الاقتصاد سبيلًا مثاليًا للمضي قدمًا. واستشهد بمثال إيرلندا والبرتغال، اللتان أُرغمتا على زيادة الضرائب لمواجهة المشاكل المالية لكن هذه التغييرات لم تحقق النتائج المرجوة. وأشار إلى أنه في حال قررت الدول الخليجية فرض المزيد من الضرائب لتنويع الإيرادات غير النفطية، عليها ضمان ضخ الأموال في الاقتصاد في الوقت نفسه.
وفي الآونة الأخيرة، قال الخبير الاقتصادي البحريني عمر العبيدلي إنه يمكن للدول التخفيف من آثار الزيادات الضريبية من خلال إشراك العامة بفعالية واعتماد مبدأ الشفافية. وعلى الإمارات العمل بهذه التوصية نظرًا إلى المجال الآخذ في التقلص للجدال العام في البلاد وطابعها الاتحادي، الأمر الذي من شأنه جعل خطوط التواصل مبهمة. وبما أن الضريبة على الشركات لن تسري قبل 14 شهرًا، على وزارة المالية تنظيم ورش عمل وندوات لتعريف الشركات على النظام الضريبي الجديد، ما من شأنه أن يساهم أيضًا في تبديد مخاوف وشكوك المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم.
والجدير ذكره أن قرار تطبيع الضرائب في الخليج يسلّط الضوء على واقع أن الديمقراطية لا تتمحور فقط حول صناديق الاقتراع. فنظرًا إلى كافة المزايا التي تمكنت دول مجلس التعاون الخليجي من مراكمتها من خلال أسلوب حكم تكنوقراطي وقائم على وجود رئيس تنفيذي، يبدو أنه في أوقات الأزمات، يكون مبدآ الشفافية والمساءلة هما الأهم.